الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دخول المذهب الشَّافعيّ إِلى اليمن:
ودخل مذهب الشَّافعيّ إِلى اليمن في مخلاف الجند مع الإِمام الفقيه أوحد عصره، وفريد دهره القاسم بن محمَّد بن عبد اللَّه الجمحي القرشي المتوفى سنة 430 هـ ببلدة سهفنة، سكن اليمن في بلدة (سهفنة) وأخد يدرِّس الفقه الشَّافعيّ فاستفاد منه فقهاء هذا المذهب في هذه البلاد، وكانت مدرسته في بلدة (سهفنة) فأخذ عنه شافعية (المعافر) ولحج، وأبين، وأهل الجند، والسحول، وإحاظة، وعنّة، ووادي ظبا، وتخرج عليه كثير من علماء اليمن.
*
طريقة العراقيين وطريقة الخراسانيين:
وقد سلك أصحاب الشَّافعيّ في استنباط الأحكام وتخريج المسائل وتفريعها على أصول الشَّافعيّ وقواعده طريقتين: عرفت إحداهما بطريقة العراقيين، وعرفت الأخرى بطريقة الخراسانيين، وقال الإِمام النووي في "المجموع" (1/ 69): وطريقة العراقيين في نقل نصوص الشَّافعيّ وقواعد مذهبه ووجوه متقدمي أصحابه، أتقن وأثبت من نقل الخراسانيين غالبًا، والخراسانيون أحسن تصرفًا وتفريغا وترتيبًا غالبًا.
قال: واعلم أن مدار كتب أصحابنا العراقيين أو جماهيرهم مع جماعات من الخراسانيين على تعليق الشيخ أبي حامد، وهو في خمسين مجلدًا، جمع فيه من النفائس ما لم يشارك في مجموعة من كثرة المسائل والفروع، وذكر مذاهب العلماء، وبسط أدلتها، والجواب عنها.
* الإِمام أَبو القاسم عثمان بن سعيد الأنماطي مؤسس طريقة العراقيين، وتبعه فيها تلميذه: أَبو العبَّاس ابن سُريج، وتلميذه: القفال الشاشي الكبير حتى وصل إلى أَبي حامد الاسفراييني، ثم جاء بعد الأنماطي تلميذه:
* الإِمام ابن سُريج: وهو الإِمام الكبير القاضي: أَبو العبَّاس أَحمد بن عمر بن سُريج البغدادي، شيخ الشَّافعية في عصره، وعنه انتشر فقه الشَّافعية في الآفاق.
* الإمام أَبو الطيب بن سلمة: وكان من علماء هذه المرحلة: الإِمام أبو الطيب ابن المفضل بن سلمة بن عاصم، وهو من كبار علماء الشَّافعية، وأصحاب الوجوه، ومتقدميهم.
* الإمام الإصطخري: وهو الإِمام العظيم أبو سعيد، الحسن بن أَحمد بن نصر الإصطخري، أحد عظماء الشَّافعية، من أصحاب الوجوه.
* الإِمام أَبو العبَّاس بن القاص: وهو: أبو العبَّاس أحمد بن أبي أحمد القاص الطبري، من كبار فقهاء الشَّافعيّة وأصحاب الوجوه المتقدّمين، أخذ الفقه عن ابن سُريج، وعنه أخذ أهل طبرستان الفقه الشَّافعي، فهو شيخ الشَّافعية فيها، وله مؤلفات كثيرة ونفيسة، لقيت العناية والاهتمام في المذهب، ومنها:"التلخيص"، وهو من أنفسها، قال النووي: لم يصنف قبله ولا بعده مثله في أسلوبه.
* الإمام أبو إسحاق المروزي: هو أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المروزي، كَانَ إمامًا جليلاً، غوَّاصًا على المعاني، ورِعًا زاهدًا.
* الإِمام ابن أبي هُريرة: وهو الإِمام الكبير القاضي أبو علي الحسن بن الحسين ابن أبي هُريرة أحد أئمة الشافعية من أصحاب الوجوه.
* القفال الكبير: هو الإِمام الجليل أبو بكر محمد بن عليّ بن إسماعيل القفّال الكبير الشاشي، تفقّه على ابن لسُريج، وعنه انتشر فقه الشَّافعيّ بما وراء النهر.
* أبو حامد الإسفراييني: وهو الإِمام الجليل أبو حامد أحمد بن محمد بن أحمد الإسفراييني ويعرف بابن أبي طاهر، من كبار أصحابنا، أصحاب الوجوه في المذهب، وإمام طريقة أصحابنا العراقيين، وشيخ المذهب.
* أبو الطيب الطبري (348 هـ - 450 هـ): هو الإِمام الكبير القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد اللَّه بن طاهر بن عمر الطبري من أصحابنا أصحاب الوجوه، وللطبري مؤلفات كثيرة في المذهب والأصول والخلاف والجدل منها: شرح المزني، وهو التعليقة المشهورة.
* القاضي أبو عليّ البَنْدَليجي (سنة 425 هـ): هو القاضي أبو عليّ الحسن بن
عبد اللَّه البندنيجي نسبة إلى (البندنيجين) بلدة مشهورة في طرف النهروان من ناحية الجبل، من أعمال بغداد، كان فقيهًا ورِعًا صالحًا، ومن أكبر أصحاب أبي حامد.
* المَحَاملي: (سنة 415 هـ): هو أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل الضبي المحاملي، ولد ببغداد، وأخذ الفقه عن الشيخ أبي حامد الاسفراييني، وسمع الحديث من محمد بن المظفر وطبقته.
* سُلَيْم الرازي (سنة 448 هـ): هو أبو الفتح سُلَيم بن أيوب بن سُلَيم -التصغير فيهما- الرازي نسبة إلى (الري) ناحية كبيرة معروفة من عراق المعجم.
* * *
وفي نفس هذه المرحلة كان هناك علماء أجلاء من أهل العلم والفقه، وأصحاب الوجوه يخدمون المذهب، وينمونه، ويستنبطونه، ويستخرجون منه المسائل بطريقة عرفت بطريقة الخراسانيين، فاتخذوا مؤلفات الشافعي أساسًا، وبحثوا في أفراد المسائل، وتحرير الدلائل، ومؤسس هذه الطريقة هو: العالم العلامة الفقيه الكبير والمحدِّث المشهور أبو عوانة يعقوب بن إسحاق ابن إبراهيم النيسابوري الحافظ الكبير، صاحب المسند الصحيح المستخرج على كتاب مسلم.
* ومنهم القفّال الصغير (سنة 417 هـ): وهو الإِمام أبو بكر بن عبد اللَّه بن أحمد بن عبد اللَّه المروزي المعروف بالقفال، كان في ابتداء أمره يعمل الأقفال، وهو من أكابر علماء الشافعية في عصره، وأصحاب الوجوه المتقدّمين، وشيخ الخراسانيين، وإمام طريقتهم، وهو غير القفّال الكبير.
* القاضي حسين المرزوي (سنة 462 هـ): وهو الإِمام المحقّق القاضي حسين أبو عليّ بن محمد بن أحمد المرزوي، من كبار أصحاب القفّال، وأصحاب الوجوه في المذهب.
* الفوراني (سنة 461 هـ): وهو الإِمام أبو القاسم عبد الرَّحمن بن محمد ابن
فوران المروزي الفوراني، تفقه على القفال حتى صار بارعًا، في العلوم، وشيخًا للشافعية بـ (مرو)، وصنّف في الأصول والخلاف والجدل والملل والنحل.
* المسعودي (سنة 423 هـ): هو الإِمام أبو عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه بن مسعود بن أحمد بن محمد المسعودي المروزي، كان عالمًا فاضلًا، حسن السيرة، تفقه على القفّال، وشرح مختصر المزني، وكان إمامًا مبرزًا.
* الجويني (سنة 438 هـ): هو الإِمام أبو محمد عبد اللَّه بن يوسف بن محمد ابن حيويه الجويني والد إمام الحرمين، كان إمامًا في التفسير والفقه والأصول والعربية والأدب، وهو من أصحاب الوجوه، تفقّه على أبي الطيب الصعلوكي، ثمَّ على أبي بكر القفال، وكان قد لازمه وانتفع به، وقد تردد ذكر الإِمام الجويني في معظم كتب المذهب، وكثر النقل عنه، وله مصنّفات كثيرة شهيرة منها: التفسير الكبير، مختصر المختصر في الفقه، شرح رسالة الشافعي في أصول الفقه، شرح عيون المسائل التي صنفها أبو بكر الفارسي في الفقه، المحيط في الفقه.
* ومنهم: الإِمام أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي (361 - 450 هـ): أبو الحسن المارودي، هو العالم العلامة المحدِّث، الفقيه، الأصولي، المفسّر، السياسي، كان إمامًا في الفقه والأصول والتفسير والحديث والسياسة، حافظًا للمذهب، بصيرًا بالعربية، وقد ألف كتابه "الحاوي" شرحًا لـ "مختصر المزني" تلميذ الإِمام الشافعي، وقد قدّم الماوردي لكتابه "الحاوي" مقدمة أوضح فيها الهدف من كتابه، والنهج الذي سار عليه، وأنه اعتمد أدلة مسائله على الكتاب والسنة، وآثار الصحابة والتابعين والإجماع والقياس، ثمَّ يذكر المسألة وما تعلق بها من فروع موضحًا حكم المذهب الشافعي فيها، والخلاف، سواء كان خلاف أقوال أو أوجه، ويستشهد المارودي كثيرًا بأشعار العرب على المعاني اللغوية وغيرها مما يعرض له من مسائل فقهية، ثمَّ يعرض لأراء المذاهب الأخرى، كالأحناف والمالكية والحنابلة والظاهرية، ويناقش رأي الكل مرجّحًا رأي الشافعي رضي الله عنهم جميعًا.
* الإِمام الشيرازي (سنة 476 هـ): هو: إبراهيم بن علي بن يوسف بن عبد اللَّه الشيرازي، أبو إسحاق الفقيه الشافعي، الأصولي النظّار، العالم، العامل، العابد، كان يضرب به المثل في الفصاحة والمناظرة، وصار من كبار أئمة الشافعية في الأصول والفروع والتدريس والتصنيف، وانتهت إليه رئاسة المذهب الشافعي، وقد ألّف الشيرازي:"التنبيه"، و"المهذَّب" في الفقه، و"التبصرة"، و"اللمع" في أصول الفقه، و"الملخّص"، و"المعونة" في الجدل، و"طبقات الفقهاء" في التراجم والرجال، و"النكت" في الخلاف، وأصبح كتابه "المهذّب" أهم كتاب في فقه المذهب الشافعي في عصره، وبدأ تأليفه سنة 455 هـ، وانتهى سنة 469 هـ، وتهافت عليه العلماء، وأكبّ عليه الطلاب بالدراسة والتدريس، وأصبح المرجع الوحيد للفتوى في المذهب إلى عصر الرافعي والنووي، وشرحه كثير من العلماء، وبعضهم اهتم بلغته وتفسير غريبه.
وللمهذب شروح كثيرة وأهمها شرح الإِمام يحيى بن شرف الدين بن مرّي ابن حسن الحزامي الحوراني أبو زكريا محيي الدين النووي الشَّافعي المتوفي سنة 676 هـ سمّاه "المجموع".
* إمام الحرمين (478 هـ): هو الإِمام عبد الملك بن عبد اللَّه ابن يوسف بن محمد بن حيويه الطائي السنبسي، ولد سنة 419 هـ وتوفى سنة 478 هـ، وقرأ الأدب، وبرع في الفقه، وصنّف فيه التصانيف المفيدة، وشرح "الرسالة" للشافعي، وشرح كتاب الشافعي، وكان يتمتع بذاكرة نادرة وحافظة لاقطة، كان يذكر دروسًا يقع كل واحد منها في عدّة أوراق، ولا يتلعثم في كلمة منها، وكان جادًا في طلب العلم، ويؤمن أن العلم لا نهاية له ولا حدود.
وأعظم كتاب ألفه هو كتاب "نهاية المطلب في دراية المذهب" شرح فيه كتب الإِمام الشافعي وهي: "الأم"، و"الإملاء"، و"الرسالة"، وغيرها، و"مختصر المزني" و"البويطي" وغيرهما، وكتب أصحاب الوجوه والترجيحات.
فجاء كتابه هذا "نهاية المطلب في دراية المذهب" كتابًا عظيمًا جمع فأوعى،
وأصبح مرجع العلماء في عصره، وقال عنه ابن خلّكان في "وفيات الأعيان" 3/ 354: ما صنّف في الإِسلام مثله، ويعتبر كتاب "نهاية المطلب" قمة كتب المذهب الشافعي، وهو كتاب مطوّل، لا يصل إلى مستواه إلَّا الخواص والمختصون، ولا يصبر على مطالعته إلا من أوتي الصبر الجميل والتبحر في الفقه، وهو يحتوي على جميع الأبواب الفقهية، بدءًا من العبادات إلى آخر أبواب الفقه.
* أبو حامد الغزالي (450 هـ - 505 هـ): هو حجّة الإِسلام، ونادرة الزمان، الشيخ محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي الإِمام الفقيه، الأصولي، المربي.
كان شديد الذكاء، سريع البديهة، قوي الحجة والبيان، تفقه على كثير من العلماء، ولازم إمام الحرمين، حتى برع في الفقه، والمعقول والمنقول، ولم يكن الغزالي مجرد حافظ للفروع والأحكام، وناقل لأراء العلماء، وإنما كان فقيهًا محققًا متفتح الذهن، وصل إلى مرتبة الاجتهاد، وقد جدد المذهب وأفاده، حيث كان يذكر حكمة التشريع في العبادة، كما يذكر في المعاملات بأن معاملات الإِسلام عبادة إذا لوحظ فيها الصدق والأمانة، وخدمة المسلمين.
وقد اختصر الغزالي كتاب شيخه "نهاية المطلب" بمختصر سماه "البسيط" ثمَّ اختصره في أَقلّ منه وسمّاه "الوسيط" ثمَّ اختصره في أَقلّ منه وسماه "الوجيز".
وقد أقبل الناس على كتب الإِمام الغزالي بالدرس والحفظ والشرح والاختصار، وكان لكتاب الوسيط مكان هام بين الكتب الفقهية، فهو أحد الكتب الخمسة الَّتي عليها مدار الفقه الشَّافعيّ، واشتهر لتدريس المدرّسين وبحث المشتغلين، وشرحه الإِمام ابن الرفعة نجم الدين بن محمَّد شافعي زمانه المتوفى سنة 710 هـ بشرح سماه "المطلب العالي في شرح وسيط الغزالي" ويتكون من ستة وعشرين مجلد، كما شرحه العالم العلّامة أَحمد بن أَبي الحزم القمولي، المتوفى سنة 727 هـ بشرح سمّاه "البحر المحيط في شرح الوسيط".