الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المذهب والقدرة على التصحيح يختار في فتواه ما يظهر له ترجيحه من كلام الشيخين -الرافعي والنووي- ولا يتقيد بما رجحه ابن حجر أو الرملي أو غيرهما من المتأخرين، بل يغترف من البحر الذي اغترف منه السيدان الجليلان المشار إليهما وغيرهما من الفحول.
وإنما حصرنا ذلك في كلام الرافعي والنووي لما تقرر عند أكثر من محققي المتأخرين أنه لا يجوز العدول عن كلامهما.
أما من لم يكن من أهل الترجيح في المذهب، وهو شأن أكثر الباحثين اليوم فهو بالخيار بين أن يأخذ بكلام ابن حجر أو بترجيح الجمال الرملي، ولا كلام في ذلك ما لم يتفق متعقبو كلامهما على أنه سهو.
فإن اتقفا على رأي فقد قطعت جهيزة قول كل خطيب، وإن اختلفا في الترجيح فأيهما أولى بالتقديم -مع التخيير بينهما.
* * *
الخلاصة
من العرض السابق يتبينُ واضحًا الأدوار التي مر عليها تحديد اصطلاح المذهب عند الشافعية، وأن رأي المتأخرين من علماء الشافعية قد استقر على أن المذهب لا يعدو ما رجحه الشيخان النووي والرافعي، ثم ما رجحه ابن حجر والرملي.
ومِن المتيقن أن ابن حجر والرملي قد التزما في كتبهما بتطبيق القاعدة الأولى التي اتفق عليها من جاء قبلهما وهي: أن الراجح في المذهب هو ما رجحه الشيخان، ثم ما اختاره النووي، ثم ما رجحه الرافعي.
ومن ثم فإن كتبهما -الرملي وابن حجر- لا تشذ عن هذه القاعدة فيما تعرض له الشيخان. ولذا فإن الباحث في عصرنا يجد لزامًا على نفسه أن يخضع لما حرره من جاء بعد الرملي وابن حجر من تحديد "المذهب" بأنه هو ما رجحه ابن حجر
والرملي في كتبهما على الترتيب والكيفية التي صنف بها علماء المذهب كتبهما وكتب من جاء بعدهما.
وهذا الاعتماد على كتب ابن حجر والرملي ينبغي أن لا يصرف نظر الباحث عن الحقيقة العلمية وراء ذلك، وهي أن كتب ابن حجر والرملي إنما هي حلقة في سلسلة ذهبية من كتب أكابر علماء الشافعية تمتد عبر القرون حتى تصل إلى مؤسس المذهب: الإِمام الشافعي.
فـ "التحفة" و"النهاية" كلاهما شرح لـ "منهاج الطالبين"، و"منهاج الطالبين" مختصر النووي من "المحرر"، و"المحرر" مختصر الرافعي من "الوجيز"(5) الذي شرحه الرافعي بشرحين، واختصر النووي أحدهما في كتاب "الروضة"، و"الوجيز" من "الوسيط"، و"الوسيط" من "البسيط"، والثلاثة كلها للإمام أبي حامد الغزالي، ولقد استقى الإِمام الغزالي كتابه "البسيط" من كتاب "نهاية المطلب" لإمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد اللَّه الجويني، و"نهاية المطلب" شرح "المختصر" للمزني، ومختصر المزني -تلميذ الشافعي- من مؤسسي المذهب الشافعي.
هذا التسلسل الفريد والارتباط الحسن يجعل النفس تطمئن اطمئنانًا عجيبًا إلى صدق تمثيل هذه الكتب ومؤلفيها لمذهب الإِمام الشافعي.
ومن ناحية أخرى فإن كتاب شيخ الإِسلام الأنصاري: المنهج اختصار لمنهاج النووي والخطيب الشربيني شرح المنهاج في كتابه "مغني المحتاج".
ولقد تبين مما عرض عليك أن الحواشي اللاحقة لهؤلاء كلها مستقاة من كتب الشيوخ: زكريا الأنصاري، والخطيب الشربيني، والرملي، وابن حجر.
* * *
(5) وبعض الباحثين يعترض على ذلك، ويعتبر المحرر للرافعي كتابًا مستقلًّا.