الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ]
(فَصْلٌ فِي الْجَمْعِ) بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ (وَلَيْسَ) الْجَمْعُ (بِمُسْتَحَبٍّ، بَلْ تَرْكُهُ أَفْضَلُ) لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ (غَيْرَ جَمْعَيْ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ) فَيُسَنَّانِ بِشَرْطِهِ، لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهِمَا لِفِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم (يَجُوزُ) الْجَمْعُ (بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ) فِي وَقْتِ إحْدَاهُمَا (وَ) بَيْنَ (الْعِشَاءَيْنِ فِي وَقْتِ إحْدَاهُمَا) فَهَذِهِ الْأَرْبَعُ هِيَ الَّتِي تُجْمَعُ: الظُّهْرُ، وَالْعَصْرُ، وَالْمَغْرِبُ، وَالْعِشَاءُ فِي وَقْتِ إحْدَاهُمَا أَمَّا الْأُولَى، وَيُسَمَّى جَمْعُ التَّقْدِيمِ، أَوْ الثَّانِيَةُ، وَيُقَالُ لَهُ جَمْعُ التَّأْخِيرِ فِي ثَمَانِ حَالَاتٍ إحْدَاهَا (لِمُسَافِرٍ يَقْصُرُ) أَيْ يُبَاحُ لَهُ قَصْرُ الرُّبَاعِيَّةِ، بِأَنْ يَكُونَ السَّفَرُ غَيْرَ مَكْرُوهٍ وَلَا حَرَامٍ؛ وَيَبْلُغُ يَوْمَيْنِ قَاصِدَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ لِمَا رَوَى مُعَاذٌ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ زَيْغِ الشَّمْسِ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَهَا إلَى الْعَصْرِ يُصَلِّيهِمَا جَمِيعًا، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ سَارَ وَكَانَ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَعَنْ أَنَسٍ مَعْنَاهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَازِلًا أَوْ سَائِرًا فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ أَوْ التَّأْخِيرِ وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَجُوزُ إلَّا لِسَائِرٍ (فَلَا يَجْمَعُ مَنْ لَا) يُبَاحُ لَهُ أَنْ (يَقْصُرَ، كَمَكِّيٍّ وَنَحْوِهِ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ) .
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: أَمَّا الْمَكِّيُّ وَمَنْ هُوَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ عَرَفَةَ وَمِنْ مُزْدَلِفَةَ، وَاَلَّذِي يَنْوِي الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ فَوْقَ عِشْرِينَ صَلَاةً، فَلَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ الْجَمْعُ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُسَافِرِينَ سَفَرَ قَصْرٍ.
(وَ) الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ (الْمَرِيضُ يَلْحَقُهُ بِتَرْكِهِ) أَيْ الْجَمْعِ (مَشَقَّةٌ وَضَعْفٌ) لِأَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم -
جَمَعَ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ» .
وَفِي رِوَايَةٍ «مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَا عُذْرَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا الْمَرَضُ.
وَقَدْ ثَبَتَ جَوَازُ الْجَمْعِ لِلْمُسْتَحَاضَةِ وَهِيَ نَوْعُ مَرَضٍ وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ الْمَرَضَ أَشَدُّ مِنْ السَّفَرِ وَاحْتَجَمَ بَعْدَ الْغُرُوبِ ثُمَّ تَعَشَّى، ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَهُمَا " تَنْبِيهٌ " قَوْلُهُ مَشَقَّةٌ وَضَعْفٌ " هَكَذَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالْمُقْنِعِ، وَتَابَعَهُ فِي التَّنْقِيحِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ فِي الْمُبْدِعِ وَلَا الْإِنْصَافِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْفُرُوعِ " وَضَعْفٌ " وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى وَحَكَاهُ فِي شَرْحِهِ بِقِيلَ (وَ) الْحَالُ الثَّالِثَةُ (لِمُرْضِعٍ لِمَشَقَّةِ كَثْرَةِ النَّجَاسَةِ) أَيْ مَشَقَّةِ تَطْهِيرِهَا لِكُلِّ صَلَاةٍ.
قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: هِيَ كَمَرِيضٍ (وَ) الْحَالُ الرَّابِعَةُ (لِعَاجِزٍ عَنْ الطَّهَارَةِ) بِالْمَاءِ (أَوْ التَّيَمُّمِ لِكُلِّ صَلَاةٍ) لِأَنَّ الْجَمْعَ أُبِيحَ لِلْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ لِلْمَشَقَّةِ، وَالْعَاجِزُ عَنْ الطَّهَارَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ فِي مَعْنَاهُمَا.
الْحَالُ الْخَامِسَةُ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ (أَوْ) عَاجِزٍ (عَنْ مَعْرِفَةِ الْوَقْتِ كَأَعْمَى) وَمَطْمُورٍ (أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ) قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْإِنْصَافِ.
(وَ) الْحَالُ السَّادِسَةُ (لِمُسْتَحَاضَةٍ وَنَحْوِهَا) كَصَاحِبِ سَلَسِ بَوْلٍ أَوْ مَذْيٍ أَوْ رُعَافٍ دَائِمٍ وَنَحْوِهِ لِمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ حَمْنَةَ حِينَ اسْتَفْتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي الِاسْتِحَاضَةِ، حَيْثُ قَالَ فِيهِ «فَإِنْ، قَوِيت عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ وَتُعَجِّلِي الْعَصْرَ فَتَغْتَسِلِينَ ثُمَّ تُصَلِّينَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ تُؤَخِّرِينَ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلِينَ الْعِشَاءَ ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فَافْعَلِي» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ وَنَحْوُهُ فِي مَعْنَاهَا.
(وَ) الْحَالُ السَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ (لِمَنْ لَهُ شُغْلٌ أَوْ عُذْرٌ يُبِيحُ تَرْكَ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ) كَخَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ حُرْمَتِهِ أَوْ مَالِهِ، أَوْ تَضَرُّرٍ فِي مَعِيشَةٍ يَحْتَاجُهَا بِتَرْكِ الْجَمْعِ وَنَحْوِهِ.
قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مُشَيْشٍ الْجَمْعُ فِي الْحَضَرِ إذَا كَانَ مِنْ ضَرُورَةٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ شُغْلٍ (وَاسْتَثْنَى جَمْعٌ) مِنْهُمْ صَاحِبُ الْوَجِيزِ (النُّعَاسَ) قَالَ فِي الْوَجِيزِ: عَدَا النُّعَاسَ وَنَحْوَهُ.
(وَفِعْلُ الْجَمْعِ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً أَوْلَى مِنْ أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتِهِمْ) لِعُمُومِ حَدِيثِ «خَيْرُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» (بَلْ تَرْكُ الْجَمْعِ مَعَ الصَّلَاةِ فِي الْبُيُوتِ بِدْعَةٌ مُخَالِفَةٌ لِلسُّنَّةِ إذْ السُّنَّةُ أَنْ تُصَلَّى الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فِي الْمَسَاجِدِ جَمَاعَةً وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْبُيُوتِ مُفَرَّقَةً بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ يُجَوِّزُونَ الْجَمْعَ كَ) الْإِمَامِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ.
(وَ) الْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ، (وَ) الْإِمَامِ (أَحْمَدَ، قَالَهُ الشَّيْخُ) ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْأَعْذَارَ السَّابِقَةَ تُبِيحُ
الْجَمْعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ.
ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْأَعْذَارِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْعِشَاءَيْنِ وَهِيَ سِتَّةٌ فَقَالَ: (وَيَجُوزُ) الْجَمْعُ (بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ لَا الظُّهْرَيْنِ لِمَطَرٍ يَبُلُّ الثِّيَابَ، زَادَ جَمْعٌ: أَوْ) يَبُلُّ (النَّعْلَ أَوْ الْبَدَنَ، وَتُوجَدُ مَعَهُ مَشَقَّةٌ) رَوَى الْبُخَارِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ» " وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ " وَ (لَا) يُبَاحُ الْجَمْعُ لِأَجْلِ (الظِّلِّ) وَلَا لِمَطَرٍ خَفِيفٍ لَا يَبُلُّ الثِّيَابَ عَلَى الْمَذْهَبِ، لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ.
(وَ) يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ دُونَ الظُّهْرَيْنِ (لِثَلْجٍ وَبَرَدٍ) لِأَنَّهُمَا فِي حُكْمِ الْمَطَرِ.
(وَ) يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ لِ (جَلِيدٍ) لِأَنَّهُ مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ (وَوَحْلٍ وَرِيحٍ شَدِيدَةٍ بَارِدَةٍ) .
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: " إنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَجْمَعُ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ " زَادَ غَيْرُ وَاحِدٍ " لَيْلًا " وَزَادَ فِي الْمَذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي " مَعَ ظُلْمَةٍ.
قَالَ الْقَاضِي: وَإِذَا جَاءَ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ لِأَجْلِ الْبَرْدِ كَانَ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى الْوَحْلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَشَقَّةَ الْبَرْدِ بِأَعْظَمَ مِنْ مَشَقَّةِ الْوَحْلِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ «جَمَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ» وَلَا وَجْهَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ إلَّا الْوَحْلُ أَيْ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْمَرَضِ.
قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى غَيْرِ الْعُذْرِ وَالنَّسْخِ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى فَائِدَةٍ، فَيُبَاحُ الْجَمْعُ مَعَ هَذِهِ الْأَعْذَارِ (حَتَّى لِمَنْ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ، أَوْ) يُصَلِّي (فِي مَسْجِدِ طَرِيقِهِ تَحْتَ سَابَاطٍ وَلِمُقِيمٍ فِي الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ) كَمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ خُطُوَاتٌ يَسِيرَةٌ.
(وَلَوْ لَمْ يَنَلْهُ إلَّا يَسِيرٌ) لِأَنَّ الرُّخْصَةَ الْعَامَّةَ يَسْتَوِي فِيهَا وُجُودُ الْمَشَقَّةِ وَعَدَمُهَا كَالسَّفَرِ وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ هَذِهِ بِالْعِشَاءَيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ إلَّا فِيهِمَا وَمَشَقَّتُهُمَا أَكْثَرُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا يُفْعَلَانِ فِي الظُّلْمَةِ وَمَشَقَّةُ السَّفَرِ لِأَجْلِ السَّيْرِ وَفَوَاتِ الرُّفْقَةِ بِخِلَافِ مَا هُنَا.
(وَفِعْلُ الْأَرْفَقِ بِهِ) أَيْ بِمَنْ يُبَاحُ لَهُ الْجَمْعُ (مِنْ تَأْخِيرٍ وَتَقْدِيمٍ أَفْضَلُ بِكُلِّ حَالٍ) لِحَدِيثِ مُعَاذٍ السَّابِقِ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: قُلْت لَهُ " مَعَ مَنْ كَتَبْت هَذَا عَنْ اللَّيْثِ قَالَ: مَعَ خَالِدٍ الْمَدَائِنِيِّ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَخَالِدٌ هَذَا كَانَ يُدْخِلُ الْأَحَادِيثَ عَلَى الشُّيُوخِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوُهُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ «وَأَخَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ يَوْمًا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا» رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ مُعَاذٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ثَابِتُ الْإِسْنَادِ؛ وَلِأَنَّ الْجَمْعَ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ، فَلَمْ يَخْتَصَّ بِحَالَةٍ كَسَائِرِ رُخَصِهِ وَعَنْهُ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِحَالَةِ السَّيْرِ؛ وَحُمِلَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ (سِوَى جَمْعَيْ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ فَيُقَدِّمُ) الْعَصْرَ (فِي عَرَفَةَ) وَيُصَلِّيهَا مَجْمُوعَةً
مَعَ الظُّهْرِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ (وَيُؤَخِّرُ) الْمَغْرِبَ لِيَجْعَلَهَا مَعَ الْعِشَاءِ (فِي مُزْدَلِفَةَ) عِنْدَ وُصُولِهِ إلَيْهَا لِفِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِاشْتِغَالِهِ وَقْتَ الْعَصْرِ بِعَرَفَةَ بِالدُّعَاءِ، وَوَقْتَ الْمَغْرِبِ لَيْلَةَ مُزْدَلِفَةَ بِالسَّيْرِ إلَيْهَا (فَإِنْ اسْتَوَيَا) أَيْ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فِي الرِّفْقِ (فَالتَّأْخِيرُ أَفْضَلُ) لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَفِيهِ خُرُوجٌ مِنْ الْخِلَافِ وَعَمَلٌ بِالْأَحَادِيثِ كُلِّهَا (سِوَى جَمْعِ عَرَفَةَ) فَالتَّقْدِيمُ فِيهِ أَفْضَلُ، لِمَا سَبَقَ وَإِنْ كَانَ الْأَرْفَقُ بِهِ التَّأْخِيرَ، اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ.
(وَيُشْتَرَطُ لِلْجَمْعِ فِي وَقْتِ الْأُولَى) ظُهْرًا كَانَتْ أَوْ مَغْرِبًا، وَهُوَ جَمْعُ التَّقْدِيمِ (ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ) أَحَدُهَا (نِيَّةُ الْجَمْعِ عِنْدَ إحْرَامِهَا) لِأَنَّهُ عَمَلٌ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَكُلُّ عِبَادَةٍ اُشْتُرِطَتْ فِيهَا النِّيَّةُ اُعْتُبِرَتْ فِي أَوَّلِهَا كَنِيَّةِ الصَّلَاةِ وَلَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْجَمْعِ عِنْدَ إحْرَامِ الثَّانِيَةِ.
(وَتَقْدِيمِهَا) أَيْ الْأُولَى (عَلَى الثَّانِيَةِ فِي الْجَمْعَيْنِ) أَيْ جَمْعِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، فَلَا يَخْتَصُّ هَذَا الشَّرْطُ بِجَمْعِ التَّقْدِيمِ (فَالتَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْمَجْمُوعَتَيْنِ (كَالتَّرْتِيبِ فِي الْفَوَائِتِ يَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ) لِأَنَّ إحْدَاهُمَا هُنَا تَبَعٌ لِاسْتِقْرَارِهِمَا كَالْفَوَائِتِ.
قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَالْفَائِقُ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيّ: التَّرْتِيبُ مُعْتَبَرٌ هُنَا لَكِنْ يُشْتَرَطُ الذِّكْرُ كَتَرْتِيبِ الْفَوَائِتِ اهـ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ.
قَالَ فِي الْمُنْتَهَى وَيُشْتَرَطُ لَهُ أَيْ لِلْجَمْعِ تَرْتِيبٌ مُطْلَقًا.
(وَ) الثَّانِي (الْمُوَالَاةُ فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْمَجْمُوعَتَيْنِ لِأَنَّ مَعْنَى الْجَمْعِ الْمُتَابَعَةُ وَالْمُقَارَنَةُ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ مَعَ التَّفْرِيقِ الطَّوِيلِ (إلَّا بِقَدْرِ إقَامَةٍ وَوُضُوءٍ خَفِيفٍ) لِأَنَّ ذَلِكَ يَسِيرٌ وَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، وَهُمَا مِنْ مَصَالِحِ الصَّلَاةِ، وَظَاهِرُهُ تَقْدِيرُ الْيَسِيرِ بِذَلِكَ وَصَحَّحَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ: أَنْ يُرْجِعَهُ إلَى الْعُرْفِ كَالْقَبْضِ وَالْحِرْزِ فَإِنْ طَالَ الْوُضُوءُ بَطَلَ الْجَمْعُ (وَلَا يَضُرُّ كَلَامٌ يَسِيرٌ لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى قَدْرِ الْإِقَامَةِ وَالْوُضُوءِ الْخَفِيفِ (مِنْ تَكْبِيرِ عِيدٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَذِكْرٍ وَتَلْبِيَةٍ.
(وَلَوْ) كَانَ الْكَلَامُ (غَيْرَ ذِكْرٍ) كَالسُّكُوتِ الْيَسِيرِ (فَإِنْ صَلَّى السُّنَّةَ الرَّاتِبَةَ وَغَيْرَهَا بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْمَجْمُوعَتَيْنِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ (لَا) إنْ سَجَدَ بَيْنَهُمَا (سُجُودَ السَّهْوِ) وَلَوْ بَعْدَ سَلَامِ الْأُولَى (بَطَلَ الْجَمْعُ) لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِصَلَاةٍ كَمَا لَوْ قَضَى فَائِتَةً وَلَوْ لَمْ تَطُلْ الصَّلَاةُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْمُبْدِعِ وَأَمَّا سُجُودُ السَّهْوِ بَيْنَهُمَا فَلَا يُؤَثِّرُ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ، وَمِنْ تَعَلُّقِ الْأُولَى وَتَقَدَّمَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ كَلَامُ الْفُصُولِ أَنَّهُ يَسْجُدُ بَعْدَهُمَا.
(وَ) وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ (أَنْ يَكُونَ الْعُذْرُ) الْمُبِيحُ لِلْجَمْعِ مِنْ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ (مَوْجُودًا عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاتَيْنِ) الْمَجْمُوعَتَيْنِ (وَ)
عِنْدَ (سَلَامِ الْأُولَى) لِأَنَّ افْتِتَاحَ الْأُولَى مَوْضِعُ النِّيَّةِ وَفَرَاغِهَا، وَافْتِتَاحَ الثَّانِيَةِ مَوْضِعُ الْجَمْعِ.
(فَلَوْ أَحْرَمَ) نَاوِي الْجَمْعِ (بِالْأُولَى) مِنْ الْمَجْمُوعَتَيْنِ (مَعَ وُجُودِ مَطَرٍ، ثُمَّ انْقَطَعَ) الْمَطَرُ.
(وَلَمْ يُعِدْ، فَإِنْ حَصَلَ وَحْلٌ) لَمْ يَبْطُلْ الْجَمْعُ لِأَنَّ الْوَحْلَ مِنْ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ، وَهُوَ نَاشِئٌ مِنْ الْمَطَرِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ الْمَطَرُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ وَحْلٌ (بَطَلَ الْجَمْعُ) لِزَوَالِ الْعُذْرِ الْمُبِيحِ لَهُ فَيُؤَخِّرُ الثَّانِيَةَ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُهَا.
(وَإِنْ شَرَعَ فِي الْجَمْعِ مُسَافِرٌ لِأَجْلِ السَّفَرِ، فَزَالَ سَفَرُهُ) بِوُصُولِهِ إلَى وَطَنِهِ أَوْ نِيَّتِهِ الْإِقَامَةَ (وَوُجِدَ وَحْلٌ أَوْ مَرَضٌ أَوْ مَطَرٌ بَطَلَ الْجَمْعُ) لِزَوَالِ مُبِيحِهِ وَالْعُذْرُ الْمُتَجَدِّدُ غَيْرُ حَاصِلٍ عَنْ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ الْوَحْلِ بَعْدَ الْمَطَرِ.
(وَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُ الْعُذْرِ إلَى فَرَاغِ الثَّانِيَةِ فِي جَمْعِ مَطَرٍ وَنَحْوِهِ) كَثَلْجٍ وَبَرَدِ إنْ خَلَّفَهُ وَحْلٌ (بِخِلَافِ غَيْرِهِ كَسَفَرٍ وَمَرَضٍ) فَيُشْتَرَطُ اسْتِمْرَارُهُ إلَى فَرَاغِ الثَّانِيَةِ (فَلَوْ انْقَطَعَ السَّفَرُ فِي الْأُولَى بِنِيَّةِ إقَامَةٍ وَنَحْوِهَا) كَمُرُورِهِ بِوَطَنِهِ أَوْ بَلَدٍ لَهُ بِهِ امْرَأَةٌ (بَطَلَ الْجَمْعُ وَالْقَصْرُ كَمَا تَقَدَّمَ) لِزَوَالِ مُبِيحِهِمَا.
(وَيُتِمُّهَا) أَيْ الْأُولَى (وَتَصِحُّ) فَرْضًا لِوُقُوعِهَا فِي وَقْتِهَا وَيُؤَخِّرُ الثَّانِيَةَ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُهَا (وَإِنْ انْقَطَعَ) السَّفَرُ (فِي الثَّانِيَةِ بَطَلَا) أَيْ الْجَمْعُ وَالْقَصْرُ (أَيْضًا) لِزَوَالِ مُبِيحِهَا.
(وَيُتِمُّهَا نَفْلًا) كَمَنْ أَحْرَمَ بِفَرْضٍ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهِ غَيْرُ عَالِمٍ (وَمَرِيضٌ كَمُسَافِرٍ) فِي جَمْعٍ (فِيمَا إذَا بَرِئَ فِي الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ (وَإِنْ جَمَعَ) جَمْعَ تَأْخِيرٍ (فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ) اُشْتُرِطَ لَهُ شَرْطَانِ.
أَحَدُهُمَا: أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (كَفَاهُ) أَيْ أَجْزَأَهُ (نِيَّةُ الْجَمْعِ فِي وَقْتِ الْأُولَى) لِأَنَّهُ مَتَى أَخَّرَهَا عَنْ وَقْتِهَا بِلَا نِيَّةٍ صَارَتْ قَضَاءً لَا جَمْعًا (مَا لَمْ يَضِقْ) وَقْتُ الْأُولَى (عَنْ فِعْلِهَا، فَإِنْ ضَاقَ) وَقْتُ الْأُولَى عَنْ فِعْلِهَا (لَمْ يَصِحَّ الْجَمْعُ) لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا إلَى الْقَدْرِ الَّذِي يَضِيقُ عَنْ فِعْلِهَا حَرَامٌ (وَأَثِمَ بِالتَّأْخِيرِ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) الشَّرْطُ الثَّانِي: (اسْتِمْرَارُ الْعُذْرِ إلَى دُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ) مِنْهُمْ لِأَنَّ الْمُجَوِّزَ لِلْجَمْعِ الْعُذْرُ.
فَإِذَا لَمْ يَسْتَمِرَّ وَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ لِزَوَالِ الْمُقْتَضِي، كَالْمَرِيضِ يَبْرَأُ، وَالْمُسَافِرِ يَقْدَمُ، وَالْمَطَرِ يَنْقَطِعُ (وَلَا أَثَرَ لِزَوَالِهِ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُمَا صَارَتَا وَاجِبَتَيْنِ فِي ذِمَّتِهِ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ فِعْلِهِمَا وَيُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ فِي الْجَمْعَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، لَكِنْ إنْ جَمَعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ وَضَاقَ الْوَقْتُ عَنْهُمَا.
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: أَوْ ضَاقَ وَقْتُ الْأُولَى عَنْ إحْدَاهُمَا، فَفِي سُقُوطِ التَّرْتِيبِ لِضِيقِهِ وَجْهَانِ (وَلَا تُشْتَرَطُ الْمُوَالَاةُ) فِي جَمْعِ التَّأْخِيرِ (فَلَا بَأْسَ بِالتَّطَوُّعِ بَيْنَهُمَا نَصًّا) وَلَا تُشْتَرَطُ أَيْضًا نِيَّةُ الْجَمْعِ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ