الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طَعَامًا أَكَلْتُ وَإِلَّا أَتْمَمْتُ وَنَحْوه بَطَل) صَوْمه لِتَرَدُّدِهِ فِي النِّيَّة (كَصَلَاةِ) أَيْ: كَمَا تَبْطُل الصَّلَاة بِتَرَدُّدِهِ فِي فَسْخ نِيَّتهَا إذْ اسْتِصْحَاب حُكْم النِّيَّة شَرْط فِي صِحَّة الصَّلَاة وَالصَّوْم وَالْوُضُوء وَنَحْوهَا.
(وَيَصِحّ صَوْم نَفْل بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَار قَبْلَ الزَّوَال وَبَعْدَهُ) نَصَّ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: «دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ فَقُلْنَا: لَا، قَالَ: فَإِنِّي إذَنْ صَائِمٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَاشُورَاءَ؛ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ خُفِّفَ نَفْلُهَا عَنْ فَرْضِهَا، فَكَذَا الصَّوْمُ وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَكْثِيرِهِ لِكَوْنِهِ يَعِنُّ لَهُ فَعُفِيَ عَنْهُ وَيَدُلُّ لِصِحَّتِهِ بِنِيَّةٍ بَعْدَ الزَّوَالِ: أَنَّهُ قَوْلُ مُعَاذٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مَا يُخَالِفُهُ صَرِيحًا؛ وَلِأَنَّ النِّيَّةَ وُجِدَتْ فِي جُزْءِ النَّهَارِ فَأَشْبَهَ وُجُودَهَا قَبْلَ الزَّوَالِ بِلَحْظَةٍ، وَبِهِ يَبْطُلُ التَّعْلِيلُ بِالْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ قَدْ خَلَا عَنْ النِّيَّةِ فِي الْأَصْلِ، فَإِنَّ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالزَّوَالِ يَزِيدُ عَلَى مَا بَيْنَ الزَّوَالِ وَالْغُرُوبِ بِمَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالشَّمْسِ، وَأَيْضًا جَمِيعُ اللَّيْلِ وَقْتٌ لِنِيَّةِ الْفَرْضِ فَكَذَا النَّهَارُ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ مَا يُفَطِّرُهُ قَبْلَ النِّيَّةِ فَإِنْ فَعَلَ فَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ، لَكِنْ خَالَفَ فِيهِ أَبُو زَيْدٍ الشَّافِعِيُّ.
(وَيُحْكَمُ بِالصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ الْمُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ وَقْتِ النِّيَّةِ) ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ قَصْدُ الْقُرْبَةِ فَلَا يَقَعُ عِبَادَةٌ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ» (فَيَصِحُّ تَطَوُّعُ حَائِضٍ) أَوْ نُفَسَاءَ (طَهُرَتْ) فِي يَوْمٍ بِصَوْمِ بَقِيَّتِهِ (و) تَطَوُّعُ (كَافِرٍ أَسْلَمَ فِي يَوْمٍ وَلَمْ يَأْكُلَا) أَيْ الْحَائِضُ وَالْكَافِرُ، وَلَوْ قَالَ كَالْمُنْتَهَى: لَمْ يَأْتِيَا فِيهِ بِمُفْسِدٍ لَكَانَ أَشْمَلَ (بِصَوْمِ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ) مُتَعَلِّقٌ بِتَطَوُّعٍ.
وَفِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ يُحْتَمَل أَنْ لَا يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا صَوْمٌ.
[بَابُ مَا يُفْسِدُ الصِّيَامَ]
َ وَهُوَ كُلُّ مَا يُنَافِيهِ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَنَحْوِهِمَا (وَ) مَا (يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ) كَالْوَطْءِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ (مِنْ أَكْلٍ وَلَوْ تُرَابًا أَوْ مَا لَا يُغَذِّي) بِالْغَيْنِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَتَيْنِ (وَلَا يَنْمَاعُ فِي الْجَوْفِ، كَالْحَصَى أَوْ شَرِبَ) فَسَدَ صَوْمُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] فَأَبَاحَهُمَا إلَى غَايَةٍ وَهِيَ تَبَيُّنُ
الْفَجْرِ ثُمَّ أَمَرَ بِالْإِمْسَاكِ عَنْهُمَا إلَى اللَّيْلِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ مَا بَعْدَ الْغَايَةِ مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهَا وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، إنَّهُ تَرَكَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ.
(أَوْ اسْتَعَطَ) فِي أَنْفِهِ (بِدُهْنٍ أَوْ غَيْرِهِ فَوَصَلَ إلَى حَلْقِهِ أَوْ دِمَاغِهِ) .
وَفِي الْكَافِي: أَوْ خَيَاشِيمِهِ فَسَدَ صَوْمُهُ «لِنَهْيِهِ صلى الله عليه وسلم الصَّائِمَ عَنْ الْمُبَالَغَةِ فِي الِاسْتِنْشَاقِ» ؛ وَلِأَنَّ الدِّمَاغَ جَوْفٌ وَالْوَاصِلُ إلَيْهِ يُغَذِّيهِ فَيُفْطِرُ كَجَوْفِ الْبَدَنِ.
(أَوْ احْتَقَنَ) فِي دُبُرِهِ فَسَدَ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ؛ وَلِأَنَّ غَيْرَ الْمُعْتَادِ كَالْمُعْتَادِ فِي الْوَاصِلِ وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ وَأَوْلَى مِنْ الِاسْتِعَاطِ (أَوْ دَاوَى الْجَائِفَةَ أَوْ جُرْحًا بِمَا يَصِلُ إلَى جَوْفِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَلَ إلَى جَوْفِهِ شَيْئًا بِاخْتِيَارِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَكَلَ (أَوْ اكْتَحَلَ بِكُحْلٍ أَوْ صَبِرٍ أَوْ قُطُورٍ أَوْ ذَرُورٍ أَوْ إثْمِدٍ وَلَوْ غَيْرُ مُطَيَّبٍ يَتَحَقَّقُ مَعَهُ وُصُولُهُ إلَى حَلْقِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «أَمَرَ بِالْإِثْمِدِ الْمُرَوَّحِ عِنْدَ النَّوْمِ، وَقَالَ: لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ هَوْذَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوقٌ وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ؛ وَلِأَنَّ الْعَيْنَ مَنْفَذٌ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُعْتَادٍ وَكَالْوَاصِلِ مِنْ الْأَنْفِ.
(وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ وُصُولُهُ إلَى حَلْقِهِ (فَلَا) فِطْرَ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ مَا يُنَافِي الصَّوْمَ (أَوْ اسْتَقَاءَ) أَيْ: اسْتَدْعَى الْقَيْءَ (فَقَاءَ طَعَامًا أَوْ مِرَارًا أَوْ بَلْغَمًا أَوْ دَمًا أَوْ غَيْرَهُ وَلَوْ قَلَّ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَرْفُوعِ: «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: إسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ (أَوْ أَدْخَلَ إلَى جَوْفِهِ أَوْ مُجَوَّفٍ فِي جَسَدِهِ كَدِمَاغِهِ وَحَلْقِهِ وَبَاطِنِ فَرْجِهَا، وَتَقَدَّمَ فِي) بَابِ (الِاسْتِطَابَةِ إذَا أَدْخَلَتْ أُصْبُعَهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ) أَيْ: نَحْوُ الدِّمَاغِ وَالْحَلْقِ وَبَاطِنِ فَرْجِهَا كَالدُّبُرِ (مِمَّا يُنْفِذُ إلَى مَعِدَتِهِ شَيْئًا مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ وَلَوْ خَيْطًا ابْتَلَعَهُ كُلَّهُ أَوْ) ابْتَلَعَ (بَعْضَهُ أَوْ رَأْسَ سِكِّينٍ مِنْ فِعْلِهِ أَوْ فِعْلِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ) فَغَابَ فِي جَوْفِهِ فَسَدَ صَوْمُهُ، وَيُعْتَبَرُ الْعِلْمُ بِالْوَاصِلِ.
وَجَزَمَ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ: بِأَنَّهُ يَكْفِي الظَّنُّ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يُفْطِرُ بِمُدَاوَاةِ جَائِفَةٍ وَمَأْمُومَةٍ وَلَا بِحُقْنَةٍ (أَوْ دَاوَى الْمَأْمُومَةَ) فَوَصَلَ إلَى دِمَاغِهِ (أَوْ قَطَرَ فِي أُذُنِهِ مِمَّا يَصِلُ إلَى دِمَاغِهِ) ؛ لِأَنَّ الدِّمَاغَ أَحَدُ الْجَوْفَيْنِ فَالْوَاصِلُ إلَيْهِ يُغَذِّيهِ فَأَفْسَدَ الصَّوْمَ كَالْآخَرِ (أَوْ اسْتَمْنَى) أَيْ:
اسْتَدْعَى الْمَنِيَّ (فَأَمْنَى أَوْ أَمْذَى) ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَسَدَ بِالْقُبْلَةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِالْإِنْزَالِ فَلَأَنْ يَفْسُدَ بِهِ بِطَرِيقِ أَوْلَى فَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ فَقَدْ أَتَى مُحَرَّمًا وَلَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ، وَإِنْ أَنْزَلَ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ فَلَا كَالْبَوْلِ (أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ أَوْ بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَمْنَى أَوْ أَمْذَى) لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد «عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: هَشَشْتُ فَقَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي فَعَلْتُ أَمْرًا عَظِيمًا قَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ، قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ مِنْ إنَاءٍ وَأَنْتَ صَائِمٌ قُلْتُ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ فَمَهْ» فَشَبَّهَ الْقُبْلَةَ بِالْمَضْمَضَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْفِطْرِ فَإِنَّ الْقُبْلَةَ إذَا كَانَ مَعَهَا نُزُولٌ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ: أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ وَسِيلَةً وَذَرِيعَةً إلَى الْجِمَاعِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا فِطْرَ بِدُونِ الْإِنْزَالِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَرُوِيَ بِتَحْرِيكِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا وَمَعْنَاهُ حَاجَةُ النَّفْسِ وَوَطَرِهَا وَقِيلَ: بِالتَّسْكِينِ الْعُضْوُ وَبِالتَّحْرِيكِ الْحَاجَةُ (أَوْ كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَمْنَى) ؛ لِأَنَّهُ إنْزَالٌ بِفِعْلٍ يَلْتَذُّ بِهِ وَيُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ أَشْبَهَ الْإِنْزَالَ بِاللَّمْسِ (وَلَا) يُفْطِرُ (إنْ أَمْذَى) بِتَكْرَارِ النَّظَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ.
وَالْقِيَاسُ عَلَى إنْزَالِ الْمَنِيِّ لَا يَصِحُّ لِمُخَالَفَتِهِ إيَّاهُ فِي الْأَحْكَامِ (أَوْ لَمْ يُكَرِّرْ النَّظَرَ فَأَمْنَى) أَيْ: لَا فِطْرَ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْ النَّظْرَةِ الْأُولَى، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَرَّرَ النَّظَرَ فَلَمْ يُنْزِلْ فَلَا فِطْرَ قَالَ فِي الشَّرْحِ وَالْمُبْدِعِ: بِغَيْرِ خِلَافٍ (أَوْ حَجَمَ أَوْ احْتَجَمَ) فِي الْقَفَا أَوْ السَّاقِ نَصَّ عَلَيْهِ.
(وَظَهَرَ دَمٌ) نَصَّ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ وَعَائِشَةَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَمَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ وَهُوَ لِأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ شَدَّادٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَهَذَا يَزِيدُ عَلَى رُتْبَةِ الْمُسْتَفِيضِ قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: ثَبَتَتْ الْأَخْبَارُ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ وَقَالَ أَحْمَدُ فِيهِ غَيْرُ حَدِيثِ ثَابِتٍ وَأَصَحُّهَا: حَدِيثُ رَافِعٍ قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ ثَوْبَانَ وَشَدَّادٍ وَصَحَّحَهُمَا أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ، وَرَخَّصَ فِيهَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَجَوَابُهُ: أَنَّ أَحْمَدَ ضَعَّفَهُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ؛ لِأَنَّ الْأَنْصَارِيَّ ذَهَبَتْ كُتُبُهُ فِي فِتْنَةٍ فَكَانَ يُحَدِّثُ
مِنْ كُتُبِ غُلَامِهِ أَبِي حَكِيمٍ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ فَهُوَ مَنْسُوخٌ بِدَلِيلِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَهُوَ رَاوِيهِ كَانَ يُعِدُّ الْحَجَّامَ وَالْمَحَاجِمَ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّمْسِ فَإِذَا غَابَتْ احْتَجَمَ كَذَلِكَ رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِعُذْرٍ لِمَا رَوَى أَبُو بَكْرٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:«احْتَجَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ شَيْءٍ كَانَ وَجَدَهُ» وَأَحَادِيثُنَا أَكْثَرُ وَاعْتَضَدَتْ بِعَمَلِ الصَّحَابَةِ وَهِيَ قَوْلٌ وَحَدِيثُهُمْ فِعْلٌ، وَالْقَوْلُ مُقَدَّمٌ لِعَدَمِ عُمُومِ الْفِعْلِ وَاحْتِمَالِ أَنَّهُ خَاصٌّ بِهِ وَنَسْخُ حَدِيثِهِمْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِحُكْمِ الْأَصْلِ فَنَسْخُهُ يَلْزَمُ مِنْهُ مُخَالَفَةُ الْأَصْلِ مَرَّةً وَاحِدَةً بِخِلَافِ نَسْخِ حَدِيثِنَا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مُخَالَفَةُ الْأَصْلِ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ دَمٌ فَلَا فِطْرَ.
وَ (لَا) فِطْرَ (إنْ جَرَحَ) الصَّائِمُ (نَفْسَهُ أَوْ جَرَحَهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ وَلَمْ يَصِلْ إلَى جَوْفِهِ) شَيْءٌ مِنْ آلَةِ الْجَرْحِ (وَلَوْ) كَانَ الْجَرْحُ (بَدَلَ الْحِجَامَةِ) .
(وَلَا) فِطْرَ (بِفَصْدٍ وَشَرْطٍ وَلَا بِإِخْرَاجِ دَمِهِ بِرُعَافٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ وَالْقِيَاسُ لَا يَقْتَضِيهِ (أَيْ: ذَلِكَ) الْمَذْكُورُ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِمَا.
(فِعْلُ) الصَّائِمِ (عَامِدًا) أَيْ: قَاصِدًا لِلْفِعْلِ (ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ مُخْتَارًا) لِفِعْلِهِ (فَسَدَ صَوْمُهُ وَلَوْ جَهِلَ التَّحْرِيمَ) لِعُمُومِ مَا سَبَقَ، (فَلَا يُفْطِرُ غَيْرُ قَاصِدٍ الْفِعْلَ كَمَنْ طَارَ إلَى حَلْقِهِ غُبَارٌ وَنَحْوُهُ) كَذُبَابٍ (أَوْ أُلْقِيَ فِي مَاءٍ فَوَصَلَ إلَى جَوْفِهِ وَنَحْوِهِ) ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْقَاصِدِ غَافِلٌ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَإِلَّا لَزِمَ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ.
(وَلَا) يُفْطِرُ (نَاسٍ) لِفِعْلِ شَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ؛ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (فَرْضًا كَانَ الصَّوْمُ أَوْ نَفْلًا) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ.
(وَلَا) يُفْطِرُ (مُكْرَهٌ سَوَاءٌ أُكْرِهَ عَلَى الْفِعْلِ) أَيْ: الْأَكْلِ وَنَحْوِهِ (حَتَّى فَعَلَ) مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ (أَوْ فُعِلَ بِهِ بِأَنْ صُبَّ فِي حَلْقِهِ مُكْرَهًا أَوْ نَائِمًا كَمَا لَوْ أُوجِرَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ مُعَالَجَةً) لِعُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ".
(وَيُفْطِرُ) الصَّائِمُ (بِرِدَّةٍ) مُطْلَقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] وَكَذَلِكَ كُلُّ عِبَادَةٍ حَصَلَتْ الرِّدَّةُ فِي أَثْنَائِهَا فَإِنَّهَا تُفْسِدُهَا (وَ) يُفْطِرُ بِ (مَوْتٍ فَيُطْعَمُ مِنْ تَرِكَتِهِ فِي نَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ) مِسْكِينٌ لِفَسَادِ ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ لِتَعَذُّرِ قَضَائِهِ (وَيَأْتِي) ذَلِكَ مُفَصَّلًا فِي حُكْمِ الْقَضَاءِ.
(وَإِنْ دَخَلَ حَلْقَهُ ذُبَابٌ أَوْ غُبَارُ طَرِيقٍ أَوْ) غُبَارُ (دَقِيقٍ أَوْ دُخَانٌ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ)
لَمْ يُفْطِرْ لِعَدَمِ الْقَصْدِ كَالنَّائِمِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَنْ ابْتَلَعَ الدُّخَانَ قَصْدًا فَسَدَ صَوْمُهُ.
(أَوْ قَطَرَ فِي إحْلِيلِهِ) دُهْنًا أَوْ غَيْرَهُ لَمْ يُفْطِرْ (وَلَوْ وَصَلَ مَثَانَتَهُ) لِعَدَمِ الْمَنْفَذِ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ الْبَوْلُ رَشْحًا كَمُدَاوَاةِ جُرْحٍ عَمِيقٍ لَمْ يَصِلْ إلَى الْجَوْفِ، وَالْمَثَانَةُ: الْعُضْوُ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْبَوْلُ وَإِذَا كَانَ لَا يَسْتَمْسِكُ بَوْلَهُ قِيلَ: مَثِنَ الرَّجُلُ بِكَسْرِ الثَّاءِ فَهُوَ أَمْثَنُ، وَالْمَرْأَةُ مَثْنَى وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: يُقَالُ رَجُلٌ مَثِنٌ وَمَمْثُونٌ.
(أَوْ فَكَّرَ فَأَمْنَى أَوْ مَذَى) لَمْ يُفْطِرْ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «عُفِيَ لِأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ بِهِ» ؛ وَلِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ وَلَا إجْمَاعَ، وَقِيَاسُهُ عَلَى تَكْرَارِ النَّظَرِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ فِي اسْتِدْعَاءِ الشَّهْوَةِ وَإِفْضَائِهِ إلَى الْإِنْزَالِ (كَمَا لَوْ حَصَلَ) الْإِنْزَالُ (بِفِكْرٍ غَالِبٍ) أَيْ: غَيْرِ اخْتِيَارِيٍّ بِأَنْ لَمْ يَتَسَبَّبْ فِيهِ (أَوْ احْتَلَمَ أَوْ أَنْزَلَ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ كَاَلَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ الْمَنِيُّ أَوْ الْمَذْيُ لِمَرَضٍ أَوْ) لِ (سَقْطَةٍ) مِنْ مَوْضِعٍ عَالٍ (أَوْ خُرُوجًا مِنْهُ لِهَيَجَانِ شَهْوَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ ذَكَرَهُ) بِيَدٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ (أَوْ أَمْنَى نَهَارًا مِنْ وَطْءِ لَيْلٍ) لَمْ يُفْطِرْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَسَبَّبْ إلَيْهِ فِي النَّهَارِ (أَوْ) أَمْنَى (لَيْلًا مِنْ مُبَاشَرَتِهِ نَهَارًا) فَلَا فِطْرَ بِذَلِكَ كُلِّهِ.
(أَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ: غَلَبَهُ وَسَبَقَهُ لَمْ يُفْطِرْ لِلْخَبَرِ (وَلَوْ عَادَ) شَيْءٌ مِنْ قَيْئِهِ (إلَى جَوْفِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ) ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُكْرَهِ (لَا إنْ عَادَ) الْقَيْءُ إلَى جَوْفِهِ (بِاخْتِيَارِهِ) وَلَوْ لَمْ يَمْلَأْ الْفَمَ أَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ ثُمَّ أَعَادَهُ عَمْدًا، فَإِنَّهُ يُفْطِرُ بِذَلِكَ كَبَلْعِهِ بَعْدَ انْفِصَالِهِ عَنْ الْفَمِ.
(أَوْ أَصْبَحَ) الصَّائِمُ (وَفِي فِيهِ طَعَامٌ فَلَفَظَهُ) أَيْ: رَمَاهُ لَمْ يُفْطِرْ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ وَلَا يَخْلُو مِنْهُ صَائِمٌ غَالِبًا (أَوْ شَقَّ) عَلَيْهِ (لَفْظُهُ) أَيْ: رَمْيُ الطَّعَامِ الَّذِي أَصْبَحَ بِفَمِهِ لِعَدَمِ تَمَيُّزِهِ عَنْ رِيقِهِ (فَبَلَعَهُ مَعَ رِيقِهِ بِغَيْرِ قَصْدٍ أَوْ جَرَى رِيقُهُ بِبَقِيَّةِ طَعَامٍ تَعَذَّرَ رَمْيُهُ) لَمْ يُفْطِرْ بِذَلِكَ لِمَا سَبَقَ.
(أَوْ بَلَعَ) الصَّائِمُ (رِيقَهُ عَادَةً) لَمْ يُفْطِرْ، (لَا إنْ أَمْكَنَ لَفْظُهُ بَقِيَّةَ الطَّعَامِ بِأَنْ تَمَيَّزَ عَنْ رِيقِهِ فَبَلَعَهُ عَمْدًا وَلَوْ) كَانَ (دُونَ حِمَّصَةٍ) فَإِنَّهُ يُفْطِرُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ فِي لَفْظِهِ، وَالتَّحَرُّزُ مِنْهُ مُمْكِنٌ.
(أَوْ اغْتَسَلَ) لَمْ يُفْطِرْ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ الْجِمَاعَ وَغَيْرَهُ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ فَيَلْزَمُ جَوَازُ الْإِصْبَاحِ جُنُبًا احْتَجَّ بِهِ رَبِيعَةُ وَالشَّافِعِيُّ.
(أَوْ تَمَضْمَضَ أَوْ اسْتَنْشَقَ) فِي الْوُضُوءِ (فَدَخَلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ بِلَا قَصْدٍ أَوْ بَلَعَ مَا بَقِيَ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَاءِ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ لَمْ يُفْطِرْ) ؛ لِأَنَّهُ وَاصِلٌ بِغَيْرِ قَصْدٍ أَشْبَهَ الذُّبَابَ (وَكَذَا إنْ
زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فِي أَحَدِهِمَا) أَيْ: الْفِعْلَيْنِ وَهُمَا الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ (أَوْ بَالَغَ فِيهِ) أَيْ: فِي أَحَدِهِمَا بِأَنْ بَالَغَ فِي الْمَضْمَضَةِ أَوْ الِاسْتِنْشَاقِ؛ لِأَنَّهُ وَاصِلٌ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ (وَإِنْ فَعَلَهُمَا) أَيْ: الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ (لِغَيْرِ طَهَارَةٍ) أَيْ: وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ (فَإِنْ كَانَ لِنَجَاسَةٍ وَنَحْوِهَا فَكَالْوُضُوءِ، وَإِنْ كَانَ عَبَثًا أَوْ لِحَرٍّ أَوْ عَطَشٍ كُرِهَ) نَصَّ عَلَيْهِ، سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ الصَّائِمِ يَعْطَشُ فَيَتَمَضْمَضُ ثُمَّ يَمُجُّ الْمَاءَ قَالَ: يَرُشُّ عَلَى صَدْرِهِ أَحَبُّ إلَيَّ (وَحُكْمُهُ) فِي الْفِطْرِ (حُكْمُ الزَّائِدِ عَلَى الثَّلَاثِ) فَلَا يُفْطِرُ بِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
(وَكَذَا إنْ غَاصَ فِي الْمَاءِ فِي غُسْلٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ أَوْ إسْرَافٍ أَوْ كَانَ عَابِثًا) فَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يُفْطِرُ بِمَا يَصِلُ إلَى جَوْفِهِ بِلَا قَصْدٍ.
(وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ فِي) نَهَارِ (رَمَضَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا وَجَبَ إعْلَامُهُ عَلَى مَنْ رَآهُ) كَإِعْلَامِ نَائِمٍ إذَا ضَاقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ.
(وَلَا يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ الِاغْتِسَالُ) نَهَارًا لِجَنَابَةٍ وَنَحْوِهَا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ (وَلَوْ) كَانَ الِاغْتِسَالُ (لِلتَّبَرُّدِ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ إزَالَةَ الضَّجَرِ مِنْ الْعِبَادَةِ كَالْجُلُوسِ فِي الظِّلِّ الْبَارِدِ قَالَهُ الْمَجْدُ.
(لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَزِمَهُ الْغُسْلُ لَيْلًا مِنْ جُنُبٍ وَحَائِضٍ وَنَحْوِهِمَا) كَنُفَسَاءَ انْقَطَعَ دَمُهَا وَكَافِرٍ أَسْلَمَ (أَنْ يَغْتَسِلَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي) خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَاحْتِيَاطًا لِلصَّوْمِ (فَلَوْ أَخَّرَهُ) أَيْ: الْغُسْلَ (وَاغْتَسَلَ بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي (صَحَّ صَوْمُهُ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ «لَا صَوْمَ لَهُ» وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: رَجَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ فُتْيَاهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ كَانَ مُحَرَّمًا عَلَى الصَّائِمِ بَعْدَ النَّوْمِ فَلَمَّا أَبَاحَ اللَّهُ الْجِمَاعَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ جَازَ لِلْجُنُبِ إذَا أَصْبَحَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ أَنْ يَصُومَ.
(وَكَذَا إنْ أَخَّرَهُ) أَيْ: الْغُسْلَ (يَوْمًا) فَأَكْثَرَ (لَكِنْ يَأْثَمُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ) أَيْ: تَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتِهَا (وَإِنْ كَفَرَ بِالتَّرْكِ) أَيْ: تَرْكِ الصَّلَاةِ (بَطَلَ صَوْمُهُ) بِالرِّدَّةِ (بِأَنْ يُدْعَى إلَيْهَا) أَيْ: يَدْعُوهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ إلَى صَلَاةٍ (وَهُوَ صَائِمٌ فَيَأْبَى) حَتَّى يَضِيقَ وَقْتُ الَّتِي بَعْدَهَا، (أَوْ) كَفَرَ (بِمُجَرَّدِ التَّرْكِ) أَيْ: تَرْكِ الصَّلَاةِ (مِنْ غَيْرِ دُعَاءٍ عَلَى قَوْلِ الْآجُرِّيِّ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ) لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ فَيَبْطُلُ صَوْمُهُ لِلرِّدَّةِ.
(وَإِنْ بَصَقَ نُخَامَةً بِلَا قَصْدٍ مِنْ مَخْرَجِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ لَمْ يُفْطِرْ) بِذَلِكَ، وَيَأْتِي حُكْمُ مَا إذَا بَلَعَهَا فِي الْبَابِ بَعْدَهُ.
(وَمَنْ أَكَلَ، وَنَحْوُهُ) بِأَنْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ (شَاكًّا فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ وَدَامَ شَكُّهُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ) لِظَاهِرِ الْآيَةِ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ فَيَكُونُ زَمَانُ الشَّكِّ مِنْهُ.
(وَإِنْ أَكَلَ يَظُنُّ طُلُوعَهُ) أَيْ الْفَجْرِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ لَهُ الْأَكْلَ حَتَّى يَتَيَقَّنَ طُلُوعَهُ: يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا