الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَهَذَا يُكْرَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَجِسًا) ، بَلْ عَلَى الْقَوْلِ بِالنَّجَاسَةِ يَحْرُمُ وَكَالدَّمِ، (فَإِنَّ الْمَسْجِدَ يُصَانُ عَنْ الْقَذَاةِ الَّتِي تَقَعُ فِي الْعَيْنِ) قُلْتُ: قِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي قَتْلِ الْقَمْلَةِ وَالْبُرْغُوثِ إذَا دَفَنَهُ فِي الْمَسْجِدِ لَا كَرَاهَةَ وَكَذَا تَقْلِيمُ أَظْفَارِهِ.
[كِتَابِ الْحَجِّ]
بَابٌ كِتَابِ الْحَجِّ بِفَتْحِ الْحَاءِ لَا بِكَسْرِهَا فِي الْأَشْهَرِ وَعَكْسُهُ: شَهْرُ الْحِجَّةِ وَأُخِّرَ الْحَجُّ عَنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عِمَادُ الدِّينِ وَلِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا لِتَكَرُّرِهَا كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ ثُمَّ الزَّكَاةُ لِكَوْنِهَا قَرِينَةً لَهَا فِي أَكْثَرِ الْمَوَاضِعِ وَلِشُمُولِهَا الْمُكَلَّفِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ الصَّوْمُ لِتَكَرُّرِهِ كُلَّ سَنَةٍ لَكِنَّ الْبُخَارِيَّ قَدَّمَ رِوَايَةَ الْحَجِّ عَلَى الصَّوْمِ لِلتَّغْلِيظَاتِ الْوَارِدَةِ فِيهِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97] وَنَحْوُ: «فَلْيَمُتْ إنْ شَاءَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا» وَلِعَدَمِ سُقُوطِهِ بِالْبَدَلِ بَلْ يَجِبُ الْإِتْيَانُ بِهِ إمَّا بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَتُرْجِمَ فِي الْمُقْنِعِ وَغَيْرِهِ بِالْمَنَاسِكِ، وَهِيَ جَمْعُ مَنْسَكٍ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا فَبِالْفَتْحِ مَصْدَرٌ وَبِالْكَسْرِ اسْمٌ لِمَوْضِعِ الْعِبَادَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّسِيكَةِ وَهِيَ الذَّبِيحَةُ الْمُتَقَرَّبُ بِهَا ثُمَّ اتَّسَعَ فِيهِ فَصَارَ اسْمًا لِلْعِبَادَةِ وَالطَّاعَةِ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْعَابِدِ: نَاسِكٌ وَقَدْ غَلَبَ إطْلَاقُهَا عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ لِكَثْرَةِ أَنْوَاعِهَا وَلِمَا تَتَضَمَّنُهُ كَثْرَةَ الذَّبَائِحِ الْمُتَقَرَّبِ بِهَا (وَهُوَ) أَيْ: الْحَجُّ لُغَةً الْقَصْدُ إلَى مَنْ تُعَظِّمُهُ، (وَشَرْعًا قَصْدُ مَكَّةَ لِلنُّسُكِ فِي زَمَنٍ مَخْصُوصٍ) يَأْتِي بَيَانُهُ (وَهُوَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ) وَمَبَانِيهِ الْمُشَارِ إلَيْهَا بِحَدِيثِ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» وَتَقَدَّمَ.
(وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كُلَّ عَامٍ) عَلَى مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ عَيْنًا نَقَلَهُ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى عَنْ الرِّعَايَةِ ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ قَوْلِ الْأَصْحَابِ، وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ لِلْوَالِدِ وَالْأُمِّ مَنْعَ الْوَلَدِ مِنْ حَجِّ النَّفْلِ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ لَهُمَا مَنْعَهُ مِنْ الْجِهَادِ مَعَ كَوْنِهِ فَرْضَ كِفَايَةٍ فَالتَّطَوُّعَاتُ أَوْلَى اهـ يَعْنِي عَلَى كَلَامِ الرِّعَايَةِ: لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَقَعَ الْحَجُّ نَفْلًا إلَّا مِنْ صَغِيرٍ أَوْ رَقِيقٍ بَلْ إمَّا فَرْضُ عَيْنٍ أَوْ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَهُوَ مُشْكِلٌ وَقَدْ تَبِعَهُ أَيْضًا صَاحِبُ الْمُنْتَهَى.
(وَفُرِضَ سَنَةَ تِسْعٍ عِنْدَ
الْأَكْثَرِينَ) مِنْ الْعُلَمَاءِ وَقِيلَ: سَنَةَ عَشْرٍ وَقِيلَ: سِتٍّ وَقِيلَ: خَمْسٍ وَالْأَصْلُ فِي فَرِيضَتِهِ: قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97](وَلَمْ يَحُجَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم) بَعْدَ هِجْرَتِهِ (إلَى الْمَدِينَةِ) سِوَى حَجَّةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ (قَالَ الْقَاضِي: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ «لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم وَدَّعَ النَّاسَ فِيهَا) . وَقَالَ لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ» أَوْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعُدْ إلَى مَكَّةَ بَعْدَهَا (وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا كَانَتْ سَنَةَ عَشْرٍ) مِنْ الْهِجْرَةِ (وَكَانَ) صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ (قَارِنًا نَصًّا) .
قَالَ أَحْمَدُ لَا أَشُكَّ أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا وَالْمُتْعَةُ أَحَبُّ إلَيَّ اهـ وَاسْتُدِلَّ لَهُ بِمَا رَوَى أَنَسٌ «سَمِعْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ «قُلْ: عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ» رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ «وَاعْتَمَرَ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعًا بَعْدَ الْهِجْرَةِ» قَالَ أَنَسٌ: «حَجَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَجَّةً وَاحِدَةً وَاعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرَ كُلُّهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ: عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ وَعُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ وَعُمْرَةَ الْجِعْرَانَةِ حِينَ قَسَمَ غَنِيمَةَ حُنَيْنٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ أَحْمَدُ وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ حَجَّ قَبْلَ ذَلِكَ حَجَّةً وَمَا هُوَ ثَبْتٌ عِنْدِي وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «حَجَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ حِجَجٍ: حَجَّتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ وَحَجَّةً بَعْدَ مَا هَاجَرَ» وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ قَالَهُ فِي الْمُغْنِي.
(وَالْعُمْرَةُ) لُغَةً الزِّيَارَةُ يُقَالُ: اعْتَمَرَهُ إذَا زَارَهُ، وَشَرْعًا (زِيَارَةُ الْبَيْتِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ) يَأْتِي بَيَانُهُ (وَتَجِبُ) الْعُمْرَةُ (عَلَى الْمَكِّيِّ كَغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمَكِّيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَى النِّسَاءِ مِنْ جِهَادٍ؟ قَالَ: نَعَمْ عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ.
وَعَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ أَنَّهُ «أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم -
فَقَالَ: إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ وَلَا الْعُمْرَةَ وَلَا الظَّعْنَ قَالَ: حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَلِأَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى إحْرَامٍ وَطَوَافٍ وَسَعْيٍ فَكَانَتْ وَاجِبَةً كَالْحَجِّ، وَأَمَّا بَعْضُ الْأَحَادِيثِ الْمَسْكُوتِ فِيهَا عَنْهَا فَلِأَنَّ اسْمَ الْحَجِّ يَتَنَاوَلُهَا، رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» .
وَفِي كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ «إنَّ الْعُمْرَةَ الْحَجُّ الْأَصْغَرُ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا «الْحَجُّ جِهَادٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ» فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، (وَنَصُّهُ: لَا) تَجِبُ عَلَى الْمَكِّيِّ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَنَصُّ مَا فِي الْمُغْنِي: أَنَّ رُكْنَ الْعُمْرَةِ وَمُعْظَمَهَا: الطَّوَافُ قَالَ أَحْمَدُ: " كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَرَى الْعُمْرَةَ وَاجِبَةً وَيَقُولُ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَيْسَ عَلَيْكُمْ عُمْرَةٌ إنَّمَا عُمْرَتُكُمْ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ " وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَتَأَوَّلَهَا الْقَاضِي عَلَى أَنَّهُ نَفَى عَنْهُمْ دَمَ التَّمَتُّعِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ اهـ.
وَفِي الشَّرْحِ: وَحَمَلَ الْقَاضِي كَلَامَ أَحْمَدَ عَلَى أَنَّهُ لَا عُمْرَةَ عَلَيْهِمْ مَعَ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ يَتَقَدَّمُ مِنْهُمْ فِعْلُهَا فِي غَيْرِ وَقْتِ الْحَجِّ وَأَجَابَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ عَمَّا تَقَدَّمَ: بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَطُفْ، وَمَنْ طَافَ يَجِبُ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ عَنْهَا كَالْآفَاقِيِّ.
(وَيَجِبَانِ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً وَاحِدَةً) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «يَأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ أَكُلُّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا: فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ فَقَامَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، فَقَالَ: أَفِي كُلِّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: لَوْ قُلْتُهَا لَوَجَبَتْ وَلَوْ وَجَبَتْ لَمْ تَعْمَلُوا بِهَا وَلَمْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْمَلُوا بِهَا، الْحَجُّ مَرَّةٌ، فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ بِمَعْنَاهُ (عَلَى الْفَوْرِ) صلى الله عليه وسلم أَنَصَّ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فَيَأْثَمُ إنْ أَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ لِلْفَوْرِ وَيُؤَيِّدُهُ: خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا قَالَ: «تَعَجَّلُوا إلَى الْحَجِّ يَعْنِي الْفَرِيضَةَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِط يَرْفَعُهُ قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لَمْ يَمْنَعْهُ مَرَضٌ حَابِسٌ وَلَا سُلْطَانٌ جَائِرٌ أَوَحَاجَةٌ ظَاهِرَةٌ فَلْيَمُتْ عَلَى أَيِّ حَالٍ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا»