الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَمَا يُكْرَهُ مِنْهُ وَذِكْرِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ]
َ (أَفْضَلُهُ) صَوْمُ التَّطَوُّعِ (صَوْمُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ) ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: «صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا فَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُد وَهُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ قُلْت: فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَيُسَنُّ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ) قَالَ فِي الشَّرْحِ وَالْمُبْدِعِ: بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ (وَالْأَفْضَلُ أَنْ تَكُونَ أَيَّامَ) اللَّيَالِي (الْبِيضِ وَهِيَ الثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ) لِمَا رَوَى أَبُو ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: «إذَا صُمْتَ مِنْ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصُمْ ثَالِثَ عَشَرِهِ وَرَابِعَ عَشَرِهِ وَخَامِسَ عَشَرِهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
(وَهُوَ) أَيْ: صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ (كَصَوْمِ الدَّهْرِ أَيْ: يَحْصُلُ لَهُ) بِصِيَامِهَا (أَجْرُ صِيَامِ الدَّهْرِ بِتَضْعِيفِ الْأَجْرِ) ، الْحَسَنَةُ بِعَشْرَةِ أَمْثَالِهَا (مِنْ غَيْرِ حُصُولِ الْمَفْسَدَةِ) الَّتِي فِي صِيَامِ الدَّهْرِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَسُمِّيَتْ بِيضًا لِابْيِضَاضِهَا لَيْلًا بِالْقَمَرِ وَنَهَارًا بِالشَّمْسِ) وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْإِضَافَةَ فِي كَلَامِهِ بَيَانِيَّةٌ، وَأَنَّ الْبِيضَ وَصْفٌ لِلْأَيَّامِ وَكَلَامُهُ فِي الشَّرْحِ وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ يُخَالِفُهُ قَالَ: وَسُمِّيَتْ لَيَالِيهَا بِالْبِيضِ لِبَيَاضِ لَيْلِهَا كُلِّهِ بِالْقَمَرِ زَادَ فِي الشَّرْحِ: وَالتَّقْدِيرُ لَيَالِي الْأَيَّامِ الْبِيضِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَابَ فِيهَا عَلَى آدَمَ وَبَيَّضَ صَحِيفَتَهُ.
(وَيُسَنُّ صَوْمُ) يَوْمِ (الِاثْنَيْنِ) بِهَمْزَةِ وَصْلٍ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ ثَانِي الْأُسْبُوعِ ذَكَرَهُ فِي الْحَاشِيَةِ.
(وَ) يَوْمِ (الْخَمِيسِ) لِقَوْلِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ «إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصُومُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّ أَعْمَالَ النَّاسِ تُعْرَضُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي لَفْظٍ «وَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» .
(وَ) يُسَنُّ صَوْمُ (سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ وَلَوْ مُتَفَرِّقَةً فَمَنْ صَامَهَا بَعْدَ أَنْ صَامَ رَمَضَانَ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ) فَرْضًا كَمَا فِي اللَّطَائِفِ؛ وَذَلِكَ لِمَا رَوَى أَبُو أَيُّوبَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ» رَوَاهُ أَبُو وَالنَّسَائِيَّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم وَلَا يَجْرِي مَجْرَى التَّقَدُّمِ لِرَمَضَانَ؛؛ لِأَنَّ يَوْمَ
الْعِيدِ فَاصِلٌ وَرَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بِشَهْرَيْنِ فَذَلِكَ سَنَةٌ» يَعْنِي أَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، الشَّهْرُ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَالسِّتَّةُ بِسِتِّينَ فَذَلِكَ سَنَةٌ كَامِلَةٌ وَالْمُرَادُ بِالْخَبَرِ: التَّشْبِيهُ بِهِ فِي حُصُولِ الْعِبَادَةِ عَلَى وَجْهٍ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ كَمَا يَأْتِي فِي صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ فَلَا يُقَالُ: الْحَدِيثُ لَا يَدُلُّ عَلَى تَفْضِيلِهَا؛ لِأَنَّهُ شَبَّهَ صِيَامَهَا بِصِيَامِ الدَّهْرِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِانْتِفَاءِ الْمَفْسَدَةِ فِي صَوْمِهَا دُونَ صَوْمِهِ (وَلَا تَحْصُلُ الْفَضِيلَةُ بِصِيَامِهَا) أَيْ: السِّتَّةِ أَيَّامٍ (فِي غَيْرِ شَوَّالٍ) لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ صِيَامُهَا إلَّا لِمَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَقَالَهُ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ، لَكِنْ ذُكِرَ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّ فَضِيلَتَهَا تَحْصُلُ لِمَنْ صَامَهَا وَقَضَى رَمَضَانَ وَقَدْ أَفْطَرَهُ لِعُذْرٍ وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْأَصْحَابِ وَفِيهِ شَيْءٌ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ.
(وَ) يُسَنُّ (صَوْمُ التِّسْعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلَّا رَجُلًا خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
(وَآكَدُهُ: التَّاسِعُ وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ إجْمَاعًا ثُمَّ الثَّامِنُ وَهُوَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ) وَيَأْتِي فِي الْحَجِّ وَجْهُ التَّسْمِيَةِ بِذَلِكَ.
(وَ) يُسَنُّ (صَوْمُ الْمُحَرَّمِ وَهُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ) ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ جَوْفُ اللَّيْلِ وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَأَضَافَهُ إلَيْهِ تَفْخِيمًا وَتَعْظِيمًا كَنَاقَةِ اللَّهِ، وَلَمْ يُكْثِرْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الصَّوْمَ فِيهِ إمَّا لِعُذْرٍ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَضْلَهُ إلَّا أَخِيرًا، وَالْمُرَادُ أَفْضَلُ شَهْرٍ تَطَّوَّعَ فِيهِ كَامِلًا بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْحَرَامِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ التَّطَوُّعِ قَدْ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ أَيَّامِهِ كَعَرَفَةَ وَعَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ.
فَالتَّطَوُّعُ الْمُطْلَقُ أَفْضَلُهُ الْمُحَرَّمُ كَمَا أَنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ قِيَامُ اللَّيْلِ (وَأَفْضَلُهُ) أَيْ الْمُحَرَّمُ (يَوْمُ عَاشُورَاءَ) بِالْمَدِّ فِي الْأَشْهَرِ وَهُوَ اسْمٌ إسْلَامِيٌّ لَا يُعْرَفُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَهُ فِي الْمَشَارِقِ وَغَيْرِهِ (وَهُوَ) الْيَوْمُ (الْعَاشِرُ) مِنْ الْمُحَرَّمِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مَرْفُوعًا وَصَحَّحَهُ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ التَّاسِعُ (ثُمَّ تَاسُوعَاءُ) بِالْمَدِّ عَلَى الْأَفْصَحِ (وَهُوَ) الْيَوْمُ (التَّاسِعُ) مِنْ الْمُحَرَّمِ (مَثَلًا وَيُسَنُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا) أَيْ: بَيْنَ صَوْمِ تَاسُوعَاءَ وَعَاشُورَاءَ.
لِمَا رَوَى الْخَلَّالُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «لَئِنْ بَقِيتُ إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ» وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ (وَ) قَالَ (إنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ أَوَّلُ الشَّهْرِ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) لِيَتَيَقَّنَّ صَوْمَهَا، (وَلَا يُكْرَهُ إفْرَادُ الْعَاشِرِ بِالصَّوْمِ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مُقْتَضَى كَلَامِ أَحْمَدَ الْكَرَاهَةُ وَهِيَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ (وَهُمَا) أَيْ: تَاسُوعَاءُ وَعَاشُورَاءُ (آكَدُهُ) أَيْ: آكَدُ شَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ (ثُمَّ) بَقِيَّةُ (الْعَشْرِ، وَلَمْ يَجِبْ صَوْمُ) يَوْمِ (عَاشُورَاءَ) فِي قَوْلِ الْقَاضِي وَمَنْ تَابَعَهُ قَالَ: لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَأْمُرْ مَنْ أَكَلَ فِيهِ بِالْقَضَاءِ.
وَلِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ لَمْ يَكْتُبْ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ» وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ (وَعَنْهُ وَجَبَ) صَوْمُهُ (ثُمَّ نُسِخَ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَمَالَ إلَيْهِ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ) وَقَالَهُ الْأُصُولِيُّونَ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا اُفْتُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ هُوَ الْفَرِيضَةَ وَتُرِكَ عَاشُورَاءُ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ " صَحِيحٌ وَحَدِيثُ مُعَاوِيَةَ مَحْمُولٌ عَلَى إرَادَةِ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ مَكْتُوبًا عَلَيْكُمْ الْآنَ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ، (وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ) مَاضِيَةٍ لِلْخَبَرِ.
(وَمَا رُوِيَ فِي فَضْلِ الِاكْتِحَالِ وَالِاخْتِضَابِ وَالِاغْتِسَالِ وَالْمُصَافَحَةِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ) أَيْ: يَوْمِ عَاشُورَاءَ (فَكَذِبٌ) .
وَكَذَا مَا يُرْوَى فِي مَسْحِ رَأْسِ الْيَتِيمِ وَأَكْلِ الْحُبُوبِ أَوْ الذَّبْحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَكُلُّ ذَلِكَ كَذِبٌ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمِثْلُ ذَلِكَ: بِدْعَةٌ لَا يُسْتَحَبُّ شَيْءٌ مِنْهُ عِنْدَ أَئِمَّةِ الدِّينِ قَالَهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ، وَيَنْبَغِي فِيهِ التَّوَسُّعَةُ عَلَى الْعِيَالِ سَأَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ أَحْمَدَ عَنْهُ فَقَالَ: نَعَمْ رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ وَكَانَ أَفْضَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ أَنَّهُ بَلَغَهُ: مَنْ وَسَّعَ عَلَى عِيَالِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ " قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: قَدْ جَرَّبْنَاهُ مُنْذُ خَمْسِينَ سَنَةً أَوْ سِتِّينَ فَمَا رَأَيْنَا إلَّا خَيْرًا.
(وَصِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ) لِمَا رَوَى أَبُو قَتَادَةَ مَرْفُوعًا قَالَ: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ» وَقَالَ فِي صِيَامِ عَاشُورَاءَ: «إنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَعَلَّ مُضَاعَفَةَ التَّكْفِيرِ عَلَى عَاشُورَاءَ؛ لِأَنَّ نَبِيَّنَا صلى الله عليه وسلم أُعْطِيَهُ.
(قَالَ) النَّوَوِيُّ (فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ: الْمُرَادُ كَفَّارَةُ الصَّغَائِرِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ) لَهُ صَغَائِرُ (رُجِيَ التَّخْفِيفُ مِنْ الْكَبَائِرِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ) لَهُ كَبَائِرُ
(رُفِعَ لَهُ دَرَجَاتٌ) وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ وَالْمُبْدِعِ وَغَيْرِهِمَا.
(وَلَا يُسْتَحَبُّ صِيَامُهُ) أَيْ: يَوْمِ عَرَفَةَ (لِمَنْ كَانَ بِعَرَفَةَ مِنْ الْحَاجِّ بَلْ فِطْرُهُ أَفْضَلُ) لِمَا رَوَتْ أُمُّ الْفَضْلِ بِنْتُ الْحَارِثِ " أَنَّهَا «أَرْسَلَتْ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ بِعَرَفَةَ فَشَرِبَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَخْبَرَ ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ حَجَّ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ عُثْمَانَ فَلَمْ يَصُمْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ "؛ وَلِأَنَّهُ يُضَعِّفُ عَنْ الدُّعَاءِ فَكَانَ تَرْكُهُ أَفْضَلَ وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ أَضْيَافُ اللَّهِ وَزُوَّارُهُ وَعَنْ عُقْبَةَ مَرْفُوعًا: «يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَالنَّسَائِيُّ، وَكَرِهَهُ جَمَاعَةٌ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ (إلَّا لِمُتَمَتِّعٍ وَقَارِنٍ عَدِمَا الْهَدْيَ) فَيَصُومَانِهِ مَعَ الْيَوْمَيْنِ قَبْلَهُ (وَيَأْتِي) فِي الْحَجِّ.
(وَيُكْرَهُ إفْرَادُ رَجَبٍ بِالصَّوْمِ) ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ صِيَامِهِ» وَفِيهِ دَاوُد بْنُ عَطَاءٍ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ إحْيَاءً لِشِعَارِ الْجَاهِلِيَّةِ بِتَعْظِيمِهِ وَلِهَذَا صَحَّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ فِيهِ وَيَقُولُ: كُلُوا فَإِنَّمَا هُوَ شَهْرٌ كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تُعَظِّمُهُ " (وَتَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِفِطْرِهِ فِيهِ وَلَوْ يَوْمًا أَوْ بِصَوْمِهِ شَهْرًا آخَرَ مِنْ السَّنَةِ قَالَ الْمَجْدُ: وَإِنْ لَمْ يَلِهِ) أَيْ: يَلِي الشَّهْرَ الْآخَرَ رَجَبٌ.
(وَلَا يُكْرَهُ إفْرَادُ شَهْرٍ غَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ رَجَبٍ بِالصَّوْمِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ» وَالْمُرَادُ أَحْيَانًا وَلَمْ يُدَاوِمْ كَامِلًا عَلَى غَيْرِ رَمَضَانَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ صَوْمُ رَجَبٍ وَشَعْبَانَ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، وَاسْتَحَبَّهُ فِي الْإِرْشَادِ (وَكُلُّ حَدِيثٍ رُوِيَ فِي فَضْلِ صَوْمِ رَجَبٍ أَوْ الصَّلَاةِ فِيهِ فَكَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ) بِالْحَدِيثِ.
(وَيُكْرَهُ تَعَمُّدُ إفْرَادِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِصَوْمٍ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «لَا تَصُومُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَّا وَقَبْلَهُ يَوْمٌ وَبَعْدَهُ يَوْمٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِمُسْلِمٍ: «لَا تَخُصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي وَلَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ» قَالَ الدَّاوُدِيُّ: لَمْ يَبْلُغْ مَالِكًا الْحَدِيثُ، وَيُحْمَلُ مَا رُوِيَ مِنْ صَوْمِهِ وَالتَّرْغِيبُ
فِيهِ عَلَى صَوْمِهِ مَعَ غَيْرِهِ فَلَا تَعَارُضَ.
(وَ) يُكْرَهُ تَعَمُّدُ (إفْرَادِ يَوْمِ السَّبْتِ) بِصَوْمٍ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ أُخْتِهِ: «لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إلَّا فِيمَا اُفْتُرِضَ عَلَيْكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ؛ وَلِأَنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ فَفِي إفْرَادِهِ تَشَبُّهٌ بِهِمْ، وَيَوْمُ السَّبْتِ آخِرُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: سُمِّيَ يَوْمَ السَّبْتِ لِانْقِطَاعِ الْأَيَّامِ عِنْدَهُ (إلَّا أَنْ يُوَافِقَ) يَوْمُ الْجُمُعَةِ أَوْ السَّبْتِ (عَادَةً) كَأَنْ وَافَقَ يَوْمَ عَرَفَةَ أَوْ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَكَانَ عَادَتَهُ صَوْمُهُمَا فَلَا كَرَاهَةَ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي ذَلِكَ.
(وَيُكْرَهُ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ تَطَوُّعًا) لِقَوْلِ عَمَّارٍ: «مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَهُوَ لِلْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا (وَيَصِحُّ) صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ (أَوْ) أَيْ: وَيُكْرَهُ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ (بِنِيَّةِ الرَّمَضَانِيَّةِ احْتِيَاطًا) وَلَا يُجْزِئُ إنْ ظَهَرَ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَهُوَ) أَيْ: يَوْمُ الشَّكِّ (يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي السَّمَاءِ) فِي مَطْلِعِ الْهِلَالِ (عِلَّةٌ) مِنْ غَيْمٍ أَوْ قَتَرٍ وَنَحْوِهِمَا، (وَلَمْ يُرَ الْهِلَالُ أَوْ شَهِدَ بِهِ مَنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ) لِفِسْقٍ وَنَحْوِهِ (إلَّا أَنْ يُوَافِقَ) يَوْمَ الشَّكِّ (عَادَةٌ) كَمَنْ عَادَتُهُ يَصُومُ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَالِاثْنَيْنِ فَوَافَقَ يَوْمَ الشَّكِّ أَحَدُهُمَا فَلَا كَرَاهَةَ، أَوْ عَادَتُهُ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ آخَرَ فَوَافَقَ صَوْمُهُ ذَلِكَ فَلَا كَرَاهَةَ (أَوْ يَصِلُهُ) أَيْ: يَوْمَ الشَّكِّ (بِصِيَامٍ قَبْلَهُ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إلَّا رَجُلًا كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَوْ يَصُومُهُ) أَيْ: يَوْمَ الشَّكِّ (عَنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ) أَوْ كَفَّارَةٍ فَلَا كَرَاهَةَ؛ لِأَنَّ صَوْمَهُ وَاجِبٌ إذَنْ.
(وَيُكْرَهُ إفْرَادُ يَوْمِ نَيْرُوزِ) بِصَوْمٍ (وَ) يَوْمِ (مِهْرَجَانٍ وَهُمَا عِيدَانِ لِلْكُفَّارِ) قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: النَّيْرُوزُ الْيَوْمُ الرَّابِعُ مِنْ الرَّبِيعِ وَالْمِهْرَجَانُ: الْيَوْمُ التَّاسِعَ عَشَرَ مِنْ الْخَرِيفِ لِمَا فِيهِ مِنْ مُوَافَقَةِ الْكُفَّارِ فِي تَعْظِيمِهَا وَاخْتَارَ الْمَجْدُ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُعَظِّمُونَهُمَا بِالصَّوْمِ كَالْأَحَدِ.
(وَ) عَلَى الْأَوَّلِ: يُكْرَهُ إفْرَادُ (كُلِّ عِيدٍ لَهُمْ) أَيْ: لِلْكُفَّارِ (أَوْ يَوْمٍ يُفْرِدُونَهُ بِتَعْظِيمٍ) ، ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا (إلَّا أَنْ يُوَافِقَ عَادَةً) كَأَنْ يَكُونَ يَوْمَ خَمِيسٍ أَوْ اثْنَيْنِ وَعَادَتُهُ صَوْمُهُمَا فَلَا كَرَاهَةَ.
(وَيُكْرَهُ تَقَدُّمُ رَمَضَانَ بِ) صَوْمِ (يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، (وَلَا يُكْرَهُ) تَقَدُّمُ رَمَضَانَ بِصَوْمِ (أَكْثَرَ مِنْ يَوْمَيْنِ) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ السَّابِقِ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ:«إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ فَقَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ
وَصَحَّحَهُ الْمُوَفَّقُ وَحَمَلَهُ عَلَى نَفْيِ الْفَضِيلَةِ.
(وَيُكْرَهُ الْوِصَالُ إلَّا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَمُبَاحٌ لَهُ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: «وَاصَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ فَوَاصَلَ النَّاسُ فَنَهَى عَنْ الْوِصَالِ فَقَالُوا: إنَّك تُوَاصِلُ فَقَالَ: إنِّي لَسْت مِثْلَكُمْ إنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ وَقَعَ رِفْقًا وَرَحْمَةً وَلِهَذَا وَاصَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِهِمْ وَوَاصَلُوا بَعْدَهُ.
(وَهُوَ) أَيْ: الْوِصَالُ (أَنْ لَا يُفْطِرَ بَيْنَ الْيَوْمَيْنِ وَتَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِأَكْلِ تَمْرَةٍ وَنَحْوِهَا وَكَذَا بِمُجَرَّدِ الشُّرْبِ) لِانْتِفَاءِ الْوِصَالِ (وَلَا يُكْرَهُ الْوِصَالُ إلَى السَّحَرِ) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا «فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ إلَى السَّحَرِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَلَكِنْ تَرَكَ سُنَّةً وَهِيَ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ) فَتَرْكُ ذَلِكَ أَوْلَى مُحَافَظَةً عَلَى السُّنَّةِ.
(وَيَحْرُمُ صَوْمُ يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ وَلَا يَصِحُّ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ يَوْمِ فِطْرٍ وَيَوْمِ أَضْحَى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَتَحْرِيمَهُ.
(وَكَذَا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ) يَحْرُمُ صَوْمُهَا وَلَا يَصِحُّ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا؛ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ مَرْفُوعًا: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ» وَلِأَحْمَدَ النَّهْيُ عَنْ صَوْمِهَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَسَعْدٍ بِإِسْنَادَيْنِ ضَعِيفَيْنِ (إلَّا عَنْ دَمِ مُتْعَةٍ وَقِرَانٍ وَيَأْتِي) فِي بَابِ الْفِدْيَةِ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ «لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
(وَيَجُوزُ صَوْمُ الدَّهْرِ وَلَمْ يُكْرَهْ) ؛ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ كَانُوا يَسْرُدُونَ الصَّوْمَ مِنْهُمْ أَبُو طَلْحَةَ قِيلَ: إنَّهُ صَامَ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعِينَ سَنَةً (إذَا لَمْ يَتْرُكْ بِهِ حَقًّا وَلَا خَافَ ضَرَرًا وَلَمْ يَصُمْ هَذِهِ الْأَيَّامَ) الْخَمْسَةَ يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ (فَإِنْ صَامَهَا فَقَدْ فَعَلَ مُحَرَّمًا) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَمَنْ دَخَلَ فِي تَطَوُّعٍ غَيْرِ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ اُسْتُحِبَّ لَهُ إتْمَامُهُ) ؛ لِأَنَّهُ تَكْمِيلُ الْعِبَادَةِ وَهُوَ مَطْلُوبٌ (وَلَمْ
يَجِبْ) عَلَيْهِ إتْمَامُهُ «لِقَوْلِ عَائِشَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ فَقَالَ: أَرِنِيهِ فَلَقَدْ أَصْبَحْت صَائِمًا فَأَكَلَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْخَمْسَةُ وَزَادَ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ: «إنَّمَا مَثَلُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ مَثَلُ الرَّجُلِ يُخْرِجُ مِنْ مَالِهِ الصَّدَقَةَ فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهَا وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهَا» وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ وَضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَغَيْرُ الصَّوْمِ مِنْ التَّطَوُّعَاتِ كَهُوَ وَكَالْوُضُوءِ وَأَمَّا الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَيَجِبَانِ بِالشُّرُوعِ وَيَأْتِي؛ لِأَنَّ الْوُصُولَ إلَيْهِمَا لَا يَحْصُلُ فِي الْغَالِبِ إلَّا بَعْدَ كُلْفَةٍ عَظِيمَةٍ وَمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ وَإِنْفَاقِ مَالٍ كَثِيرٍ، فَفِي إبْطَالِهِمْ تَضْيِيعٌ لِمَالِهِ وَإِبْطَالٌ لِأَعْمَالِهِ الْكَثِيرَةِ (لَكِنْ يُكْرَهُ قَطْعُهُ بِلَا عُذْرٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ الْأَجْرِ (وَإِنْ أَفْسَدَهُ) أَيْ: التَّطَوُّعَ (فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَتْبَعُ الْمَقْضِيَّ عَنْهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا لَمْ يَكُنْ الْقَضَاءُ وَاجِبًا بَلْ يُسْتَحَبُّ.
(وَكَذَا لَا تَلْزَمُ الصَّدَقَةُ وَلَا الْقِرَاءَةُ وَلَا الْأَذْكَارُ بِالشُّرُوعِ) فِيهَا وِفَاقًا (وَإِنْ دَخَلَ فِي فَرْضِ كِفَايَةِ) كَصَلَاةِ جِنَازَةٍ (أَوْ) دَخَلَ فِي (وَاجِبٍ) عَلَى الْأَعْيَانِ (مُوَسَّعٍ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ قَبْلَ رَمَضَانَ الثَّانِي وَالْمَكْتُوبَةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ كَنَذْرٍ مُطْلَقٍ وَكَفَّارَةٍ) إنْ قُلْنَا: هُمَا غَيْرُ وَاجِبَيْنِ عَلَى الْفَوْرِ، وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَأْتِي (حَرُمَ خُرُوجُهُ مِنْهُ بِلَا عُذْرٍ بِغَيْرِ خِلَافٍ) ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ مُتَعَيِّنٌ وَدَخَلَتْ التَّوَسُّعَةُ فِي وَقْتِهِ رِفْقًا وَمَظِنَّةً لِلْحَاجَةِ، فَإِذَا شَرَعَ فِيهَا تَعَيَّنَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي إتْمَامِهَا (وَقَدْ يَجِبُ قَطْعُهُ) أَيْ الْفَرْضُ (كَرَدِّ مَعْصُومٍ عَنْ هَلَكَةٍ وَإِنْقَاذِ غَرِيقٍ وَنَحْوِهِ) كَحَرِيقٍ وَمَنْ تَحْتَ هَدْمٍ.
(وَإِذَا دَعَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلَاةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: 24]، (وَلَهُ قَطْعُهَا) أَيْ: الصَّلَاةِ (بِهَرَبِ غَرِيمِهِ وَ) لَهُ (قَلْبُهَا نَفْلًا وَتَقَدَّمَ) ذَلِكَ مُوَضَّحًا (وَإِنْ أَفْسَدَهُ) أَيْ: الْفَرْضَ (فَلَا كَفَّارَةَ) مُطْلَقًا لِعَدَمِ النَّصِّ فِيهَا.
(وَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ مَا كَانَ قَبْلَ شُرُوعِهِ) فِيمَا أَفْسَدَهُ، (وَلَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةِ تَطَوُّعٍ قَائِمًا لَمْ يَلْزَمْهُ إتْمَامُهَا قَائِمًا) بِغَيْرِ خِلَافٍ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ، (وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ أَنَّ الطَّوَافَ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَحْكَامِ إلَّا فِيمَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ) لِلْخَبَرِ.