الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ (مِنْ الْوَطْءِ وَالْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ لِشَهْوَةٍ وَعَقْدِ النِّكَاحِ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا قَالَ «إذَا رَمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ الطِّيبُ وَالثِّيَابُ وَكُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ» رَوَاهُ سَعِيدٌ.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ «طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِإِحْرَامِهِ حِينَ أَحْرَمَ وَلِحِلِّهِ قَبْل أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
[فَصْلٌ يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ بِاثْنَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةٍ]
(فَصْلٌ " وَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ بِاثْنَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةٍ رَمْيٍ) لِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ " (وَحَلْقٍ) أَوْ تَقْصِيرٍ (وَطَوَافِ) إفَاضَةٍ لِحَدِيثِ سَعِيدٍ عَنْ عَائِشَةَ السَّابِقِ وَقِيسَ عَلَى الْحَلْقِ وَالرَّمْي الْبَاقِي فَلَوْ حَلَقَ وَطَافَ ثُمَّ وَاقَعَ أَهْلَهُ قَبْلَ الرَّمْي فَحَجُّهُ صَحِيحٌ وَعَلَيْهِ دَمٌ.
(وَ) يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ (الثَّانِي بِالثَّالِثِ مِنْهَا) أَيْ: مِنْ الْحَلْقِ وَالرَّمْيِ وَالطَّوَافِ مَعَ السَّعْيِ إنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا أَوْ كَانَ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا وَلَمْ يَسْعَ مَعَ طَوَافِ الْقُدُومِ (فَالْحَلْقُ وَالتَّقْصِيرُ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ (نُسُكٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27] فَوَصَفَهُمْ وَامْتَنَّ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ فَدَلَّ أَنَّهُ مِنْ الْعِبَادَةِ لَا إطْلَاقَ مِنْ مَحْظُورٍ وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «فَلْيُقَصِّرْ ثُمَّ لِيُحِلَّ» وَلَوْ لَمْ يَكُنْ نُسُكًا لَمْ يَتَوَقَّفْ الْحِلُّ عَلَيْهِ وَدَعَا صلى الله عليه وسلم لِلْمُحَلِّقِينَ وَالْمُقَصِّرِينَ وَفَاضَلَ بَيْنَهُمْ فَلَوْلَا أَنَّهُ نُسُكٌ لَمَا اسْتَحَقُّوا لِأَجْلِهِ الدُّعَاءَ وَلَمَا وَقَعَ التَّفَاضُلُ فِيهِ إذْ لَا مُفَاضَلَةَ فِي الْمُبَاحِ فَفِي تَرْكِهِمَا دَمٌ (وَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْ أَيَّامِ مِنًى فَلَا دَمَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ.
(وَإِنْ قَدَّمَ الْحَلْقَ عَلَى الرَّمْيِ) أَوْ عَلَى (النَّحْرِ أَوْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ قَبْلَ رَمْيِهِ) أَوْ نَحَرَ قَبْلَ رَمْيِهِ (جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ كَانَ عَالِمًا) لِحَدِيثِ عَطَاءٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ رَجُلٌ أَفَضْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ ارْمِ وَلَا حَرَجَ» وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ قَدَّمَ شَيْئًا قَبْلَ شَيْءٍ فَلَا حَرَجَ» رَوَاهُمَا سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ قَالَ اذْبَحْ
وَلَا حَرَجَ فَقَالَ آخَرُ ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ ارْمِ وَلَا حَرَجَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي لَفْظٍ قَالَ «فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ فَمَا سَمِعْتُهُ يُسْأَلُ يَوْمَئِذٍ عَنْ أَمْرٍ مِمَّا يَنْسَى الْمَرْءُ أَوْ يَجْهَلُ مِنْ تَقْدِيمِ بَعْضِ الْأُمُورِ عَلَى بَعْضٍ وَأَشْبَاهِهَا إلَّا قَالَ افْعَلُوا وَلَا حَرَجَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ مَرْفُوعًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (لَكِنْ يُكْرَهُ) ذَلِكَ لِلْعَالِمِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ.
(وَإِنْ قَدَّمَ) طَوَافَ (الْإِفَاضَةِ عَلَى الرَّمْيِ أَجْزَأَهُ طَوَافُهُ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(ثُمَّ يَخْطُب الْإِمَامُ يَوْمَ النَّحْرِ بُكْرَةَ النَّهَارِ بِمِنًى خُطْبَةً مُفْتَتَحَةً بِالتَّكْبِيرِ يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا النَّحْرَ وَالْإِفَاضَةَ وَالرَّمْيَ) نَصَّ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ يَعْنِي بِمِنًى» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ؛ وَلِأَنَّهُ يَوْمٌ تَكْثُرُ فِيهِ أَفْعَالُ الْحَجِّ مِنْ الْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَالدَّفْعِ مِنْهُ إلَى مِنًى وَالرَّمْيِ وَالنَّحْرِ وَالْحَلْقِ وَالْإِفَاضَةِ وَالرُّجُوعِ إلَى مِنًى لِيَبِيتَ بِهَا وَلَيْسَ فِي غَيْرِهِ مِثْلُهُ فَلِذَلِكَ يُسَمَّى يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ وَلِهَذَا «قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي خُطْبَةِ يَوْمِ النَّحْرِ هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
(ثُمَّ يُفِيضُ إلَى مَكَّةَ فَيَطُوفُ مُتَمَتِّعٌ لِقُدُومِهِ) كَطَوَافِهِ ل (عُمْرَتِهِ) السَّابِقِ فِي دُخُولِ مَكَّةَ (نَصًّا) هَكَذَا فِي الْإِنْصَافِ وَبَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا: لِعُمْرَتِهِ وَالْمَعْنَى عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ (بِلَا رَمَلٍ) ثُمَّ يَطُوفُ لِلزِّيَارَةِ وَاحْتَجَّ الْإِمَامُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ " فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلَقُوا ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا " فَحَمَلَ أَحْمَدُ قَوْلَ عَائِشَةَ عَلَى أَنَّ طَوَافَهُمْ لِحَجِّهِمْ هُوَ طَوَافُ الْقُدُومِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ مَشْرُوعٌ فَلَمْ يَكُنِ الطَّوَافُ طَوَافَ الزِّيَارَةِ مُسْقِطًا لَهُ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ عِنْدَ دُخُولِهِ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِالْفَرْضِ وَاخْتَارَ ذَلِكَ الْخِرَقِيُّ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.
(وَكَذَا يَطُوفُهُ) أَيْ: طَوَافَ الْقُدُومِ (بِرَمَلٍ مُفْرِدٌ وَقَارِنٌ لَمْ يَكُونَا دَخَلَا مَكَّةَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَلَا طَافَاهُ نَصًّا) لِمَا تَقَدَّمَ (وَقِيلَ: لَا يَطُوفُ لِلْقُدُومِ أَحَدٌ مِنْهُمْ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَالْمُوَفَّقُ وَرَدَّهُ) الْمُوَفَّقُ (الْأَوَّلُ وَقَالَ) الْمُوَفَّقُ (لَا نَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ) بَلْ الْمَشْرُوعُ طَوَافٌ وَاحِدٌ لِلزِّيَارَةِ كَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَإِنَّهُ يُكْتَفَى بِهَا عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ
الَّذِينَ تَمَتَّعُوا مَعَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَلَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَحَدًا وَحَدِيثُ عَائِشَةَ دَلِيل عَلَى هَذَا فَإِنَّهَا قَالَتْ " طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا بَعْد أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ " وَهَذَا هُوَ طَوَاف الزِّيَارَة وَلَمْ تَذْكُر طَوَافًا آخَرَ وَلَوْ كَانَ هَذَا الَّذِي ذَكَرَتْهُ طَوَاف الْقُدُوم لَكَانَتْ قَدْ أَخَلَّتْ بِذِكْرِ طَوَاف الزِّيَارَة الَّذِي هُوَ رُكْن الْحَجّ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ وَذَكَرَتْ مَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ وَعَلَى كُلّ حَالَ فَمَا ذَكَرَتْ إلَّا طَوَافًا وَاحِدًا فَمِنْ أَيْنَ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى طَوَافَيْنِ.
(قَالَ) أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ زَيْنُ الدِّينِ (ابْنُ رَجَبٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ ثُمَّ يَطُوفُ لِلزِّيَارَةِ) سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي مِنْ مِنًى فَيَزُورُ الْبَيْتَ وَلَا يُقِيمُ بِمَكَّةَ بَلْ يَرْجِعُ إلَى مِنًى (وَيُسَمَّى الْإِفَاضَةُ) ؛ لِأَنَّهُ يَفْعَلُ بَعْدَهَا (وَ) يُسَمَّى (الصَّدَرُ) بِفَتْحِ الصَّادِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ رُجُوعُ الْمُسَافِرِ مِنْ مَقْصِدِهِ؛ لِأَنَّهُ يَفْعَلُ بَعْدَهُ أَيْضًا وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ إنَّهُ يُسَمَّى طَوَافَ الصَّدَرِ قَالَهُ فِي الْمَطْلَعِ وَالرِّعَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيّ وَصَحَّحَ فِي الْإِنْصَافِ أَنَّ طَوَافَ الصَّدَرِ هُوَ طَوَافُ الْوَدَاعِ وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى.
(وَيُعَيِّنُهُ) أَيْ: طَوَافَ الزِّيَارَةِ (بِنِيَّتِهِ) لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَكَالصَّلَاةِ وَيَكُونُ (بَعْد وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ) ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم طَافَ كَذَلِكَ.
وَقَالَ «لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» (وَهُوَ الطَّوَافُ الْوَاجِبُ الَّذِي بِهِ تَمَامُ الْحَجِّ) فَهُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهِ إجْمَاعًا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ فَحَاضَتْ صَفِيَّةُ فَأَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا حَائِضٌ قَالَ أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ اُخْرُجُوا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ أَفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ كَانَتْ حَابِسَتَهُمْ فَيَكُونُ الطَّوَافُ حَابِسًا لِمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ (فَإِنْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ (رَجَعَ مِنْهَا) أَيْ: مِنْ بَلَدِهِ (مُحْرِمًا) أَيْ: بَاقِيًا عَلَى إحْرَامِهِ بِمَعْنَى بَقَاءِ تَحْرِيمِ النِّسَاءِ عَلَيْهِ لَا الطِّيبِ وَلُبْس الْمَخِيطِ وَنَحْوِهِ لِحُصُولِ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ رَمَى وَحَلَقَ (فَطَافَهُ) أَيْ: طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَحَلَّ بَعْدَهُ وَتَقَدَّمَ حُكْمُ مَا لَوْ وَطِئَ وَحَلَّ وَيُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ إذَا وَصَلَ الْمِيقَاتَ فَإِذَا حَلّ مِنْهَا طَافَ لِلْإِفَاضَةِ (وَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ)
أَيْ: عَنْ طَوَاف الْإِفَاضَةِ (غَيْرُهُ) مِنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ أَوْ غَيْرِهِ لِحَدِيثِ «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» .
(وَأَوَّلُ وَقْتِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ بَعْدَ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ (وَالْأَفْضَلُ فِعْلُهُ يَوْمَ النَّحْرِ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (فَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى اللَّيْلِ فَلَا بَأْسَ) بِذَلِكَ.
(وَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْهُ) أَيْ: عَنْ يَوْمِ النَّحْرِ (وَ) أَخَّرَهُ (عَنْ أَيَّامِ مِنًى جَازَ كَالسَّعْيِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ آخِرَ وَقْتِهِ مَحْدُودٌ.
(ثُمَّ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا وَلَا يَكْتَفِي بِسَعْيِ عُمْرَتِهِ) ؛ لِأَنَّهَا نُسُكٌ آخَرُ بَلْ يَسْعَى لِحَجِّهِ (أَوْ) كَانَ (غَيْرَ مُتَمَتِّعٍ وَلَمْ يَكُنْ سَعَى مَعَ طَوَافِ الْقُدُومِ) مُفْرِدًا كَانَ أَوْ قَارِنًا (فَإِنْ كَانَ قَدْ سَعَى) بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ (لَمْ يَسْعَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ التَّطَوُّعُ بِالسَّعْيِ كَسَائِرِ الْأَنْسَاكِ قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا.
(وَالسَّعْيُ رُكْنٌ فِي الْحَجِّ فَلَا يَتَحَلَّلُ) التَّحَلُّلَ الثَّانِي (إلَّا بِفِعْلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ) لِحَدِيثِ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي تُجْزَأَةَ قَالَتْ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالنَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ وَرَاءَهُمْ وَهُوَ يَسْعَى حَتَّى أَرَى رُكْبَتَيْهِ مِنْ شِدَّةِ السَّعْي يَدُورُ بِهِ إزَارُهُ وَهُوَ يَقُولُ: اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَعَنْ عَائِشَةَ «مَا أَتَمَّ اللَّهُ حَجَّ امْرِئٍ وَلَا عُمْرَتَهُ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ» مُتَّفَق عَلَيْهِ مُخْتَصَر.
(فَإِنْ فَعَلَهُ) أَيْ: السَّعْيَ (قَبْلَ الطَّوَافِ عَالِمًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَعَادَهُ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ شَرْطَهُ وُقُوعُهُ بَعْدَ الطَّوَافِ.
(ثُمَّ قَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ) حَتَّى النِّسَاءِ (وَيُسْتَحَبُّ التَّطَيُّبُ عِنْدَ الْإِحْلَالِ) الْأَوَّلِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ (ثُمَّ يَأْتِي زَمْزَمَ فَيَشْرَبُ مِنْهَا لِمَا أَحَبَّ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
وَعَنْ ابْن عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ مَرْفُوعًا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (وَيَتَضَلَّعُ) مِنْهُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إنَّ آيَةَ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ أَنْ لَا يَتَضَلَّعُونَ مِنْ زَمْزَمَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ (زَادَهُ فِي التَّبْصِرَةِ: وَيَرُشُّ عَلَى بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ وَيَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا وَاسِعًا وَرَيًّا) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ وَكَرِضًا.
(وَشِبَعًا) بِكَسْرِ الشِّينِ وَفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا وَسُكُونِهَا: مَصْدَرُ شَبِعَ (وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَاغْسِلْ بِهِ قَلْبِي وَامْلَأْهُ مِنْ خَشْيَتِكَ) زَادَ بَعْضُهُمْ وَحِكْمَتِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ لَائِقٌ بِهَذَا الْفِعْلِ وَهُوَ شَامِلٌ لِخَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ " كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ
إذَا شَرِبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ قَالَ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا وَاسِعًا وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
(وَيُسَنُّ أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ وَالْحِجْرَ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الْبَيْتِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَتَقَدَّمَ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ.
(وَيَكُونُ) حَالَ دُخُولِ الْبَيْتِ وَالْحِجْرِ (حَافِيًا بِلَا خُفٍّ وَلَا نَعْلٍ) لِمَا رَوَى الْأَزْرَقِيُّ عَنْ الْوَاقِدِيِّ عَنْ أَشْيَاخِهِ " أَوَّلَ مَنْ خَلَعَ الْخُفَّ وَالنَّعْلَ فَلَمْ يَدْخُلْهَا أَيْ: الْكَعْبَةَ بِهِمَا الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ إعْظَامًا لَهَا فَجَرَى ذَلِكَ سُنَّةً "(بِغَيْرِ سِلَاحٌ نَصًّا وَيُكَبِّرُ) فِي نَوَاحِيهِ (وَيَدْعُو فِي نَوَاحِيهِ وَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَبِلَالٌ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَقُلْتُ لِبِلَالٍ هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ نَعَمْ قُلْتُ أَيْنَ قَالَ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ قَالَ وَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى» ؟ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَيُكْثِرُ النَّظَرَ إلَيْهِ) أَيْ: الْبَيْتِ (الْبَيْتِ لِأَنَّهُ) أَيْ: النَّظَرَ إلَيْهِ (عِبَادَةُ فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْهُ فَلَا بَأْسَ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا وَهُوَ مَسْرُورٌ ثُمَّ رَجَعَ وَهُوَ كَئِيبٌ فَقَالَ: إنِّي دَخَلْتُ الْكَعْبَةَ وَلَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا دَخَلْتُهَا إنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُونَ قَدْ شَقَقْتُ عَلَى أُمَّتِي» (وَيَتَصَدَّقُ بِثِيَابِ الْكَعْبَةِ إذَا نُزِعَتْ نَصًّا) لِفِعْلِ عُمَرَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي نَجِيحٍ عَنْهُ فَهُوَ مُرْسَلٌ وَرَوَى الثَّوْرِيُّ أَنَّ شَيْبَةَ كَانَ يَدْفَعُ خَلْقَانَ الْبَيْتِ إلَى الْمَسَاكِينِ وَقِيَاسًا عَلَى الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ بِجَامِعِ انْقِطَاعِ الْمَصْرِفِ (وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَشْفِيَ بِشَيْءٍ مِنْ طِيبِهَا) أَيْ: الْكَعْبَةَ (فَلْيَأْتِ بِطِيبٍ مِنْ عِنْدِهِ فَلْيُرِقْهُ عَلَى الْبَيْتِ ثُمَّ يَأْخُذَهُ وَلَا يَأْخُذَ مِنْ طِيبِ الْكَعْبَةِ شَيْئًا) أَيْ: يَحْرُمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ لِلْمَوْقُوفِ فِي غَيْرِ مَا وُقِفَ عَلَيْهِ.