المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب الفوات والإحصار] - كشاف القناع عن متن الإقناع - ت مصيلحي - جـ ٢

[البهوتي]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ]

- ‌[فَصْلٌ إذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ صَلَّوْا وُجُوبًا وَلَا يُؤَخِّرُونَهَا]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ شُرُوطُ صِحَّة الْجُمُعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ يُسَنُّ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى مِنْبَرٍ]

- ‌[فَصْلٌ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ]

- ‌[فَصْلٌ يُسَنُّ أَنْ يُغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ]

- ‌[كِتَابُ الْجَنَائِزِ]

- ‌[فَصْلُ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلُ سِتْر عَوْرَة الْمَيِّت عِنْد غسله]

- ‌[فَصْلٌ غُسْلُ شَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْكَفَنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ]

- ‌[فَصْلُ يَحْرُمُ أَنْ يُغَسِّلَ مُسْلِمٌ كَافِرًا]

- ‌[فَصْلٌ حَمْلُ الْمُسْلِم وَدَفْنُهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دَفْنِ الْمَيِّتِ]

- ‌[فَصْلٌ رَفْعُ الْقَبْرِ عَنْ الْأَرْضِ]

- ‌[فَصْل يُسَنُّ لِذُكُورٍ زِيَارَةُ قَبْرِ مُسْلِمٍ]

- ‌[فَصْل تَعْزِيَةُ أَهْلِ الْمُصِيبَةِ بِالْمَيِّتِ]

- ‌[كِتَابُ الزَّكَاةِ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ]

- ‌[بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل الْإِبِلُ]

- ‌[فَصَلِّ النَّوْعُ الثَّانِي الْبَقَرُ]

- ‌[فَصْلٌ النَّوْعُ الثَّالِثُ الْغَنَمُ]

- ‌[فَصْلٌ الْخُلْطَةُ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الْخَارِجِ مِنْ الْأَرْضِ]

- ‌[فَصْل مَا يُعْتَبَرُ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ يَجِبُ الْعُشْرُ فِيمَا سُقِيَ بِغَيْرِ مُؤْنَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ يُسَنُّ أَنْ يَبْعَثَ الْإِمَامُ سَاعِيًا خَارِصًا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي زَكَاةُ الْمَعْدِنِ]

- ‌[فَصْلٌ يَجِبُ فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ وَلَا زَكَاةَ فِي حُلِيٍّ مُبَاحٍ لِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ]

- ‌[فَصْلٌ الْوَاجِبُ فِي زَكَاة الْفِطْر]

- ‌[بَابُ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ حُكْمِ النَّقْلِ وَالتَّعْجِيلِ وَنَحْوِهِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ الزَّكَاة إلَّا بِنِيَّةِ]

- ‌[فَصْل تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ]

- ‌[بَابُ ذِكْرِ أَهْلِ الزَّكَاةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى كَافِرٍ]

- ‌[فَصْلٌ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ]

- ‌[كِتَابُ الصِّيَامِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَجِبُ الصَّوْمُ إلَّا عَلَى مُسْلِمٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ قَادِرٍ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَصِحُّ صَوْمٌ إلَّا بِنِيَّةٍ]

- ‌[بَابُ مَا يُفْسِدُ الصِّيَامَ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ فِي الصَّوْم]

- ‌[بَابُ مَا يُكْرَهُ فِي الصَّوْمِ]

- ‌[فَصْلٌ يُسَنَّ تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ]

- ‌[فَصْلُ فَاتَهُ صَوْمُ رَمَضَانَ كُلِّهِ لِعُذْرٍ]

- ‌[بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَمَا يُكْرَهُ مِنْهُ وَذِكْرِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ فَضْلُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ]

- ‌[بَابُ الِاعْتِكَافِ وَأَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ لَزِمَهُ تَتَابُعُ اعْتِكَافٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ]

- ‌[كِتَابِ الْحَجِّ]

- ‌[شَرَائِط وُجُوب الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاسْتِطَاعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمَرْأَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيُبَادِرْ]

- ‌[بَابُ مَوَاقِيتِ الْحَجّ]

- ‌[فَصْل لَا يَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ تَجَاوُزُ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ]

- ‌[بَابُ الْإِحْرَامِ وَالتَّلْبِيَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا]

- ‌[فَصْل مُرِيدُ الْإِحْرَامِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّمَتُّعِ وَالْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا بِأَنْ نَوَى الدُّخُولِ فِي النُّسُكِ وَلَمْ يُعَيِّنْ نُسُكًا]

- ‌[فَصْلٌ التَّلْبِيَةُ سُنَّةٌ]

- ‌[بَابُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَام]

- ‌[إزَالَةُ الشَّعْرِ مِنْ جَمِيعِ الْبَدَن]

- ‌[فَصْلٌ تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ فِي الْإِحْرَام]

- ‌[فَصْلٌ لُبْسِ الذَّكَرِ الْمَخِيطَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الطِّيبُ لِلْمُحْرِمِ]

- ‌[فَصْلٌ قَتْلُ صَيْدِ الْبَرِّ الْمَأْكُولِ وَذَبْحُهُ لِلْمُحْرِمِ]

- ‌[فَصْلٌ عَقْدُ النِّكَاحِ لِلْمُحْرِمِ]

- ‌[فَصْلٌ الْجِمَاعُ فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُبَاشَرَةُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَرْأَةُ إحْرَامُهَا فِي وَجْهِهَا]

- ‌[بَابُ الْفِدْيَةِ]

- ‌[الْفِدْيَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ]

- ‌[الضَّرْب الْأَوَّل مَا يَجِبُ عَلَى التَّخْيِيرِ]

- ‌[فَصْلٌ الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ أَضْرُبِ الْفِدْيَةِ مَا يَجِب عَلَى التَّرْتِيبِ]

- ‌[فَصْلٌ الضَّرْبُ الثَّالِثُ مِنْ أَضْرُبِ الْفِدْيَةِ الدِّمَاءُ الْوَاجِبَةُ]

- ‌[فَصْلٌ كَرَّرَ الْمُحْرِم مَحْظُورًا مِنْ جِنْسِ غَيْرِ قَتْلِ صَيْدٍ]

- ‌[فَصْلٌ كُلُّ هَدْيٍ أَوْ إطْعَامٍ يَتَعَلَّقُ بِحَرَمٍ أَوْ إحْرَامٍ فَهُوَ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ]

- ‌[بَابٌ جَزَاءُ الصَّيْدِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ النَّعَمِ]

- ‌[بَابُ صَيْدِ الْحَرَمَيْنِ وَنَبْتِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ قَطْعُ شَجَرِ الْحَرَمِ الْمَكِّيِّ]

- ‌[فَصْلٌ صَيْدُ الْمَدِينَةِ]

- ‌[بَابٌ دُخُولُ مَكَّةَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَغَيْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الطَّوَافِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ شَيْئًا]

- ‌[بَابُ صِفَةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ يَدْفَعُ الْمُحْرِم بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ عَرَفَةَ بِسَكِينَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ يَدْفَعُ الْمُحْرِم قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى مِنًى]

- ‌[فَصْلٌ يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ بِاثْنَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ يَرْجِعُ مَنْ أَفَاضَ إلَى مَكَّةَ بَعْدَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ]

- ‌[فَصْلٌ أَرَادَ الْمُحْرِم الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ]

- ‌[فَصْلٌ إذَا فَرَغَ مِنْ الْحَجِّ اُسْتُحِبَّ لَهُ زِيَارَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي صِفَةِ الْعُمْرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ أَرْكَانُ الْحَجِّ]

- ‌[بَابُ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ]

- ‌[بَابٌ الْهَدْيُ وَالْأَضَاحِيُّ وَالْعَقِيقَةُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

الفصل: ‌[باب الفوات والإحصار]

الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالْمَعَاصِي الْمُتَعَلِّقَةِ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً، دُونَ الْعِبَادِ وَلَا يُسْقِطُ الْحُقُوقَ أَنْفُسُهَا فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ صَلَاةٌ أَوْ كَفَّارَةٌ وَنَحْوُهَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَسْقُطُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهَا حُقُوقٌ لَا ذُنُوبٌ إنَّمَا الذَّنَبُ تَأْخِيرُهَا فَنَفْسُ التَّأْخِيرِ يَسْقُطُ بِالْحَجِّ لَا هِيَ نَفْسُهَا فَلَوْ أَخَّرَهَا بَعْدَهُ تَجَدَّدَ إثْمٌ آخَرُ، فَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ يُسْقِطُ إثْمَ الْمُخَالَفَةِ لَا الْحُقُوقِ قَالَهُ فِي الْمَوَاهِبِ.

[بَابُ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ]

(بَابُ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ الْفَوَاتُ) : مَصْدَرُ فَاتَهُ يَفُوتُهُ فَوَاتًا، وَفَوْتًا وَهُوَ (سَبَقٌ لَا يُدْرَكْ وَالْإِحْصَارُ) مَصْدَرُ أَحْصَرَهُ أَيْ: حَبَسَهُ فَهُوَ (الْحَبْسُ) أَيْ: الْمَنْعُ (مَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ فَجْرُ يَوْمِ النَّحْرِ وَلَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ، وَلَوْ لِعُذْرٍ فَاتَهُ الْحَجُّ) فِي ذَلِكَ الْعَامِ، لِانْقِضَاءِ زَمَنِ الْوُقُوفِ لِقَوْلِ جَابِرٍ «لَا يَفُوتُ الْحَجُّ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ فَقُلْتُ لَهُ: أَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَلِمَفْهُومِ مَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الْحَجُّ عَرَفَةَ، فَمَنْ جَاءَ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ لَيْلَةَ جَمْعٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى فَوَاتِ الْحَجِّ بِخُرُوجِ لَيْلَةِ جَمْعٍ.

(وَسَقَطَ عَنْهُ تَوَابِعُ الْوُقُوفِ، كَمَبِيتٍ بِمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى، وَرَمْيِ جِمَارٍ) كَفَوَاتِ مَتْبُوعِهَا كَمَنْ عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ بِالْجَبْهَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ بِغَيْرِهَا (وَانْقَلَبَ إحْرَامُهُ عُمْرَةً نَصًّا فَيَطُوفُ وَيَسْعَى، وَيَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ) لِقَوْلِ عُمَرَ لِأَبِي أَيُّوبَ لَمَّا فَاتَهُ الْحَجُّ " اصْنَعْ مَا يَصْنَعُ الْمُعْتَمِرُ ثُمَّ قَدْ حَلَلْتَ، فَإِنْ أَدْرَكْتَ الْحَجَّ قَابِلًا فَحُجَّ، وَاهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ " رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَطَاءٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ؛ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ فَسْخُ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ مِنْ غَيْرِ فَوَاتٍ، فَمَعَ الْفَوَاتِ أَوْلَى (وَسَوَاءٌ كَانَ قَارِنًا أَوْ غَيْرَهُ) ؛ لِأَنَّ عُمْرَةَ الْقَارِنِ لَا يَلْزَمُهُ أَفْعَالُهَا وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ عُمْرَةٍ عَلَى عُمْرَةٍ إذَا لَزِمَهُ الْمُضِيُّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا.

وَمَحَلُّ انْقِلَابِ إحْرَامِهِ عُمْرَةً (إنْ لَمْ يَخْتَرْ الْبَقَاءَ عَلَى إحْرَامِهِ لِيَحُجَّ مِنْ قَابِلٍ) مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ

ص: 523

مُتَجَدِّدٍ، فَإِنْ اخْتَارَ ذَلِكَ فَلَهُ اسْتِدَامَةُ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْمَشَقَّةِ عَلَى نَفْسِهِ (وَلَا تُجْزِئُ) هَذِهِ الْعُمْرَةُ الَّتِي انْقَلَبَ إحْرَامُهُ إلَيْهَا (عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ) نَصًّا لِوُجُوبِهَا كَمَنْذُورَةٍ (وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَوْ) كَانَ الْحَجُّ الْفَائِتُ (نَفْلًا) لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ فَاتَهُ عَرَفَاتٌ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَلْيَتَحَلَّلْ بِعُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ» وَعُمُومُهُ شَامِلٌ لِلْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَكَذَا مَا سَبَقَ عَنْ عُمَرَ؛ وَلِأَنَّ الْحَجَّ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ، فَيَصِيرُ كَالْمَنْذُورِ، بِخِلَافِ سَائِرِ التَّطَوُّعَاتِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «الْحَجُّ مَرَّةٌ» فَالْمُرَادُ بِهِ: الْوَاجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ وَهَذَا إنَّمَا وَجَبَ بِإِيجَابِهِ لَهُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ، كَالْمَنْذُورِ.

وَأَمَّا الْمُحْصَرُ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَنْسُوبٍ إلَى تَفْرِيطٍ بِخِلَافِ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَمَحَلُّهُ: إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ: أَنَّ مَحَلِّي حَيْثُ حَبَسَتْنِي فَإِنْ اشْتَرَطَ فَلَا قَضَاءَ (وَيَلْزَمَهُ) أَيْضًا (إنْ لَمْ يَكُنْ اشْتَرَطَ أَوَّلًا) أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسَتْنِي (هَدْيُ شَاةٍ أَوْ سُبُعُ بَدَنَةٍ) أَوْ سُبُعُ بَقَرَةٍ (مِنْ حِينَ الْفَوَاتِ سَاقُهُ) أَيْ: الْهَدْيَ (أَوَّلًا) نَصَّ عَلَيْهِ (يُؤَخِّرَهُ إلَى الْقَضَاءِ يَذْبَحَهُ فِيهِ) ؛ لِأَنَّهُ حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ قَبْلَ تَمَامِهِ فَلَزِمَهُ كَالْمُحْصَرِ.

(فَإِنْ كَانَ الَّذِي فَاتَهُ الْحَجُّ قَارِنًا قَضَى قَارِنًا) أَيْ: لَزِمَهُ فِي الْعَامِ الثَّانِي مِثْلُ مَا أَهَلَّ بِهِ أَوَّلًا نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ عَلَى حَسَبِ الْأَدَاءِ فِي صُورَتِهِ وَمَعْنَاهُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ قُلْتُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ النُّسُكَيْنِ لَا أَنْ يَكُونَ قَارِنًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَبَقَ فِي الْإِحْرَامِ قَالَ فِي الشَّرْحِ:: وَيَلْزَمُهُ دَمَانِ، لِقِرَانِهِ وَفَوَاتِهِ.

(فَإِنْ عَدِمَ الْهَدْيَ زَمَنَ الْوُجُوبِ) وَهُوَ وَقْتُ الْفَوَاتِ (صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ: ثَلَاثَةٌ فِي الْحَجِّ) أَيْ حَجِّ الْقَضَاءِ (وَسَبْعَةٌ إذَا رَجَعَ) أَيْ: فَرَغَ مِنْ حَجَّةِ الْقَضَاءِ كَتَمَتُّعٍ لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ " أَنَّ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ حَجَّ مِنْ الشَّامِ فَقَدِمَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا حَبَسَكَ؟ قَالَ حَسِبْتُ أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ قَالَ: فَانْطَلِقْ إلَى الْبَيْتِ فَطُفْ بِهِ سَبْعًا وَإِنْ كَانَ مَعَكَ هَدِيَّةٌ فَانْحَرْهَا ثُمَّ إذَا كَانَ قَابِلٌ فَاحْجُجْ فَإِنْ وَجَدْتَ سَعَةً فَاهْدِ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعْتَ إنْ شَاءَ اللَّهُ " وَالْمَكِّيُّ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ (ثُمَّ حَلَّ) .

(وَالْعَبْدُ لَا يُهْدِي وَلَوْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ،؛ لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ وَلَوْ مَلَكَ غَيْرَ الْمُكَاتَبِ (وَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ الْمَذْكُورُ بَدَلَ الْهَدْي وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا: كُلُّ دَمٍ لَزِمَهُ فِي الْإِحْرَامِ) لِفِعْلِ مَحْظُورٍ أَوْ غَيْرِهِ (لَا يُجْزِئهُ عَنْهُ إلَّا الصِّيَامُ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَإِذَا صَامَ) الْعَبْدُ (فَإِنَّهُ يَصُومُ عَنْ كُلِّ

ص: 524

مُدٍّ مِنْ قِيمَةِ الشَّاةِ يَوْمًا، حَيْثُ يَصُومُ الْحُرُّ ثُمَّ حَلَّ) ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ يَصُومُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثَلَاثَةً فِي حَجَّةِ الْقَضَاءِ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ كَمَا قَدَّمَهُ فِي قَوْلِهِ: وَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ الْمَذْكُورُ بَدَلَ الْهَدْي وَقَوْلُهُ هُنَا وَفِيمَا تَقَدَّمَ: ثُمَّ حَلَّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَصُومَ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَالْمُحْصَرِ بَلْ يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِنَفْسِ إتْمَامِ النُّسُكِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي صِفَةِ الْحَجِّ، إذْ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ: ثُمَّ حَلَّ فِي الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ فِيمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بَلْ فِي الْمُحْصَرِ.

(وَإِنْ أَخْطَأَ النَّاسُ فَوَقَفُوا فِي غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ) بِأَنْ وَقَفُوا الثَّامِنَ أَوْ الْعَاشِرَ (ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ أَجْزَأَهُمْ) نَصًّا لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جَابِرِ بْنِ أَسِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «يَوْمُ عَرَفَةَ الْيَوْمُ الَّذِي يَعْرِفُ النَّاسُ فِيهِ» .

وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «فِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهَلْ هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ بَاطِنًا؟ فِيهِ خِلَافٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْهِلَالَ اسْمٌ لِمَا يَطْلُعُ فِي السَّمَاءِ أَوْ لِمَا يَرَاهُ النَّاسُ وَيَعْلَمُونَهُ وَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ قَالَ وَالثَّانِي هُوَ الصَّوَابُ.

وَقَالَ نَعْلَمُ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ بَاطِنًا وَظَاهِرًا يُوَضِّحهُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَا خَطَأٌ وَصَوَابٌ لَاسْتُحِبَّ الْوُقُوفُ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ بِدْعَةٌ لَمْ يَفْعَلْهُ السَّلَفُ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا خَطَأَ وَقَالَ: فَلَوْ رَآهُ طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ لَمْ يَنْفَرِدُوا بِالْوُقُوفِ بَلْ الْوُقُوفُ مَعَ الْجُمْهُورِ.

وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ: وُقُوفُ مَرَّتَيْنِ إنْ وَقَفَ بَعْضُهُمْ، لَا سِيَّمَا مَنْ رَآهُ وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ إنْ أَخْطَأَ أَوْ غَلَطَ فِي الْعَدَدِ أَوْ فِي الرُّؤْيَةِ أَوْ فِي الِاجْتِهَادِ مَعَ الْغَيْمِ أَجْزَأَ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ (وَإِنْ أَخْطَأَ بَعْضُهُمْ فَاتَهُ الْحَجُّ) هَذِهِ عِبَارَةُ غَالِبِ الْأَصْحَابِ.

وَفِي الِانْتِصَارِ: وَإِنْ أَخْطَأَ عَدَدٌ يَسِيرٌ.

وَفِي الْكَافِي وَالْمُجَرَّدِ: إنْ أَخْطَأَ نَفَرٌ مِنْهُمْ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: يُقَالُ: إنَّ النَّفَرَ مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إلَى الْعَشَرَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْمُنْتَهَى: وَإِنْ وَقَفَ النَّاسُ، أَوْ إلَّا يَسِيرًا الثَّامِنَ أَوْ الْعَاشِرَ خَطَأً أَجْزَأَهُمْ.

(وَمَنْ أَحَرَمَ فَحَصَرَهُ عَدُوٌّ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ عَنْ الْوُصُولِ إلَى الْبَيْتِ) أَيْ: الْحَرَمِ (بِالْبَلَدِ) مُتَعَلِّقٌ بِحَصَرَهُ (أَوْ الطَّرِيقِ، قَبْلَ الْوُقُوفِ، أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ مُنِعَ) مِنْ دُخُولِ الْحَرَمِ (ظُلْمًا أَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ آمِنٌ إلَى الْحَجِّ) وَلَوْ بَعُدَتْ (وَفَاتَ) أَيْ: خَشِيَ فَوَاتَ (الْحَجِّ

ص: 525

ذَبَحَ هَدْيًا شَاةً أَوْ سُبُعَ بَدَنَةٍ) أَوْ سُبُعَ بَقَرَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] ؛ وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَصْحَابَهُ حِينَ أُحْصِرُوا فِي الْحُدَيْبِيَةِ أَنْ يَنْحَرُوا وَيُحِلُّوا " قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي حَصْرِ الْحُدَيْبِيَةِ؛ وَلِأَنَّهُ أُبِيحَ لَهُ التَّحَلُّلُ قَبْلَ إتْمَامِ نُسُكِهِ، فَوَجَبَ الْهَدْيُ فِي صُورَةِ مَا لَوْ حُصِرَ بَعْدَ الْوُقُوفِ، كَمَا لَوْ أُحْصِرَ قَبْلَهُ.

تَنْبِيهٌ إنَّمَا قَدَّرْتُ: وَلَوْ بَعُدَتْ، وَأَوَّلْتُ: فَاتَ بِخَشْيَةِ الْفَوَاتِ لِيُوَافِقَ كَلَامَ الْأَصْحَابِ إذْ فَوْتُ الْحَجِّ لَيْسَ شَرْطًا لِتَحَلُّلِ الْمُحْصَرِ كَمَا تَدُلَّ عَلَيْهِ الْآيَةُ وَالْخَبَرُ، وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ وَيَكُونُ مَحَلُّ ذَبْحِ الْهَدْي (فِي مَوْضِعِ حَصْرِهِ حِلًّا، كَانَ أَوْ حَرَمًا) لِذَبْحِهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَهِيَ مِنْ الْحِلِّ وَتَقَدَّمَ (وَيَنْوِي) الْمُحْصَرُ (بِهِ) أَيْ: بِذِبْحِ الْهَدْي (التَّحَلُّلَ وُجُوبًا) لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» .

(وَحَلَقَ أَوْ قَصَّرَ) وُجُوبًا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ: عَدَمَ الْوُجُوبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ وَالْمُنْتَهَى لِعَدَمِ ذِكْرِهِ فِي الْآيَةِ؛ وَلِأَنَّهُ مُبَاحٌ لَيْسَ بِنُسُكٍ خَارِجَ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الْوُقُوفِ كَالرَّمْيِ (ثُمَّ حَلَّ) مِنْ إحْرَامِهِ.

(فَإِنْ أَمْكَنَ الْمُحْصَرَ الْوُصُولُ) إلَى الْحَرَمِ (مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى) غَيْرَ الَّتِي أُحْصِرَ فِيهَا (لَمْ يُبَحْ لَهُ التَّحَلُّلُ) لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْوُصُولِ إلَى الْحَرَمِ، فَلَيْسَ بِمُحْصَرٍ (وَلَزِمَهُ سُلُوكُهَا) لِيُتِمَّ نُسُكَهُ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ (بَعُدَتْ) الطَّرِيقُ (أَوْ قَرُبَتْ، خَشِيَ الْفَوَاتَ) أَيْ: فَوَاتَ الْحَجِّ (أَوْ لَمْ يَخْشَهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) الْمُحْصَرُ هَدْيًا (صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِالنِّيَّةِ) أَيْ: بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ (كَمُبْدَلِهِ) أَيْ: الصَّوْمِ وَهُوَ ذَبْحُ الْهَدْي فَإِنَّهُ يَذْبَحَهُ بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ كَمَا تَقَدَّمَ (ثُمَّ حَلَّ، وَلَا إطْعَامَ فِيهِ) أَيْ: الْإِحْصَارِ، لِعَدَمِ وُرُودِهِ.

وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: إنْ عَدِمَ الْهَدْيَ مَكَانَ إحْصَارِهِ قَوَّمَهُ طَعَامًا وَصَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، وَحَلَّ، وَأَوْجَبَ أَنْ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَصُومَ إنْ قَدَرَ فَإِنْ صَعُبَ عَلَيْهِ حَلَّ ثُمَّ صَامَ (بَلْ يَجِبُ مَعَ الْهَدْيِ) عَلَى الْمُحْصَرِ (حَلْقٌ أَوْ تَقْصِيرٌ) وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ.

(وَلَا فَرْقَ) فِيمَا تَقَدَّمَ (بَيْنَ الْحَصْرِ الْعَامِّ فِي كُلِّ الْحَاجِّ وَبَيْنَ) الْحَصْرِ (الْخَاصِّ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ مِثْلَ أَنْ يُحْبَسَ بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ يَأْخُذَهُ اللُّصُوصُ) لِعُمُومِ النَّصِّ، وَوُجُودِ الْمَعْنَى فِي الْكُلِّ.

(وَمَنْ حُبِسَ بِحَقٍّ أَوْ دَيْنٍ حَالٍّ) وَهُوَ (قَادِرٌ عَلَى

ص: 526

أَدَائِهِ فَلَيْسَ لَهُ التَّحَلُّلُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْذُورٍ فَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ أَدَائِهِ فَحُبِسَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَهُ التَّحَلُّلُ لِمَا مَرَّ.

(وَإِذَا كَانَ الْعَدُوّ الَّذِي حَصَرَ الْحَاجَّ مُسْلِمِينَ، جَازَ قِتَالُهُمْ) لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ.

(وَإِنْ أَمْكَنَ الِانْصِرَافُ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ فَهُوَ أَوْلَى) لِصَوْنِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ (وَإِنْ كَانُوا مُشْرِكِينَ لَمْ يَجِبْ قِتَالُهُمْ إلَّا إذَا بَدَءُوا بِالْقِتَالِ، أَوْ وَقَعَ النَّفِيرُ) مِمَّنْ لَهُ الِاسْتِنْفَارُ، فَيَتَعَيَّنُ إذَنْ لِمَا يَأْتِي فِي الْجِهَادِ (فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمُسْلِمِينَ الظَّفْرُ) بِالْمُشْرِكِينَ (اُسْتُحِبَّ قِتَالُهُمْ) حَيْثُ لَمْ يَجِبْ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ الدِّينِ.

(وَلَهُمْ) أَيْ: الْحَاجِّ (لُبْسُ مَا تَجِبُ فِيهِ الْفِدْيَةُ إنْ احْتَاجُوا إلَيْهِ) فِي الْقِتَالِ (وَيَفْدُونَ) لِلُبْسِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ وَتَغْطِيَتِهِ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَقْوَ عَلَى ظَنِّ الْمُسْلِمِينَ الظَّفْرُ (فَتَرْكُهُ) أَيْ: الْقِتَالِ (أَوْلَى) لِئَلَّا يَغُرُّوا بِالْمُسْلِمِينَ (فَإِنْ أَذِنَ الْعَدُوُّ لَهُمْ) أَيْ: لِلْحَاجِّ (فِي الْعُبُورِ فَلَمْ يَثِقُوا بِهِمْ فَلَهُمْ الِانْصِرَافُ) وَالتَّحَلُّلُ كَمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ وَثَقُوا بِهِمْ، لَزِمَهُمْ الْمُضِيِّ عَلَى الْإِحْرَامِ) لِإِتْمَامِ النُّسُكِ إذْ لَا عُذْرَ لَهُمْ إذَنْ.

(وَإِنْ طَلَبَ الْعَدُوُّ خَفَارَةً عَلَى تَخْلِيَةِ الطَّرِيقِ) لِلْحَاجِّ وَكَانَ الْعَدُوُّ (مِمَّنْ لَا يُوثَقُ بِأَمَانِهِ) لِعَادَتِهِ بِالْغَدْرِ (لَمْ يَلْزَمْ بَذْلُهُ) أَيْ: الْمَالِ الْمَطْلُوبِ خَفَارَةً؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةٌ مِنْ غَيْرِ وُصُولٍ لِلْمَقْصُودِ.

(وَإِنْ وَثَقَ) بِأَمَانِهِ (وَالْخَفَارَةُ كَثِيرَةٌ فَكَذَلِكَ) لَا يَجِبُ بَذْلُهَا لِلضَّرَرِ (بَلْ يُكْرَهُ بَذْلُهَا) أَيْ: الْخَفَارَةِ (إنْ كَانَ الْعَدُوُّ كَافِرًا) لِمَا فِيهِ مِنْ الذُّلِّ وَالْهَوَانِ، وَتَقْوِيَةِ الْكُفَّارِ.

(وَإِنْ كَانَتْ) الْخَفَارَةُ (يَسِيرَةً فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: وُجُوبُ بَذْلِهِ) أَيْ: مَالِ الْخَفَارَةِ قَالَهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ يَسِيرٌ، كَمَاءِ الْوُضُوءِ.

وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: لَا يَجِبُ بَذْلُ خَفَارَةٍ بِحَالٍ، كَمَا فِي ابْتِدَاءِ الْحَجِّ لَا يَلْزَمُهُ إذَا لَمْ يَجِدْ طَرِيقًا آمِنًا مِنْ غَيْرِ خَفَارَةٍ وَفِي الْمُنْتَهَى، يُبَاحُ تَحَلُّلٌ لِحَاجَةِ قِتَالٍ أَوْ بَذْلِ مَالٍ لَا يَسِيرُ لِمُسْلِمٍ.

(وَلَوْ نَوَى) الْمُحْصَرُ (التَّحَلُّلَ قَبْلَ ذَبْحِ هَدْيٍ) إنْ وَجَدَهُ (أَوْ) قَبْلَ (صَوْمٍ) إنْ عَدِمَ الْهَدْيَ (وَرَفَضَ إحْرَامَهُ لَمْ يَحِلّ وَلَزِمَهُ دَمٌ لِتَحَلُّلِهِ وَلِكُلِّ مَحْظُورٍ فِعْلُهُ بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ التَّحَلُّلِ وَهَكَذَا فِي الْمُقْنِعِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ دَمٌ لِذَلِكَ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ اهـ وَسَبَقَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِمَا صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَأَيْضًا فِي بَابِ الْإِحْرَامِ: أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِرَفْضِ إحْرَامِهِ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ نِيَّةٍ فَانْظُرْ هَلْ هُمَا مَسْأَلَتَانِ فَيُحْمَل التَّحَلُّلُ عَلَى لُبْسِ الْمَخِيطِ مَثَلًا، أَوْ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ، تَنَاقَضَ التَّصْحِيحُ فِيهَا؟ .

(وَلَا قَضَاءَ عَلَى

ص: 527

مُحْصَرٍ إنْ كَانَ) حَجُّهُ (نَفْلًا) لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَذَكَر فِي الْإِنْصَافِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَقَيَّدَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُنْتَهَى بِمَا إذَا تَحَلَّلَ قَبْلَ فَوَاتِ الْحَجِّ وَمَفْهُومِهَا: أَنَّهُ لَوْ تَحَلَّلَ بَعْدَ فَوَاتِ الْحَجِّ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ، وَهُوَ إحْدَى رِوَايَتَيْنِ أَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَإِنْ زَالَ الْحَصْرُ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ وَأَمْكَنَهُ فِعْلُ الْحَجِّ الْوَاجِبِ فِي ذَلِكَ الْعَامِ لَزِمَهُ فِعْلُهُ.

(وَمَنْ أُحْصِرَ عَنْ وَاجِبٍ) كَرَمْيِ الْجِمَارِ (لَمْ يَتَحَلَّلْ وَعَلَيْهِ لَهُ) أَيْ: لِتَرْكِهِ ذَلِكَ الْوَاجِبَ (دَمٌ) كَمَا لَوْ تَرَكَهُ اخْتِيَارًا (وَحَجُّهُ صَحِيحٌ) لِتَمَامِ أَرْكَانِهِ.

(وَإِنْ صُدَّ) الْمُحْرِمُ (عَنْ عَرَفَةَ دُونَ الْبَيْتِ) أَيْ: الْحَرَمِ (تَحَلَّلَ بِ) أَفْعَالِ (عُمْرَةٍ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ قَلْبَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ مُبَاحٌ بِلَا حَصْرٍ فَمَعَهُ أَوْلَى فَإِنْ كَانَ قَدْ طَافَ وَسَعَى لِلْقُدُومِ، ثُمَّ أُحْصِرَ، أَوْ مَرِضَ، أَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ تَحَلَّلَ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ آخَرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ لَمْ يُقْصَدْ بِهِمَا طَوَافُ الْعُمْرَةِ وَلَا سَعْيِهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُجَدِّدَ إحْرَامًا فِي الْأَصَحِّ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى وَمَنْ أُحْصِرَ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، وَقَدْ رَمَى وَحَلَقَ لَمْ يَتَحَلَّلْ حَتَّى يَطُوفَ.

(وَمَنْ أُحْصِرَ بِمَرَضٍ أَوْ ذَهَابِ نَفَقَةٍ) أَوْ ضَلَّ الطَّرِيقَ (لَمْ يَكُنْ لَهُ التَّحَلُّلُ، وَهُوَ عَلَى إحْرَامِهِ، حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى الْبَيْتِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ بِالْإِحْلَالِ الِانْتِقَالَ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ خَيْرٍ مِنْهَا، وَلَا التَّخَلُّصَ مِنْ الْأَذَى الَّذِي بِهِ بِخِلَافِ حَصْرِ الْعَدُوِّ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «دَخَلَ عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ فَقَالَتْ: إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَأَنَا شَاكِيَةٌ فَقَالَ: حُجِّي وَاشْتَرِطِي: أَنَّ مَحَلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي» فَلَوْ كَانَ الْمَرَضُ يُبِيحُ التَّحَلُّلَ مَا احْتَاجَتْ إلَى شَرْطٍ لِحَدِيثِ «مَنْ كَسَرَ أَوْ عَرَجَ فَقَدْ حَلَّ» مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ فَإِنَّ مُجَرَّدَ الْكَسْرَ وَالْعَرَجَ لَا يَصِيرُ بِهِ حَلَالًا فَإِنْ حَمَلُوهُ عَلَى أَنَّهُ يُبِيحُ لَهُ التَّحَلُّلَ؛ حَمَلْنَاهُ عَلَى مَا إذَا اشْتَرَطَ الْحِلَّ عَلَى أَنَّ فِي الْحَدِيثِ كَلَامٌ: ابْنُ عَبَّاسٍ يَرْوِيهِ وَمَذْهَبُهُ بِخِلَافِهِ.

(وَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ) بِطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ قَبْلَ وُقُوفِهِ (تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ (كَغَيْرِ الْمَرَضِ) أَيْ: كَمَا لَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ لِغَيْرِ مَرَضٍ.

(وَلَا يَنْحَرُ) مَنْ أُحْصِرَ بِمَرَضٍ أَوْ ذَهَابِ نَفَقَةٍ (هَدْيًا مَعَهُ إلَّا بِالْحَرَمِ فَيَبْعَثَ بِهِ) أَيْ: الْهَدْيَ (لِيُذْبَحَ فِيهِ) أَيْ: الْحَرَمِ بِخِلَافِ مَنْ حَصَرَهُ الْعَدُوُّ وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا وَمِثْلُ الْمَرِيضِ: مَنْ ضَلَّ الطَّرِيقَ ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى وَمِثْلَهُ أَيْضًا: حَائِضٌ تَعَذَّرَ مُقَامُهَا، أَوْ رَجَعَتْ وَلَمْ تَطُفْ، لِجَهْلِهَا بِوُجُوبِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، أَوْ لِعَجْزِهَا عَنْهُ، أَوْ لِذَهَابِ الرُّفْقَةِ

ص: 528