الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَتَّى فِي رَأْسِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا مِنْ رِوَايَةِ فَرْقَدٍ السَّبَخِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلِعَدَمِ الدَّلِيلِ (وَ) لِلْمُحْرِمِ الِادِّهَانُ ب (دُهْنِ الْبَانِ وَالسَّاذَجِ) أَيْ: الْخَالِي عَنْ الطِّيبِ (وَنَحْوِهَا فِي رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(فَإِنْ جَلَسَ عِنْدَ عَطَّارٍ أَوْ) جَلَسَ (فِي مَوْضِعٍ لِيَشُمَّ الطِّيبَ فَشَمَّهُ مِثْلَ مَنْ قَصَدَ الْكَعْبَةَ حَالَ تَجْمِيرِهَا أَوْ حَمَلَ عُقْدَةً فِيهَا مِسْكٌ لِيَجِدَ رِيحَهَا فَدَى) إنْ شَمَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ شَمَّهُ قَاصِدًا أَشْبَهَ مَا لَوْ بَاشَرَهُ (فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ شَمَّهُ كَالْجَالِسِ عِنْدَ عَطَّارٍ لِحَاجَةٍ وَكَدَاخِلِ السُّوقِ) لَا لِشَمِّ الطِّيبِ (أَوْ دَاخِلِ الْكَعْبَةِ لِيَتَبَرَّكَ بِهَا) .
(وَمَنْ يَشْتَرِي طِيبًا لَا لِنَفْسِهِ أَوْ لِلتِّجَارَةِ وَلَا يَمَسُّهُ فَغَيْرُ مَمْنُوعٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ (وَلِمُشْتَرِيهِ حَمْلُهُ وَتَقْلِيبُهُ إذَا لَمْ يَمَسَّهُ وَلَوْ ظَهَرَ رِيحُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الطِّيبَ) وَلَمْ يَسْتَعْمِلْهُ (وَقَلِيلُ الطِّيبِ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ) لِلْعُمُومَاتِ.
(وَإِذَا تَطَيَّبَ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا لَزِمَهُ إزَالَتُهُ بِمَا أَمْكَنَ مِنْ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ) ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْإِزَالَةُ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) مَائِعًا يُزِيلُ بِهِ الطِّيبَ (ف) إنَّهُ يُزِيلُهُ (بِمَا أَمْكَنَهُ مِنْ الْجَامِدَاتِ كَحَكِّهِ بِخِرْقَةٍ وَتُرَابٍ وَوَرَقِ شَجَرٍ وَنَحْوِهِ) كَحَجَرٍ وَخَشَبٍ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ إزَالَتُهُ حَسَبَ الْإِمْكَانِ وَقَدْ فَعَلَ.
(وَلَهُ غَسْلُهُ بِنَفْسِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمُلَاقَاةِ الطِّيبِ بِيَدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ تَدَارُكٌ (وَالْأَفْضَلُ الِاسْتِعَانَةُ عَلَى غَسْلِهِ بِحَلَالٍ) لِئَلَّا يُبَاشِرُهُ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُقَدَّمُ غَسْلُهُ عَلَى غَسْلِ نَجَاسَةٍ وَحَدَثٍ لَكِنْ إنْ قَدِرَ عَلَى قَطْعِ رَائِحَتِهِ بِغَيْرِ الْمَاءِ فَعَلَ وَتَوَضَّأَ بِالْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إزَالَةِ الطِّيبِ قَطْعُ رَائِحَتِهِ.
[فَصْلٌ قَتْلُ صَيْدِ الْبَرِّ الْمَأْكُولِ وَذَبْحُهُ لِلْمُحْرِمِ]
فَصْلٌ (السَّادِسُ قَتْلُ صَيْدِ الْبَرِّ الْمَأْكُولِ وَذَبْحُهُ) إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95](وَاصْطِيَاده) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96](وَأَذَاهُ) وَلَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ أَوْ يَجْرَحْهُ فِي الِاصْطِيَادِ أَوْ الْأَذَى (وَهُوَ) أَيْ: صَيْدُ الْبَرِّ (مَا كَانَ وَحْشِيًّا أَصْلًا لَا وَصْفًا) .
(فَلَوْ تَأَهَّلَ وَحْشِيٌّ) كَحَمَامٍ وَبَطٍّ (ضَمِنَهُ) اعْتِبَارًا بِأَصْلِهِ.
وَ (لَا) ضَمَانَ (إنْ تَوَحَّشَ أَهْلِيٌّ) مِنْ إبِلٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَلَا يَحْرُمُ قَتْلُهُ لِلْأَكْلِ وَلَا جَزَاءَ فِيهِ قَالَ أَحْمَدُ فِي بَقَرَةٍ صَارَتْ وَحْشِيَّةً: لَا شَيْءَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الْإِنْسِيَّةُ.
(وَيَحْرُمُ) قَتْلُ، وَاصْطِيَادُ مُتَوَلِّدٍ مِنْ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِهِ تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ كَمَا غَلَّبُوا تَحْرِيمَ أَكْلِهِ (وَيَفْدِي مُتَوَلِّدًا مِنْ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِهِ) إذَا قَتَلَهُ لِتَحْرِيمِ قَتْلِهِ (كَمُتَوَلِّدٍ بَيْنَ وَحْشِيٍّ وَأَهْلِيٍّ) فَإِنَّهُ يَحْرُمُ قَتْلُهُ وَاصْطِيَادُهُ لِمَا تَقَدَّمَ وَيَفْدِي تَغْلِيبًا لِلْحَظْرِ.
(وَ) كَذَا الْمُتَوَلِّدُ (بَيْنَ وَحْشِيٍّ وَغَيْرِ مَأْكُولٍ) فَيَحْرُمُ قَتْلُهُ وَاصْطِيَادُهُ لِمَا تَقَدَّمَ (وَيَأْتِي حُكْمُ غَيْرِ الْوَحْشِيِّ) وَحُكْمُ غَيْرِ الْمَأْكُولِ (كَحَمَامٍ وَبَطٍّ وَحْشِيَّانِ وَإِنْ تَأَهَّلَا) اعْتِبَارًا بِأَصْلِهِمَا (وَبَقَرٍ وَجَوَامِيسَ أَهْلِيَّةٍ وَإِنْ تَوَحَّشَتْ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِمَا الْإِنْسِيَّةُ وَتَقَدَّمَ.
(فَمَنْ أَتْلَفَ صَيْدًا) أَوْ بَعْضَهُ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ (أَوْ تَلِفَ) الصَّيْدُ (فِي يَدِهِ أَوْ) تَلِفَ (بَعْضُهُ فِي يَدِهِ بِمُبَاشَرَةٍ) لِإِتْلَافِهِ (أَوْ سَبَبٍ وَلَوْ) كَانَ (بِجِنَايَةِ دَابَّةٍ) هُوَ (مُتَصَرِّفٌ فِيهَا) بِأَنْ كَانَ رَاكِبًا أَوْ سَائِقًا أَوْ قَائِدًا بِخِلَافِ مَا لَوْ انْفَلَتَتْ مِنْهُ فَأَتْلَفَتْهُ (فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ إنْ كَانَ) الِائْتِلَافُ (بِيَدِهَا أَوْ فَمِهَا) وَ (لَا) يَضْمَنُهُ إنْ كَانَ بِ (رِجْلِهَا) نَفْحًا لَا وَطْئًا كَمَا يَعْلَمُ مِنْ الْغَصْب.
(وَيَأْتِي آخِرَ جَزَاءِ الصَّيْدِ) أَمَّا كَوْنُهُ يَضْمَنُهُ بِالْجَزَاءِ إذَا أَتْلَفَهُ فَبِالْإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] وَأَمَّا ضَمَانُهُ إذَا تَلِفَ فِي يَدِهِ؛ فَلِأَنَّهُ تَحْتَ يَدٍ عَادِيَةٍ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَهُ إذْ الْوَاجِبُ إمَّا إرْسَالُهُ أَوْ رَدُّهُ عَلَى مَالِكِهِ وَأَمَّا ضَمَانُ جَزَائِهِ بِالْإِتْلَافِ؛ فَلِأَنَّ جُمْلَتَهُ مَضْمُونَةٌ فَضُمِنَتْ أَبْعَاضُهُ كَالْآدَمِيِّ وَالْمَالِ.
(وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ) أَيْ: الْمُحْرِمِ (الدَّلَالَةُ عَلَيْهِ) أَيْ: الصَّيْدِ (وَالْإِشَارَةُ وَالْإِعَانَةُ وَلَوْ بِإِعَارَةِ سِلَاحٍ لِيَقْتُلَهُ) أَيْ: الصَّيْدَ (أَوْ لِيَذْبَحَهُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ) أَيْ: الصَّائِدُ (مَا يَقْتُلُهُ بِهِ أَوْ لَا أَوْ يُنَاوِلُهُ سِلَاحَهُ أَوْ سَوْطَهُ أَوْ لِيَدْفَعَ إلَيْهِ فَرَسًا لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِ الصَّيْدِ إلَّا بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى الْحَرَامِ فَكَانَ حَرَامًا كَسَائِرِ الْوَسَائِلِ وَلِحَدِيثِ «أَبِي قَتَادَةَ لَمَّا صَادَ الْحِمَارَ الْوَحْشِيَّ وَأَصْحَابُهُ مُحْرِمُونَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَلْ أَشَارَ إلَيْهِ إنْسَانٌ مِنْكُمْ أَوْ أَمَرَهُ بِشَيْءٍ؟ قَالُوا لَا وَفِيهِ أَبْصَرُوا حِمَارًا وَحْشِيًّا فَلَمْ يَدُلُّونِي وَأَحَبُّوا لَوْ أَنِّي أَبْصَرْتُهُ فَالْتَفَتُّ فَأَبْصَرْتُهُ ثُمَّ رَكِبْتُ وَنَسِيتُ السَّوْطَ أَوْ الرُّمْحَ فَقُلْتُ لَهُمْ: نَاوِلُونِي فَقَالُوا لَا وَاَللَّهِ لَا نُعِينُكَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ إنَّا مُحْرِمُونَ فَتَنَاوَلْتُهُ فَأَخَذْتُهُ ثُمَّ أَتَيْتُ الْحِمَارَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ فَعَقَرْتُهُ فَأَتَيْتُ بِهِ أَصْحَابِي
فَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُوا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَأْكُلُوا فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: كُلُوهُ وَهُوَ حَلَالٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ (وَيَضْمَنُهُ بِذَلِكَ) أَيْ: يَضْمَنُ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ بِالدَّلَالَةِ عَلَيْهِ وَالْإِشَارَةِ إلَيْهِ وَالْإِعَانَةِ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ كَمَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ بِالدَّلَالَةِ لَكِنْ لَوْ دَلَّهُ فَكَذَّبَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ.
(وَلَا ضَمَانَ عَلَى دَالٍّ وَلَا مُشِيرٍ بَعْدَ أَنْ رَآهُ مَنْ يُرِيدُ صَيْدَهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا فِي تَلَفِهِ (وَكَذَا لَوْ وُجِدَ مِنْ الْمُحْرِمِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الصَّيْدِ ضَحِكٌ أَوْ اسْتِشْرَافُ) نَفْسٍ (فَفَطِنَ لَهُ غَيْرُهُ) أَيْ: غَيْرُ الْمُحْرِمِ: فَلَا تَحْرِيمَ وَلَا ضَمَانَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ (وَكَذَا لَوْ أَعَارَهُ آلَةً لِغَيْرِ الصَّيْدِ فَاسْتَعْمَلَهَا فِيهِ) أَيْ: الصَّيْدِ (؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُحَرَّمٍ) فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ضَمَانٌ.
(وَلَا تَحْرُمُ دَلَالَةٌ عَلَى طِيبٍ وَلِبَاسٍ) لِعَدَمِ ضَمَانِهِمَا بِالسَّبَبِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِالدَّالِّ عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ الدَّلَالَةِ عَلَى الصَّيْدِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِالدَّالِّ وَهُوَ تَحْرِيمُ الْأَكْلِ مِنْهُ وَوُجُوبُ الْجَزَاءِ إذَا كَانَ مَنْ دَلَّهُ الْمُحْرِمُ حَلَالًا.
(وَلَا) تَحْرُمُ (دَلَالَةُ حَلَالٍ مُحْرِمٍ عَلَى صَيْدٍ) بِغَيْرِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ صَيْدَ الْحَلَالِ حَلَالٌ فَدَلَالَتُهُ أَوْلَى (وَيَضْمَنُهُ الْمُحْرِمُ) إذَا قَتَلَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95](إلَّا أَنْ يَكُونَ) الصَّيْدُ (فِي الْحَرَمِ فَيَشْتَرِكَانِ) أَيْ: الْحَلَالُ وَالْمُحْرِمُ (فِي الْجَزَاءِ كَالْمُحْرِمَيْنِ) لِتَحْرِيمِ صَيْدِ الْحَرَمِ عَلَى الْحَلَالِ وَالْمُحْرِمِ (فَإِنْ اشْتَرَكَ فِي قَتْلِ صَيْدٍ حَلَالٌ وَمُحْرِمٌ أَوْ) اشْتَرَكَ فِيهِ (سَبُعٌ وَمُحْرِمٌ فِي الْحِلِّ) مُتَعَلِّقٌ بِاشْتَرَكَ (فَعَلَى الْمُحْرِمِ الْجَزَاءُ جَمِيعُهُ) ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ مُوجِبٌ وَمُسْقِطٌ فَغَلَبَ الْإِيجَابُ كَمَا لَوْ قَتَلَ صَيْدًا بَعْضَهُ فِي الْحَرَمِ.
وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: مُقْتَضَى الْفِقْهِ عِنْدِي: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ نِصْفُ الْجَزَاءِ وَقَاسَهُ عَلَى مُشَارَكَةِ مَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي إتْلَافِ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ إذْ الْإِذْنُ هُنَاكَ مُنْتَفٍ وَهَهُنَا مَوْجُودٌ نَعَمْ إنْ قَصَدَ الْمُحِلُّ إعَانَةَ الْمُحْرِمِ وَمُسَاعَدَتَهُ عَلَى قَتْلِ الصَّيْدِ تَوَجَّهَ مَا قَالَهُ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ أَوْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ.
كَمَا إذَا بَاعَ مَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ لِمَنْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ بَعْدَ النِّدَاءِ قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ فِي التَّاسِعَةِ وَالْعِشْرِينَ (ثُمَّ إنْ كَانَ جُرْحُ أَحَدِهِمَا) أَيْ: الْحَلَالِ وَالْمُحْرِمِ (قَبْلَ صَاحِبِهِ وَالسَّابِقُ) بِالْجُرْحِ (الْحَلَالُ أَوْ السَّبُعُ فَعَلَى الْمُحْرِمِ جَزَاؤُهُ مَجْرُوحًا) اعْتِبَارًا بِحَالِ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الضَّمَانِ.
(وَإِنْ
سَبَقَهُ الْمُحْرِمُ) فَجَرَحَهُ (وَقَتَلَهُ أَحَدُهُمَا) أَيْ: الْحَلَالُ أَوْ السَّبُعُ (فَعَلَى الْمُحْرِمِ أَرْشُ جُرْحِهِ) فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ سِوَى الْجُرْحِ (وَإِنْ كَانَ جُرْحُهُمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ جَرَحَاهُ) أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْأُخَرِ (وَمَاتَ مِنْهُمَا فَالْجَزَاءُ كُلُّهُ عَلَى الْمُحْرِمِ) تَغْلِيبًا لِلْوُجُوبِ كَمَا سَبَقَ.
وَإِنْ جَرَحَهُ مُحْرِمٌ ثُمَّ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ فَعَلَى الْأَوَّلِ أَرْشُ جُرْحِهِ وَعَلَى الثَّانِي تَتِمَّةُ الْجَزَاءِ (وَإِذَا دَلَّ مُحْرِمٌ مُحْرِمًا عَلَى صَيْدٍ ثُمَّ دَلَّ الْآخَرُ مُحْرِمًا آخَرَ) ثُمَّ (كَذَلِكَ إلَى عَشْرَةٍ فَقَتَلَهُ الْعَاشِرُ فَالْجَزَاءُ عَلَى جَمِيعِهِمْ) لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي الْإِثْمِ وَالتَّسَبُّبِ.
(وَإِنْ قَتَلَهُ الْأَوَّلُ فَلَا شَيْءَ) عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْغَيْرَ لَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَتَسَبَّبْ فِي الْقَتْلِ (وَلَوْ دَلَّ حَلَالٌ حَلَالًا عَلَى صَيْدٍ فِي الْحَرَمِ فَكَدَلَالَةِ مُحْرِمٍ مُحْرِمًا عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الصَّيْدِ فَيَكُونُ جَزَاؤُهُ بَيْنَهُمَا نَصَّ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ) نَصَبَ حَلَالٌ (شَبَكَةً وَنَحْوَهَا) كَفَخٍّ (ثُمَّ أَحْرَمَ) لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ حِيلَةً (أَوْ أَحْرَمَ ثُمَّ حَفَرَ بِئْرًا بِحَقٍّ ك) إنْ حَفَرَهَا فِي (دَارِهِ وَنَحْوِهَا) مِنْ مِلْكِهِ أَوْ مَوَاتٍ (أَوْ) حَفَرَ الْبِئْرِ (لِلْمُسْلِمِينَ بِطَرِيقٍ وَاسِعٍ لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِذَلِكَ) لِعَدَمِ تَحْرِيمِهِ (مَا لَمْ يَكُنْ حِيلَةً) عَلَى الِاصْطِيَادِ فَإِنْ كَانَ حِيلَةً ضَمِنَ؛ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى عَاقَبَ الْيَهُودَ عَلَى نَصْبِ الشَّبَكِ يَوْمَ الْجُمَعِ وَأَخَذَ مَا سَقَطَ فِيهَا يَوْمَ الْأَحَد وَهَذَا فِي مَعْنَاهُ وَشَرْعُ مَنْ قَبْلِنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَرِدْ فِي شَرْعِنَا مَا يَنْسَخُهُ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَفْرُ الْبِئْرِ بِحَقٍّ كَحَفْرِهَا بِطَرِيقٍ ضَيِّقٍ وَنَحْوِهِ (ضَمِنَ) مَا تَلِفَ بِهَا مِنْ الصَّيْدِ (كَالْآدَمِيِّ إذَا تَلِفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ لَوْ بَاعَ فَخًّا أَوْ شَبَكَةً مَنْصُوبَتَيْنِ فَوَقَعَ فِيهِمَا صَيْدٌ فِي الْحَرَمِ أَوْ مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ ضَمَانُهُ ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ.
(وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ أَكْلُ صَيْدٍ صَادَهُ) هُوَ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْمُحْرِمِينَ (أَوْ ذَبَحَهُ أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ حَلَالًا أَوْ أَعَانَهُ عَلَيْهِ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ؟ قَالُوا: لَا قَالَ كُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَكَذَا) يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ (أَكْلُ مَا صِيدَ لِأَجْلِهِ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ أَنَّهُ «أَهْدَى لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِمَارًا وَحْشِيًّا فَرَدَّهُ عَلَيْهِ فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إلَّا أَنَّا حُرُمٌ» .
وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «لَحْمُ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ حَلَالٌ مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَادُ لَكُمْ» فِيهِ: الْمُطَّلِبُ بْنُ حَنْطَبٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا يُعْرَفُ
لَهُ سَمَاعٌ مِنْ جَابِرٍ.
وَعَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ «أَتَى بِلَحْمِ صَيْدٍ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ كُلُوا فَقَالُوا أَلَا تَأْكُلُ أَنْتَ؟ فَقَالَ إنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إنَّمَا صِيدَ لِأَجْلِي» رَوَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ (وَعَلَيْهِ) أَيْ: الْمُحْرِمِ (الْجَزَاءُ إنْ أَكَلَهُ) أَيْ: مَا صِيدَ لِأَجْلِهِ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ مُنِعَ مِنْهُ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ بِهِ الْجَزَاءُ كَقَتْلِ الصَّيْدِ بِخِلَافِ قَتْلِ الْمُحْرِمِ صَيْدًا ثُمَّ يَأْكُلُهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ لِقَتْلِهِ لَا لِأَكْلِهِ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْجَزَاءِ فَلَمْ يَتَكَرَّرْ كَإِتْلَافِهِ بِغَيْرِ أَكْلِهِ وَكَصَيْدِ الْحَرَمِ إذَا قَتَلَهُ حَلَالٌ وَأَكَلَهُ؛ وَلِأَنَّهُ مَيْتَةٌ وَهِيَ لَا تُضْمَنُ وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُهُ بِأَكْلِهِ مُحْرِمٌ غَيْرُهُ.
(وَإِنْ أَكَلَ) الْمُحْرِمُ (بَعْضَهُ) أَيْ بَعْضَ مَا صِيدَ لِأَجْلِهِ (ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ مِنْ اللَّحْمِ) مِنْ النَّعَمِ (كَضَمَانِ أَصْلِهِ) لَوْ أَكَلَهُ كُلَّهُ (بِمِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ) وَالْفَرْعُ يَتْبَعُ الْأَصْلَ.
(وَلَا مَشَقَّةَ فِيهِ) أَيْ: فِي ضَمَانِ الْبَعْضِ بِمِثْلِهِ مِنْ اللَّحْمِ (لِجَوَازِ عُدُولِهِ) أَيْ: الْمُحْرِمِ (إلَى عَدْلِهِ) أَيْ: الْبَعْضِ (مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَوْمٍ) فَلَا يُفْضِي إلَى التَّشْقِيصِ (وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ) أَيْ: الْمُحْرِمِ (أَكْلُ غَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ مَا صِيدَ أَوْ ذُبِحَ لَهُ إذَا لَمْ يَدُلَّ وَنَحْوُهُ عَلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ.
(فَلَوْ ذَبَحَ مُحِلٌّ صَيْدًا لِغَيْرِهِ مِنْ الْمُحْرِمِينَ حَرُمَ عَلَى الْمَذْبُوحِ لَهُ) لِمَا سَبَقَ (لَا) يَحْرُمُ (عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمُحْرِمِينَ) لِمَا مَرَّ (وَمَا حُرِّمَ عَلَى الْمُحْرِمِ لِدَلَالَةٍ أَوْ إعَانَةٍ أَوْ صَيْدٍ لَهُ) أَوْ ذَبْحٍ لَهُ (لَا يَحْرُمُ عَلَى مُحْرِمٍ غَيْرُهُ) أَيْ: غَيْرُ الدَّالِّ أَوْ الْمُعِينِ أَوْ الَّذِي صِيدَ أَوْ ذُبِحَ لَهُ (كَحَلَالٍ) أَيْ: كَمَا لَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَلَالِ.
(وَإِنْ قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا ثُمَّ أَكَلَهُ ضَمِنَهُ لِقَتْلِهِ لَا لِأَكْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ يَحْرُمُ أَكْلُهُ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ) وَالْمَيْتَةُ غَيْرُ مُتَمَوَّلَةٍ فَلَا تُضْمَنُ.
(وَكَذَا إنْ حُرِّمَ) صَيْدٌ (عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْمُحْرِمِ (بِالدَّلَالَةِ أَوْ الْإِعَانَةِ عَلَيْهِ أَوْ الْإِشَارَةِ) إلَيْهِ (فَأَكَلَ مِنْهُ لَمْ يَضْمَنُ) مَا أَكَلَهُ (لِلْأَكْلِ) بَلْ لِلسَّبَبِ مِنْ الدَّلَالَةِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالسَّبَبِ فَلَمْ يَتَكَرَّرْ ضَمَانُهُ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَبَيْضُ الصَّيْدِ وَلَبَنُهُ مِثْلُهُ فِيمَا سَبَقَ) ؛ لِأَنَّهُ كَجُزْئِهِ (وَيَحْرُمُ تَنْفِيرُ الصَّيْدِ) ؛ لِأَنَّهُ إيذَاءٌ وَكَصَيْدِ الْحَرَمِ (فَإِنْ نَفَّرَهُ فَتَلِفَ أَوْ نَقَصَ فِي حَالِ نُفُورِهِ ضُمِنَ) التَّالِفُ بِمِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ وَمَا نَقَصَ بِأَرْشِهِ لِتَسَبُّبِهِ فِيهِ.
(وَإِنْ أَتْلَفَ) الْمُحْرِمُ (بَيْضَهُ) أَيْ: الصَّيْدِ (وَلَوْ) كَانَ إتْلَافُهُ (بِنَقْلِهِ) مِنْ مَكَانِهِ (فَجَعَلَهُ تَحْتَ صَيْدٍ آخَرَ) أَوْ لَا (أَوْ تَرَكَ مَعَ بَيْضِهِ بَيْضًا آخَرَ) فَنَفَرَ (أَوْ) جَعَلَ مَعَ بَيْضِهِ (شَيْئًا فَنَفَرَ) الصَّيْدُ (عَنْ بَيْضِهِ حَتَّى فَسَدَ) الْبَيْضُ (ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ مَكَانَهُ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ " فِي بَيْضِ النَّعَامِ قِيمَتُهُ "؛ وَلِأَنَّ الْبَيْضَ لَا مِثْلَ لَهُ فَتَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ كَصِغَارِ الطَّيْرِ وَإِطْلَاقِ الثَّمَنِ فِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ
مَرْفُوعًا «فِي بَيْضِ النَّعَامِ ثَمَنُهُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.:
يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إذْ غَالِبُ الْأَشْيَاءِ يَعْدِلُ ثَمَنُهَا قِيمَتَهَا (وَكَلَبَنِهِ) فَيُضْمَنُ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَ (لَا) يَضْمَنُ الْبَيْضَ (الْمَذَر، وَ) لَا (مَا فِيهِ فَرْخٌ مَيِّتٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ (سِوَى بَيْضِ النَّعَامِ فَإِنَّ لِقِشْرِهِ قِيمَةً فَيَضْمَنُهُ) بِقِيمَتِهِ وَإِنْ كَانَ مَذَرًا أَوْ فِيهِ فَرْخٌ مَيِّتٌ.
(وَإِنْ بَاضَ عَلَى فِرَاشِهِ أَوْ مَتَاعِهِ) صَيْدٌ (فَنَقَلَهُ) أَيْ: الْبَيْضَ (بِرِفْقٍ فَفَسَدَ) الْبَيْضُ بِنَقْلِهِ (فَكَجَرَادٍ تُفْرَشُ فِي طَرِيقِهِ) فَيَضْمَنُهُ عَلَى مَا يَأْتِي؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ لِمَنْفَعَتِهِ (وَإِنْ كَسَرَ بَيْضَةً فَخَرَجَ مِنْهَا فَرْخٌ فَعَاشَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَضْمَنَهُ إلَّا أَنْ يَحْفَظَهُ إلَى أَنْ يَنْهَضَ وَيَطِيرَ وَيُحْتَمَلُ عَدَمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ كَمَا لَوْ أَمْسَكَ طَائِرًا أَعْرَجَ ثُمَّ تَرَكَهُ.
(وَإِنْ مَاتَ) بَعْدَ خُرُوجِهِ (فَفِيهِ مَا فِي صِغَارِ أَوْلَادِ الْمُتْلَفِ بَيْضُهُ فَفِي فَرْخِ الْحَمَامِ صَغِيرِ أَوْلَادِ الْغَنَمِ وَفِي فَرْخِ النَّعَامَةِ: حُوَارٌ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ: صَغِيرُ أَوْلَادِ الْإِبِلِ (وَفِيمَا عَدَاهُمَا قِيمَتُهُ) ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُمَا مِنْ الطُّيُورِ يُضْمَنُ بِقِيمَتِهِ.
(وَلَا يَحِلُّ لِمُحْرِمٍ أَكْلُ بَيْضِ الصَّيْدِ إذَا كَسَرَهُ هُوَ) أَيْ: الْآكِلُ (أَوْ مُحْرِمٌ غَيْرُهُ) ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الصَّيْدِ أَشْبَهَ سَائِرِ أَجْزَائِهِ وَكَذَا شُرْبُ لَبَنِهِ (وَيَحِلُّ) بَيْضُ الصَّيْدِ الَّذِي كَسَرَهُ مُحْرِمٌ وَلَبَنُهُ الَّذِي حَلَبَهُ مُحْرِمٌ (لِلْحَلَالِ) ؛ لِأَنَّ حِلَّهُ عَلَى الْمَحَلِّ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْكَسْرِ أَوْ الْحَلْبِ وَلَا يُعْتَبَرُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَهْلِيَّةُ الْفَاعِلِ فَلَوْ كَسَرَهُ أَوْ حَلَبَهُ مَجُوسِيٌّ أَوْ بِغَيْرِ تَسْمِيَةٍ حَلَّ.
(وَإِنْ كَسَرَهُ) أَيْ: بَيْضَ الصَّيْد وَكَذَا لَوْ حَلَبَ لَبَنَهُ (حَلَالٌ فَكَلَحْمِ صَيْدٍ إنْ كَانَ أَخَذَهُ لِأَجْلِ الْمُحْرِمِ لَمْ يُبَحْ) لِلْمُحْرِمِ (أَكْلُهُ) كَالصَّيْدِ الَّذِي ذُبِحَ لِأَجْلِهِ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْحَلَالُ أَخَذَهُ لِأَجْلِ الْمُحْرِمِ (أُبِيحَ) لِلْمُحْرِمِ كَصَيْدٍ ذَبَحَهُ حَلَالٌ لَا لِقَصْدِ الْمُحْرِمِ.
(وَلَوْ كَانَ الصَّيْدُ مَمْلُوكًا) وَأَتْلَفَهُ الْمُحْرِمُ أَوْ تَلِفَ بِيَدِهِ أَوْ بَيْضُهُ أَوْ لَبَنُهُ (ضَمِنَهُ جَزَاءً) لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ (وَقِيمَتَهُ) لِمَالِكِهِ؛ لِأَنَّهُمَا سَبَبَانِ مُخْتَلِفَانِ.
(وَلَا يَمْلِكُ) الْمُحْرِمُ (الصَّيْدَ ابْتِدَاءً بِشِرَاءٍ وَلَوْ بِوَكِيلِهِ وَلَا بِاتِّهَابٍ وَلَا بِاصْطِيَادٍ) لِخَبَرِ الصَّعْبِ السَّابِقِ فَلَيْسَ مَحَلًّا لِلتَّمْلِيكِ لَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُ عَلَيْهِ كَالْخَمْرِ (فَإِنْ أَخَذَهُ) أَيْ: الصَّيْدَ مُحْرِمٌ (بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ) أَيْ: الشِّرَاءِ وَالِاتِّهَابِ وَالِاصْطِيَادِ (ثُمَّ تَلِفَ) الصَّيْدُ (فَعَلَيْهِ) أَيْ: الْمُحْرِمِ الْآخِذِ لَهُ (جَزَاؤُهُ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْآيَةِ (وَإِنْ كَانَ) الصَّيْدُ (مَبِيعًا) وَتَلِفَ بِيَدِ الْمُحْرِمِ الْمُشْتَرَى (فَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ لِمَالِكِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ فَيَضْمَنُهُ كَصَحِيحِهِ.
(وَ) عَلَيْهِ (الْجَزَاءُ) لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ لِعُمُومِ {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] .
(وَإِنْ أَخَذَهُ) أَيْ: الصَّيْدَ مُحْرِمٌ (رَهْنًا) لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ (فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ فَقَطْ) لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ لِمَا سَبَقَ وَلَا يَضْمَنُهُ لِمَالِكِهِ؛ لِأَنَّ صَحِيحَ الرَّهْنِ لَا ضَمَانَ فِيهِ فَفَاسِدُهُ كَذَلِكَ.
(وَإِنْ لَمْ يَتْلَفْ) الصَّيْدُ الَّذِي أَخَذَهُ الْمُحْرِمُ بِشِرَاءٍ أَوْ اتِّهَابٍ أَوْ ارْتِهَانٍ (فَعَلَيْهِ رَدُّهُ إلَى مَالِكِهِ) لِفَسَادِ الْعَقْدِ وَعُدْوَانِ يَدِهِ (فَإِنْ أَرْسَلَهُ) أَيْ: الصَّيْدَ الْمُحْرِمُ الْقَابِضُ لَهُ (فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ لِمَالِكِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ (وَلَا جَزَاءَ) فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْهُ (وَعَلَيْهِ) أَيْ: الْمُحْرِمِ الْمُشْتَرِي لِلصَّيْدِ (رَدُّ) الصَّيْدِ (الْمَبِيعِ أَيْضًا) لِمَالِكِهِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ.
(وَلَا يَسْتَرِدُّ) الْمُحْرِمُ (الصَّيْدَ الَّذِي بَاعَهُ وَهُوَ حَلَالٌ بِخِيَارِ) مَجْلِسٍ أَوْ شَرْطٍ (وَلَا عَيْبَ فِي ثَمَنِهِ) الْمُعَيَّنِ.
(وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ) كَالِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ وَالتَّقَايُلِ؛ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ تَمَلُّكٍ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ (وَإِنْ رَدَّهُ) أَيْ: الصَّيْدَ (الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْبَائِعِ الْمُحْرِمِ (بِعَيْبٍ) فِي الصَّيْدِ (أَوْ خِيَارٍ فَلَهُ) أَيْ: الْمُشْتَرِي (ذَلِكَ) لِقِيَامِ سَبَبِ الرَّدِّ (ثُمَّ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُحْرِمِ) لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِتَمَلُّكِهِ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ فَيَمْلِكُهُ إذَا حَلَّ كَالْعَصِيرِ يَتَخَمَّرُ ثُمَّ يَتَخَلَّلُ.
(وَيَلْزَمُهُ) أَيْ: الْمُحْرِمَ (إرْسَالُهُ) أَيْ: الصَّيْدِ لِئَلَّا تَثْبُتَ يَدُهُ الْمُشَاهَدَةُ عَلَيْهِ.
(وَيَمْلِكُ) الْمُحْرِمُ (الصَّيْدَ بِإِرْثٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ غَيْرِهِ وَلَا فِعْلَ مِنْهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَيَمْلِكُ بِهِ الْكَافِرُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ فَجَرَى مَجْرَى الِاسْتِدَامَةِ وَمِثْلُهُ لَوْ أَصْدَقَ امْرَأَتَهُ صَيْدًا وَهُوَ حَلَالٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَهُوَ مُحْرِمٌ عَادَ نِصْفُهُ إلَيْهِ قَهْرًا كَمَا يَأْتِي فِي الصَّدَاقِ وَمِثْلُهُ لَوْ ارْتَدَّ وَنَحْوُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَعُودُ إلَيْهِ كُلَّهُ.
(وَإِنْ أَمْسَكَ) الْمُحْرِمُ (صَيْدًا حَتَّى تَحَلَّلَ) مِنْ إحْرَامِهِ (لَزِمَهُ إرْسَالُهُ) لِعُدْوَانِ يَدِهِ عَلَيْهِ (فَإِنْ تَلِفَ) الصَّيْدُ قَبْلَ إرْسَالِهِ (أَوْ ذَبَحَهُ) بَعْد تَحَلُّلِهِ (أَوْ أَمْسَكَ) مُحْرِمٌ أَوْ حَلَالٌ (صَيْدَ حَرَمٍ وَخَرَجَ بِهِ إلَى الْحِلِّ) ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِسَبَبٍ كَانَ فِي الْإِحْرَامِ أَوْ الْحَرَمِ (أَوْ ذَبَحَ مَحِلَّ صَيْدِ حَرَمِ) مَكَّةَ (ضَمِنَهُ) لِمَا يَأْتِي.
(وَكَانَ) الصَّيْدُ (مَيْتَةً) فِي الصُّوَرِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ لِأَنَّهُ صَيْدٌ يَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ فَلَمْ يُبَحْ بِذَبْحِهِ كَحَالَةِ الْإِحْرَامِ.
(وَإِنْ أَحْرَمَ) وَفِي يَدِهِ صَيْدٌ (أَوْ دَخَلَ الْحَرَمَ) الْمَكِّيَّ أَوْ الْمَدَنِيَّ (بِصَيْدٍ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ فَيَرُدُّهُ مَنْ أَخَذَهُ) لِاسْتِدَامَةِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ (وَيَضْمَنُهُ مَنْ قَتَلَهُ) كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الْمُحْتَرَمَةِ.
(وَيَلْزَمُهُ) أَيْ: مَنْ أَحْرَمَ وَفِي يَدِهِ صَيْدٌ أَوْ دَخَلَ الْحَرَمَ الْمَكِّيَّ وَفِي يَدِهِ صَيْدٌ (إرْسَالُهُ فِي مَوْضِعٍ يَمْتَنِعُ فِيهِ) ؛ لِأَنَّ فِي عَدَمِ ذَلِكَ إمْسَاكًا لِلصَّيْدِ فَلَمْ يَجُزْ كَحَالَةِ الِابْتِدَاءِ بِدَلِيلِ الْيَمِينِ.
(وَ) يَلْزَمُهُ (إزَالَةُ يَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ عَنْهُ مِثْلَ مَا إذَا كَانَ فِي قَبْضَتِهِ أَوْ رَحْلِهِ أَوْ خَيْمَتِهِ أَوْ قَفَصِهِ أَوْ) كَانَ (مَرْبُوطًا بِحَبْلٍ مَعَهُ وَنَحْوِهِ)
لِمَا سَبَقَ (دُونَ يَدِهِ الْحُكْمِيَّةِ) فَلَا يَلْزَمُهُ إزَالَتُهَا (مِثْلَ أَنْ يَكُونَ) الصَّيْدُ (فِي بَيْتِهِ أَوْ بَلَدِهِ أَوْ يَدِ نَائِبِهِ) الْحَلَالِ (فِي غَيْرِ مَكَانِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ فِي الصَّيْدِ فِعْلًا فَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ كَمَا لَوْ كَانَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ.
وَعَكْسُ هَذَا: إذَا كَانَ فِي يَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْإِمْسَاكِ (وَلَا يَضْمَنُهُ) إذَا تَلِفَ بِيَدِهِ الْحُكْمِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ إزَالَتُهَا وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ سَبَبٌ فِي تَلَفِهِ (وَلَهُ) أَيْ: الْمُحْرِمِ (نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهِ) أَيْ: الصَّيْدِ الَّذِي بِيَدِهِ الْحُكْمِيَّةُ بِبَيْعٍ وَغَيْرِهِ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ (وَمَنْ غَصَبَهُ) أَيْ: الصَّيْدَ (لَزِمَهُ رَدُّهُ) إلَى مَالِكهِ لِاسْتِمْرَارِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ (فَلَوْ) تَلِفَ الصَّيْدُ (فِي يَدِهِ) أَيْ: الْمُحْرِمِ (الْمُشَاهَدَةِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ إرْسَالِهِ) بِأَنْ نَفَّرَهُ لِيَذْهَبَ فَلَمْ يَذْهَبْ (لَمْ يَضْمَنْهُ) لِعَدَمِ مَا يَقْتَضِيهِ مِنْ تَعَدٍّ وَتَقْصِيرٍ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ إرْسَالِهِ فَلَمْ يُرْسِلْهُ (ضَمِنَهُ) ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ تَحْتَ يَدِهِ الْعَادِيَةِ فَلَزِمَهُ الضَّمَانُ كَمَالِ الْآدَمِيِّ.
(وَإِنْ أَرْسَلَهُ) أَيْ: الصَّيْدَ (إنْسَانٌ مِنْ يَدِهِ) أَيْ: الْمُحْرِمِ (الْمُشَاهَدَةِ قَهْرًا لَمْ يَضْمَنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُحْرِمِ فِعْلُهُ فِي هَذِهِ الْعَيْنِ خَاصَّةً كَالْمَغْصُوبِ؛ وَلِأَنَّ الْيَدَ قَدْ زَالَ حُكْمُهَا وَحُرْمَتُهَا فَلَوْ أَمْسَكَهُ حَتَّى تَحَلَّلَ فَمِلْكُهُ بَاقٍ عَلَيْهِ وَاعْتَبَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ كَعَصِيرٍ تَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ قَبْلَ إرَاقَتِهِ.
وَفِي الْكَافِي وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ: يُرْسِلُهُ بَعْدَ حَلِّهِ كَمَا لَوْ صَادَهُ (وَمَنْ أَمْسَكَ صَيْدًا فِي الْحِلِّ فَأَدْخَلَهُ الْحَرَمَ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ صَيْدًا حُرِّمَ بِحُلُولِهِ فِيهِ (أَوْ) أَمْسَكَهُ (فِي الْحَرَمِ فَأَخْرَجَهُ إلَى الْحِلِّ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ) اعْتِبَارًا بِحَالِ السَّبَبِ (فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ ضَمِنَهُ) كَصَيْدِ الْحِلِّ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ إذَا أَمْسَكَهُ حَتَّى تَحَلَّلَ.
(وَإِنْ قَتَلَ صَيْدًا صَائِلًا عَلَيْهِ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ خَشْيَةَ تَلَفِهَا أَوْ) خَشْيَةَ (مَضَرَّةٍ كَجُرْحِهِ أَوْ إتْلَافِ مَالِهِ أَوْ بَعْضِ حَيَوَانَاتِهِ) لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ لِدَفْعِ شَرِّهِ فَلَمْ يَضْمَنْهُ كَآدَمِيٍّ مَعَ أَنَّ الشَّارِعَ أَذِنَ فِي قَتْلِ الْفَوَاسِقِ لِدَفْعِ أَذًى مُتَوَهَّمٍ فَالْمُحَقَّقُ أَوْلَى (أَوْ تَلِفَ) الصَّيْدُ (ب) سَبَبِ (تَخْلِيصِهِ مِنْ سَبُعٍ أَوْ شَبَكَةٍ وَنَحْوِهَا لِيُطْلِقَهُ أَوْ أَخَذَهُ) أَيْ: الصَّيْدَ مُحْرِمٌ (لِيُخَلِّصَ مِنْ رِجْلِهِ خَيْطًا أَوْ نَحْوَهُ فَتَلِفَ بِذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ أُبِيحَ لِحَاجَةِ الْحَيَوَانِ فَلَمْ يَضْمَنْهُ كَمُدَاوَاةِ الْوَلِيِّ مُوَلِّيهِ.
(وَلَوْ أَخَذَهُ) أَيْ: الصَّيْدَ مُحْرِمٌ (لِيُدَاوِيه فَ) هُوَ (وَدِيعَةٌ) عِنْدَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ تَلِفَ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ (وَلَهُ) أَيْ: الْمُحْرِمِ (أَخْذُ مَا لَا يَضُرُّهُ) أَيْ: الصَّيْدَ (كَيْدٍ) وَنَحْوِهَا (مُتَآكِلَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ لِمَصْلَحَةِ الْحَيَوَانِ فَإِنْ مَاتَ بِذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْهُ (وَإِنْ أَزْمَنَهُ) أَيْ: الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ (فَ) عَلَيْهِ (جَزَاؤُهُ) ؛ لِأَنَّهُ كَتَالِفٍ وَكَجُرْحٍ يَتَيَقَّنُ بِهِ مَوْتَهُ.
(وَلَا تَأْثِيرَ لِحَرَمٍ وَلَا إحْرَامٍ فِي تَحْرِيمِ حَيَوَانٍ أُنْسِيٍّ) إجْمَاعًا (كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَالْخَيْلِ وَالدَّجَاجِ) بِتَثْلِيثِ الدَّالِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ وَالْمُحَرَّمُ إنَّمَا هُوَ الصَّيْدُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يَتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ بِذِبْحِ الْهَدَايَا فِي إحْرَامِهِ» .
وَقَالَ «أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ» قَالَ
فِي الشَّرْحِ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَالْعَجُّ: رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ وَالثَّجُّ: إسَالَةُ الدِّمَاءِ وَالذَّبْحُ وَالنَّحْرُ.
(وَلَا) تَأْثِيرَ لِحُرُمٍ وَلَا إحْرَامٍ (فِي مُحَرَّمِ الْأَكْلِ غَيْرِ الْمُتَوَلِّدِ) بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ وَتَغْلِيبًا لِلْحَظْرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ: مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (كَالْفَوَاسِقِ وَهِيَ الْحِدَأَةُ) بِالْهَمْزِ بِوَزْنِ عِنَبَةُ وَالْجَمْعُ حِدَاءٌ بِحَذْفِ الْهَاءِ وَحِدْآنِ أَيْضًا مِثْلُ غِزْلَانِ قَالَهُ فِي حَاشِيَتِهِ (وَالْغُرَابُ الْأَبْقَعُ وَغُرَابُ الْبَيْنِ وَالْفَأْرَةُ وَالْحَيَّةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ «أَمَرَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ خَمْسِ فَوَاسِقَ فِي الْحَرَمِ الْحِدَأَةُ وَالْغُرَابُ وَالْفَأْرَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ جُنَاحٌ فِي قَتْلِهِنَّ وَذَكَرَ مِثْلَهُ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ " الْحَيَّةُ بَدَلُ الْعَقْرَبِ.
وَمَا يُبَاحُ أَكْلُهُ مِنْ الْغِرْبَانِ لَا يُبَاحُ قَتْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الصَّيْدِ (بَلْ يُسْتَحَبُّ قَتْلُهَا) أَيْ: الْمَذْكُورَاتِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَالْمُرَادُ فِي الْجُمْلَةِ وَيَأْتِي فِي الصَّيْدِ: أَنَّ الْكَلْبَ الْعَقُورَ يَجِبُ قَتْلُهُ.
(وَ) الْقِسْمُ الثَّانِي مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا (قَتْلُ كُلِّ مَا كَانَ طَبْعُهُ الْأَذَى وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ أَذًى) قِيَاسًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ (كَالْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالذِّئْبِ وَالْفَهْدِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ) مِمَّا فِيهِ أَذًى لِلنَّاسِ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ (وَالْبَازِي وَالصَّقْرِ وَالشَّاهِينِ وَالْعُقَابِ وَالْحَشَرَاتِ الْمُؤْذِيَةِ) كَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ (وَالزُّنْبُورِ وَالْبَقِّ وَالْبَعُوضِ وَالْبَرَاغِيثِ) وَالطُّبُوعِ قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ.
(وَ) الْقِسْمُ الثَّالِثُ مَا لَا يُؤْذِي بِطَبْعِهِ (كَالرَّخَمِ وَالْبُومِ وَالدِّيدَانِ) فَلَا تَأْثِيرَ لِلْحَرَمِ وَلَا لِلْإِحْرَامِ فِيهِ (وَلَا جَزَاءَ فِي ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَوْجَبَ الْجَزَاءَ فِي الصَّيْدِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِصَيْدٍ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ:
وَيَجُوزُ قَتْلُهُ وَقِيلَ: يُكْرَهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ يَحْرُمُ انْتَهَى وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ قَتْلُهُ وَفِيهِ مَا عَلِمْتَ قَالَ فِي الْآدَابِ: وَيُكْرَهُ قَتْلُ النَّمْلِ إلَّا مِنْ أَذِيَّةٍ شَدِيدَةٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُهُنَّ وَقَتْلُ الْقَمْلِ بِغَيْرِ النَّارِ، وَيُكْرَه قَتْلهُمَا بِالنَّارِ وَيُكْرَهُ قَتْلُ الضَّفَادِعِ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ.
وَفِي الرِّعَايَةِ: يُكْرَهُ قَتْلُ مَا لَا يَضُرُّ مِنْ نَمْلٍ وَنَحْوِهِ وَهُدْهُدٍ وَصُرَدٍ وَيَجُوزُ تَدْخِينُ الزَّنَابِيرِ وَتَشْمِيسُ الْقَزِّ وَلَا يُقْتَلُ بِنَارٍ نَمْلٍ وَلَا قَمْلٍ وَلَا بُرْغُوثٍ وَلَا غَيْرِهَا وَلَا يُقْتَلُ ضُفْدَعٌ بِحَالٍ قَالَ: وَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ.
وَقَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ: إلَّا أَنَّهُ يَحْرُمُ إحْرَاقُ كُلِّ ذِي رَوْحٍ بِالنَّارِ وَإِنَّهُ يَجُوزُ إحْرَاقُ مَا يُؤْذِيهِ بِلَا كَرَاهَةٍ إذَا
لَمْ يَزُلْ ضَرَرُهُ دُونَ مَشَقَّةٍ غَالِبَةٍ إلَّا بِالنَّارِ وَقَالَ أَنَّهُ سَأَلَ عَمَّا تَرَجَّحَ عِنْدَ الشَّيْخِ شَمْسِ الدِّينِ صَاحِبِ الشَّرْحِ؟ فَقَالَ: مَا هُوَ بِبَعِيدٍ.
(وَلَا بَأْسَ أَنْ يُقْرِدَ بَعِيرَهُ وَهُوَ نَزْعُ الْقُرَادِ عَنْهُ) رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ كَسَائِرِ الْمُؤْذِي.
(وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ لَا عَلَى الْحَلَالِ وَلَوْ فِي الْحَرَمِ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حُرِّمَ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ لِمَا فِيهِ مِنْ الرَّفَاهِيَةِ فَأُبِيحَ فِي الْحَرَمِ كَغَيْرِهِ (قَتْلُ قَمْلٍ) ؛ لِأَنَّهُ يُتْرِفُهُ بِإِزَالَتِهِ كَإِزَالَةِ الشَّعْرِ.
(وَ) قَتْلُ (صِئْبَانهِ) ؛ لِأَنَّهُ بَيْضُهُ (مِنْ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ) وَبَاطِنِ ثَوْبِهِ وَيَجُوزُ مِنْ ظَاهِرِهِ قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُوَفَّقِ وَصَاحِبِ الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِمَا لِلْعُمُومِ.
(وَلَوْ) كَانَ قَتْلُهُ لِلْقَمْلِ وَصِئْبَانِهِ (بِزِئْبَقٍ وَنَحْوِهِ) فَيَحْرُمُ فِي الْإِحْرَامِ فَقَطْ (وَكَذَا رَمْيُهُ) لِمَا فِيهِ مِنْ التَّرَفُّهِ (وَلَا جَزَاءَ فِيهِ) أَيْ: الْقَمْلِ وَصِئْبَانِهِ إذَا قَتَلَهُ أَوْ رَمَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ وَلَا قِيمَةَ لَهُ: أَشْبَهَ الْبَعُوضَ وَالْبَرَاغِيثَ.
(وَلَا يَحْرُمُ) بِالْإِحْرَامِ (صَيْدُ الْبَحْرِ وَالْأَنْهَارِ وَالْآبَارِ وَالْعُيُونِ وَلَوْ كَانَ مِمَّا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ كَالسُّلَحْفَاةِ وَالسَّرَطَانِ وَنَحْوِهِمَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [المائدة: 96](إلَّا فِي الْحَرَمِ وَلَوْ لِلْحَلَالِ) كَصَيْدٍ مِنْ آبَارِ الْحَرَمِ وَبِرَكِ مَائِهِ؛ لِأَنَّهُ حَرَمِيٌّ أَشْبَهَ صَيْدَ الْحَرَمِ؛ وَلِأَنَّ حُرْمَةَ الصَّيْدِ لِلْمَكَانِ فَلَا فَرْقَ.
(وَطَيْرُ الْمَاءِ) بَرِّيٍّ؛ لِأَنَّهُ يُفْرِخُ وَيَبِيضُ فِيهِ فَيُضْمَنُ بِقِيمَتِهِ (وَالْجَرَادُ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ فَيُضْمَنُ) ؛ لِأَنَّهُ طَيْرٌ بَرِّيٌّ أَشْبَهَ الْعَصَافِيرَ (بِقِيمَتِهِ) فِي مَكَانِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتْلِفٌ غَيْرَ مِثْلِيٍّ وَعَنْهُ يَتَصَدَّقُ بِتَمْرَةٍ عَنْ جَرَادَةٍ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (فَإِنْ انْفَرَشَ) الْجَرَادُ (فِي طَرِيقِهِ فَقَتَلَهُ بِمَشْيِهِ أَوْ أَتْلَفَ بَيْضَ طَيْرٍ لِحَاجَةٍ كَالْمَشْيِ عَلَيْهِ) فَعَلَيْهِ (جَزَاؤُهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ لِمَنْفَعَتِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَعَ مِنْ شَجَرٍ عَلَى عَيْنِ إنْسَانٍ فَدَفَعَهَا فَانْكَسَرَتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ أَشْرَفَتْ سَفِينَةٌ عَلَى الْغَرَقِ فَأَلْفَى مَتَاعَ غَيْرِهِ فَخَشِيَ عَلَيْهِ أَنْ يُهْلِكَهُ فَدَفَعَهُ فَوَقَعَ فِي الْمَاءِ لَمْ يَضْمَنْهُ.
(وَإِذَا ذَبَحَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ وَكَانَ مُضْطَرًّا فَلَهُ أَكْلُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195](وَلِمَنْ بِهِ مِثْلُ ضَرُورَتِهِ) أَيْ: ضَرُورَةِ الذَّبْحِ (لِحَاجَةِ الْأَكْلِ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَهُوَ) أَيْ: مَا ذَبَحَهُ الْمُحْرِمُ مِنْ الصَّيْدِ (مَيْتَةٌ) لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْمُذَكِّي لِلذَّكَاةِ (فِي حَقِّ غَيْرِهِ) أَيْ: الْمُضْطَرِّ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: فَإِذَا ذَبَحَهُ كَانَ مَيْتَةً ذَكَرَهُ الْقَاضِي