الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ يُسَنُّ أَنْ يُغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ]
(فَصْلٌ يُسَنُّ أَنْ يُغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ) فِي يَوْمِهَا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُجَامِعَ ثُمَّ يَغْتَسِلُ نَصَّ عَلَيْهِ وَالْأَفْضَلُ فِعْلُهُ عِنْدَ مُضِيِّهِ إلَيْهَا لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْمَقْصُودِ؛ وَفِيهِ خُرُوجٌ مِنْ الْخِلَافِ.
(وَتَقَدَّمَ) فِي الْأَغْسَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ مِنْ بَابِ الْغُسْلِ.
(وَ) يُسَنُّ أَنْ (يَتَنَظَّفَ) لِلْجُمُعَةِ (بِقَصِّ شَارِبِهِ) يَعْنِي حَفَّهُ (وَتَقْلِيمِ أَظَافِرِهِ وَقَطْعِ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ بِالسِّوَاكِ وَغَيْرِهِ وَ) أَنْ (يَتَطَيَّبَ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَلَوْ مِنْ طِيبِ أَهْلِهِ) لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا قَالَ «لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ وَيَدَّهِنُ، وَيَمَسُّ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ ثُمَّ يُنْصِتُ إذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ إلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى» وَقَوْلُهُ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهِ " أَيْ مَا خَفِيَ رِيحُهُ وَظَهَرَ لَوْنُهُ لِتَأَكُّدِ الطِّيبِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ: خِلَافُهُ.
(وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ) لِوُرُودِهِ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ (وَأَفْضَلُهَا الْبَيَاضُ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي آدَابِ اللِّبَاسِ مِنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَيَعْتَمُّ وَيَرْتَدِي.
(وَ) أَنْ (يُبَكِّرَ إلَيْهَا) أَيْ إلَى الْجُمُعَةِ وَلَوْ كَانَ مُشْتَغِلًا بِالصَّلَاةِ فِي بَيْتِهِ لِلْخَبَرِ (غَيْرَ الْإِمَامِ) فَلَا يُسَنُّ لَهُ التَّبْكِيرُ إلَيْهَا وَمَعْنَى تَبْكِيرِهِ: إتْيَانُهُ (بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ) لَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَيَكُونُ (مَاشِيًا) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ» (إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ، فَإِنْ كَانَ) لَهُ عُذْرٌ (فَلَا بَأْسَ بِرُكُوبِهِ ذَهَابًا وَإِيَابًا) لَكِنْ الْإِيَابُ رَاكِبًا لَا بَأْسَ بِهِ وَلَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ.
(وَيَجِبُ السَّعْيُ) إلَى الْجُمُعَةِ سَوَاءٌ كَانَ مَنْ يُقِيمُهَا عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا، سُنِّيًّا أَوْ مُبْتَدِعًا نَصَّ عَلَيْهِ (بِالنِّدَاءِ الثَّانِي بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ} [الجمعة: 9]- الْآيَةَ لِأَنَّهُ الَّذِي كَانَ عَلَى عَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم (لَا) يَجِبُ السَّعْيُ (بِ) النِّدَاءِ (الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ) لِأَنَّ عُثْمَانَ سَنَّهُ وَعَمِلَتْ بِهِ الْأُمَّةُ يَعْنِي وَالثَّانِي فَرْضُ كِفَايَةٍ.
(وَالْأَفْضَلُ) أَنْ يَكُونَ الْأَذَانُ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ (مِنْ مُؤَذِّنٍ وَاحِدٍ) لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الزِّيَادَةِ لِأَنَّهُ لِإِعْلَامِ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمْ يَسْمَعُونَهُ (وَلَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ الْأَذَانُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ (إلَّا مَنْ بَعُدَ
مَنْزِلُهُ، فَ) يَجِبُ عَلَيْهِ السَّعْيُ (فِي وَقْتٍ يُدْرِكُهَا) فِيهِ أَنْ يَسْعَى إلَيْهَا مِنْ مَنْزِلِهِ (إذَا عَلِمَ حُضُورَ الْعَدَدِ) الْمُعْتَبَرِ لِلْجُمُعَةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَطْلَقَهُ بَعْضُهُمْ وَالْمُرَادُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَا قَبْلَهُ ذَكَرَهُ فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّهُ لَيْسَ بِوَقْتٍ لِلسَّعْيِ أَيْضًا وَيُسَنُّ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْجُمُعَةِ (عَلَى أَحْسَنِ هَيْئَةٍ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ، مَعَ خُشُوعٍ، وَيَدْنُو مِنْ الْإِمَامِ) أَيْ يَقْرُبُ مِنْهُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ وَبَكَّرَ، وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنْ الْإِمَامِ فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ: عَمَلُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ وَقَوْلُهُ " غَسَّلَ " بِالتَّشْدِيدِ أَيْ جَامَعَ، اغْتَسَلَ مَعْلُومٌ وَبَكَّرَ " أَيْ خَرَجَ فِي بُكْرَةِ النَّهَارِ وَهِيَ أَوَّلُهُ وَ " ابْتَكَرَ " أَيْ بَالَغَ فِي التَّبْكِيرِ أَيْ جَاءَ فِي أَوَّلِ الْبُكْرَةِ.
(وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ) لِأَنَّهُ خَيْرُ الْمَجَالِسِ، لِلْخَبَرِ (وَيَشْتَغِلُ بِالصَّلَاةِ إلَى خُرُوجِ الْإِمَامِ) لِلْخُطْبَةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَحْصِيلِ الْأَجْرِ (فَإِذَا خَرَجَ) الْإِمَامُ لِلْخُطْبَةِ وَهُوَ فِي نَافِلَةٍ (خَفَّفَهَا، وَلَوْ) كَانَ (نَوَى أَرْبَعًا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ) لِيَسْتَمِعَ الْخُطْبَةَ.
(وَيَحْرُمُ ابْتِدَاءُ نَافِلَةٍ إذَنْ) أَيْ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ لِلْخُطْبَةِ (غَيْرَ تَحِيَّةِ مَسْجِدٍ) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَلَوْ كَانَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْخُطْبَةِ أَوْ كَانَ بَعِيدًا بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهَا.
(وَ) يَشْتَغِلُ أَيْضًا (بِالذِّكْرِ) لِلَّهِ تَعَالَى، تَحْصِيلًا لِلْأَجْرِ (وَأَفْضَلُهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ) وَتَقَدَّمَ.
(وَ) يُسَنُّ أَنْ (يَقْرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِهَا) اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنْ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ وَرَوَاهُ سَعِيدٌ مَرْفُوعًا وَقَالَ» مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ زَادَ أَبُو الْمَعَالِي (وَلَيْلَتَهَا) وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِهَا أَوْ لَيْلَتِهَا قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ.
وَفِي الْمُبْدِعِ وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى زَادَ أَبُو الْمَعَالِي وَالْوَجِيزُ: أَوْ لَيْلَتِهَا، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَتِهَا وُقِيَ فِتْنَةَ الدَّجَّالِ» .
(وَيُكْثِرُ الدُّعَاءَ فِي يَوْمِهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ (رَجَاءَ إصَابَةِ سَاعَةِ الْإِجَابَةِ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إنَّ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «وَأَرْجَاهَا آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ النَّهَارِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا وَفِي أَوَّلِهِ إنَّ «النَّهَارَ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً» رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ
وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ لَكِنْ لَمْ يَحْكِ فِي الْإِنْصَافِ وَالْمُبْدِعِ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ الْإِمَامِ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا بَلْ ذَكَرَا قَوْلَ الْإِمَامِ: أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّهَا - أَيْ السَّاعَةَ الَّتِي تُرْجَى فِيهَا الْإِجَابَةُ - بَعْدَ الْعَصْرِ، وَتُرْجَى بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ.
وَقَدْ ذَكَرَ دَلِيلَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ مَعَ بَقِيَّةِ الْأَقْوَالِ، وَهِيَ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ قَوْلًا فِي فَتْحِ الْبَارِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ قَوْلِ الْإِمَامِ: إنَّهُ أَثْبَتُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَى أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ " أَنَّ أُنَاسًا مِنْ الصَّحَابَةِ اجْتَمَعُوا فَتَذَاكَرُوا سَاعَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ افْتَرَقُوا فَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهَا آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ " وَرَجَّحَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ كَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ (يَكُونُ مُتَطَهِّرًا مُنْتَظِرًا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ فَإِنَّ مَنْ انْتَظَرَ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ) لِلْخَبَرِ.
وَفِي الدَّعَوَاتِ لِلْمُسْتَغْفِرَيَّ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ إذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ انْصَرَفَ، فَوَقَفَ فِي الْبَابِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَجَبْت دَعْوَتَك، وَصَلَّيْت فَرِيضَتَك، وَانْتَشَرْت لِمَا أَمَرْتنِي فَارْزُقْنِي مِنْ فَضْلِك وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ.
(وَيُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «أَكْثِرُوا مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ الْأَصْحَابُ: وَلَيْلَتَهَا، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «أَكْثِرُوا مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيَّ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ فَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَقَدْ رُوِيَ الْحَثُّ عَلَيْهَا مُطْلَقًا، لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
(وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَأَى رَجُلًا يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ فَقَالَ: «اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْت» وَلِمَا فِيهِ مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ وَالْأَذَى (إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامًا فَلَا) يُكْرَهُ أَنْ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ (لِلْحَاجَةِ) لِتَعْيِينِ مَكَانِهِ، وَأَلْحَقَ بِهِ فِي الْغُنْيَةِ الْمُؤَذِّنَ (أَوْ يَرَى) غَيْرُ الْإِمَامِ (فُرْجَةً لَا يَصِلُ إلَيْهَا إلَّا بِهِ) أَيْ بِالتَّخَطِّي فَلَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُمْ أَسْقَطُوا حَقَّ أَنْفُسِهِمْ بِتَأَخُّرِهِمْ.
(وَيَحْرُمُ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ فَيَجْلِسَ مَكَانَهُ، وَلَوْ عَبْدَهُ) الْكَبِيرَ (أَوْ وَلَدَهُ الْكَبِيرَ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ.
وَإِنَّمَا هُوَ حَقٌّ دِينِيٌّ فَاسْتَوَى فِيهِ السَّيِّدُ وَعَبْدُهُ وَالْوَالِدُ وَوَلَدُهُ (أَوْ كَانَتْ عَادَتُهُ الصَّلَاةُ فِيهِ حَتَّى الْمُعَلِّمُ وَنَحْوُهُ) كَالْمُفْتِي وَالْمُحَدِّثِ، وَمَنْ يَجْلِسُ لِلْمُذَاكَرَةِ فِي الْفِقْهِ إذَا جَلَسَ
إنْسَانٌ مَوْضِعَ حَلْقَتِهِ حَرُمَ عَلَيْهِ إقَامَتُهُ، لِمَا رَوَى عُمَرُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى أَنْ يُقِيمَ الرَّجُلُ أَخَاهُ مِنْ مَقْعَدِهِ وَيَجْلِسَ فِيهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَكِنْ يَقُولُ: افْسَحُوا قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ، لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «لَا يُقِيمُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ يُخَالِفُ إلَى مَقْعَدِهِ وَلَكِنْ لِيَقُلْ: افْسَحُوا» وَلِأَنَّ الْمَسْجِدَ بَيْتُ اللَّهِ، وَالنَّاسُ فِيهِ سَوَاءٌ (إلَّا الصَّغِيرَ) حُرًّا، كَانَ أَوْ عَبْدًا، فَيُؤَخَّرُ لِمَا تَقَدَّمَ قَالَ فِي التَّنْقِيحِ.
(وَقَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ: تَقْتَضِي عَدَمَ الصِّحَّةِ) أَيْ صِحَّةِ صَلَاةِ مَنْ أَخَّرَ مُكَلَّفًا وَجَلَسَ مَكَانَهُ، لِشِبْهِهِ الْغَاصِبَ (إلَّا مَنْ جَلَسَ بِمَوْضِعٍ يَحْفَظُهُ لَهُ) أَيْ لِغَيْرِهِ (بِإِذْنِهِ أَوْ دُونَهُ) لِأَنَّ النَّائِبَ يَقُومُ بِاخْتِيَارِهِ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ، وَلِأَنَّهُ قَعَدَ فِيهِ لِحِفْظِهِ لَهُ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِإِقَامَتِهِ.
لَكِنْ إنْ جَلَسَ فِي مَكَانِ الْإِمَامِ أَوْ طَرِيقِ الْمَارَّةِ أَوْ اسْتَقْبَلَ الْمُصَلِّينَ فِي مَكَان ضَيِّقٍ أُقِيمَ قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي.
(وَيُكْرَهُ إيثَارُهُ) غَيْرَهُ (بِمَكَانِهِ الْأَفْضَلِ) وَيَتَحَوَّلُ إلَى مَا دُونَهُ (كَالصَّفِّ الْأَوَّلِ وَنَحْوِهِ) وَكَيَمِينِ الْإِمَامِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الرَّغْبَةِ عَنْ الْمَكَانِ الْأَفْضَلِ وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ آثَرَ بِهِ وَالِدَهُ وَنَحْوَهُ وَ (لَا) يُكْرَهُ لِلْمُؤْثَرِ (قَبُولُهُ) الْمَكَانَ الْأَفْضَلَ وَلَا رَدُّهُ قَالَ سِنْدِي: رَأَيْت الْإِمَامَ أَحْمَدَ قَامَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ مَوْضِعِهِ فَأَبَى أَنْ يَجْلِسَ فِيهِ وَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ إلَى مَوْضِعِك فَرَجَعَ إلَيْهِ (فَلَوْ آثَرَ) الْجَالِسُ بِمَكَانٍ أَفْضَلَ (زَيْدًا فَسَبَقَهُ إلَيْهِ عَمْرٌو حَرُمَ) عَلَى عَمْرٍو سَبْقُهُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ تَحَجَّرَ مَوَاتًا، ثُمَّ آثَرَ بِهِ غَيْرَهُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ وُسِّعَ لِرَجُلٍ فِي طَرِيقٍ فَمَرَّ غَيْرُهُ، لِأَنَّهَا جُعِلَتْ لِلْمُرُورِ فِيهَا وَالْمَسْجِدُ جُعِلَ لِلْإِقَامَةِ فِيهِ.
(وَإِنْ وَجَدَ مُصَلًّى مَفْرُوشًا فَلَيْسَ لَهُ رَفْعُهُ) لِأَنَّهُ كَالنَّائِبِ عَنْهُ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ الِافْتِيَاتِ عَلَى صَاحِبِهِ وَالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَالْإِفْضَاءِ إلَى الْخُصُومَةِ، وَقَاسَهُ فِي الشَّرْحِ عَلَى رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ، وَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ (مَا لَمْ تَحْضُرْ الصَّلَاةُ) فَلَهُ رَفْعُهُ وَالصَّلَاةُ مَكَانَهُ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ بِنَفْسِهِ.
وَإِنَّمَا الْحُرْمَةُ لِرَبِّهِ وَلَمْ يَحْضُرْ، (وَلَا الْجُلُوسُ وَلَا الصَّلَاةُ عَلَيْهِ) وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ يُكْرَهُ، وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ بِتَحْرِيمِهِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدَعَهُ مَفْرُوشًا وَيُصَلِّي عَلَيْهِ فَإِنْ فَعَلَ فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ لَوْ صَلَّى عَلَى أَرْضِهِ أَوْ مُصَلَّاهُ بِلَا غَصْبٍ، صَحَّ النَّهْيُ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ: جَازَ وَصَحَّتْ وَلَعَلَّ مَا هُنَاكَ إذَا كَانَ حَاضِرًا، أَوْ صَلَّى مَعَهُ عَلَى مُصَلَّاهُ فَلَا يُعَارِضُهُ مَا هُنَا لِغَيْبَتِهِ، وَفِيهِ شَيْءٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ إنْ حَرُمَ رَفْعُهُ أَيْ الْمُصَلَّى (فَلَهُ فَرْشُهُ) وَإِلَّا كُرِهَ
(وَمَنَعَ مِنْهُ) أَيْ الْفَرْشِ (الشَّيْخُ، لِتَحَجُّرِهِ مَكَانًا مِنْ الْمَسْجِدِ) كَحَفْرِهِ فِي التُّرْبَةِ الْمُسَبَّلَةِ قَبْلَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ.
(وَمَنْ قَامَ مِنْ مَوْضِعِهِ) مِنْ الْمَسْجِدِ (لِعَارِضٍ لَحِقَهُ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ قَرِيبًا فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) .
لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ مَرْفُوعًا «مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» وَقَيَّدَهُ فِي الْوَجِيزِ بِمَا إذَا عَادَ وَلَمْ يَتَشَاغَلْ بِغَيْرِهِ (مَا لَمْ يَكُنْ صَبِيًّا قَامَ فِي صَفٍّ فَاضِلٍ أَوْ فِي وَسَطِ الصَّفِّ) ثُمَّ قَامَ لِعَارِضٍ ثُمَّ عَادَ، فَيُؤَخَّرُ كَمَا لَوْ لَمْ يَقُمْ مِنْهُ بِالْأَوْلَى (فَإِنْ لَمْ يَصِلْ) الْعَائِدُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى مَكَانِهِ قَرِيبًا بَعْدَ قِيَامِهِ مِنْهُ لِعَارِضٍ (إلَّا بِالتَّخَطِّي، جَازَ) لَهُ التَّخَطِّي (كَالْفُرْجَةِ) أَيْ كَمَنْ رَأَى فُرْجَةً لَا يَصِلُ إلَيْهَا إلَّا بِهِ ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ وَابْنُ تَمِيمٍ.
(وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي الْمَقْصُورَةِ الَّتِي تُحْمَى) لِلسُّلْطَانِ وَلِجُنْدِهِ (نَصًّا) لِأَنَّهُ يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهَا، فَتَصِيرُ كَالْمَغْصُوبِ.
(وَمَنْ دَخَلَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ لَمْ يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ مُوجَزَتَيْنِ) أَيْ خَفِيفَتَيْنِ (تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ إنْ كَانَ) يَخْطُبُ (فِي مَسْجِدٍ) لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَدْ خَرَجَ الْإِمَامُ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ زَادَ مُسْلِمٌ «وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا» وَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ وَالْأَكْثَرُ.
(وَ) مَحَلُّ ذَلِكَ عَلَى مَا فِي الْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ: إنْ (لَمْ يَخَفْ فَوْتَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ مَعَ الْإِمَامِ) فَإِنْ خَافَ تَرَكَهُمَا (وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِمَا) لِمَفْهُومِ مَا تَقَدَّمَ.
(وَتُسَنُّ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ رَكْعَتَانِ فَأَكْثَرَ لِكُلِّ مَنْ دَخَلَهُ) أَيْ الْمَسْجِدَ (قَصَدَ الْجُلُوسَ) بِهِ (أَوْ لَا) لِعُمُومِ الْأَخْبَار (غَيْرَ خَطِيبٍ دَخَلَ لَهَا) أَيْ لِلْخُطْبَةِ، فَلَا يُصَلِّي التَّحِيَّةَ.
(وَ) غَيْرَ (قَيِّمِهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ، فَلَا تُسَنُّ لَهُ التَّحِيَّةُ (لِتَكْرَارِ دُخُولِهِ) فَتَشُقُّ عَلَيْهِ.
(وَ) غَيْرَ (دَاخِلِهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ (لِصَلَاةِ عِيدٍ) فَلَا يُصَلِّي التَّحِيَّةَ، لِمَا يَأْتِي فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ (أَوْ) دَاخِلِهِ (وَالْإِمَامُ فِي مَكْتُوبَةٍ أَوْ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْإِقَامَةِ) لِحَدِيثِ «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» .
(وَ) غَيْرَ (دَاخِلِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) لِأَنَّ تَحِيَّتَهُ الطَّوَافُ (وَتُجْزِئُ رَاتِبَةٌ وَفَرِيضَةٌ، وَلَوْ) كَانَتَا (فَائِتَتَيْنِ عَنْهَا) أَيْ عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لَا عَكْسُهُ.
وَتَقَدَّمَ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ مُوَضَّحًا (وَإِنْ نَوَى التَّحِيَّةَ وَالْفَرْضَ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: حُصُولُهُمَا) لَهُ كَنَظَائِرِهِمَا قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَغَيْرِهِ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ (فَإِنْ جَلَسَ قَبْلَ فِعْلِهَا) أَيْ التَّحِيَّةِ (قَامَ فَأَتَى بِهَا، إنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ) لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ: فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ فَاتَ مَحَلُّهَا (وَلَا تَحْصُلُ) التَّحِيَّةُ (بِأَقَلَّ مِنْ رَكْعَتَيْنِ)
لِمَفْهُومِ مَا سَبَقَ (وَلَا) تَحْصُلُ التَّحِيَّةُ (بِصَلَاةِ جِنَازَةٍ) وَلَا سُجُودِ تِلَاوَةٍ وَلَا شُكْرٍ لِمَا سَبَقَ (وَتَقَدَّمَ: إذَا دَخَلَ وَهُوَ يُؤَذِّنُ) فَيَنْتَظِرُ فَرَاغَهُ، لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْإِجَابَةِ وَالتَّحِيَّةِ.
(وَيَحْرُمُ الْكَلَامُ فِي الْخُطْبَتَيْنِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَلَوْ كَانَ) الْإِمَامُ (غَيْرَ عَدْلٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ قَالَ: صَهٍ فَقَدْ لَغَا، وَمَنْ لَغَا فَلَا جُمُعَةَ لَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ «وَاَلَّذِي يَقُولُ: أَنْصِتْ لَيْسَ لَهُ جُمُعَةٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ مُجَالِدٍ وَمَعْنَى قَوْلِهِ " لَا جُمُعَةَ لَهُ " أَيْ كَامِلَةً وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي الدَّرْدَاءِ «إذَا سَمِعْت إمَامَك يَتَكَلَّمُ فَأَنْصِتْ حَتَّى يَفْرُغَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ (إنْ كَانَ) الْمُتَكَلِّمُ (مِنْهُ) أَيْ الْإِمَامِ (بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ) بِخِلَافِ الْبَعِيدِ الَّذِي لَا يَسْمَعُهُ لِأَنَّ وُجُوبَ الْإِنْصَاتِ لِلِاسْتِمَاعِ وَهَذَا لَيْسَ بِمُسْتَمِعٍ.
(وَلَوْ) كَانَ كَلَامُ الْمُتَكَلِّمِ (فِي حَالِ تَنَفُّسِهِ) أَيْ الْإِمَامِ، فَيَحْرُمُ (لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْخُطْبَةِ) لِأَنَّهُ يَسِيرٌ (إلَّا لَهُ) أَيْ الْكَلَامِ لِلْخَطِيبِ (أَوْ لِمَنْ كَلَّمَهُ لِمَصْلَحَةٍ) فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمَا «لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَلَّمَ سُلَيْكًا وَكَلَّمَهُ هُوَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَسَأَلَ عُمَرُ عُثْمَانَ فَأَجَابَهُ، «وَسَأَلَ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم الِاسْتِسْقَاءَ» وَلِأَنَّهُ حَالَ كَلَامِ الْإِمَامِ وَكَلَامُ الْإِمَامِ إيَّاهُ لَا يُشْغِلُ عَنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ.
(وَلَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ الْكَلَامِ (قَبْلَهُمَا) أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ (وَبَعْدَهُمَا نَصًّا) لِمَا رَوَى مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ " كَانُوا يَتَحَدَّثُونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَعُمَرُ جَالِسٌ عَلَى الْمِنْبَرِ فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ قَامَ عُمَرُ، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ حَتَّى يَقْضِيَ الْخُطْبَتَيْنِ ".
(وَ) لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ (بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ إذَا سَكَتَ) لِأَنَّهُ لَا خُطْبَةَ حِينَئِذٍ يُنْصَتُ لَهَا (وَلَيْسَ لَهُ تَسْكِيتُ مَنْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ) لِمَا تَقَدَّمَ (بَلْ) يُسْكِتُهُ (بِإِشَارَةٍ فَيَضَعُ أُصْبُعَهُ) .
وَلَعَلَّ الْمُرَادَ السَّبَّابَةُ (عَلَى فِيهِ) إشَارَةً بِالسُّكُوتِ، لِأَنَّ الْإِشَارَةَ تَجُوزُ فِي الصَّلَاةِ لِلْحَاجَةِ، فَفِي الْخُطْبَةِ أَوْلَى (وَيَجِبُ) الْكَلَامُ (لِتَحْذِيرِ ضَرِيرٍ وَغَافِلٍ عَنْ بِئْرٍ) ، وَعَنْ (هَلَكَةٍ، وَمَنْ يُخَافُ عَلَيْهِ نَارًا أَوْ حَيَّةً وَنَحْوَهُ) مِمَّا يَقْتُلُهُ أَوْ يَضُرُّهُ لِإِبَاحَةِ قَطْعِ الصَّلَاةِ لِذَلِكَ.
(وَيُبَاحُ) الْكَلَامُ (إذَا شَرَعَ) الْخَطِيبُ (فِي الدُّعَاءِ) لِأَنَّهُ يَكُونُ قَدْ فَرَغَ مِنْ أَرْكَانِ الْخُطْبَةِ، وَالدُّعَاءُ لَا يَجِبُ الْإِنْصَاتُ لَهُ.
(وَلَوْ فِي دُعَاءٍ غَيْرِ
مَشْرُوعٍ وَتُبَاحُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذَا ذُكِرَ) فَيُصَلِّي عَلَيْهِ (سِرًّا، كَالدُّعَاءِ اتِّفَاقًا، قَالَهُ الشَّيْخُ وَقَالَ: رَفْعُ الصَّوْتِ قُدَّامَ بَعْضِ الْخُطَبَاءِ مَكْرُوهٌ، أَوْ مُحَرَّمٌ اتِّفَاقًا فَلَا يَرْفَعُ الْمُؤَذِّنُ وَلَا غَيْرُهُ صَوْتَهُ بِصَلَاةٍ وَلَا غَيْرِهَا) .
وَفِي التَّنْقِيحِ وَالْمُنْتَهَى: وَلَهُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذَا سَمِعَهَا وَيُسَنُّ سِرًّا (وَلَا يُسَلِّمُ مَنْ دَخَلَ) عَلَى الْإِمَامِ وَلَا غَيْرِهِ لِاشْتِغَالِهِمْ بِالْخُطْبَةِ وَاسْتِمَاعهَا.
(وَيَجُوزُ تَأْمِينُهُ) أَيْ مُسْتَمِعِ الْخُطْبَةِ عَلَى الدُّعَاءِ (وَحَمْدُهُ خِفْيَةً إذَا عَطَسَ نَصًّا وَتَشْمِيتُ عَاطِسٍ وَرَدُّ سَلَامٍ نُطْقًا) لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ لِحَقِّ آدَمِيٍّ، أَشْبَهَ الضَّرِيرَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ (وَإِشَارَةُ أَخْرَسَ مَفْهُومَةٌ كَكَلَامٍ) لِقِيَامِهَا مَقَامَهُ فِي الْبُيُوعِ وَغَيْرِهِ.
(وَيَجُوزُ لِمَنْ بَعُدَ عَنْ الْخَطِيبِ وَلَمْ يَسْمَعْهُ الِاشْتِغَالُ بِالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ خِفْيَةً وَفِعْلُهُ أَفْضَلُ) مِنْ سُكُوتِهِ (نَصًّا) لِتَحْصِيلِ أَجْرِهِ (فَيَسْجُدُ لِلتِّلَاوَةِ) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ.
(وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ وَلَا إقْرَاءُ الْقُرْآنِ وَلَا الْمُذَاكَرَةُ فِي الْفِقْهِ) لِئَلَّا يُشْغِلَ غَيْرَهُ عَنْ الِاسْتِمَاعِ.
وَفِي الْفُصُولِ: إنْ بَعُدَ وَلَمْ يَسْمَعْ هَمْهَمَةَ الْإِمَامِ جَازَ أَنْ يَقْرَأَ وَأَنْ يُذَاكِرَ فِي الْفِقْهِ اهـ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُشْغِلْ غَيْرَهُ عَنْ الِاسْتِمَاعِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا إذَا أَشْغَلَ.
(وَلَا أَنْ يُصَلِّيَ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ يَحْرُمُ ابْتِدَاءُ غَيْرِ تَحِيَّةِ مَسْجِدٍ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ (أَوْ) أَيْ وَلَا أَنْ (يَجْلِسَ فِي حَلْقَةٍ) قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَيُكْرَهُ التَّحَلُّقُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ التَّحَلُّقِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
(وَلَا يَتَصَدَّقُ عَلَى سَائِلٍ وَقْتَ الْخُطْبَةِ لِأَنَّهُ) أَيْ السَّائِلَ (فَعَلَ مَا لَا يَجُوزُ) لَهُ فِعْلُهُ، وَهُوَ الْكَلَامُ حَالَ الْخُطْبَةِ (فَلَا يُعِينُهُ) عَلَى مَا لَا يَجُوزُ.
(قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: وَإِنْ حَصَبَ السَّائِلَ كَانَ أَعْجَبَ إلَيَّ) لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ فَعَلَ ذَلِكَ لِسَائِلٍ سَأَلَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ.
(وَلَا يُنَاوِلُهُ) أَيْ السَّائِلَ حَالَ الْخُطْبَةِ الصَّدَقَةَ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مُحَرَّمٍ (فَإِنْ سَأَلَ) الصَّدَقَةَ (قَبْلَهَا) أَيْ الْخُطْبَةِ (ثُمَّ جَلَسَ لَهَا) أَيْ لِلْخُطْبَةِ، أَيْ اسْتِمَاعِهَا (جَازَ) أَيْ التَّصَدُّقُ عَلَيْهِ وَمُنَاوَلَتُهُ الصَّدَقَةَ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: هَذَا لَمْ يَسْأَلْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، (وَلَهُ الصَّدَقَةُ) حَالَ الْخُطْبَةِ (عَلَى مَنْ لَمْ يَسْأَلْ وَعَلَى مَنْ سَأَلَهَا) أَيْ الصَّدَقَةَ (الْإِمَامُ لَهُ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَالصَّدَقَةُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ عِنْدَ دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ أَوْلَى) مِنْ الصَّدَقَةِ حَالَ الْخُطْبَةِ.
(وَيُكْرَهُ الْعَبَثُ حَالَ الْخُطْبَةِ) لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ