الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ لَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ الزَّكَاة إلَّا بِنِيَّةِ]
فَصْلٌ وَلَا يُجْزِئُ إخْرَاجُهَا إلَّا بِنِيَّةٍ لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (مِنْ مُكَلَّفٍ) لَا صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِأَدَاءِ الْوَاجِبِ (وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ يَنْوِي عَنْهُ وَلِيُّهُ) لِقِيَامِهِ مُقَامَهُ (فَيَنْوِي الزَّكَاةَ، أَوْ الصَّدَقَةَ الْوَاجِبَةَ، أَوْ صَدَقَةَ الْمَالِ أَوْ صَدَقَةَ الْفِطْرِ فَلَوْ لَمْ يَنْوِ) لَمْ يُجْزِئْهُ مَا أَخْرَجَهُ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ لِأَنَّ صَرْفَ الْمَالِ إلَى الْفَقِيرِ لَهُ جِهَاتٌ مِنْ زَكَاةٍ وَكَفَّارَةٍ، وَنَذْرٍ وَصَدَقَةِ تَطَوُّعٍ وَلَا قَرِينَةَ تُعَيَّنُ، فَاعْتُبِرَتْ نِيَّةُ التَّمْيِيزِ (أَوْ نَوَى صَدَقَةً مُطْلَقَةً؟ لَمْ يَجُزْ) مَا أَخْرَجَهُ (عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ، حَتَّى وَلَوْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ الْمَالِ) كَمَا لَوْ نَوَى الصَّلَاةَ وَأَطْلَقَ وَ (كَصَدَقَتِهِ بِغَيْرِ النِّصَابِ مِنْ جِنْسِهِ وَالْأَوْلَى: مُقَارَنَتُهَا) أَيْ النِّيَّةِ (لِلدَّفْعِ) خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ.
(وَتَجُوزُ) النِّيَّةُ (قَبْلَهُ) أَيْ الْإِخْرَاجِ بِزَمَنٍ يَسِيرٍ (كَصَلَاةٍ وَلَا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْفَرْضِ) اكْتِفَاءً بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ، لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا فَرْضًا.
(وَلَا) يُعْتَبَرُ (تَعْيِينُ الْمَالِ الْمُزَكَّى عَنْهُ) لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ (فَلَوْ كَانَ لَهُ مَالَانِ غَائِبٌ وَحَاضِرٌ فَنَوَى زَكَاةَ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ) وَأَدَّاهَا (أَجْزَأَ) مَا دَفَعَهُ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ (بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ لَهُ أَرْبَعِينَ دِينَارًا، إذَا أَخْرَجَ نِصْفَ دِينَارٍ عَنْهَا) أَيْ عَنْ الْأَرْبَعِينَ (صَحَّ، وَوَقَعَ) الْإِخْرَاجُ (عَنْ عِشْرِينَ دِينَارًا مِنْهَا غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ) فَيُخْرِجُ نِصْفَ دِينَارٍ عَنْ الْعِشْرِينَ الْبَاقِيَةِ.
(وَلَوْ كَانَ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَأَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ، فَقَالَ: هَذِهِ الشَّاةُ عَنْ الْإِبِلِ، أَوْ الْغَنَمِ أَجْزَأَتْهُ عَنْ أَحَدِهِمَا) وَيُخْرِجُ شَاةً أُخْرَى عَنْ الْآخَرِ (وَلَوْ) أَخْرَجَ قَدْرَ زَكَاةِ أَحَدِ مَالَيْهِ، وَ (نَوَى زَكَاةَ مَالِهِ الْغَائِبِ فَإِنْ كَانَ تَالِفًا فَعَنْ الْحَاضِرِ أَجْزَأَ) الْمُخْرَجُ (عَنْهُ) أَيْ الْحَاضِرُ (إنْ كَانَ الْغَائِبُ تَالِفًا) بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِاعْتِبَارِ التَّعْيِينِ فِيهَا فَإِنْ كَانَا سَالِمَيْنِ أَجْزَأَهُ أَحَدُهُمَا لِأَنَّ التَّعْيِينَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، قَالَهُ فِي الشَّرْحِ.
(وَلَوْ نَوَى أَنَّ هَذِهِ زَكَاةُ مَالِي، إنْ كَانَ سَالِمًا وَإِلَّا فَهُوَ تَطَوُّعٌ، مَعَ شَكٍّ فِي سَلَامَتِهِ، فَبَانَ سَالِمًا، أَجْزَأَتْ) .
وَكَذَا إنْ نَوَى عَنْ الْغَائِبِ إنْ كَانَ سَالِمًا، لِأَنَّ هَذَا فِي حُكْمِ الْإِطْلَاقِ، فَلَا يَضُرُّ تَقْيِيدُهُ بِهِ (وَلَوْ نَوَى عَنْ الْغَائِبِ فَبَانَ تَالِفًا لَمْ يَكُنْ لَهُ صَرْفُهُ إلَى غَيْرِهِ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» وَهُوَ لَمْ يَنْوِ غَيْرَ الْغَائِبِ (فَإِنْ قَالَ: هَذَا زَكَاةُ مَالِي أَوْ نَفْلٍ) لَمْ يُجْزِئْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْلِص النِّيَّةَ لِلزَّكَاةِ (أَوْ قَالَ: هَذَا زَكَاةُ
إرْثِي مِنْ مُوَرِّثِي، إنْ كَانَ مَاتَ، لَمْ يُجْزِئْهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْنِ عَلَى أَصْلٍ قَالَ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ: كَقَوْلِهِ لَيْلَةَ الشَّكِّ: إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فَهُوَ فَرْضِي وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: كَقَوْلِهِ: إنْ كَانَ وَقْتُ الظُّهْرِ دَخَلَ فَصَلَاتِي هَذِهِ عَنْهَا وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: التَّرَدُّدُ فِي الْعِبَادَةِ يُفْسِدُهَا وَلِهَذَا لَوْ صَلَّى وَنَوَى إنْ كَانَ الْوَقْتُ قَدْ دَخَلَ فَهِيَ فَرِيضَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ دَخَلَ فَهِيَ نَافِلَةٌ لَمْ تَصِحَّ لَهُ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا، وَإِنْ نَوَى عَنْ الْغَائِبِ إنْ كَانَ سَالِمًا وَإِلَّا فَأَرْجَعَ فَلَهُ الرُّجُوعُ إنْ بَانَ تَالِفًا ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي عَلَى قَوْلِ الرُّجُوعِ فِي التَّلَفِ.
(وَإِنْ أَخَذَهَا) أَيْ الزَّكَاةَ (الْإِمَامُ قَهْرًا لِامْتِنَاعِهِ) أَيْ رَبِّ الْمَالِ أَوْ تَغْيِيبِهِ مَالَهُ - (كَفَتْ نِيَّةُ الْإِمَامِ دُونَ نِيَّةِ رَبِّ الْمَالِ) فَلَا يَعْتَبِرُ لِلْإِجْزَاءِ ظَاهِرًا.
(وَأَجْزَأَتْهُ ظَاهِرًا) فَلَا يُطَالَبُ بِهَا بَعْدُ، وَ (لَا) تُجْزِئْهُ (بَاطِنًا) لِعَدَمِ النِّيَّةِ (وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ دَفَعَهَا) أَيْ الزَّكَاةَ (رَبُّ الْمَالِ إلَى مُسْتَحَقِّهَا كُرْهًا وَقَهْرًا) حَالَانِ مِنْ رَبِّ الْمَالِ فَتُجْزِئُهُ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى عِبَادَةٍ وَفَعَلَهَا لِدَاعِي الشَّرْعِ، صَحَّتْ لَا لِدَاعِي الْإِكْرَاهِ.
(وَإِنْ أَخَذَهَا) أَيْ الزَّكَاةَ (الْإِمَامُ أَوْ السَّاعِي لِغَيْبَةِ رَبِّ الْمَالِ، أَوْ تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ بِحَبْسٍ وَنَحْوِهِ) كَأَسْرٍ (أَجْزَأَتْهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا) لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى رَبِّ الْمَالِ إذَنْ، فَقَامَتْ نِيَّته كَوَلِيِّ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَلَا تَقْصِيرَ مِنْ رَبِّ الْمَالِ.
(وَإِنْ دَفَعَهَا رَبُّ الْمَالِ (إلَى الْإِمَامِ طَوْعًا نَاوِيًا) أَنَّهَا زَكَاةٌ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامُ حَالَ دَفْعِهَا إلَى الْفُقَرَاءِ) مَثَلًا (جَازَ، وَإِنْ طَالَ) الزَّمَنُ لِأَنَّهُ) أَيْ الْإِمَامَ (وَكِيلُ الْفُقَرَاءِ) لَا رَبُّ الْمَالِ.
وَ (لَا) تُجْزِئُ (إنْ نَوَاهَا الْإِمَامُ) زَكَاةً (دُونَهُ) أَيْ دُونَ رَبِّ الْمَالِ (أَوْ لَمْ يَنْوِيَاهَا) أَيْ لَا الْإِمَامُ وَلَا رَبُّ الْمَالِ، لِعَدَمِ النِّيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ (وَتَقَعُ نَفْلًا) فَلَا رُجُوعَ بِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ (وَيُطَالَبُ) رَبُّ الْمَالِ (بِهَا) أَيْ الزَّكَاةِ لِبَقَائِهَا فِي ذِمَّتِهِ وَعَدَمِ بَرَاءَتِهِ بِذَلِكَ الدَّفْعِ.
(وَلَا بَأْسَ بِالتَّوَكُّلِ فِي إخْرَاجِهَا) أَيْ الزَّكَاةِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ مَحْضَةٌ، كَتَفْرِقَةِ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ وَذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ.
(وَيُعْتَبَرُ كَوْنُ الْوَكِيلِ ثِقَةً مُسْلِمًا) لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَغَيْرُ الثِّقَةِ لَا يُؤَمَّنُ عَلَيْهَا (فَإِنْ دَفَعَهَا) الْمُوَكَّلُ (إلَى وَكِيلِهِ، أَجْزَأَتْ النِّيَّةُ مِنْ مُوَكَّلٍ، مَعَ قُرْبِ زَمَنِ الْإِخْرَاجِ) مِنْ زَمَنِ التَّوْكِيلِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُوَكَّلِ.
وَتَأَخُّرُ الْأَدَاءِ عَنْ النِّيَّةِ بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ جَائِزٌ (وَمَعَ بُعْدِهِ) أَيْ بُعْدِ زَمَنِ الْإِخْرَاجِ (لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْمُوَكَّلِ حَالَ الدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ) لِتَعَلُّقِ الْفَرْضِ بِالْمُوَكِّلِ، وَوُقُوعِ الْإِجْزَاءِ عَنْهُ (و) لَا بُدَّ مِنْ (نِيَّةِ الْوَكِيلِ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَى الْمُسْتَحِقِّ) لِئَلَّا يَخْلُوَ الدَّفْعُ إلَيْهِ عَنْ نِيَّةٍ مُقَارِنَةٍ أَوْ مُقَارِبَةٍ (وَلَا
تُجْزِئُ نِيَّةُ الْوَكِيلِ وَحْدَهُ) أَيْ دُونَ نِيَّةِ الْمُوَكَّلِ لِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالْمُوَكِّلِ، كَمَا سَبَقَ.
(وَإِنْ أَخْرَجَ) حُرٌّ مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ (زَكَاةَ شَخْصٍ أَوْ كَفَّارَتَهُ مِنْ مَالِهِ) أَيْ مَالِ الْمُخْرِجِ (بِإِذْنِهِ صَحَّ) إخْرَاجُهُ عَنْهُ كَالْوَكِيلِ (وَلَهُ) أَيْ الْمُخْرِجِ (الرُّجُوعُ عَلَيْهِ إنْ نَوَاهُ) أَيْ نَوَى الرُّجُوعَ لَا إنْ نَوَى التَّبَرُّعَ، أَوْ أَطْلَقَ.
(وَإِنْ كَانَ) إخْرَاجُهُ لِزَكَاةِ غَيْرِهِ (بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَصِحَّ) لِعَدَمِ النِّيَّةِ مِنْ الْمُخْرَجِ عَنْهُ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ الْوُجُوبُ (كَمَا لَوْ أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ بِلَا إذْنِهِ) لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ، وَوَكَالَتِهِ عَنْهُ (وَلَوْ وَكَّلَهُ فِي إخْرَاجِ زَكَاتِهِ وَدَفَعَ إلَيْهِ مَالًا وَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ وَلَمْ يَنْوِ الزَّكَاةَ فَأَخْرَجَهَا الْوَكِيلُ مِنْ) هَذَا (الْمَالِ الَّذِي دَفَعَهُ إلَيْهِ وَنَوَاهَا زَكَاةً أَجْزَأَتْ) لِأَنَّ الزَّكَاةَ صَدَقَةٌ هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ: وَهُوَ ضَعِيفٌ، لِاشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْمُوَكِّلِ فِي الْإِخْرَاجِ.
وَهُنَا لَمْ تُوجَدْ وَفِي التَّعْلِيلِ نَظَرٌ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ خَصَّهُ بِمَا يَقْتَضِي النَّفَلَ قَالَهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ وَهُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ لَفْظِ الصَّدَقَةِ وَأَيْضًا الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ يَقِينًا فَلَا تَسْقُطُ بِمُحْتَمَلٍ وَأَيْضًا لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْمُوَكِّلِ وَهَذَا لَمْ يَنْوِ الزَّكَاةَ (وَلَوْ) وَكَّلَهُ فِي إخْرَاجِ زَكَاةِ مَالِهِ وَدَفَعَ إلَيْهِ مَالًا وَ.
(قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ نَفْلًا، أَوْ عَنْ كَفَّارَتِي، ثُمَّ نَوَى) الْمُوَكَّلُ (الزَّكَاةَ قَبْلَ أَنْ يَتَصَدَّقَ) وَكِيلُهُ (أَجْزَأَ عَنْهَا، لِأَنَّ دَفْعَ وَكِيلِهِ كَدَفْعِهِ) فَكَأَنَّهُ نَوَى الزَّكَاةَ ثُمَّ دَفَعَ بِنَفْسِهِ قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَعَلَّلَهُ بِذَلِكَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ الْمَجْدِ لَا يُجْزِئُ لِاعْتِبَارِهِمْ النِّيَّةَ عِنْدَ التَّوْكِيلِ.
(وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ الْمُمَيِّزِ فِي دَفْعِ الزَّكَاةِ) هَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: الْأَوْلَى الصِّحَّةُ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْعِبَادَةِ، وَالثَّانِي: عَدَمُ الصِّحَّةِ قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ: وَهُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ الْوَاجِبَةِ اهـ وَتَصْحِيحُ الْفُرُوعِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْإِنْصَافِ فِي التَّأْلِيفِ فَمَا فِيهِ يُخَالِفُ الْإِنْصَافَ، فَهُوَ كَالرُّجُوعِ عَنْهُ.
(وَمَنْ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ مِنْ مَالِ غَصْبٍ لَمْ يُجْزِئْهُ، وَلَوْ أَجَازَهَا رَبُّهُ) كَبَيْعِهِ وَإِجَارَتِهِ لِأَنَّ مَا لَا يَصِحُّ ابْتِدَاءً لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِالْإِجَازَةِ.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ الْمُخْرِجُ عِنْدَ دَفْعِهَا) أَيْ الزَّكَاةِ (اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مَغْنَمًا) أَيْ مُثْمِرَةً (وَلَا تَجْعَلْهَا مَغْرَمًا) مُنْقِصَةً لِلْمَالِ؛ لِأَنَّ التَّثْمِيرَ كَالْغَنِيمَةِ وَالتَّنْقِيصَ كَالْغَرَامَةِ لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إذَا أَعْطَيْتُمْ الزَّكَاةَ فَلَا تَنْسَوْا ثَوَابَهَا أَنْ تَقُولُوا: اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مَغْنَمًا وَلَا تَجْعَلْهَا مَغْرَمًا» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ الْبَخْتَرِيِّ
(وَيَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى تَوْفِيقِهِ لِأَدَائِهَا) قَالَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ.
(وَ) يُسْتَحَبُّ (أَنْ يَقُولَ) الْآخِذُ (لِلزَّكَاةِ)(سَوَاءٌ كَانَ) الْآخِذُ (الْفَقِيرَ أَوْ الْعَامِلَ أَوْ غَيْرَهُمَا وَ) الْقَوْلُ (فِي حَقِّ الْعَامِلِ آكَدُ) مِنْهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ (أَجَرَكَ اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْت وَبَارَكَ لَك فِيمَا أَبْقَيْت وَجَعَلَهُ لَك طَهُورًا) لِلْأَمْرِ بِالدُّعَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] أَيْ اُدْعُ لَهُمْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلَانٍ فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ وَلِهَذَا لَمْ يَأْمُرْ سُعَاتَهُ بِالدُّعَاءِ.
(وَإِظْهَارُ إخْرَاجِهَا مُسْتَحَبٌّ سَوَاءٌ كَانَ) الْإِخْرَاجُ (بِمَوْضِعٍ يُخْرِجُ أَهْلُهُ الزَّكَاةَ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ نُفِيَ عَنْهُ ظَنُّ السُّوءِ بِإِظْهَارِ إخْرَاجِهَا أَمْ لَا) لِمَا فِيهِ مِنْ نَفْيِ الرِّيبَةِ عَنْهُ وَلَعَلَّهُ يُقْتَدَى بِهِ " وَكَصَلَاةِ الْفَرْضِ.
(وَإِنْ عَلِمَ) الْمُخْرِجُ (أَنَّ الْآخِذَ) لِلزَّكَاةِ (لَيْسَ أَهْلًا لِأَخْذِهَا كُرِهَ إعْلَامُهُ بِأَنَّهَا زَكَاةٌ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لِمَ يُبَكِّتْهُ؟ يُعْطِيهِ؟ وَيَسْكُتُ مَا حَاجَتُهُ أَنْ يُقَرِّعَهُ وَإِنْ عَلِمَهُ أَهْلًا) لِأَخْذِ الزَّكَاةِ (وَالْمُرَادُ: ظَنَّهُ) أَهْلًا لِذَلِكَ لِقِيَامِ الظَّنِّ مَقَامَ الْعِلْمِ فِي جَوَازِ الدَّفْعِ إلَيْهِ.
(وَيَعْلَمُ) الْمُخْرِجُ (مِنْ عَادَتِهِ) أَيْ الْمَدْفُوعِ لَهُ (أَنَّهُ لَا يَأْخُذُهَا) أَيْ الزَّكَاةَ (فَأَعْطَاهُ وَلَمْ يُعْلِمْهُ) أَنَّهَا زَكَاةٌ (لَمْ يُجْزِئْهُ) دَفْعُهَا لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ زَكَاةً ظَاهِرًا.
(وَلَهُ) أَيْ الْمُخْرِجُ (نَقْلُ زَكَاةٍ إلَى دُونِ مَسَافَةِ قَصْرٍ) مِنْ بَلَدِ الْمَالِ نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ بَلَدٍ وَاحِدٍ، بِدَلِيلِ الْأَحْكَامِ، وَرُخِّصَ السَّفَرُ.
(وَ) تَفْرِقَتُهَا (فِي فُقَرَاءِ بَلَدِهِ أَفْضَلُ) مِنْ نَقْلِهَا إلَى غَيْرِهِ مِمَّا دُونَ الْمَسَافَةِ لِعُمُومِ حَدِيثِ مُعَاذٍ الْآتِي.
(وَلَا يَدْفَعُ الزَّكَاةَ إلَّا لِمَنْ يَظُنُّهُ أَهْلًا) لِأَخْذِهَا، لِأَنَّ دَفْعَهَا لِغَيْرِ أَهْلِهَا لَا يُبَرَّأُ بِهِ، وَالْعِلْمُ بِذَلِكَ رُبَّمَا يَتَعَذَّرُ، فَأُقِيمَ الظَّنُّ مَقَامَهُ (فَلَوْ لَمْ يَظُنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا فَدَفَعَ) زَكَاتَهُ (إلَيْهِ ثُمَّ بَانَ مِنْ أَهْلِهَا، لَمْ يُجْزِئْهُ) الدَّفْعُ إلَيْهِ لِاعْتِقَادِهِ حَالَ الدَّفْعِ أَنَّهُ لَيْسَ بِزَكَاةٍ، لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْآخِذِ لَهَا فِي ظَنِّهِ.
(وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهَا) أَيْ الزَّكَاةِ (عَنْ بَلَدِهَا إلَى مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَلَوْ) كَانَ النَّقْلُ (لِرَحِمٍ وَشِدَّةِ حَاجَةٍ أَوْ لِاسْتِيعَابِ الْأَصْنَافِ) وَالسَّاعِي وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ «أَخْبِرْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْ طَاوُسٍ قَالَ فِي كِتَابِ مُعَاذٍ «مَنْ خَرَجَ مِنْ مِخْلَافٍ إلَى
مِخْلَافٍ، فَإِنَّ صَدَقَتَهُ وَعُشْرَهُ فِي مِخْلَافِ عَشِيرَتِهِ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ (فَإِنْ خَالَفَ وَفَعَلَ) أَيْ نَقَلَ الزَّكَاةَ إلَى بَلَدٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ (أَجْزَأَهُ) الْمَنْقُولُ لِلْعُمُومَاتِ وَلِأَنَّهُ دَفَعَ الْحَقَّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ فَبَرِئَ كَالدَّيْنِ وَالْفِطْرَةُ كَزَكَاةِ الْمَالِ فِيمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ كَانَ) الْمَالُ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ (بِبَادِيَةٍ أَوْ خَلَا بَلَدُهُ عَنْ مُسْتَحِقٍّ لَهَا) أَيْ الزَّكَاةِ (فَرَّقَهَا) إنْ بَقِيَتْ كُلُّهَا (أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهَا بَعْدَهُمْ) أَيْ بَعْدَ مُسْتَحِقِّي بَلَدِهِ (فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ) لِأَنَّهُمْ أَوْلَى وَلَوْ عَبَّرَ بِمَوْضِعٍ وَنَحْوِهِ لَكَانَ أَشْمَلَ وَبَعَثَ مُعَاذٌ إلَى عُمَرَ صَدَقَةً مِنْ الْيَمَنِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ وَقَالَ " لَمْ أَبْعَثْكَ جَابِيًا وَلَكِنْ بَعَثْتُكَ لِتَأْخُذَ مِنْ أَغْنِيَاءِ النَّاسِ فَتَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِهِمْ " فَقَالَ مُعَاذٌ " مَا بَعَثْت إلَيْك بِشَيْءٍ وَأَنَا أَجِدُ مَنْ يَأْخُذُهُ مِنِّي رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ.
(وَالْمُسَافِرُ بِالْمَالِ) الْمُزَكَّى (يُفَرِّقُهُ فِي مَوْضِعٍ أَكْثَرُ إقَامَةِ الْمَالِ فِيهِ) لِتَعَلُّقِ الْأَطْمَاعِ بِهِ غَالِبًا وَقَالَ الْقَاضِي يُفَرَّقُ مَكَانَهُ حَيْثُ حَالَ حَوْلُهُ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى تَأْخِيرِهَا.
(وَلَهُ نَقْلُ كَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ وَوَصِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ وَلَوْ) كَانَ النَّقْلُ (إلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ) بِخِلَافِ الزَّكَاةِ لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ رَاتِبَةٌ فَكَانَتْ لِجُبْرَانِ الْمَالِ بِخِلَافِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ (لَا) نَقْلَ وَصِيَّةٍ (مُقَيَّدَةٍ) بِأَنْ عَيَّنَهَا الْمُوصِي (لِفُقَرَاءَ مَكَان مُعَيَّنٍ) فَيَجِبُ صَرْفُهَا لَهُمْ، لِتَعَيُّنِهِمْ مَصْرِفًا لَهَا.
(وَإِنْ كَانَ) الْمُزَكِّي فِي بَلَدٍ (وَمَالُهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ، أَوْ) فِي (أَكْثَرَ) مِنْ بَلَدٍ (أَخْرَجَ زَكَاةَ كُلِّ مَالٍ فِي بَلَدِهِ، أَيْ بَلَدِ الْمَالِ، مُتَفَرِّقًا كَانَ أَوْ مُجْتَمِعًا) لِئَلَّا تُنْقَلَ الصَّدَقَةُ عَنْ بَلَدِ الْمَالِ، وَلِأَنَّ الْمَالَ سَبَبُ الزَّكَاةِ، فَوَجَبَ إخْرَاجُهَا حَيْثُ وُجِدَ السَّبَبُ (إلَّا فِي نِصَابِ سَائِمَةٍ فِي بَلَدَيْنِ، فَيَجُوزُ الْإِخْرَاجُ فِي أَحَدِ الْبَلَدَيْنِ، لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى تَشْقِيصِ زَكَاةِ الْحَيَوَانِ) كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ عِشْرُونَ مُخْتَلِطَةٌ مَعَ عِشْرِينَ لِآخَرَ فِي بَلَدٍ، وَعِشْرُونَ أُخْرَى مُخْتَلِطَةٌ مَعَ عِشْرِينَ لِآخَرَ فِي بَلَدٍ آخَرَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَإِنَّ عَلَيْهِ فِي كُلِّ خَلْطَةٍ نِصْفُ شَاةٍ فَيُخْرِجُ شَاةً فِي أَيِّ الْبَلَدَيْنِ شَاءَ.
(وَيُخْرِجُ فِطْرَةَ نَفْسِهِ) فِي بَلَدِ نَفْسِهِ لَا مَالِهِ لِأَنَّ سَبَبَ الْفِطْرَةِ النَّفْسُ لَا الْمَالُ.
(وَ) يُخْرِجُ فِطْرَةَ مَنْ يَمُونُهُ فِي بَلَدِ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانُوا فِي غَيْرِ بَلَدِهِ لِأَنَّهَا طُهْرَةٌ لَهُ (وَتَقَدَّمَ) فِي الْبَابِ قَبْلَهُ (وَحَيْثُ جَازَ النَّقْلُ) لِمَا تَقَدَّمَ (فَأُجْرَتُهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، كَأُجْرَةِ كَيْلٍ وَوَزْنٍ) لِأَنَّ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهَا لِأَهْلِهَا، فَكَانَ عَلَيْهِ مُؤْنَتُهُ، كَتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، فَإِنْ كَانَ النَّقْلُ مُحَرَّمًا فَقِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي الْإِجَارَةِ: لَا أُجْرَةَ كَالْأَجِيرِ لِحَمْلِ خَمْرٍ وَنَحْوِهِ لَكِنْ إنْ لَمْ يَعْلَمْ النَّاقِلُ أَنَّهَا زَكَاةٌ يَحْرُمُ نَقْلُهَا، فَلَهُ الْأُجْرَةُ عَلَى رَبِّهَا لِأَنَّهُ غَرَّهُ.
(وَإِذَا حَصَلَ عِنْدَ الْإِمَامِ مَاشِيَةٌ مِنْ زَكَاةٍ أَوْ جِزْيَةٍ