الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ يَجِبُ الْعُشْرُ فِيمَا سُقِيَ بِغَيْرِ مُؤْنَةٍ]
فَصْلٌ وَيَجِبُ الْعُشْرُ وَهُوَ (وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ) إجْمَاعًا (فِيمَا سُقِيَ بِغَيْرِ مُؤْنَةٍ) أَيْ كُلْفَةٍ (كَالْغَيْثِ، وَهُوَ الْمَطَرُ، وَ) ك (السُّيُوحِ) جَمْعُ سَيْحٍ وَهُوَ الْمَاءُ الْجَارِي عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ (كَالْأَنْهَارِ وَالسَّوَاقِي) الَّتِي يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ مِنْ الْأَنْهَارِ بِلَا آلَةٍ (وَمَا يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ، وَهُوَ الْبَعْلُ وَلَا يُؤَثِّر) مُؤْنَةُ (حَفْرِ الْأَنْهَارِ) وَحَفْرِ (السَّوَاقِي) فِي نَقْصِ الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ إحْيَاءِ الْأَرْضِ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ عَامٍ.
(وَ) لَا تُؤَثِّرُ أَيْضًا مُؤْنَةُ (تَنْقِيَتِهَا) أَيْ الْأَنْهَارِ وَالسَّوَاقِي (وَ) لَا مُؤْنَةُ (سَقْيٍ) أَيْ مَنْ يَسْقِي بِمَاءِ الْأَنْهَارِ وَالسَّوَاقِي (فِي نَقْصِ الزَّكَاةِ، لِقِلَّةِ الْمُؤْنَةِ وَكَذَا مَنْ يُحَوِّلُ الْمَاءَ فِي السَّوَاقِي لِأَنَّهُ كَحَرْثِ الْأَرْضِ) وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ حَتَّى فِي السَّقْيِ بِكُلْفَةٍ.
(وَإِنْ اشْتَرَى مَاءَ بِرْكَةٍ أَوْ حَفِيرَةٍ وَسَقَى بِهِ سَيْحًا فَ) الْوَاجِبُ (الْعُشْرُ وَكَذَا إنْ جَمَعَهُ وَسَقَى بِهِ) سَيْحًا فَيَجِبُ الْعُشْرُ، لِنُدْرَةِ هَذِهِ الْمُؤْنَةِ وَهِيَ فِي مِلْكِ الْمَاءِ لَهُ لَا فِي السَّقْيِ بِهِ.
فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ يَجْرِي مِنْ النَّهْرِ فِي سَاقِيَةٍ إلَى الْأَرْضِ، وَيَسْتَقِرُّ فِي مَكَان قَرِيبٍ مِنْ وَجْهِهَا، إلَّا أَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي تَرْقِيَةِ الْمَاءِ إلَى الْأَرْضِ: إلَى آلَةٍ مِنْ غَرْبٍ أَوْ دُولَابٍ فَهُوَ مِنْ الْكُلْفَةِ الْمُسْقِطَةِ لِنِصْفِ الْعُشْرِ.
(وَيَجِبُ نِصْفُ الْعُشْرِ فِيمَا سُقِيَ بِكُلْفَةٍ، كَالدَّوَالِي جَمْعُ دَالِيَةٍ، وَهِيَ الدُّولَابُ تُدِيرُهُ الْبَقَرُ) وَيُسَمُّونَهَا بِمِصْرَ سَاقِيَةً (وَالنَّاعُورَةُ يُدِيرُهَا الْمَاءُ وَالسَّانِيَةُ) بِالنُّونِ.
(وَ) هِيَ (النَّوَاضِحُ وَاحِدُهَا: نَاضِحٌ وَنَاضِحَةٌ، وَهُمَا الْبَعِيرُ يُسْتَقَى عَلَيْهِ وَمَا يَحْتَاجُ فِي تَرْقِيَةِ الْمَاءِ إلَى الْأَرْضِ) أَيْ رَفْعِهِ إلَيْهَا (إلَى آلَةٍ مِنْ غَرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ) فَكُلُّ ذَلِكَ فِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عُثْرِيًّا: الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ سُمِّيَ عُثْرِيًّا: لِأَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ فِي مَجْرَى الْمَاءِ عَاثُورًا فَإِذَا صَدَمَهُ الْمَاءُ تَرَادَّ، فَدَخَلَ تِلْكَ الْمَجَارِي فَتَسْقِيه وَلِأَنَّ لِلْكُلْفَةِ تَأْثِيرًا فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْلُوفَةِ فَفِي تَخْفِيفِهَا أَوْلَى.
(وَقَالَ الشَّيْخُ وَمَا يُدِيرُهُ الْمَاءُ مِنْ النَّوَاعِيرِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُصْنَعُ مِنْ الْعَامِ إلَى الْعَامِ، أَوْ) يُصْنَعُ (فِي أَثْنَاءِ الْعَامِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى دُولَابٍ تُدِيرُهُ الدَّوَابُّ: يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ لِأَنَّ مُؤْنَتَهُ خَفِيفَةٌ فَهِيَ كَحَرْثِ الْأَرْضِ وَإِصْلَاحِ طُرُقِ الْمَاءِ) فَلَا يُؤَثِّرُ فِي نَقْصِ الزَّكَاةِ.
تَتِمَّةٌ " إذَا سُقِيَتْ أَرْضُ الْعُشْرِ بِمَاءِ الْخَرَاجِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهَا خَرَاجٌ، أَوْ عَكْسُهُ، لَمْ يَسْقُطْ خَرَاجُهَا وَلَا يُمْنَعُ مِنْ سَقْيِ كُلِّ وَاحِدَةٍ بِمَاءِ الْأُخْرَى نَصَّ عَلَى ذَلِكَ (فَإِنْ سَقَى بِكُلْفَةٍ وَبِغَيْرِ كُلْفَةٍ سَوَاء) بِأَنْ سَقَى نِصْفَ السَّنَةِ بِهَذَا وَنِصْفَهَا بِهَذَا (وَجَبَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَوْ وُجِدَ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ لَأَوْجَبَ مُقْتَضَاهُ فَإِذَا وُجِدَ فِي نِصْفِهِ أَوْجَبَ نِصْفه (فَإِنْ سَقَى بِأَحَدِهِمَا أَكْثَر) مِنْ الْآخَرِ (اعْتَبَرَ أَكْثَرَهُمَا) نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ قَدْرِ مَا يَسْقِي بِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ يَشُقُّ فَاعْتُبِرَ الْأَكْثَرُ كَالصَّوْمِ (فَإِنْ جَهِلَ الْمِقْدَارَ) أَيْ مِقْدَارَ السَّقْيِ، فَلَمْ يَعْلَمْ: هَلْ سَقَى سَيْحًا أَكْثَر أَوْ بِكُلْفَةٍ أَكْثَر؟ أَوْ جَهِلَ أَكْثَرَهُمَا نَفْعًا وَنُمُوًّا؟ (وَجَبَ الْعُشْرُ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُهُ كَامِلًا، وَلِأَنَّهُ خُرُوجٌ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ بِيَقِينِ (وَالِاعْتِبَارُ بِالْأَكْثَرِ) مِنْ السَّقْيِ بِكُلْفَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا (نَفْعًا وَنُمُوًّا) نَصًّا وَ (لَا) اعْتِبَارَ (بِالْعَدَدِ وَالْمُدَّةِ) أَيْ عَدَدِ السَّقْيَاتِ وَمُدَّةِ السَّقْيِ.
(وَمَنْ لَهُ حَائِطَانِ) أَيْ بُسْتَانَانِ (أَوْ) لَهُ (أَرْضَانِ، ضُمَّا) أَيْ الْحَائِطَانِ أَوْ الْأَرْضُ، أَيْ ضُمَّتْ ثِمَارُهُمَا وَزُرُوعُهُمَا بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ، مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَالْعَامِ، كَمَا تَقَدَّمَ (فِي) تَكْمِيلِ (النِّصَابِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمُ نَفْسِهِ فِي سَقْيِهِ بِمُؤْنَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا) فَيُخْرِجُ مِمَّا يُشْرَبُ بِمُؤْنَةٍ نِصْفَ عُشْرِهِ، وَمِمَّا يُشْرَبُ بِغَيْرِهَا: عُشْرَهُ (وَيُصَدَّقُ الْمَالِكُ فِيمَا سَقَى بِهِ بِلَا يَمِينٍ) لِأَنَّ النَّاسَ لَا يُسْتَحْلَفُونَ عَلَى صَدَقَاتِهِمْ لِأَنَّهَا حَقٌّ لِلَّهِ فَلَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِ كَالصَّلَاةِ وَالْحَدِّ.
(وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَبُّ وَبَدَا صَلَاحُ الثَّمَرَةِ، فَ) بُدُوّ الصَّلَاحِ (فِي فُسْتُقٍ وَبُنْدُقٍ وَنَحْوِهِ) كَلَوْزٍ (انْعِقَادُ لُبِّهِ، وَفِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ مِنْ الثِّمَارِ كَالتَّمْرِ وَالْعِنَبِ (كَبَيْعٍ) أَيْ ظُهُورُ نُضْجِهِ وَطِيبُ أَكْلِهِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ.
(وَجَبَتْ الزَّكَاةُ) لِأَنَّهُ يُقْصَدُ لِلْأَكْلِ وَالِاقْتِيَاتِ كَالْيَابِسِ، وَلِأَنَّهُ وَقْتُ خَرْصِ الثَّمَرَةِ لِحِفْظِ الزَّكَاةِ وَمَعْرِفَةِ قَدْرِهَا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَهُ لَزِمَتْهُ زَكَاتُهُ وَلَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ قَبْلَ الْخَرْصِ وَبَعْدَهُ، فَزَكَاتُهُ عَلَيْهِ، دُونَ الْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبِ لَهُ (فَإِنْ قَطَعَهَا) أَيْ الثَّمَرَةَ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا (لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، كَأَكْلٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ تَخْفِيفٍ) أَصْلُهَا (أَوْ تَحْسِين بَقِيَّتهَا؛ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ) أَيْ الْمَقْطُوعِ قَبْلَ بُدُوّ صَلَاحِهِ، كَمَا لَوْ أَكَلَ السَّائِمَةَ أَوْ بَاعَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ.
(وَإِنْ فَعَلَهُ) أَيْ الْقَطْعَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ (فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ، أَثِمَ وَلَزِمَتْهُ) الزَّكَاةُ لِتَفْوِيتِهِ الْوَاجِبَ بَعْد انْعِقَادِ سَبَبِهِ، أَشْبَهَ الْقَاتِل وَالْمُطَلِّق ثَلَاثًا فِي
مَرَضِ مَوْتِهِ.
(وَلَوْ بَاعَهُ) بَعْد بُدُوِّ صَلَاحِهِ (أَوْ وَهَبَهُ خَرَصَ أَمْ لَا فَزَكَاتُهُ عَلَيْهِ) أَيْ الْبَائِعِ أَوْ الْوَاهِبِ، كَمَا لَوْ بَاعَ السَّائِمَةَ بَعْدَ الْحَوْلِ.
(وَلَا) تَجِبُ زَكَاتُهُ (عَلَى الْمُشْتَرِي وَ) لَا (الْمَوْهُوبِ لَهُ) لِعَدَمِ مِلْكِهِ وَقْتَ الْوُجُوبِ.
(وَلَوْ مَاتَ) مَالِكُ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ بَعْدَ الِاشْتِدَادِ وَبُدُوِّ الصَّلَاحِ (وَلَهُ وَرَثَةٌ لَمْ تَبْلُغْ حِصَّةُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابًا، لَمْ يُؤَثِّر ذَلِكَ) فِي سُقُوطِ الزَّكَاةِ كَمَوْتِ رَبِّ الْمَاشِيَةِ بَعْد الْحَوْلِ.
(وَلَوْ وَرِثَهُ) أَيْ الْحَبَّ الْمُشْتَدَّ أَوْ الثَّمَرَ، بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ (مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَمْنَعْ دَيْنُهُ الزَّكَاةَ) لِأَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَى الْمُوَرِّثِ قَبْلَ مَوْتِهِ فَتُؤْخَذُ تَرِكَتُهُ، لَا عَلَى الْوَارِثِ الْمَدِينِ.
(وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ) الْمَذْكُورُ مِنْ الْبَيْعِ أَوْ الْهِبَةِ أَوْ مَوْتِ الْمَالِكِ عَمَّنْ لَمْ تَبْلُغْ حِصَّةُ وَاحِدٍ مِنْ وَرَثَتِهِ نِصَابًا، أَوْ عَنْ مَدِينٍ (قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِ الثَّمَرِ، وَ) قَبْلَ (اشْتِدَادِ الْحَبِّ انْعَكَسَتْ الْأَحْكَامُ) فَتَكُونُ الزَّكَاةُ فِي مَسْأَلَتَيْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبِ لَهُ، إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ وَتَسْقُطُ فِي مَسْأَلَتَيْ الْمَوْتِ.
(وَلَوْ بَاعَهُ) أَيْ الْحَبَّ الْمُشْتَدَّ أَوْ الثَّمَرَ بَعْد بُدُوِّ صَلَاحِهِ (وَشَرَطَ) الْبَائِعُ (الزَّكَاةَ عَلَى الْمُشْتَرِي صَحَّ) الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ، لِلْعِلْمِ بِالزَّكَاةِ فَكَأَنَّهُ اسْتَثْنَى قَدْرَهَا، وَوَكَّلَهُ فِي إخْرَاجِهِ (فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهَا الْمُشْتَرِي وَتَعَذَّرَ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ أُلْزِمَ بِهَا الْبَائِعُ) لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ.
(وَيُفَارِقُ إذَا اسْتَثْنَى) زَكَاةَ (نِصَابِ مَاشِيَةٍ) فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، بَلْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ (لِلْجَهَالَةِ) بِالْمُسْتَثْنَى وَاسْتِثْنَاءُ الْمَجْهُولِ مِنْ الْمَعْلُومِ يُصَيِّرُهُ مَجْهُولًا (أَوْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ) مِنْ زَرْعٍ وَثَمَرٍ (بِأَصْلِهِ) الَّذِي هُوَ أَرْضُهُ، أَوْ شَجَرُهُ فَإِنَّهُ (لَا يَجُوزُ شَرْطُ الْمُشْتَرِي زَكَاتَهُ عَلَى الْبَائِعِ) لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْغَرَضِ الَّذِي يَصِيرُ إلَيْهِ.
(وَلَا يَسْتَقِرُّ الْوُجُوبُ إلَّا بِجَعْلِهَا) أَيْ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ (فِي جَرِينٍ وَبَيْدَرٍ وَمِسْطَاحٍ) قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: الْجَرِينُ يَكُونُ بِمِصْرَ وَالْعِرَاق وَالْبَيْدَرُ بِالشَّرْقِ وَالشَّامِ وَالْمِرْبَدُ يَكُونُ بِالْحِجَازِ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُجْمَعُ فِيهِ الثَّمَرَةُ لِيَتَكَامَلَ جَفَافُهَا وَالْجُوجَانُ: يَكُونُ بِالْبَصْرَةِ، وَهُوَ مَوْضِعُ تَشْمِيسِهَا وَتَيْبِيسِهَا ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا وَيُسَمَّى بِلُغَةِ آخَرِينَ الْمِسْطَاحِ وَبِلُغَةِ آخَرِينَ: الطِّبَابَةُ اهـ فَدَلَّ أَنَّ مُسَمَّى الْجَمِيعِ وَاحِدٌ (فَإِنْ تَلِفَتْ) الْحُبُوبُ أَوْ الثِّمَارُ الَّتِي تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْوَضْعِ بِالْجَرِينِ وَنَحْوِهِ (بِغَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ، خُرِصَتْ) الثَّمَرَةُ (أَوْ لَمْ تُخْرَصْ) لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ مَا لَا تَثْبُتُ الْيَدُ عَلَيْهِ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى ثَمَرَةً فَذَهَبَتْ بِعَطَشٍ أَصَابَهَا وَنَحْوِهِ رُجِعَ عَلَى الْبَائِعِ بِثَمَنِهَا وَالْخَرْصُ لَا يُوجِبُ وَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ السَّاعِي لِيَتَمَكَّنَ الْمَالِكُ
مِنْ التَّصَرُّفِ فَوَجَبَ سُقُوطُ الزَّكَاةِ مَعَ وُجُودِهِ، كَعَدَمِهِ.
(وَإِنْ تَلِفَ الْبَعْضُ) مِنْ الزَّرْعِ أَوْ الثَّمَرِ قَبْلَ الِاسْتِقْرَارِ (زَكَّى) الْمَالِكُ (الْبَاقِي إنْ كَانَ نِصَابًا) لِوُجُودِ الشَّرْطِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْبَاقِي نِصَابًا (فَلَا) زَكَاةَ فِيهِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: فِي الْأَصَحِّ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» وَهَذَا يَعُمُّ حَالَةَ الْوُجُوبِ وَلُزُوم الْأَدَاءِ اهـ وَقَالَ فِي الْمُبْدِعِ: قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمَذْهَبِ: إنْ كَانَ التَّلَفُ قَبْلَ الْوُجُوبِ، فَهُوَ كَمَا قَالَ الْقَاضِي، وَإِنْ كَانَ بَعْده وَجَبَ فِي الْبَاقِي بِقَدْرِهِ مُطْلَقًا، وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ، ذَكَرَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَصَحَّحَهُ الْمُوَفَّقُ.
(وَإِنْ تَلِفَتْ) الزُّرُوعُ أَوْ الثِّمَارُ (بَعْدَ الِاسْتِقْرَارِ) أَيْ الْوَضْعِ فِي الْجَرِين وَنَحْوِهِ (لَمْ تَسْقُطْ) زَكَاتُهَا، كَتَلَفِ النِّصَابِ بَعْدَ الْحَوْلِ، وَكَذَا لَوْ أَتْلَفَهَا أَوْ تَلِفَتْ بِتَفْرِيطِهِ بَعْدَ الْوُجُوبِ، وَلَوْ قَبْلَ الِاسْتِقْرَارِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ نَصِيبَ الْفُقَرَاءِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ أَوْ مُفَرِّطٌ.
(وَإِنْ ادَّعَى) رَبُّ الزُّرُوعِ أَوْ الثِّمَارِ (تَلَفَهَا) بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ (قُبِلَ قَوْلُهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ) نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ فَلَا يُسْتَحْلَفُ عَلَيْهِ، كَالصَّلَاةِ (وَلَوْ اُتُّهِمَ) فِي دَعْوَاهُ - التَّلَف - (إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ) أَيْ التَّلَفَ (بِجَائِحَةٍ ظَاهِرَةٍ تَظْهَرُ عَادَةً) كَحَرِيقٍ وَجَرَادٍ (فَلَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ) تَشْهَدُ بِوُجُودِ ذَلِكَ الظَّاهِرِ (ثُمَّ يُصَدَّقُ) الْمَالِكُ (فِي قَدْرِ التَّالِفِ) مِنْ الْمَالِ الْمُزَكَّى بِلَا يَمِينٍ.
(وَيَجِبُ إخْرَاجُ زَكَاةِ الْحَبِّ مُصَفًّى) مِنْ قِشْرِهِ وَتِبْنِهِ (وَالثَّمَر يَابِسًا) لِحَدِيثِ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَنْ يُخْرَصَ الْعِنَبُ زَبِيبًا، كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ وَتُؤْخَذُ زَكَاتُهُ زَبِيبًا، كَمَا تُؤْخَذُ زَكَاةُ النَّخْلِ تَمْرًا» وَلَا يُسَمَّى زَبِيبًا وَتَمْرًا حَقِيقَةً إلَّا الْيَابِسُ وَقِيسَ عَلَيْهِمَا الْبَاقِي وَلِأَنَّ ذَلِكَ حَالَةُ كَمَالِهِ، وَنِهَايَةُ صِفَاتِ ادِّخَارِهِ وَوَقْتُ لُزُومِ الْإِخْرَاجِ مِنْهُ (فَلَوْ خَالَفَ وَأَخْرَجَ سُنْبُلًا وَرُطَبًا وَعِنَبًا لَمْ يُجْزِئْهُ) إخْرَاجُهُ.
(وَوَقَعَ نَفْلًا) إنْ كَانَ الْإِخْرَاجُ لِلْفُقَرَاءِ (فَلَوْ كَانَ الْآخِذُ) لِذَلِكَ (السَّاعِي، فَإِنْ جَفَّفَهُ) أَيْ الرُّطَبَ وَالْعِنَبَ (وَصَفَّاهُ) أَيْ السُّنْبُلَ (وَجَاءَ قَدْرُ الْوَاجِبِ) فِي الزَّكَاةِ (أَجْزَأَ) الْمَالِكُ.
(وَإِلَّا) بِأَنْ زَادَ عَلَى الْوَاجِبِ أَوْ نَقَصَ عَنْهُ (رَدَّ) لِلسَّاعِي (الْفَضْلَ) لِمَالِكِهِ لِبَقَائِهِ فِي مِلْكِهِ (إنْ زَادَ) مَا كَانَ دَفَعَهُ (وَأَخَذَ) السَّاعِي مِنْ الْمَالِكِ (النَّقْصَ) أَيْ مَا بَقِيَ مِنْ الْوَاجِبِ (إنْ نَقَصَ) الْمُخْرَجُ عَنْهُ.
(وَإِنْ كَانَ) الْمُخْرَجُ (بِحَالِهِ) بِيَدِ السَّاعِي لَمْ يُجَفِّفْهُ وَلَمْ يُصَفِّهِ (رَدَّهُ) لِمَالِكِهِ، لِفَسَادِ الْقَبْضِ وَيُطَالِبهُ بِالْوَاجِبِ (وَإِنْ
تَلِفَ) بِيَدِ السَّاعِي (رَدَّ بَدَلَهُ) لِمَالِكِهِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى السَّاعِي.
(وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى قَطْعِ ثَمَرٍ وَزَبِيبٍ، مِثْلَ بَعْدِ بُدُوِّ صَلَاحِهِ، وَقَبْلَ كَمَالِهِ) أَيْ الثَّمَرِ وَقَوْله (لِضَعْفِ أَصْلٍ وَنَحْوه، كَخَوْفِ عَطَشٍ أَوْ تَحْسِينِ بَقِيَّتِهِ) عِلَةً لَاحْتِيجَ (جَازَ) قَطْعُهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ (وَعَلَيْهِ زَكَاتُهُ يَابِسًا) إنْ بَلَغَ نِصَابًا يَابِسًا (كَمَا لَوْ قُطِعَ لِغَرَضِ الْبَيْعِ بَعْد خَرْصِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «يُخْرَصُ الْعِنَبُ فَتُؤْخَذُ زَكَاتُهُ زَبِيبًا» وَلِأَنَّهُ حَالَ الْكَمَالِ فَاعْتُبِرَ.
(وَيَحْرُمُ قَطْعُهُ مَعَ حُضُورِ سَاعٍ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: إنْ كَانَ (إلَّا بِإِذْنِهِ) لِحَقِّ أَهْلِ الزَّكَاةِ فِيهَا وَكَوْنُ السَّاعِي كَالْوَكِيلِ عَنْهُمْ قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ تَعَلُّقَ الزَّكَاةِ كَتَعَلُّقِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ، لَا كَتَعَلُّقِ شَرِكَةٍ فَلَا يَتِمُّ التَّعْلِيلُ.
(وَإِنْ كَانَ) الثَّمَرُ (رُطَبًا لَا يَجِيءُ مِنْهُ تَمْرٌ أَوْ) كَانَ (عِنَبًا لَا يَجِيءُ مِنْهُ زَبِيبٌ وَجَبَ قَطْعُهُ) رُطَبًا وَعِنَبًا، لِمَا فِي تَرْكِهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا (وَفِيهِ الزَّكَاةُ إنْ بَلَغَ نِصَابًا يَابِسًا) بِالْخَرْصِ فَيُخْرِجُ زَكَاتُهُ (مِنْ غَيْرِهِ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا مُقَدَّرًا بِغَيْرِهِ) مِمَّا يَصِيرُ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا (ا) لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا.
(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِقَطْعِ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ الَّذِي لَا يَجِيءُ مِنْهُ تَمْرٌ وَلَا زَبِيبٌ (فَمُسْتَحِيلٌ) عَادَةً (أَنْ يُخْرِجَ مِنْ عَيْنِهِ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا إذْ لَمْ يَجِئْ مِنْهُ تَمْرٌ أَوْ زَبِيبٌ) بِحَسَبِ الْعَادَةِ (أَوْ يُخْرِجَ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا قَطَعَهُ لِلْحَاجَةِ إلَى قَطْعِهِ أَوْ لِوُجُوبِهِ (رُطَبًا وَعِنَبًا، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ) مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ وَالْمَجْدُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، لِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ مُوَاسَاةً، وَلَا مُوَاسَاةَ بِإِلْزَامِهِ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ وَعَلَى مَا اخْتَارَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ (وَلَهُ أَنْ يُخْرِجَ الْوَاجِبَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الرُّطَبِ أَوْ الْعِنَبِ (مُشَاعًا) بِأَنْ يُسَلِّمَهُ الْعُشْرَ مَثَلًا، شَائِعًا (أَوْ مَقْسُومًا بَعْدَ الْجُذَاذِ، أَوْ قَبْلَهُ بِالْخَرْصِ فَيُخَيَّرُ السَّاعِي بَيْنَ مُقَاسَمَةِ رَبِّ الْمَالِ الثَّمَرَةَ قَبْلَ الْجُذَاذِ فَيَأْخُذُ نَصِيبَ الْفُقَرَاءِ شَجَرَاتٍ مُفْرَدَةٍ، وَبَيْنَ مُقَاسَمَتِهِ بَعْدَ جَذِّهَا بِالْكَيْلِ) .
فِي الرُّطَبِ وَالْوَزْنِ فِي الْعِنَبِ (وَلَهُ) السَّاعِي (بَيْعُهَا) أَيْ الزَّكَاةِ (مِنْهُ) أَيْ رَبِّ الْمَالِ (أَوْ مِنْ غَيْرِهِ) وَيُقَسِّمُ ثَمَنَهَا لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَبْذُلُ فِيهَا عِوَضَ مِثْلِهَا أَشْبَه الْأَجْنَبِيّ لَا يُقَالُ: الرُّطَبُ وَالْعِنَبُ الَّذِي لَا يَجِيءُ مِنْهُ تَمْرٌ وَلَا زَبِيبٌ، لَا يُدَّخَرُ فَهُوَ كَالْخَضْرَاوَاتِ، لَا زَكَاةَ فِيهِ لِأَنَّا نَقُولُ: بَلْ يُدَّخَرُ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنَّمَا لَمْ يُدَّخَرْ هُنَا لِأَنَّ أَخْذَهُ رُطَبًا أَنْفَعُ فَلَمْ تَسْقُطْ زَكَاتُهُ بِذَلِكَ (وَالْمَذْهَبُ) الْمَنْصُوصُ (أَنَّهُ لَا يُخْرِجُ مِنْهُ إلَّا يَابِسًا) لِمَا تَقَدَّمَ قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَالْمَذْهَبِ لَا يُخْرِجُ إلَّا يَابِسًا.
(فَإِنْ أَتْلَفَ النِّصَابَ رَبُّهُ بَقِيَتْ الزَّكَاةُ فِي ذِمَّتِهِ، تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا)