الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ التَّلْبِيَةُ سُنَّةٌ]
فَصْلٌ (وَالتَّلْبِيَةُ سُنَّةٌ) لِفِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمْرِهِ بِهَا وَهِيَ ذِكْرٌ فِيهِ فَلَمْ تَجِبْ كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ (وَيُسَنُّ ابْتِدَاؤُهَا) أَيْ: التَّلْبِيَةِ (عَقِبَ إحْرَامِهِ) عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ: إذَا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ وَغَيْرِهِ وَتَبِعَهُمْ فِي الْمُخْتَصَرِ (وَ) يُسَنُّ (ذِكْرُ نُسُكِهِ فِيهَا وَ) .
يُسَنُّ (ذِكْرُ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ لِلْقَارِنِ فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا) لِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا» .
وَقَالَ جَابِرٌ «قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَقُولُ: لَبَّيْكَ بِالْحَجِّ» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ «قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ وَهُمْ يُلَبُّونَ بِالْحَجِّ» .
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ «بَدَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا وَمَعْنَى أَهَلَّ " رَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ: اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ إذَا صَاحَ.
(وَ) يُسَنُّ (الْإِكْثَارُ مِنْهَا) أَيْ: مِنْ التَّلْبِيَةِ لِخَبَرِ سَهْلٍ بْنِ سَعْدٍ «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُلَبِّي إلَّا لَبَّى مَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ مِنْ شَجَرٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ حَتَّى تَنْقَطِعَ الْأَرْضُ مِنْ هَهُنَا وَهَهُنَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَابْنُ مَاجَهْ (وَ) .
يُسَنُّ (رَفْعُ الصَّوْتِ بِهَا) لِقَوْلِ أَنَسٍ " سَمِعْتُهُمْ يَصْرُخُونَ بِهَا صُرَاخًا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَلَكِنْ لَا يُجْهِدُ نَفْسَهُ فِي رَفْعِهِ زِيَادَةً عَنْ الطَّاقَةِ) خَشْيَةَ ضَرَرٍ يُصِيبُهُ.
(وَلَا يُسْتَحَبُّ إظْهَارُهَا) أَيْ: التَّلْبِيَةِ (فِي مَسَاجِدِ الْحِلِّ وَأَمْصَارِهِ) قَالَ أَحْمَدُ إذَا أَحْرَمَ فِي مِصْرِهِ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُلَبِّيَ حَتَّى يَبْرُزَ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِمَنْ سَمِعَهُ يُلَبِّي بِالْمَدِينَةِ " إنَّ هَذَا لَمَجْنُونٌ إنَّمَا التَّلْبِيَةُ إذَا بَرَزْتَ " وَاحْتَجَّ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ بِأَنَّ إخْفَاءَ التَّطَوُّعِ أَوْلَى خَوْفَ الرِّيَاءِ عَلَى مَنْ لَا يُشَارِكُهُ فِي تِلْكَ الْعِبَادَةِ بِخِلَافِ الْبَرَارِيِّ وَعَرَفَاتٍ وَالْحَرَمِ وَمَكَّةَ.
(وَلَا) يُسْتَحَبُّ إظْهَارُهَا (فِي طَوَافِ الْقُدُومِ وَالسَّعْيِ بَعْدَهُ) خَوْفَ اشْتِغَالِ الطَّائِفِينَ وَالسَّاعِينَ عَنْ أَذْكَارِهِمْ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهَا فِيهِمَا سِرًّا؛ لِأَنَّهُ زَمَنُ التَّلْبِيَةِ.
(وَيُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهَا حَوْلَ الْبَيْتِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَائِفًا (لِئَلَّا يُشْغَلَ الطَّائِفِينَ عَنْ طَوَافِهِمْ وَأَذْكَارِهِمْ) الْمَشْرُوعَةِ لَهُمْ.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُلَبِّيَ عَنْ أَخْرَسَ وَمَرِيضٍ وَصَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ) تَكْمِيلًا لِنُسُكِهِمْ وَكَالْأَفْعَالِ الَّتِي يَعْجَزُونَ عَنْهَا.
(وَيُسَنُّ الدُّعَاءُ بَعْدَهَا) أَيْ: التَّلْبِيَةِ
(فَيَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَيَعُوذُ بِهِ مِنْ النَّارِ) لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ سَأَلَ اللَّهَ مَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَاسْتَعَاذَ بِرَحْمَتِهِ مِنْ النَّارِ» (وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ) ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ إجَابَةِ الدُّعَاءِ.
(وَ) يُسَنُّ عَقِبَهَا (الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ يُشْرَعُ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى فَشُرِعَتْ فِيهِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم كَالصَّلَاةِ أَوْ فَشُرِعَ فِيهِ ذِكْرُ رَسُولِهِ كَالْأَذَانِ (وَلَا يَرْفَعُ بِذَلِكَ) أَيْ: بِالدُّعَاءِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ عَقِبَ التَّلْبِيَةِ (صَوْتَهُ) لِعَدَمِ وُرُودِهِ.
(وَصِفَةُ التَّلْبِيَةِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ) قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى هَذِهِ التَّلْبِيَةِ وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ لَبَّ بِالْمَكَانِ إذَا لَزِمَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِكَ وَكَرَّرَهُ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ إقَامَةً بَعْدَ إقَامَةٍ وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ التَّثْنِيَةِ وَإِنَّمَا هُوَ التَّكْثِيرُ كَحَنَانَيْكَ وَالْحَنَانُ الرَّحْمَةُ وَقِيلَ مَعْنَى: التَّلْبِيَةِ إجَابَةُ دَعْوَةِ إبْرَاهِيمَ حِين نَادَى بِالْحَجِّ وَقِيلَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَسْرُ هَمْزَةِ " إنَّ " أَوْلَى عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ وَحُكِيَ الْفَتْحُ عَنْ آخَرِينَ قَالَ ثَعْلَبٌ مَنْ كَسَرَ فَقَدْ عَمَّ يَعْنِي فَقَدْ حَمِدَ اللَّهَ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَمَنْ فَتَحَ فَقَدْ خَصَّ أَيْ: لَبَّيْكَ؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ لَكَ (وَلَا تُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا) .
؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَزِمَ تَلْبِيَتَهُ فَكَرَّرَهَا وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا (وَلَا يُكْرَهُ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُلَبِّي تَلْبِيَةَ الرَّسُولِ وَيَزِيدُ مَعَ هَذَا " لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إلَيْكَ وَالْعَمَلُ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَزَادَ عُمَرُ " لَبَّيْكَ ذَا النَّعْمَاءِ وَالْفَضْلِ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ مَرْغُوبًا وَمَرْهُوبًا إلَيْكَ لَبَّيْكَ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَرُوِيَ أَنَّ أَنَسًا كَانَ يَزِيدُ " لَبَّيْكَ حَقًّا حَقًّا تَعَبُّدًا وَرِقًّا " (وَلَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُهَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ) قَالَهُ أَحْمَدُ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعَبِ وَغَيْرِهِ.
وَقَالَ لَهُ الْأَثْرَمُ: مَا شَيْءٌ تَفْعَلُهُ الْعَامَّةُ يُلَبُّونَ دُبُرَ الصَّلَاةِ ثَلَاثًا؟ فَتَبَسَّمَ وَقَالَ: لَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ جَاءُوا بِهِ قُلْت: أَلَيْسَ يُجْزِئُهُ مَرَّةٌ؟ قَالَ: بَلَى؛ لِأَنَّ الْمَرْوِيَّ التَّلْبِيَةُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِمَرَّةٍ (وَقَالَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: تَكْرَارُهَا ثَلَاثًا فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ حَسَنٌ) فَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ.
(وَلَا تُشْرَعُ) التَّلْبِيَةُ (بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ لِقَادِرٍ) عَلَى التَّلْبِيَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ فَلَمْ تُشْرَعْ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مَعَ الْقُدْرَةِ كَالْأَذَانِ وَالْأَذْكَارِ الْمَشْرُوعَةِ فِي الصَّلَاةِ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى الْعَرَبِيَّةِ لَبَّى (بِلُغَتِهِ) كَالتَّكْبِيرِ