المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَيَسْمَعُ الْمَيِّتُ الْكَلَامَ، بِدَلِيلِ حَدِيثِ السَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الْمَقَابِرِ قَالَ - كشاف القناع عن متن الإقناع - ت مصيلحي - جـ ٢

[البهوتي]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ]

- ‌[فَصْلٌ إذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ صَلَّوْا وُجُوبًا وَلَا يُؤَخِّرُونَهَا]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ شُرُوطُ صِحَّة الْجُمُعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ يُسَنُّ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى مِنْبَرٍ]

- ‌[فَصْلٌ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ]

- ‌[فَصْلٌ يُسَنُّ أَنْ يُغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ]

- ‌[كِتَابُ الْجَنَائِزِ]

- ‌[فَصْلُ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلُ سِتْر عَوْرَة الْمَيِّت عِنْد غسله]

- ‌[فَصْلٌ غُسْلُ شَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْكَفَنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ]

- ‌[فَصْلُ يَحْرُمُ أَنْ يُغَسِّلَ مُسْلِمٌ كَافِرًا]

- ‌[فَصْلٌ حَمْلُ الْمُسْلِم وَدَفْنُهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دَفْنِ الْمَيِّتِ]

- ‌[فَصْلٌ رَفْعُ الْقَبْرِ عَنْ الْأَرْضِ]

- ‌[فَصْل يُسَنُّ لِذُكُورٍ زِيَارَةُ قَبْرِ مُسْلِمٍ]

- ‌[فَصْل تَعْزِيَةُ أَهْلِ الْمُصِيبَةِ بِالْمَيِّتِ]

- ‌[كِتَابُ الزَّكَاةِ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ]

- ‌[بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل الْإِبِلُ]

- ‌[فَصَلِّ النَّوْعُ الثَّانِي الْبَقَرُ]

- ‌[فَصْلٌ النَّوْعُ الثَّالِثُ الْغَنَمُ]

- ‌[فَصْلٌ الْخُلْطَةُ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الْخَارِجِ مِنْ الْأَرْضِ]

- ‌[فَصْل مَا يُعْتَبَرُ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ يَجِبُ الْعُشْرُ فِيمَا سُقِيَ بِغَيْرِ مُؤْنَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ يُسَنُّ أَنْ يَبْعَثَ الْإِمَامُ سَاعِيًا خَارِصًا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي زَكَاةُ الْمَعْدِنِ]

- ‌[فَصْلٌ يَجِبُ فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ وَلَا زَكَاةَ فِي حُلِيٍّ مُبَاحٍ لِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ]

- ‌[بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ]

- ‌[فَصْلٌ الْوَاجِبُ فِي زَكَاة الْفِطْر]

- ‌[بَابُ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ حُكْمِ النَّقْلِ وَالتَّعْجِيلِ وَنَحْوِهِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ الزَّكَاة إلَّا بِنِيَّةِ]

- ‌[فَصْل تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ]

- ‌[بَابُ ذِكْرِ أَهْلِ الزَّكَاةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى كَافِرٍ]

- ‌[فَصْلٌ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ]

- ‌[كِتَابُ الصِّيَامِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَجِبُ الصَّوْمُ إلَّا عَلَى مُسْلِمٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ قَادِرٍ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَصِحُّ صَوْمٌ إلَّا بِنِيَّةٍ]

- ‌[بَابُ مَا يُفْسِدُ الصِّيَامَ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ فِي الصَّوْم]

- ‌[بَابُ مَا يُكْرَهُ فِي الصَّوْمِ]

- ‌[فَصْلٌ يُسَنَّ تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ]

- ‌[فَصْلُ فَاتَهُ صَوْمُ رَمَضَانَ كُلِّهِ لِعُذْرٍ]

- ‌[بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَمَا يُكْرَهُ مِنْهُ وَذِكْرِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ فَضْلُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ]

- ‌[بَابُ الِاعْتِكَافِ وَأَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ لَزِمَهُ تَتَابُعُ اعْتِكَافٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ]

- ‌[كِتَابِ الْحَجِّ]

- ‌[شَرَائِط وُجُوب الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاسْتِطَاعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمَرْأَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيُبَادِرْ]

- ‌[بَابُ مَوَاقِيتِ الْحَجّ]

- ‌[فَصْل لَا يَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ تَجَاوُزُ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ]

- ‌[بَابُ الْإِحْرَامِ وَالتَّلْبِيَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا]

- ‌[فَصْل مُرِيدُ الْإِحْرَامِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّمَتُّعِ وَالْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا بِأَنْ نَوَى الدُّخُولِ فِي النُّسُكِ وَلَمْ يُعَيِّنْ نُسُكًا]

- ‌[فَصْلٌ التَّلْبِيَةُ سُنَّةٌ]

- ‌[بَابُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَام]

- ‌[إزَالَةُ الشَّعْرِ مِنْ جَمِيعِ الْبَدَن]

- ‌[فَصْلٌ تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ فِي الْإِحْرَام]

- ‌[فَصْلٌ لُبْسِ الذَّكَرِ الْمَخِيطَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الطِّيبُ لِلْمُحْرِمِ]

- ‌[فَصْلٌ قَتْلُ صَيْدِ الْبَرِّ الْمَأْكُولِ وَذَبْحُهُ لِلْمُحْرِمِ]

- ‌[فَصْلٌ عَقْدُ النِّكَاحِ لِلْمُحْرِمِ]

- ‌[فَصْلٌ الْجِمَاعُ فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُبَاشَرَةُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَرْأَةُ إحْرَامُهَا فِي وَجْهِهَا]

- ‌[بَابُ الْفِدْيَةِ]

- ‌[الْفِدْيَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ]

- ‌[الضَّرْب الْأَوَّل مَا يَجِبُ عَلَى التَّخْيِيرِ]

- ‌[فَصْلٌ الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ أَضْرُبِ الْفِدْيَةِ مَا يَجِب عَلَى التَّرْتِيبِ]

- ‌[فَصْلٌ الضَّرْبُ الثَّالِثُ مِنْ أَضْرُبِ الْفِدْيَةِ الدِّمَاءُ الْوَاجِبَةُ]

- ‌[فَصْلٌ كَرَّرَ الْمُحْرِم مَحْظُورًا مِنْ جِنْسِ غَيْرِ قَتْلِ صَيْدٍ]

- ‌[فَصْلٌ كُلُّ هَدْيٍ أَوْ إطْعَامٍ يَتَعَلَّقُ بِحَرَمٍ أَوْ إحْرَامٍ فَهُوَ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ]

- ‌[بَابٌ جَزَاءُ الصَّيْدِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ النَّعَمِ]

- ‌[بَابُ صَيْدِ الْحَرَمَيْنِ وَنَبْتِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ قَطْعُ شَجَرِ الْحَرَمِ الْمَكِّيِّ]

- ‌[فَصْلٌ صَيْدُ الْمَدِينَةِ]

- ‌[بَابٌ دُخُولُ مَكَّةَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَغَيْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الطَّوَافِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ شَيْئًا]

- ‌[بَابُ صِفَةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ يَدْفَعُ الْمُحْرِم بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ عَرَفَةَ بِسَكِينَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ يَدْفَعُ الْمُحْرِم قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى مِنًى]

- ‌[فَصْلٌ يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ بِاثْنَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ يَرْجِعُ مَنْ أَفَاضَ إلَى مَكَّةَ بَعْدَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ]

- ‌[فَصْلٌ أَرَادَ الْمُحْرِم الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ]

- ‌[فَصْلٌ إذَا فَرَغَ مِنْ الْحَجِّ اُسْتُحِبَّ لَهُ زِيَارَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي صِفَةِ الْعُمْرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ أَرْكَانُ الْحَجِّ]

- ‌[بَابُ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ]

- ‌[بَابٌ الْهَدْيُ وَالْأَضَاحِيُّ وَالْعَقِيقَةُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

الفصل: وَيَسْمَعُ الْمَيِّتُ الْكَلَامَ، بِدَلِيلِ حَدِيثِ السَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الْمَقَابِرِ قَالَ

وَيَسْمَعُ الْمَيِّتُ الْكَلَامَ، بِدَلِيلِ حَدِيثِ السَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الْمَقَابِرِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَاسْتَفَاضَتْ الْآثَارُ بِمَعْرِفَةِ الْمَيِّتِ بِأَحْوَالِ أَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ فِي الدُّنْيَا وَأَنَّ ذَلِكَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ وَجَاءَتْ الْآثَارُ بِأَنَّهُ يَرَى أَيْضًا وَبِأَنَّهُ يَدْرِي بِمَا فُعِلَ عِنْدَهُ وَيُسَرُّ بِمَا كَانَ حَسَنًا وَيَتَأَلَّمُ بِمَا كَانَ قَبِيحًا وَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُولُ " اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك أَنْ أَعْمَلَ عَمَلًا أُجْزَى بِهِ عِنْدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَوَاحَةَ وَكَانَ ابْنَ عَمِّهِ وَلَمَّا دُفِنَ عُمَرُ عِنْدَ عَائِشَةَ كَانَتْ تَسْتَتِرُ مِنْهُ، وَتَقُولُ " إنَّمَا كَانَ أَبِي وَزَوْجِي فَأَمَّا عُمَرُ فَأَجْنَبِيٌّ " وَيَعْرِفُ الْمَيِّتُ زَائِرَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ قَالَهُ أَحْمَدُ.

وَفِي الْغُنْيَةِ يَعْرِفهُ كُلَّ وَقْتٍ وَهَذَا الْوَقْتُ آكَدُ وَيَنْتَفِعُ بِالْخَيْرِ وَيَتَأَذَّى بِالْمُنْكَرِ عِنْدَهُ وَسُنَّ، فِعْلٌ لِزَائِرِهِ مَا يُخَفِّفُ عَنْهُ، وَلَوْ بِجَعْلِ جَرِيدَةٍ رَطْبَةٍ فِي الْقَبْرِ لِلْخَبَرِ وَأَوْصَى بِهِ بُرَيْدَةَ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَفِي مَعْنَاهُ غَرْسُ غَيْرِهَا وَأَنْكَرَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ الذِّكْرُ وَالْقِرَاءَةُ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ إذَا رَجَا التَّخْفِيفَ بِتَسْبِيحِهَا فَالْقِرَاءَةُ أَوْلَى وَتَقَدَّمَ بَعْضُ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ.

[كِتَابُ الزَّكَاةِ]

(كِتَابُ الزَّكَاةِ) وَاشْتِقَاقُهَا لُغَةً مِنْ زَكَا يَزْكُو، إذَا نَمَا، أَوْ تَطَهَّرَ يُقَالُ: زَكَا الزَّرْعُ إذَا نَمَا

ص: 165

وَزَادَ وَقَالَ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9] أَيْ: طَهَّرَهَا عَنْ الْأَدْنَاسِ وَتُطْلَقُ عَلَى الْمَدْحِ قَالَ تَعَالَى {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32] وَعَلَى الصَّلَاحِ يُقَال رَجُلٌ زَكِيٌّ، أَيْ: زَائِدُ الْخَيْرِ مِنْ قَوْمٍ أَزْكِيَاءٍ وَزَكَّى الْقَاضِي الشُّهُودَ: إذَا بَيَّنَ زِيَادَتَهُمْ فِي الْخَيْرِ وَسَمَّى الْمَالَ الْمُخْرَجَ زَكَاةً لِأَنَّهُ يَزِيد فِي الْمُخْرَجِ مِنْهُ وَيَقِيهِ الْآفَاتِ وَأَصْلُ التَّسْمِيَةِ قَوْله تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] وَقِيلَ: لِأَنَّهَا تُطَهِّرُ مُؤَدِّيهَا مِنْ الْإِثْمِ، وَتُنَمِّي أَجْرَهُ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: إنَّمَا تُنَمِّي الْفُقَرَاءَ (وَهِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ، الْإِسْلَامِ) وَمَبَانِيهِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ - فَذَكَر مِنْهَا - وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ " (وَفُرِضَتْ بِالْمَدِينَةِ) ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ طَلَبُهَا وَبَعْثُ السُّعَاةِ لِقَبْضِهَا فَهَذَا بِالْمَدِينَةِ وَلِهَذَا قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: إنَّ الظَّوَاهِرَ فِي إسْقَاطِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ مُعَارَضَةٌ بِظَوَاهِرَ تَقْتَضِي وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ مَالٍ كَقَوْلِهِ {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} [المعارج: 24] وَاحْتَجَّ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ لَا يَجِبُ عَلَى كَافِرٍ فِعْلُهَا وَيُعَاقَبُ بِهَا بِقَوْلِهِ: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ} [فصلت: 6] {الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: 7] وَالسُّورَةُ مَكِّيَّةٌ، مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ الْمُفَسِّرِينَ فَسَّرُوا الزَّكَاةَ فِيهَا بِالتَّوْحِيدِ اهـ وَقَالَ الْحَافِظُ شَرَفُ الدِّينِ الدِّمْيَاطِيُّ: إنَّهَا فُرِضَتْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ، بَعْدَ زَكَاةِ الْفِطْرِ بِدَلِيلِ قَوْلِ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عِبَادَة: " أَمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِزَكَاةِ الْفِطْرِ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الزَّكَوَاتِ ".

وَفِي تَارِيخِ ابْنِ جَرِير الطَّبَرِيِّ: أَنَّهَا فُرِضَتْ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَقِيلَ: فُرِضَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَبُيِّنَتْ بَعْدَهَا (وَهِيَ) أَيْ: الزَّكَاةُ شَرْعًا (حَقٌّ وَاجِبٌ) يَأْتِي تَقْدِيرُهُ فِي أَبْوَابِ الْمُزَكَّيَاتِ (فِي مَالٍ مَخْصُوصٍ) يَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا فِي كَلَامِهِ (لِطَائِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ) وَهُمْ الْأَصْنَافُ الثَّمَانِيَةُ الْمُشَارُ إلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ (فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ) وَهُوَ تَمَامُ الْحَوْلِ فِي الْمَاشِيَةِ وَالْأَثْمَانِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ،

ص: 166

وَعِنْدَ اشْتِدَادِ الْحَبِّ فِي الْحُبُوبِ وَعِنْدَ بُدُوِّ صَلَاحِ الثَّمَرَةِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَعِنْدَ حُصُولِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ الْعَسَلِ، وَاسْتِخْرَاجِ مَا تَجِبُ فِيهِ مِنْ الْمَعَادِنِ، وَعِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ الْفِطْرِ لِوُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَخَرَّجَ بِقَوْلِهِ " وَاجِبٌ " الْحَقَّ الْمَسْنُونَ كَابْتِدَاءِ السَّلَامِ وَاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ وَبِقَوْلِهِ " فِي مَالٍ رَدّ السَّلَامِ وَنَحْوِهِ، وَبِقَوْلِهِ " مَخْصُوصٍ " مَا يَجِب فِي كُلِّ الْأَمْوَالِ كَالدُّيُونِ وَالنَّفَقَاتِ وَبِقَوْلِهِ " لِطَائِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ " نَحْو الدِّيَةِ لِأَنَّهَا لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ وَبِقَوْلِهِ " فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ " نَحْو النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْمَالِ الْمَخْصُوصِ بِقَوْلِهِ.

(وَتَجِبْ) الزَّكَاةُ (فِي السَّائِمَةِ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ سُمِّيَتْ بَهِيمَةً لِأَنَّهَا لَا تَتَكَلَّم وَيَأْتِي بَيَانُ السَّوْمِ.

(وَ) تَجِبُ الزَّكَاةُ أَيْضًا فِي (الْخَارِجِ مِنْ الْأَرْضِ) مِنْ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَالْمَعَادِنِ (وَمَا فِي حُكْمِهِ) أَيْ: حُكْمِ الْخَارِجِ مِنْ الْأَرْضِ (مِنْ الْعَسَلِ) الْخَارِجِ مِنْ النَّحْلِ.

(وَ) تَجِبُ الزَّكَاةُ أَيْضًا فِي (الْأَثْمَانِ) وَهِيَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ (وَ) تَجِب الزَّكَاةُ أَيْضًا فِي (عُرُوضِ التِّجَارَةِ، وَيَأْتِي بَيَانُهَا) أَيْ: الْمُزَكَّيَات الْمَذْكُورَة (فِي أَبْوَابِهَا) مُفَصَّلَةً مُرَتَّبَةً كَذَلِكَ.

(وَتَجِبُ) الزَّكَاةُ (فِي مُتَوَلِّدٍ بَيْنَ وَحْشِيٍّ وَأَهْلِيٍّ) مِنْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ (تَغْلِيبًا) لِلْوُجُوبِ (وَاحْتِيَاطًا) لِتَحْرِيمِ قَتْلِهِ، وَإِيجَابُ الْجَزَاءِ فِيهِ عَلَى الْمُحَرَّمِ، وَالنُّصُوصُ تَتَنَاوَلهُ (فَتَضُمَّ إلَى جِنْسِهَا الْأَهْلِيَّ) فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ.

(وَتَجِبْ) الزَّكَاةُ (فِي بَقَرِ وَحْشٍ وَغَنَمِهِ) بِشَرْطِهِ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ: صلى الله عليه وسلم «خُذْ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعًا» قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: وَتُسَمَّى بَقَرًا حَقِيقَةً فَتَدْخُل تَحْتَ الظَّاهِرِ وَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي الْغَنَمِ (وَاخْتَارَ الْمُوَفَّقُ وَجَمْعٌ) وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ (لَا تَجِبْ) الزَّكَاةُ فِي بَقَرِ الْوَحْشِ وَغَنَمِهِ، لِأَنَّهَا تُفَارِقُ الْأَهْلِيَّةَ صُورَةً وَحُكْمًا وَالْإِيجَابُ مِنْ الشَّرْعِ وَلَمْ يَرِد وَلَمْ يَصِحَّ الْقِيَاسُ لِوُجُودِ الْفَارِقِ.

(وَلَا تَجِبُ) الزَّكَاةُ (فِي سَائِرِ) أَيْ: فِي بَاقِي (الْأَمْوَالِ إذَا لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ حَيَوَانًا كَانَ) الْمَالُ (كَالرَّقِيقِ وَالطُّيُورِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالظِّبَاء سَائِمَةً) كَانَتْ (أَوْ لَا، أَوْ غَيْرَ حَيَوَانٍ كَاللَّآلِئِ وَالْجَوَاهِرِ وَالثِّيَابِ وَالسِّلَاحِ وَأَدَوَاتِ) أَيْ آلَاتِ (الصُّنَّاعِ، وَأَثَاثِ الْبُيُوتِ وَالْأَشْجَارِ

ص: 167

وَالنَّبَاتِ وَالْأَوَانَيْ وَالْعَقَارِ مِنْ الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ لِلسُّكْنَى وَلِلْكِرَاءِ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَفَرَسِهِ صَدَقَةٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَبِي دَاوُد «لَيْسَ فِي الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ زَكَاةٌ» إلَّا زَكَاةَ الْفِطْرِ وَقِيسَ عَلَى ذَلِكَ بَاقِي الْمَذْكُورَاتِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمَ الْوُجُوبِ إلَّا لِدَلِيلٍ وَلَا دَلِيلَ فِيهَا.

(وَلَا تَجِبُ) الزَّكَاةُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَمْوَالِ (إلَّا بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ: الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ فَلَا تَجِبُ) الزَّكَاةُ (بِمَعْنَى الْأَدَاءِ) أَيْ: بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجِبْ عَلَيْهِ أَدَاءُ الزَّكَاةِ حَالَ كُفْرٍ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ عَلَيْهَا، لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْكُفَّارَ يُعَاقَبُونَ عَلَى سَائِرِ فُرُوعِ الْإِسْلَامِ، كَالتَّوْحِيدِ (عَلَى كُلِّ كَافِرٍ) أَيْ: فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْكُفَّارِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِمْ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِمُعَاذِ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ: «إنَّك تَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَادْعُهُمْ إلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَك بِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهَا أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، فَلَمْ تَجِبْ عَلَى كَافِرٍ، كَالصِّيَامِ.

(وَلَوْ) كَانَ الْكَافِرُ (مُرْتَدًّا) سَوَاءً حَكَمْنَا بِبَقَاءِ الْمِلْكِ مَعَ الرِّدَّةِ أَوْ زَوَالِهِ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» .

(وَلَا) تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى (عَبْدٍ لِأَنَّهُ لَا يُمَلَّكُ بِتَمْلِيكٍ) مِنْ سَيِّدٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَلَا غَيْرَهُ) أَيْ: غَيْرَ تَمْلِيكٍ، فَلَا مَالَ لَهُ، وَكَذَا الْأَمَةُ (وَزَكَاةُ مَا بِيَدِهِ) أَيْ: الرَّقِيقِ غَيْرُ الْمُكَاتَبِ (عَلَى سَيِّدِهِ، وَلَوْ مُدَبَّرًا، أَوْ أُمُّ وَلَدٍ) لِأَنَّهُ مِلْكُ السَّيِّدِ.

(وَلَا) تَجِبُ الزَّكَاةُ (عَلَى مُكَاتَبٍ لِنَقْصِ مِلْكِهِ) فَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «لَيْسَ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ زَكَاةٌ حَتَّى يَعْتِقَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَهُ جَابِرُ وَابْنُ عُمَرَ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمَا مُخَالِفٌ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّ تَعَلُّقَ حَاجَتِهِ إلَى فَكِّ رَقَبَتِهِ مِنْ الرِّقِّ بِمَالِهِ أَشَدُّ مِنْ تَعَلُّقِ حَاجَةِ الْحُرِّ الْمُفْلِسِ بِمَسْكَنِهِ، وَثِيَابِ بَذْلَتِهِ، فَكَانَ بِإِسْقَاطِ الزَّكَاةِ عَنْهُ أَوْلَى وَأَحْرَى.

(بَلْ) تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى (مُعْتَقٍ بَعْضُهُ) بِقَدْرِ مِلْكِهِ (فَيُزَكَّى) الْبَعْضُ (مَا مَلَكَ) مِنْ مَالٍ زَكَوِيٍّ (بِحُرِّيَّةٍ) أَيْ: بِجُزْئِهِ الْحُرِّ، لِأَنَّ مِلْكَهُ عَلَيْهِ تَامٌّ أَشْبَهَ الْحُرَّ.

(وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا) أَوْ أَمَةً (وَوَهَبَهُ شَيْئًا) زَكَوِيًّا (ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْعَبْدَ) أَوْ الْأَمَةَ (كَانَ حُرًّا، فَلَهُ) أَيْ: السَّيِّدِ (أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَا) كَانَ (وَهَبَهُ) لَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَهَبَهُ لَهُ بِنَاءً

ص: 168

عَلَى أَنَّهُ مَلِكُهُ فَإِذَا تَبَيَّنَ خِلَافُهُ رَجَعَ بِهِ وَيُزَكِّيه أَيْ: الْمَالَ السَّيِّدُ، لِمَا مَضَى لِأَنَّهُ مَالَهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فَإِنْ تَرَكَهُ السَّيِّدُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ حُرِّيَّتَهُ زَكَّاهُ لِآخِذٍ لَهُ لِأَنَّهُ مَالِكٌ تَامُّ الْمِلْكِ وَيَسْتَقْبِلُ بِهِ حَوْلًا مِنْ حِينِ التَّرْكِ لِأَنَّهُ وَقْتَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ.

(وَتَجِبُ) الزَّكَاةُ (فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ) وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَائِشَةَ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، حَكَاهُ عَنْهُمْ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَكَذَا رَوَاهُ مَالِك فِي مُوَطَّئِهِ وَالشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عُمَرَ وَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ فِي سُنَنِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يُعْرَف لَهُمْ مُخَالِفٌ وَقَدْ قَالُوهُ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَاشْتُهِرَ فَلَمْ يُنْكَر فَصَارَ كَالْإِجْمَاعِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ «أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَلَفْظَةُ " الْأَغْنِيَاءِ " تَشْمَلُ الصَّغِيرَ وَالْمَجْنُونَ كَمَا شَمَلَتْهُمْ لَفْظَةُ الْفُقَرَاءِ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«انْتَمُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لَا تُذْهِبُهَا، أَوْ لَا تَسْتَهْلِكُهَا، الصَّدَقَةُ» وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ مُرْسَلًا لِأَنَّهُ حُجَّةٌ عِنْدَنَا، وَقَدْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مُسْنَدًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ لَكِنْ مِنْ طُرُقٍ ضَعِيفَةٍ.

(وَلَا تَجِبُ) الزَّكَاةُ (فِي الْمَالِ الْمَنْسُوبِ إلَى الْجَنِينِ) أَيْ: الَّذِي وُقِفَ لَهُ فِي إرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَانْفَصَلَ حَيًّا لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ، مَا دَامَ حَمْلًا وَاخْتَارَ ابْنُ حَمْدَانَ يَجِبُ، لِحُكْمِنَا لَهُ بِالْمِلْكِ ظَاهِرًا، حَتَّى مَنَعْنَا بَاقِي الْوَرَثَةِ.

الثَّالِثُ مِنْ شُرُوطِ الزَّكَاةِ: (مِلْكُ نِصَابٍ) لِلنُّصُوصِ وَلَا فَرْقَ بَيْن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَغَيْرِهَا، وَلَا يُرَدُّ الرِّكَازُ، لِأَنَّ شَبَهَهُ بِالْغَنِيمَةِ أَكْثَرُ مِنْ الزَّكَاةِ، وَلِهَذَا وَجَبَ فِيهِ الْخُمْسُ وَلَمْ يَمْنَعْهُ الدَّيْنُ (فَ) النِّصَابُ (فِي أَثْمَانٍ وَعُرُوضٍ تَقْرِيبٌ) لَا تَحْدِيدٌ (فَلَا يَضُرُّ نَقْصُ حَبَّتَيْنِ) لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ غَالِبًا فَهُوَ كَنَقْصِ الْحَوْلِ سَاعَةً أَوْ سَاعَتَيْنِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْمُوَاسَاةِ لِأَنَّ النَّقْصَ الْيَسِيرَ لَا حُكْمَ لَهُ فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ كَالْعَمَلِ الْيَسِيرِ فِي الصَّلَاةِ وَانْكِشَافِ يَسِيرٍ مِنْ الْعَوْرَةِ، وَالْعَفْوِ عَنْ يَسِيرِ الدَّمِ، فَكَذَا هُنَا فَإِنْ كَانَ النَّقْصُ بَيِّنًا كَالدَّانِقَيْنِ لَمْ تَجِبْ.

(وَ) النِّصَابُ (فِي مَزْرُوعٍ) ثَمَرٍ وَزَرْعٍ (تَحْدِيدٌ) كَالْمَاشِيَةِ فَلَوْ نَقْصَ يَسِيرًا لَمْ تَجِبْ (وَقِيلَ) النِّصَابُ فِي ثَمَرٍ وَزَرْعٍ (تَقْرِيبٌ) كَالْأَثْمَانِ (فَلَا يُؤَثِّرُ) نَقْصٌ (نَحْوَ رَطْلَيْنِ) بِنَحْوِ الْبَغْدَادِيِّ (وَمُدَّيْنِ وَيُؤَثِّرَانِ) أَيْ: نَقْصُهُمَا (عَلَى) الْقَوْلِ (الْأَوَّلِ) وَعَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ (وَعَلَيْهِمَا) أَيْ: الْقَوْلَيْنِ (لَا اعْتِبَارَ بِنَقْصٍ بِتَدَاخُلٍ فِي الْمَكَايِيلِ كَالْأُوقِيَّةِ) فَلَا يَمْنَعُ نَقْصُهَا الْوُجُوبَ.

(وَتَجِبُ) الزَّكَاةُ

ص: 169

(فِيمَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ بِالْحِسَابِ) لِعُمُومِ مَا يَأْتِي فِي أَبْوَابِهِ (إلَّا فِي السَّائِمَةِ، فَلَا زَكَاةَ فِي وَقَصِهَا) لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْد فِي غَرِيبِهِ مَرْفُوعًا «لَيْسَ فِي الْأَوْقَاصِ صَدَقَةٌ» وَقَالَ: الْوَقَصُ: مَا بَيْن النِّصَابَيْنِ.

وَفِي حَدِيثِ مُعَاذٍ «أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: أُمِرْتُ فِي الْأَوْقَاصِ، بِشَيْءٍ قَالَ: لَا وَسَأَسْأَلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ فَقَالَ: لَا» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ لَهُ تِسْعٌ مِنْ الْإِبِلِ مَغْصُوبَةٌ فَأَخَذَ مِنْهَا بَعِيرًا بَعْد الْحَوْلِ، زَكَّاهُ بِخُمْسِ شَاةٍ.

الرَّابِعُ مِنْ شُرُوطِ الزَّكَاةِ (تَمَامُ الْمِلْكِ) فِي الْجُمْلَةِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ لِأَنَّ الْمِلْكَ النَّاقِصَ لَيْسَ نِعْمَةً كَامِلَةً وَهِيَ إنَّمَا تَجِبُ فِي مُقَابَلَتِهَا، إذْ الْمِلْكُ التَّامُّ عِبَارَةٌ عَمَّا كَانَ بِيَدِهِ لَمْ يَتَعَلَّق بِهِ غَيْرُهُ، يَتَصَرَّفُ فِيهِ عَلَى حَسَبِ اخْتِيَارِهِ وَفَوَائِدُهُ حَاصِلَهُ لَهُ قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي " تَنْبِيهٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: النِّصَابُ الزَّكَوِيُّ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَكَمَا يَدْخُلُ فِيهِ تَمَامُ الْمِلْكِ يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ أَوْ يُقَالُ: الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ شَرْطَانِ لِلسَّبَبِ، فَعَدَمُهُمَا مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ السَّبَبِ وَانْعِقَادِهِ، وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ شُرُوطًا لِلْوُجُوبِ كَالْحَوْلِ، فَإِنَّهُ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ، بِلَا خِلَافٍ لَا أَثَرَ لَهُ فِي السَّبَبِ (فَلَا زَكَاةَ فِي دَيْنِ الْكِتَابَةِ) لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ تَعْجِيزَ نَفْسِهِ، وَيَمْتَنِعُ مِنْ الْأَدَاءِ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ ضَمَانُهَا.

(وَلَا) زَكَاةَ (فِي السَّائِمَةِ وَغَيْرِهَا الْمَوْقُوفَةِ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ، كَالْمَسَاكِينِ أَوْ عَلَى مَسْجِدٍ وَرِبَاطٍ وَنَحْوِهِمَا) كَمَدْرَسَةٍ، لِعَدَمِ مِلْكِهِمْ لَهَا (كَمَالٍ مُوصَى بِهِ فِي) غَيْرِ (وُجُوهِ بِرٍّ) أَيْ: خَيْرَاتٍ مِنْ غَزْوٍ وَنَحْوِهِ أَوْ مَالٍ مُوصَى بِهِ (يُشْتَرَى بِهِ مَا يُوقَف، فَإِنْ اتَّجَرَ بِهِ وَصَّى قَبْلَ مَصْرِفِهِ) فِيمَا وُصِّيَ بِهِ (فَرَبِحَ) الْمَالُ (فَرِبْحُهُ مَعَ أَصْلِ الْمَالِ) يُصْرَفُ (فِيمَا وَصَّى فِيهِ) لِتَبَعِيَّةِ الرِّبْحِ لِلْأَصْلِ.

(وَلَا زَكَاةَ فِيهِمَا) لِعَدَمِ الْمَالِكِ الْمُعَيِّنِ (وَإِنْ خَسِرَ) الْمَالَ (ضَمِنَ) الْوَصِيُّ (النَّقْصَ) لِمُخَالَفَتِهِ إذَنْ (وَتَجِبُ) الزَّكَاةُ (فِي سَائِمَةٍ) مَوْقُوفَةٍ عَلَى مُعَيَّنٍ كَزَيْدٍ أَوْ عَمْرٍو، لِلْعُمُومِ، وَكَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ.

وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: الْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي لِنَقْصِهِ (وَ) تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي (غَلَّةِ أَرْضٍ) ، وَغَلَّةِ (شَجَرٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى مُعَيَّنٍ) إنْ بَلَغَتْ الْغَلَّةُ نِصَابًا نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الزَّرْعَ وَالثَّمَرَ لَيْسَ وَقْفًا، بِدَلِيلِ بَيْعِهِ.

(وَيُخْرِجُ مِنْ غَيْرِ السَّائِمَةِ) كَالزَّرْعِ وَالثَّمَرِ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ بِخِلَافِ السَّائِمَةِ فَلَا يُخْرِجُ مِنْهَا لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَجُوزُ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهِ (فَإِنْ كَانُوا) أَيْ: الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ الْمُعَيَّنُونَ (جَمَاعَةً وَبَلَغَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ غَلَّتِهِ)

ص: 170

أَيْ: الْمَوْقُوفِ مِنْ أَرْضٍ أَوْ شَجَرٍ (نِصَابًا، وَجَبَتْ) الزَّكَاةُ وَكَذَا لَوْ بَلَغَتْ حِصَّةُ بَعْضِهِمْ نِصَابًا وَجَبَتْ عَلَيْهِ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ تَبْلُغ حِصَّةُ أَحَدٍ مِنْهُمْ نِصَابًا (فَلَا) زَكَاةَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْخُلْطَةِ فِي غَيْرِ الْمَاشِيَةِ (وَلَا فِي حِصَّةِ مُضَارِبٍ) مِنْ الرِّبْحِ (قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَلَوْ مُلِكَتْ) أَيْ: وَلَوْ قُلْنَا: تُمْلَكُ (بِالظُّهُورِ) لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهَا (فَلَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهَا الْحَوْلُ قَبْلَ اسْتِقْرَارِهَا) بِالْقِسْمَةِ أَوْ مَا جَرَى مَجْرَاهَا.

(وَيُزَكِّي رَبُّ الْمَالِ حِصَّتَهُ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الرِّبْحِ (كَالْأَصْلِ) أَيْ: رَأْسِ الْمَالِ (لِمِلْكِهِ) الرِّبْحَ (بِظُهُورِهِ) وَتَبَعِيَّتِهِ لِمَا لَهُ بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ وَلَا يَجِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ زَكَاةَ حِصَّةِ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لَهَا (فَلَوْ دَفَعَ) حُرٌّ مُسْلِمٌ (إلَى رَجُلٍ أَلْفًا مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَحَالَ الْحَوْلُ وَقَدْ رَبَحَ) الْمَالُ (أَلْفَيْنِ فَعَلَى رَبِّ الْمَالِ زَكَاةُ أَلْفَيْنِ) رَأْسِ الْمَالِ وَحِصَّته مِنْ الرِّبْحِ (فَإِنْ أَدَّاهَا) أَيْ: زَكَاةَ الْأَلْفَيْنِ (مِنْهُ) أَيْ: مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ (حُسِبَ) مَا أَدَّاهُ (مِنْ الْمَالِ وَالرِّبْحِ، فَيُنْقَصُ رُبُعُ عُشْرِ رَأْسِ الْمَالِ) وَهُوَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَيَصِيرُ رَأْسُ الْمَالِ تِسْعَمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ.

(وَالْمَالُ الْمُوصَى بِهِ) لِمُعَيَّنٍ (يُزَكِّيه مَنْ حَالِ الْحَوْلُ وَهُوَ عَلَى مِلْكِهِ) سَوَاءً الْمُوصِي وَالْمُوصَى لَهُ (وَلَوْ وَصَّى بِنَفْعِ نِصَابِ سَائِمَةٍ زَكَّاهَا مَالِكُ الْأَصْلِ) كَالْمَوْجُودَةِ.

(وَمَنْ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مَلِيءٍ) أَيْ: قَادِرٍ عَلَى وَفَائِهِ (بَاذِلٍ) لِلدَّيْنِ (مِنْ قَرْضٍ أَوْ دَيْنٍ، عُرُوضِ تِجَارَةٍ أَوْ مَبِيعٍ لَمْ يَقْبِضْهُ) كَمَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ (بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَوَّلًا، أَوْ دَيْنِ سَلَمٍ إنْ كَانَ) دَيْنُ السَّلَمِ (لِلتِّجَارَةِ وَلَمْ يَكُنْ أَثْمَانًا) هَكَذَا عِبَارَةُ الْإِنْصَافِ وَالْفُرُوعِ وَالْمُبْدِعِ وَذُكِرَ فِي الْمُنْتَهَى: لَا تَجِبُ فِي دَيْنِ سَلَمٍ مَا لَمْ يَكُنْ أَثْمَانًا أَوْ لِلتِّجَارَةِ انْتَهَى وَعَلَيْهِ: يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِجَعْلِ الْوَاوِ لِلْحَالِ أَيْ: إنْ كَانَ لِلتِّجَارَةِ فِي حَالِ كَوْنِهِ غَيْرَ أَثْمَانٍ فَإِنْ كَانَ أَثْمَانًا لَمْ يُعْتَبَر كَوْنُهَا لِلتِّجَارَةِ (أَوْ ثَمَنَ مَبِيعٍ أَوْ رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ قَبْلَ قَبْضِ عِوَضِهِمَا) أَيْ: عِوَضِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ، وَهُوَ الْمَبِيعُ؛ وَعِوَضِ رَأْسِ مَالِ سَلَمٍ، وَهُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ.

وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ مَا دَامَا بِالْمَجْلِسِ وَلَمْ يُنَبَّه عَلَيْهِ لِلْعِلْمِ بِهِ، مِمَّا يَأْتِي فِي بَابِهِ (وَلَوْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ) أَيْ: عَقْدُ الْبَيْعِ أَوْ السَّلَمِ بِإِقَالَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا تَسْقُطُ زَكَاتُهُ (أَوْ) دَيْنٍ مِنْ (صَدَاقٍ أَوْ عِوَضِ خُلْعٍ أَوْ أُجْرَةٍ) بِأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مِائَةٍ فِي ذِمَّتِهِ أَوْ سَأَلَتْهُ الْخُلْعَ بِذَلِكَ، أَوْ اسْتَأْجَرَ مِنْهُ شَيْئًا كَذَلِكَ، فَيَجْرِي ذَلِكَ فِي حَوْلِ الزَّكَاةِ (بِالْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِنْ لَمْ تَسْتَوْفِ) مِنْهُ (الْمَنْفَعَةُ) الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا فِي النِّكَاحِ أَوْ الْإِجَارَةِ لِمِلْكِ هَذِهِ

ص: 171

الْأَشْيَاءِ بِالْعَقْدِ (وَكَذَا كُلُّ دَيْنٍ لَا فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ، أَوْ) فِي مُقَابَلَةِ (مَالٍ غَيْرِ زَكَوِيٍّ، كَمُوصَى بِهِ وَمَوْرُوثٍ، وَثَمَنِ مَسْكَنٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَقِيمَةِ عَبْدٍ مُتْلَفٍ وَجُعْلٍ بَعْدَ عَمَلٍ، وَمُصَالَح بِهِ عَنْ دَمِ عَمْدٍ (جَرَى فِي حَوْلِ الزَّكَاةِ مِنْ حِينِ مِلْكِهِ، عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا) لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي جَمِيعِهِ مُسْتَقِرٌّ، وَتَعْرِيضُهُ لِلزَّوَالِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ.

وَهُوَ ظَاهِرُ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ فِي الصَّدَاقِ وَعِوَضِ الْخُلْعِ وَالْأُجْرَةِ وَالصَّدَاقِ، وَعِوَضُ الْخُلْعِ إذَا كَانَ مُبْهَمًا اسْتَقْبَلَ بِهِ حَوْلَ مَنْ تَعْيِينِهِ (مِنْ غَيْرِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، لَا) إنْ كَانَ الدَّيْنُ (مِنْهَا) أَيْ: مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى أَرْبَعِينَ شَاةً مَوْصُوفَةً فِي الذِّمَّةِ (لِاشْتِرَاطِ السَّوْمِ) فِيهَا (فَإِنْ عُيِّنَتْ زُكِّيَتْ كَغَيْرِهَا وَكَذَا الدِّيَةُ الْوَاجِبَةُ لَا تُزَكَّى لِأَنَّهَا لَمْ تَتَعَيَّن مَالًا زَكَوِيًّا) لِأَنَّ الْإِبِلَ فِي الدِّيَةِ أَحَدُ الْأُصُولِ الْخَمْسَةِ وَقَوْلُهُ (زَكَاة) أَيْ: الدَّيْن الْمَذْكُور (إذَا قَبَضَهُ، أَوْ) قَبَضَ (شَيْئًا مِنْهُ) جَوَاب قَوْلِهِ: وَمَنْ لَهُ دَيْنٌ، لِجَرَيَانِهِ فِي حَوْلِ الزَّكَاةِ لِمَا سَبَقَ (فَكُلَّمَا قَبَضَ شَيْئًا) مِنْ الدَّيْنِ (أَخْرَجَ زَكَاتَهُ) لِمَا مَضَى (وَلَوْ لَمْ يَبْلُغ الْمَقْبُوضُ نِصَابًا) حَيْثُ بَلَغَ أَصْلُهُ نِصَابًا وَلَوْ بِالضَّمِّ إلَى غَيْرِهِ.

رَوَى أَحْمَدُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ " لَا زَكَاةَ فِي الدَّيْنِ حَتَّى يُقْبَضَ " ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ بِإِسْنَادِهِ وَلَمْ يُعْرَف لَهُمْ مُخَالِفٌ (أَوْ أَبْرَأَ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الدَّيْنِ أَوْ بَعْضِهِ فَيُزَكِّيهِ (لِمَا مَضَى) وَسَوَاء (قَصَدَ بِبَقَائِهِ) أَيْ: الدَّيْنِ (عَلَيْهِ) أَيْ: الْمَدِينِ (الْفِرَارَ مِنْ الزَّكَاةِ أَوْ لَا) وَسَوَاء كَانَ الْمَدِينُ يُزَكِّيه أَوْ لَا (وَيُجْزِئ إخْرَاجُهَا) أَيْ: زَكَاةِ الدَّيْنِ (قَبْلَ قَبْضِهِ) لِقِيَامِ الْوُجُوبِ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ، وَعَدَمُ إلْزَامِهِ بِالْإِخْرَاجِ قَبْلَ قَبْضِهِ رُخْصَةٌ فَلَيْسَ كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ.

(وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ) أَيْ: الْحُرِّ الْمُسْلِمِ (بَعْضُ نِصَابٍ وَبَاقِيه دَيْنٌ أَوْ غَصْبٌ أَوْ ضَالٌّ زَكَّى مَا بِيَدِهِ) لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إخْرَاجِ زَكَاتِهِ وَتَمَامِ النِّصَابِ (وَلَعَلَّهُ فِيمَا إذَا ظَنَّ رُجُوعَهُ) أَيْ: الضَّالِّ، وَإِلَّا لَمْ يَتَحَقَّقْ مِلْكُ النِّصَابِ.

(وَكُلُّ دَيْنٍ) مِنْ صَدَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ (سَقَطَ قَبْلَ قَبْضِهِ) حَالَ كَوْنِهِ (لَمْ يُتَعَوَّض عَنْهُ) أَيْ: لَمْ يَأْخُذْ عَنْهُ عِوَضًا وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ (كَنِصْفِ صَدَاقٍ) سَقَطَ عَنْ الزَّوْجِ (قَبْلَ قَبْضِهِ بِطَلَاقٍ) أَوْ نَحْوِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ (أَوْ) كَصَدَاقٍ سَقَطَ (كُلُّهُ لِانْفِسَاخِهِ مِنْ جِهَتِهَا) كَفَسْخِهَا لِعَيْبِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ (فَلَا زَكَاةَ فِيهِ) لِأَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ وَلَمْ يُقْبَضْ الدَّيْن وَلَا أَبْرَأَ مِنْهُ فَلَمْ يَلْزَمْهُ إخْرَاجُهَا وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا وَنَحْوِهِ بِنِصَابِ أَثْمَانٍ، وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، ثُمَّ تَلَفَ الْمَبِيعُ قَبْلَ قَبْضِهِ: انْفَسَخَ الْبَيْعُ؛

ص: 172

وَسَقَطَتْ الزَّكَاةُ، لِسُقُوطِ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرَى، بِلَا إبْرَاءٍ وَلَا إسْقَاطٍ وَكَذَا لَوْ تَعَلَّقَ بِذِمَّةِ رَقِيقٍ دَيْنٌ ثُمَّ اشْتَرَاهُ رَبُّ الدَّيْنِ سَقَطَ وَسَقَطَتْ زَكَاتُهُ لِمَا ذُكِرَ.

(وَإِنْ أَسْقَطَهُ) أَيْ: الدَّيْنَ (رَبُّهُ) بِأَنْ أَبْرَأ مِنْهُ (زَكَّاهُ وَإِنْ أَخَذَ بِهِ) أَيْ: الدَّيْنِ (عِوَضًا أَوْ أَحَالَ) عَلَيْهِ (أَوْ احْتَالَ) بِهِ (زَكَّاهُ) لِأَنَّ ذَلِكَ كَقَبْضِهِ (كَعَيْنٍ) تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَدِيعَةً أَوْ نَحْوِهَا (وَهَبَهَا) مَالِكُهَا بَعْدَ الْحَوْلِ لِمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ فَلَا تَسْقُطُ زَكَاتُهَا عَنْهُ لِاسْتِقْرَارِهَا عَلَيْهِ.

(وَلِلْبَائِعِ إخْرَاجُ زَكَاةِ مَبِيعٍ) مَشْرُوطٍ (فِيهِ خِيَارٌ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الْمَبِيعِ، لِسَبْقِ تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِهِ عَلَى الْمَبِيعِ (فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي قَدْرِهِ) أَيْ: قَدْرِ مَا أَخْرَجَهُ عَنْ الزَّكَاةِ، لِتَفْوِيتِهِ إيَّاهُ عَلَى الْمُشْتَرِي.

(وَإِنْ زَكَّتْ) الْمَرْأَةُ (صَدَاقَهَا كُلَّهُ ثُمَّ تَنَصَّفَ) الصَّدَاقُ (بِطَلَاقٍ) أَوْ نَحْوِهِ (رَجَعَ) الزَّوْجُ (فِيمَا بَقِيَ) مِنْ الصَّدَاقِ (بِكُلِّ حَقِّهِ) وَهُوَ النِّصْفُ تَامًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] وَالزَّكَاةُ فَاتَتْ عَلَيْهَا، لِأَنَّ الْمِلْكَ كَانَ لَهَا.

(وَلَا يُجْزِيهَا) أَيْ: الْمُطَلَّقَةَ (زَكَاتُهَا مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الصَّدَاقِ (بَعْدَ طَلَاقِهِ) أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يَصِفَهُ (لِأَنَّهُ مُشْتَرِكٌ) فَلَا تَتَصَرَّفُ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِ الشَّرِيكِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ (وَمَتَى لَمْ تُزَكِّهِ) ثُمَّ طَلَّقَ أَوْ نَحْوه قَبْلَ الدُّخُولِ (رَجَعَ بِنِصْفِهِ كَامِلًا) لِلْآيَةِ (وَتُزَكِّيه) أَيْ: الصَّدَاقَ كُلَّهُ (هِيَ) لِجَرَيَانِهِ فِي مِلْكِهَا إلَى الْحَوْلِ وَكَذَا لَوْ سَقَطَ كُلُّهُ لِفَسْخِهَا لِعَيْبٍ وَنَحْوِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِجَمِيعِ الصَّدَاقِ وَزَكَاتِهِ إنْ مَضَى حَوْلٌ فَأَكْثَرُ عَلَيْهَا.

(وَتَجِبُ) الزَّكَاةُ (أَيْضًا فِي دَيْنٍ عَلَى غَيْرِ مَلِيءٍ) وَهُوَ الْمُعْسِرُ (وَ) دَيْنٍ (عَلَى مُمَاطِلٍ وَفِي) دَيْنٍ (مُؤَجَّلٍ، وَ) فِي (مَجْحُودٍ بِبَيِّنَةٍ أَوْ لَا) لِصِحَّةِ الْحَوَالَةِ بِهِ وَالْإِبْرَاءِ مِنْهُ، فَيُزَكِّي ذَلِكَ إذَا قَبَضَهُ، لِمَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنٍ عَبَّاسٍ لِلْعُمُومِ كَسَائِرِ مَالِهِ.

(وَتَجِبُ) الزَّكَاةُ أَيْضًا (فِي مَغْصُوبٍ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ، أَوْ) فِي (بَعْضِهِ) بِيَدِ الْغَاصِبِ أَوْ مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْ الْغَاصِبِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ تَالِفًا لِأَنَّهُ مَالٌ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْإِبْرَاءِ مِنْهُ وَالْحَوَالَةِ بِهِ وَعَلَيْهِ أَشْبَهَ الدَّيْنَ عَلَى الْمَلِيءِ، فَيُزَكِّيه مَالِكُهُ إذَا قَبَضَهُ، لِمَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ (وَيَرْجِعُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ عَلَى الْغَاصِبِ بِالزَّكَاةِ لِنَقْصِهِ) أَيْ: زَكَاةِ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ زَمَنَ غَصْبِهِ (أَيْ: الْمَالِ) بِيَدِهِ (أَيْ: الْغَاصِبِ) كَتَلَفِهِ (أَيْ: تَلَفِ الْمَغْصُوبِ بِيَدِ الْغَاصِبِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ، فَكَذَا نَقْصِهِ) .

وَتَجِبُ (الزَّكَاةُ) فِي (مَالٍ ضَائِعٍ كَلُقَطَةٍ، فَ) زَكَاةُ (حَوْلِ التَّعْرِيفِ عَلَى رَبِّهَا) أَيْ: اللُّقَطَةِ إذَا وَجَدَهَا (وَ) زَكَاةُ (مَا

ص: 173

بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ حَوْلِ التَّعْرِيفِ (عَلَى مُلْتَقِطٍ) لِدُخُولِ اللُّقَطَةِ فِي مِلْكِهِ بِمُضِيِّ حَوْلِ التَّعْرِيفِ بِشَرْطِهِ كَالْإِرْثِ فَتَصِيرُ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ (فَإِنْ أَخْرَجَ الْمُلْتَقِطُ زَكَاتَهَا) أَيْ: اللُّقَطَةِ (عَلَيْهِ) أَيْ: حَالَ كَوْنِ الزَّكَاةِ عَلَى الْمُلْتَقِطِ وَذَلِكَ مَا بَعْدَ حَوْلِ التَّعْرِيفِ (مِنْهَا) أَيْ: اللُّقَطَةِ (ثُمَّ أَخَذَهَا) أَيْ: اللُّقَطَةَ (رَبُّهَا، رَجَعَ) رَبُّهَا (عَلَيْهِ) أَيْ: الْمُلْتَقِطِ (بِمَا أَخْرَجَ) مِنْ اللُّقَطَةِ لِتَصَرُّفِهِ فِيهِ وَصَيْرُورَتِهَا مَضْمُونَةً بِمُضِيِّ حَوْلِ التَّعْرِيفِ، كَمَا لَوْ تَلِفَتْ وَإِنْ أَخْرَجَ الْمُلْتَقِطُ الزَّكَاةَ لِحَوْلِ التَّعْرِيفِ؛ لَمْ يُجْزَ عَنْ رَبِّهَا وَيَضْمَنهَا أَيْضًا إنْ أَخْرَجَهَا مِنْهَا لِتَعْدِيَةٍ.

(وَتَجِبُ) الزَّكَاةُ أَيْضًا (فِي مَسْرُوقٍ وَمَدْفُونٍ وَمَنْسِيٍّ فِي دَارٍ أَوْ غَيْرِهَا)، أَوْ مَالٍ (مَذْكُورٍ) أَيْ: مَعْرُوفٍ لَهُ لَكِنْ (جَهِلَ عِنْد مَنْ هُوَ؟ وَفِي مَوْرُوثٍ) وَلَوْ جَهِلَهُ أَوْ عِنْدَ مَنْ هُوَ (وَمَرْهُون وَيُخْرِجهَا الرَّاهِنُ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الْمَرْهُونِ (إنْ أَذِنَ لَهُ الْمُرْتَهِنُ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ يُؤَدِّي مِنْهُ) الزَّكَاةَ غَيْرَ الْمَرْهُونِ كَأَرْشِ جِنَايَةِ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ عَلَى دَيْنِهِ.

(وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ مَالٌ يُؤَدِّي مِنْهُ الزَّكَاةَ غَيْرَ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّيهَا (مِنْ غَيْرِهِ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ.

(وَتَجِبُ فِي مَبِيعٍ وَلَوْ كَانَ فِي خِيَارٍ وَلَوْ قَبْلَ الْقَبْضِ) أَيْ: قَبْضِ الْمُشْتَرِي إيَّاهُ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَتَجِبْ فِي مَبِيعٍ قَبْلَ الْقَبْضِ جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ فَيُزَكِّيه الْمُشْتَرِي مُطْلَقًا انْتَهَى وَهَذَا مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ وَسَوَاءً كَانَ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا، لِأَنَّ زَكَاةَ الدَّيْنِ عَلَى مَنْ هُوَ لَهُ لَا عَلَى مَنْ هُوَ عَلَيْهِ (فَيُزَكِّي بَائِعٌ مَبِيعًا غَيْرَ مُتَعَيِّنٍ وَلَا مُتَمَيِّزٍ) كَالْمَوْصُوفِ فِي الذِّمَّةِ بِأَنْ بَاعَهُ مَثَلًا أَرْبَعِينَ شَاةً مَوْصُوفَةً فِي الذِّمَّةِ، وَعِنْدَهُ أَرْبَعُونَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، فَزَكَاتُهَا عَلَى الْبَائِعِ حَتَّى يَقْبِضَهَا الْمُشْتَرِي لِعَدَمِ دُخُولِهَا فِي مِلْكِهِ لَكِنَّ تَسْمِيَتَهَا مَبِيعًا فِيهِ تَسَمُّحٌ، لِأَنَّهَا عَلَى صِفَةِ الْمَبِيعِ.

وَإِنَّمَا الْمَبِيعُ فِي الذِّمَّةِ، أَيْ: شَيْءٍ سَلَّمَهُ عَنْهُ بِالصِّفَاتِ لَزِمَ قَبُولُهُ وَمَحَلُّهُ أَيْضًا: إذَا لَمْ يَنْقُصْ النِّصَابُ بِهَا؛ وَإِلَّا فَيَأْتِي: لَا زَكَاةَ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَيَنْقُصُ النِّصَابُ وَلَا زَكَاةَ عَلَى الْمُشْتَرِي لِلْمَبِيعِ فِي الْمِثَالِ لِأَنَّهُ دَيْنُ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ لَا زَكَاةَ فِيهِ لِعَدَمِ السَّوْمِ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَبِيعُ الْمَوْصُوفُ فِي الذِّمَّةِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ عُرُوضَ تِجَارَةٍ فَزَكَاتُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا تَقَدَّمَ وَيُزَكِّي الْبَائِعُ مَا بِيَدِهِ بِأَوْصَافِهِ سِوَى مَا يُقَابِلُهُ عَلَى مَا سَبَقَ (وَمُشْتَرٍ يُزَكِّي غَيْرَهُ) أَيْ: مَبِيعًا مُتَعَيِّنًا أَوْ مُتَمَيِّزًا وَمَثَّلَ ابْنُ قُنْدُسٍ الْمُتَعَيِّنَ بِنِصَابِ سَائِمَةٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مَوْصُوفٍ مِنْ قَطِيعٍ مُعَيَّنٍ وَالْمُتَمَيِّزُ بِهَذِهِ الْأَرْبَعِينَ شَاةً قَالَ: فَكُلُّ مُتَمَيِّزَةٍ مُتَعَيِّنَةٍ، وَلَيْسَ كُلُّ مُتَعَيِّنَةٍ مُتَمَيِّزَةٍ وَذَكَر فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى أَنَّ غَيْرَ

ص: 174

الْمُتَمَيِّزِ كَصِنْفٍ مُشَاعًا فِي زَبْرَةِ فِضَّةٍ وَزْنُهَا أَرْبَعمِائَةِ دِرْهَمَ يُزَكِّيه الْبَائِعُ انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ.

(وَتَجِبُ) الزَّكَاةُ فِي مَالٍ (مُودَعٍ) بِشَرْطِهِ كَغَيْرِهِ (وَلَيْسَ لِلْمُودَعِ إخْرَاجُهَا) أَيْ: الزَّكَاةِ (مِنْهُ) أَيْ: الْمُودَعِ (بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا) أَيْ: الْوَدِيعَةِ لِأَنَّهُ افْتِيَاتٌ عَلَيْهِ.

(وَ) تَجِبُ الزَّكَاةُ (فِي) مَالِ (غَائِبِ مَعَ عَبْدِهِ أَوْ وَكِيلِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ أُسِرَ رَبُّ الْمَالِ أَوْ حُبِسَ وَمُنِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ لَمْ تَسْقُطْ زَكَاتُهُ) لِعَدَمِ زَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ.

(وَلَا زَكَاةَ فِي مَالِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ النِّصَابَ) ؟ سَوَاءً حُجِرَ عَلَيْهِ لِلْفَلَسِ أَوْ لَا (أَوْ) عَلَيْهِ دَيْنٌ (يُنْقِصُهُ) أَيْ: النِّصَابَ (وَلَا يَجِدُ مَا يَقْضِيه بِهِ سِوَى النِّصَابِ، أَوْ) يَجِدُ (مَا) يَقْضِي بِهِ الدَّيْنُ غَيْرَ النِّصَابِ، لَكِنَّهُ (لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ) كَمَسْكَنِهِ وَكُتُبِ عِلْمٍ يَحْتَاجُهَا وَثِيَابِهِ وَخَادِمِهِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ (وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَالِ) الْمُزَكَّى (حَتَّى دَيْنُ خَرَاجٍ، وَ) حَتَّى (أَرْشُ جِنَايَةِ عَبِيدِ التِّجَارَةِ، وَ) حَتَّى (مَا اسْتَدَانَهُ لِمُؤْنَةِ حَصَادٍ وَجُذَاذٍ وَدِيَاسٍ) يَنْبَغِي حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَا اسْتَدَانَهُ لِذَلِكَ قَبْلَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ وَإِلَّا فَلَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ زَكَاةِ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ: وَلَا يَنْقُصُ النِّصَابُ بِمُؤْنَةِ حَصَادٍ وَدِيَاسٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْهُ، لِسَبْقِ الْوُجُوبِ وَقَالَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ: يُحْتَمَلُ ضِدُّهُ، كَالْخَرَاجِ انْتَهَى.

وَجَزَمَ فِي الْمُنْتَهَى بِمَعْنَى مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ أَيْضًا الْمُصَنِّفُ فِيمَا يَأْتِي (وَ) حَتَّى دَيْنُ (كِرَى أَرْضٍ) أَيْ: أُجْرَتِهَا (وَنَحْوِهِ) كَأُجْرَةِ حَرْثٍ (لَا دَيْنًا بِسَبَبِ ضَمَانٍ) كَالضَّامِنِ وَالْغَاصِبِ إذَا غُصِبَتْ مِنْهُ الْعَيْنُ وَتَلِفَتْ عِنْد الثَّانِي وَنَحْوِهِمَا فَلَا يَمْنَعُ هَذَا الدَّيْنُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ عَنْ الضَّامِنِ، وَلَا عَنْ الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ مُتَمَكِّنًا مِنْ مُطَالَبَتِهِمَا لِأَنَّ مَنْعَ الدَّيْنِ فِي أَكْثَرِ مِنْ قَدْرِهِ إجْحَافٌ بِالْفُقَرَاءِ وَتَوْزِيعُهُ عَلَى الْجِهَتَيْنِ لَا قَائِلَ بِهِ فَتَعَيَّنَ مُقَابَلَتُهُ بِجِهَةِ الْأَصْلِ لِتَرَجُّحِهَا لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الضَّامِنُ مِمَّنْ يَرْجِعُ إذَا أَدَّى لِأَنَّهُ لَا قَرَارَ عَلَيْهِ، إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الدَّيْنَ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ (فَيَمْنَعُ) الدَّيْنُ (وُجُوبَهَا) أَيْ: الزَّكَاةِ (فِي قَدْرِهِ حَالًا كَانَ الدَّيْنُ أَوْ مُؤَجَّلًا فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ كَالْأَثْمَانِ وَقِيَمِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ وَالْمَعْدِنِ وَ) الْأَمْوَالِ (الظَّاهِرَةِ كَالْمَوَاشِي وَالْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ) لِقَوْلِ عُثْمَانَ: " هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيَقْضِهِ وَلْيُزَكِّ مَا بَقِيَ رَوَاهُ سَعِيدٌ وَأَبُو عُبَيْدٍ.

وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ (وَمَعْنَى قَوْلِنَا: يَمْنَعُ) الدَّيْنُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ (بِقَدْرِهِ أَنَّا نُسْقِطُ مِنْ الْمَالِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ) الْمَانِعِ (كَأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لَهُ) لِاسْتِحْقَاقِ صَرْفِهِ لِجِهَةِ الدَّيْنِ (ثُمَّ يُزَكِّي) الْمَدِينُ (مَا بَقِيَ)

ص: 175

مِنْ الْمَالِ إنْ بَلَغَ نِصَابًا تَامًّا (فَلَوْ كَانَ لَهُ مِائَةٌ مِنْ الْغَنَمِ وَعَلَيْهِ مَا) أَيْ: دَيْنٌ (يُقَابِلُ سِتِّينَ) مِنْهَا (فَعَلَيْهِ زَكَاةُ الْأَرْبَعِينَ) الْبَاقِيَةِ لِأَنَّهَا نِصَابٌ تَامٌّ (فَإِنْ قَابَلَ) الدَّيْنَ (إحْدَى وَسِتِّينَ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ) أَيْ: الدَّيْنَ (يُنْقِصُ النِّصَابَ) فَيَمْنَعُ الزَّكَاةَ.

(وَمَنْ كَانَ لَهُ عَرَضُ قِنْيَةٍ يُبَاع لَوْ أَفْلَسَ) أَيْ: حُجِرَ عَلَيْهِ لِفَلْسٍ، كَعَقَارٍ وَأَثَاثٍ لَا يَحْتَاجُهُ وَكَانَ ثَمَنُهُ (يَفِي بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ) وَمَعَهُ مَالٌ زَكَوِيٌّ (جَعَلَ) الدَّيْنَ (فِي مُقَابَلَةِ مَا مَعَهُ) مِنْ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ (فَلَا يُزَكِّيه) لِئَلَّا يُخِلَّ بِالْمُوَاسَاةِ وَلِأَنَّ عَرَضَ الْقِنْيَةِ كَمَلْبُوسِهِ فِي أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ فَكَذَا فِيمَا يَمْنَعهَا (وَكَذَا مَنْ بِيَدِهِ أَلْفٌ وَلَهُ عَلَى مَلِيءٍ) دَيْنُ (أَلْف، وَعَلَيْهِ) دَيْنُ (أَلْفٍ) فَيَجْعَل الْأَلْفَ الَّذِي بِيَدِهِ فِي مُقَابَلَةِ مَا عَلَيْهِ فَلَا يُزَكِّيهِ وَأَمَّا الدَّيْنُ فَيُزَكِّيهِ إذَا قَبَضَهُ ".

تَتِمَّة لَوْ كَانَ لَهُ مَالَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُقَابِلُ أَحَدَهُمَا جَعَلَهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا يَقْضِي مِنْهُ وَإِنْ كَانَا مِنْ جِنْسٍ جَعْلَهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا الْحَظُّ لِلْمَسَاكِينِ، فِي جَعْلِهِ فِي مُقَابَلَتِهِ تَحْصِيلًا لِحَظِّهِمْ قَالَهُ فِي الْكَافِي.

(وَلَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ خُمُسَ الرِّكَازِ) لِأَنَّهُ بِالْقِيمَةِ أَشْبَهُ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُعْتَبَرْ لَهُ نِصَابٌ وَلَا حَوْلٌ (وَمَتَى أُبْرِئَ الْمَدِينُ) مِنْ الدَّيْنِ (أَوْ قَضَى) الدَّيْنَ (مِنْ مَالٍ مُسْتَحْدَثٍ) مِنْ إرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ هِبَةٍ وَنَحْوِهَا (ابْتَدَأَ) أَيْ: اسْتَأْنَفَ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ (حَوْلًا) مِنْ حِينِ الْبَرَاءَةِ لِأَنَّ مَا مَنَعَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ مَنَعَ انْعِقَادَ الْحَوْلِ وَقَطْعه (وَحَكَّمَ دِينَ اللَّهِ) تَعَالَى (مِنْ كَفَّارَةٍ وَزَكَاةٍ وَنَذْرٍ مُطْلَقٍ وَدَيْنِ حَجٍّ وَنَحْوِهِ) كَإِطْعَامٍ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ (كَدَيْنِ آدَمِيٍّ) فِي مَنْعِهِ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي قَدْرِهِ لِوُجُوبِ قَضَائِهِ.

وَقَوْله صلى الله عليه وسلم: «دَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى» (فَإِنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ حَقٌّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَذَا) مُشِيرًا إلَى نِصَابٍ زَكَوِيٍّ (أَوْ) قَالَ: (هُوَ صَدَقَةٌ فَحَالَ الْحَوْلُ) قَبْلَ إخْرَاجِهِ (فَلَا زَكَاةَ فِيهِ) لِزَوَالِ، مِلْكِهِ عَنْهُ أَوْ نَقْصِهِ.

(وَإِنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَذَا النِّصَابِ إذَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ) فِيهِ إذَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ قَبْل إخْرَاجِهِ لِأَنَّ مِلْكَهُ عَلَيْهِ تَامٌّ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهُ قَبْلَ الْحَوْلِ (وَتُجْزِئْهُ الزَّكَاةُ مِنْهُ وَيَبْرَأُ) النَّاذِرُ (بِقَدْرِهَا) أَيْ: الزَّكَاةِ (مِنْ الزَّكَاةِ وَالنَّذْرِ إنْ نَوَاهُمَا مَعًا) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صَدَقَةٌ كَمَا لَوْ نَوَى بِرَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ وَالرَّاتِبَةَ.

(وَكَذَا لَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِبَعْضِ النِّصَابِ) فَيَكُونُ كَمَا لَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِهِ كُلِّهِ فَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِعَشْرٍ مِنْ الْأَرْبَعِينَ وَحَالَ الْحَوْلُ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْعَشْرِ إذَا

ص: 176

حَالَ الْحَوْلُ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَأَجْزَأَتْهُ مِنْهَا وَبَرِئَ بِقَدْرِهَا مِنْ الزَّكَاةِ وَالنَّذْرِ إنْ نَوَاهُمَا مَعًا.

(الْخَامِسُ) مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ (مُضِيِّ الْحَوْلِ) وَفِي نُسَخٍ (شَرْطٌ عَلَى نِصَابٍ تَمَامُ) الْحَوْلِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ حَارِثَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَقَدْ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوكٌ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْد بْنِ أَسْلَمَ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَرِفْقًا بِالْمَالِكِ وَلِيَتَكَامَلَ النَّمَاءُ فَيُوَاسِي مِنْهُ (وَيُعْفَى عَنْ) نَقْصٍ (نَحْوَ سَاعَتَيْنِ) وَكَذَا نِصْفِ يَوْمٍ قَطَعَ بِهِ فِي الْمُبْدِعِ وَالْمُنْتَهَى وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ.

وَفِي الْمُحَرَّرِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ: لَا يُؤَثِّرُ نَقْصُهُ دُونَ الْيَوْمِ لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ غَالِبًا وَلَا يُسَمَّى فِي الْعُرْفِ نَقْصًا (إلَّا فِي الْخَارِجِ مِنْ الْأَرْضِ) وَمَا فِي حُكْمِهِ كَالْعَسَلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] وَذَلِكَ يَنْفِي اعْتِبَارَهُ فِي الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ وَأَمَّا الْعَسَلُ وَالْمَعْدِنُ وَالرِّكَازُ فَبِالْقِيَاسِ عَلَيْهِمَا؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ نَمَاءٌ فِي نَفْسِهَا تُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنْهَا عِنْدَ وُجُودِهَا، ثُمَّ لَا تَجِبُ فِيهَا زَكَاةٌ ثَانِيَةٌ لِعَدَمِ إرْصَادِهَا لِلنَّمَاءِ، إلَّا الْمَعْدِنِ مِنْ الْأَثْمَانِ فَتَجِبْ فِيهَا عِنْدَ كُلِّ حَوْلٍ، لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ النَّمَاءِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا قِيَمُ الْأَمْوَالِ (فَإِذَا اسْتَفَادَ مَالًا، وَلَوْ) كَانَ الْمَالُ (مِنْ غَيْرِ جِنْسِ مَا يَمْلِكُهُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ) لِمَا تَقَدَّمَ (إلَّا نِتَاجَ السَّائِمَةِ) بِكَسْرِ النُّونِ.

(وَ) إلَّا (رِبْحَ التِّجَارَةِ فَإِنَّ حَوْلَهُ) أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنْ الرِّبْحِ وَالنِّتَاجِ (حَوْلُ أَصْلِهِ) فَيُضَمَّانِ إلَيْهِ (إنْ كَانَ أَصْلُهُ نِصَابًا) لِقَوْلِ عُمَرَ: " اعْتَدَّ عَلَيْهِمْ بِالسَّخْلَةِ وَلَا تَأْخُذُهَا مِنْهُمْ رَوَاهُ مَالِكُ وَلِقَوْلِ عَلِيِّ " عِدَّ عَلَيْهِمْ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ وَلَمْ يُعْرَف لَهُمَا مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ وَلِأَنَّ السَّائِمَةَ تَخْتَلِفُ فِي وَقْتِ وِلَادَتِهَا فَإِفْرَادُ كُلِّ وَاحِدَةٍ يَشُقُّ، فَجُعِلَتْ تَبَعًا لِأُمَّهَاتِهَا، وَلِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهَا فِي الْمِلْكِ فَتَتْبَعُهَا فِي الْحَوْلِ، وَرِبْحُ التِّجَارَةِ كَذَلِكَ مَعْنًى، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ حُكْمًا.

(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) الْأَصْلُ (نِصَابًا، فَحَوْلُهُ مِنْ حِينِ كَمُلَ النِّصَاب) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ فِيهِ التَّبَعِيَّةُ، فَلِذَا وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَقَبْلَ ذَلِكَ لَا يَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ لِنُقْصَانِهِ عَنْ النِّصَابِ (وَيَضُمُّ الْمُسْتَفَادَ إلَى نِصَابٍ بِيَدِهِ مِنْ جِنْسِهِ) كَمَا لَوْ مَلَكَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا ذَهَبًا فِي الْمُحَرَّمِ، ثُمَّ مَلَكَ عَشْرَةَ مَثَاقِيلَ فِي صَفَرٍ، فَتُضَمُّ إلَى الْعِشْرِينَ الْأُولَى (أَوْ فِي حُكْمِهِ) أَيْ: حُكْمِ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِهِ، كَمِائَةِ دِرْهَمٍ

ص: 177

فِضَّةٍ مَلَكهَا بَعْدَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا ذَهَبًا (وَيُزَكَّى كُلُّ مَالٍ إذَا تَمَّ حَوْلُهُ) لِوُجُودِ النِّصَابِ، وَلَوْ بِالضَّمِّ وَمُضِيِّ الْحَوْلِ.

(وَلَا يُعْتَبَرُ النِّصَابُ فِي الْمُسْتَفَادِ) اكْتِفَاءً بِضَمِّهِ إلَى جِنْسِهِ، أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ (وَإِنْ كَانَ) الْمُسْتَفَادُ مِنْ (غَيْرِ جِنْسِ النِّصَابِ وَلَا فِي حُكْمِهِ فَلَهُ حُكْمُ نَفْسِهِ) فَإِنْ بَلَغَ نِصَابًا زَكَّاهُ إذَا تَمَّ حَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا، فَلَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً فِي الْمُحَرَّمِ، ثُمَّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةٍ فِي صَفَرٍ، زَكَّى كُلًّا عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ مَلَكَ عِشْرِينَ بَقَرَةٍ (فَلَا يَضُمُّ) الْمُسْتَفَادَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ (إلَى مَا عِنْدَهُ فِي حَوْلٍ وَلَا نِصَابٍ) لِمُخَالَفَتِهِ لَهُ فِي الْحُكْمِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا (وَلَا شَيْءَ فِيهِ) أَيْ: الْمُسْتَفَادِ (إنْ لَمْ يَكُنْ نِصَابًا) لَفَقَدَ شَرْطَ الزَّكَاةِ.

(وَلَا يَبْنِي وَارِثٌ عَلَى حَوْلِ مُوَرِّثٍ) نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ (بَلْ يَسْتَأْنِفُ حَوْلًا) مِنْ حِينِ مِلْكِهِ.

(وَإِنْ مَلَّكَ نِصَابًا صِغَارًا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ حِينِ مِلْكِهِ) لِعُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «فِي أَرْبَعِينَ شَاةٍ شَاةٌ» لِأَنَّهَا تَقَعُ عَلَى الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَلِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ: لَوْ مَنَعُونِي عِنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتَهُمْ عَلَى مَنْعِهَا " وَهِيَ لَا تَجِبُ فِي الْكِبَارِ (فَلَوْ تَغَذَّتْ) الصِّغَارُ (بِاللَّبَنِ فَقَطْ لَمْ تَجِبْ) الزَّكَاةُ (لِعَدَمِ السَّوْمِ) اخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَقِيلَ: تَجِبهُ لِوُجُوبِهَا فِيهَا تَبَعًا لِلْأُمَّهَاتِ.

(وَلَا يَنْقَطِعُ) الْحَوْلُ (بِمَوْتِ الْأُمَّهَاتِ وَالنِّصَابُ تَامٌّ بِالنِّتَاجِ) الْجُمْلَةُ حَالِيَّة، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ النِّصَابُ تَامًّا انْقَطَعَ لِنَقْصِ النِّصَابِ.

(وَلَا) يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ (بِبَيْعٍ فَاسِدٍ) لِأَنَّهُ لَا يُنْقَلُ الْمِلْكُ إنْ لَمْ يَحْكُم بِهِ مَنْ يَرَاهُ.

(وَمَتَى نَقَصَ النِّصَابُ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ) انْقَطَعَ لِأَنَّ وُجُودَ النِّصَابِ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ وَلَمْ يُوجَد وَظَاهِرُهُ سَوَاءً كَانَ النَّقْصُ فِي وَسَطِ الْحَوْلِ أَوْ طَرَفَيْهِ، وَعَدَمُ الْعَفْوِ عَنْهُ مُطْلَقًا، لَكِنَّ الْيَسِيرَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، كَالْحَبَّةِ وَالْحَبَّتَيْنِ فِي الْأَثْمَانِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ، لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ بَاعَهُ) أَيْ: النِّصَابَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ وَلَوْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ (أَوْ أَبْدَلَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ) كَمَنْ بَاعَ أَوْ أَبْدَلَ أَرْبَعِينَ شَاةً بِثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ انْقَطَعَ الْحَوْلُ لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ ارْتَدَّ مَالِكُهُ) أَيْ: النِّصَابِ (انْقَطَعَ الْحَوْلُ) لِفَوَاتِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْوُجُوبِ (إلَّا فِي إبْدَالِ ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ وَعَكْسُهُ) كَإِبْدَالِ فِضَّةٍ بِذَهَبٍ (وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ) أُبْدِلَتْ بِأَثْمَانٍ أَوْ عُرُوضِ تِجَارَةٍ.

(وَ) إلَّا فِي (أَمْوَالِ الصَّيَارِفِ) فَلَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ فِي هَذِهِ بِالْإِبْدَالِ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فِي ضَمِّ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ، وَلِذَلِكَ تُجْزِئُ زَكَاةُ الذَّهَبِ مِنْ الْفِضَّةِ وَعَكْسِهِ وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ فِي الزَّكَاةِ قِيمَتُهَا لَا عَيْنُهَا كَمَا يَأْتِي وَعَطْفُ أَمْوَالِ الصَّيَارِف عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ

ص: 178

عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ عَنْهُ (وَيُخْرِجُ) الزَّكَاةَ (مِمَّا مَعَهُ عِنْد وُجُوبِ الزَّكَاةِ) أَيْ: تَمَامِ الْحَوْلِ ذَهَبًا كَانَ أَوْ فِضَّةٍ، وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ يُخْرَجُ مِنْ قِيمَتِهَا كَمَا يَأْتِي.

(وَلَا يَنْقَطِعُ) الْحَوْلُ (فِيمَا أُبْدِلَ بِجِنْسِهِ مِمَّا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ) كَالْغَنَمِ وَالْبَقَرِ، وَخَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَأَكْثَرَ مِنْ إبِلٍ (حَتَّى لَوْ أَبْدَلَ نِصَابًا مِنْ السَّائِمَةِ بِنِصَابَيْنِ) كَثَلَاثِينَ بَقَرَةٍ أَبْدَلَهَا بِسِتِّينَ بَقَرَةٍ (زَكَّاهُمَا) إذَا تَمَّ حَوْلُ الْأَوَّلِ، كَنِتَاجٍ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيد: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ عِنْدَهُ غَنَمٌ سَائِمَةٌ فَيَبِيعُهَا بِضِعْفِهَا مِنْ الْغَنَمِ، أَعَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيهَا كُلَّهَا أَمْ يُعْطِي زَكَاةَ الْأَصْلِ قَالَ: بَلْ يُزَكِّيهَا عَلَى حَدِيثِ عُمَرَ فِي السَّخْلَةِ يَرُوحُ بِهَا الرَّاعِي لِأَنَّ نَمَاءَهَا مَعَهَا قُلْت: فَإِنْ كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ قَالَ: يُزَكِّيهَا كُلَّهَا عَلَى حَدِيثِ حَمَاسٍ فَأَمَّا إنْ بَاعَ النِّصَابَ بِدُونِ النِّصَابِ انْقَطَعَ الْحَوْلُ.

وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ مِائَتَانِ فَبَاعَهَا بِمِائَةٍ، فَعَلَيْهِ زَكَاةُ مِائَةٍ (وَلَوْ أَبْدَلَ نِصَابَ سَائِمَةٍ بِمِثْلِهِ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ بَعْد أَنْ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ) أَوْ تَمَّ الْحَوْلُ (فَلَهُ الرَّدُّ) لِلْعَيْبِ.

(وَلَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ عَنْهُ) لِاسْتِقْرَارِهَا بِمُضِيِّ الْحَوْلِ، كَمَا لَوْ تَلَفَ النِّصَابُ (فَإِنْ أَخْرَجَ) الزَّكَاةَ (مِنْ النِّصَابِ، فَلَهُ رَدُّ مَا بَقِيَ) مِنْهُ لِعَيْبِهِ (وَيَرُدُّ قِيمَةَ الْمُخْرَجِ) لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَى رَبِّهِ (وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) بِيَمِينِهِ (فِي قِيمَتِهِ) حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لِأَنَّهُ غَارِمٌ.

(وَإِنْ أَبْدَلَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ) كَغَنَمٍ بِبَقَرٍ (ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ وَنَحْوِهِ) كَغَبْنٍ أَوْ تَدْلِيسٍ، أَوْ خِيَارِ شَرْطٍ، أَوْ اخْتِلَافٍ فِي الصِّفَةِ (اسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ) مِنْ حِينِ الرَّدِّ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ مِلْكِهِ كَمَا لَوْ رَدَّ هُوَ لِذَلِكَ " تَنْبِيهٌ " عَطْفُهُ الْأَبْدَالَ عَلَى الْبَيْعِ: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمَا غَيْرَانِ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: الْمُبَادَلَةُ، هَلْ هِيَ بَيْعٌ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ ثُمَّ ذَكَرَ نَصَّهُ بِجَوَازِ إبْدَالِ الْمُصَحَّفِ لَا بَيْعِهِ، وَقَوْلُ أَحْمَدَ: الْمُعَاطَاةُ بَيْعٌ وَالْمُبَادَلَةُ مُعَاطَاةٌ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا عَبَّرَ بِالْبَيْعِ وَبَعْضُهُمْ بِالْأَبْدَالِ وَدَلِيلُهُمْ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ.

(وَمَتَى قَصَدَ بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ) مِمَّا تَقَدَّمَ كَإِتْلَافٍ (الْفِرَارَ مِنْ الزَّكَاةِ بَعْدَ مُضِيِّ أَكْثَرِ الْحَوْلِ حَرُمَ وَلَمْ تَسْقُط) الزَّكَاةُ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} [القلم: 17]- الْآيَاتِ فَعَاقَبَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ، لِفِرَارِهِمْ مِنْ الزَّكَاةِ وَلِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ إسْقَاطَ حَقِّ غَيْرِهِ فَلَمْ يَسْقُطْ كَالْمُطَلِّقِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَقَوْله: بَعْدَ مُضِيِّ أَكْثَرِ الْحَوْلِ: هُوَ مَا صَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ.

وَفِي الْمُقْنِعِ:

ص: 179

عِنْد قُرْبِ وُجُوبِهَا وَفِي الرِّعَايَةِ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمَيْنِ وَقِيلَ: أَوْ بِشَهْرَيْنِ، لَا أَزْيَد قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِرَارًا مِنْهَا لَا تَسْقُطُ مُطْلَقًا أَطْلَقَهُ أَحْمَدُ اهـ وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى.

(وَيُزَكِّي) الْبَائِعُ وَنَحْوِهِ (مِنْ جِنْسِ الْمَبِيعِ لِذَلِكَ الْحَوْلِ) الَّذِي وَقَعَ الْفِرَارُ فِيهِ، دُونَ مَا بَعْده لِعَدَمِ تَحَقُّقِ التَّحَيُّل فِيهِ.

(وَإِنْ قَالَ) مَنْ بَاعَ النِّصَابَ وَنَحْوَهُ (لَمْ أَقْصِدْ الْفِرَارَ) مِنْ الزَّكَاةِ (فَإِنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْفِرَارِ، عُمِلَ بِهَا وَرَدَّ قَوْلُهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَكُنْ ثَمَّ قَرِينَةٌ (قُبِلَ قَوْلُهُ) فِي قَصْدِهِ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ إلَّا مِنْهُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ.

(وَإِذَا تَمَّ الْحَوْلُ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِ الْمَالِ) الَّذِي تُجْزِئُ زَكَاتُهُ مِنْهُ، كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ السَّائِمَةِ، وَخَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَأَكْثَرَ مِنْ الْإِبِلِ، وَالْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ، وَالْمَعْدِنِ مِنْ النَّقْدَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} [المعارج: 24] وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «فِي أَرْبَعِينَ شَاةٍ شَاةٌ» وَقَوْلِهِ «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» وَقَوْلِهِ: «هَاتُوا صَدَقَةَ الرِّقَّةِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا» وَ " فِي " لِلظَّرْفِيَّةِ وَ " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَجْنَاسِ الْمَالِ وَصِفَاتِهِ، حَتَّى وَجَبَ فِي الْجَيِّدِ وَالْوَسَطِ وَالرَّدِيءِ مَا يَلِيقُ بِهِ فَعُلِمَ أَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِعَيْنِهِ لَا بِالذِّمَّةِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الْمُوَاسَاةِ فِيهَا وَعَكْسُ ذَلِكَ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَ (لَا) يَجِبُ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ (مَنْ عَيْنِهِ) أَيْ: عَيْنِ الْمَالِ الْمُزَكَّى فَيَجُوزُ إخْرَاجُهَا مِنْ غَيْرِهِ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَهَا بِالْعَيْنِ، كَالْعَبْدِ الْجَانِي إذَا فَدَاهُ سَيِّدُهُ،.

وَحَيْثُ تَقَرَّرَ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي عَيْنِ النِّصَابِ (فَإِذَا مَضَى حَوْلَانِ فَأَكْثَرُ عَلَى نِصَابٍ) فَقَطْ (لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ، فَزَكَاةٌ وَاحِدَةٌ) أَيْ: زَكَاةُ عَامٍ وَاحِدٍ وَلَوْ كَانَ يَمْلِكُ مَالًا كَثِيرًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِ النِّصَابِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَلَمْ يَكُنْ، عَلَيْهِ دَيْنٌ، لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَعَلَّقَتْ فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ بِقَدْرِهَا مِنْ النِّصَابِ، فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ فِيمَا بَعْدَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ زَكَاةٌ، لِنَقْصِهِ عَنْ النِّصَابِ (وَإِنْ كَانَ) الْمُزَكَّى (أَكْثَرُ مِنْ نِصَابٍ) كَاثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ شَاةٍ (نَقَصَ مِنْ زَكَاتِهِ لِكُلِّ حَوْلٍ بِقَدْرِ نَقْصِهِ) أَيْ: الْمَالِ (بِهَا) أَيْ: بِالزَّكَاةِ لِأَنَّ مِقْدَارَ الزَّكَاةِ صَارَ مُسْتَحَقًّا لِلْفُقَرَاءِ فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ فَفِي الْمِثَالِ لَوْ مَضَى خَمْسَةُ أَحْوَالٍ فَعَلَيْهِ ثَلَاثُ شِيَاهٍ فَقَطْ وَلَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمِ فِضَّةٍ، وَمَضَى عَلَيْهَا حَوْلَانِ وَجَبَ تِسْعَةُ عَشْرِ دِرْهَمًا وَنِصْفُ دِرْهَم وَرُبُعُهُ، لِلْحَوْلِ الْأَوَّلِ: عَشْرَةٌ، وَالْبَاقِي لِلْحَوْلِ الثَّانِي.

وَنَقَصَ الرُّبْعُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ أَهْلِ الزَّكَاةِ بِالْعُشْرِ فَتَسْقُطُ عَنْهُ

ص: 180

زَكَاتُهَا فِي الْحَوْلِ الثَّانِي وَهَكَذَا (إلَّا مَا كَانَ زَكَاتُهُ الْغَنَمَ مِنْ الْإِبِلِ) وَهُوَ مَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ (فَ) تَجِبُ زَكَاتُهُ (فِي الذِّمَّةِ) كَعُرُوضِ التِّجَارَةِ، لِأَنَّ الْفَرْضَ يَجِبُ مِنْ غَيْرِ الْمَالِ الْمُزَكَّى فَلَا يُمْكِنُ تَعَلُّقُهُ بِعَيْنِهِ.

(وَتَتَكَرَّرُ) زَكَاتُهُ (بِتَكْرَارِ الْأَحْوَالِ) لِعَدَمِ تَعَلُّقِهَا بِالْمَالِ (فَفِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ بَعِيرًا لِثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ) مَضَتْ (لِأَوَّلِ حَوْلٍ بِنْتُ مَخَاضٍ) لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ (ثُمَّ) عَلَيْهِ، (ثَمَانُ شِيَاهٍ لِكُلِّ حَوْلٍ أَرْبَعُ شِيَاهٍ) وَكَذَا لَوْ مَضَى بَعْدَ ذَلِكَ أَحْوَالٌ، وَلَوْ بَلَغَتْ قِيَمُ الشِّيَاهِ الْوَاجِبَةِ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا فَتَمْتَنِعُ فِيمَا يُقَابِلهَا كَمَا تَقَدَّمَ (فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، امْتَنَعَتْ زَكَاةُ الْحَوْلِ الثَّانِي، لِكَوْنِهَا دَيْنًا) فَيَنْقُصُ بِهَا النِّصَابُ، فَلَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهَا الْحَوْلُ.

(وَلَوْ بَاعَ) مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ (النِّصَابَ كُلَّهُ، تَعَلَّقَتْ الزَّكَاةُ بِذِمَّتِهِ، وَصَحَّ الْبَيْعُ) كَبِيَعِ السَّيِّدِ عَبْدَهُ الْجَانِي (وَيَأْتِي قَرِيبًا، وَتَعَلُّقُ الزَّكَاةِ بِالنِّصَابِ) حَيْثُ تَعَلَّقَتْ بِهِ (كَتَعَلُّقِ أَرْشِ جِنَايَةٍ) بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي، وَكَتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ (لَا كَتَعَلُّقِ دَيْنٍ بِرَهْنٍ) أَيْ: مَرْهُونٍ.

(وَلَا) كَتَعَلُّقِ دَيْنِ الْغُرَمَاءِ (بِمَالٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ، وَلَا) ك (تَعَلُّقِ شَرِكَةٍ) فَلَا يَصِيرُ الْفُقَرَاءُ شُرَكَاءَ رَبِّ النِّصَابِ فِيهِ، وَلَا فِي نَمَائِهِ، إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ تَعَلُّقَ الزَّكَاةِ كَأَرْشِ الْجِنَايَةِ (فَلَهُ) أَيْ: الْمَالِكِ (إخْرَاجُهَا) أَيْ: الزَّكَاةُ (مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ: النِّصَابِ كَمَا أَنَّ لِلسَّيِّدِ فِدَاءَ عَبْدِهِ الْجَانِي بِخِلَافِ تَعَلُّقِ الشَّرِكَةِ (وَالنَّمَاءُ بَعْدَ وُجُوبِهَا) أَيْ: الزَّكَاةِ (لَهُ) أَيْ: لِلْمَالِكِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ الْفُقَرَاءُ كَكَسْبِ الْجَانِي.

(وَلَوْ أَتْلَفَهُ) أَيْ: أَتْلَفَ الْمَالِكُ النِّصَابَ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ (لَزِمَهُ مَا وَجَبَ فِي التَّالِفِ) وَهُوَ قَدْرُ زَكَاتِهِ (لَا قِيمَتِهِ) أَيْ: النِّصَابِ، كَمَا لَوْ قَتَلَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الْجَانِي وَلَوْ كَانَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ دُونَ قِيمَتِهِ بِخِلَافِ الرَّاهِنِ إذَا أَتْلَفَ الْمَرْهُونَ، تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ مَكَانَهُ.

(وَيَتَصَرَّفُ) الْمَالِكُ (فِيهِ) أَيْ: النِّصَابِ (بِبَيْعٍ وَغَيْرِهِ) كَمَا يَتَصَرَّفُ السَّيِّدُ فِي الْجَانِي بِخِلَافِ الرَّاهِنِ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ، وَالشَّرِيكُ (وَلَا يَرْجِعُ بَائِعٌ بَعْدَ لُزُومِ بَيْعٍ فِي قَدْرِهَا) أَيْ: الزَّكَاةِ، حَيْثُ قَدَرَ عَلَى إخْرَاجِهَا مِنْ غَيْرِهِ.

(وَيُخْرِجُهَا) أَيْ: الزَّكَاةَ الْبَائِعُ، كَمَا لَوْ بَاعَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الْجَانِي لَزِمَهُ فِدَاؤُهُ وَلَزِمَهُ الْبَيْعُ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) عَلَى الْبَائِعِ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِ الْبَيْعِ (فُسِخَ فِي قَدْرِهَا) أَيْ: الزَّكَاةِ، لِسَبْقِ وُجُوبِهَا وَمَحَلُّ ذَلِكَ (إنْ صَدَّقَهُ مُشْتَرٍ) عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَعَجَزَ عَنْ إخْرَاجِهَا مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْبَائِعِ عَلَيْهِ (وَلِمُشْتَرِ الْخِيَارِ) إذَا رَجَعَ الْبَائِعُ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ بِشَرْطِهِ، لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ فِي حَقِّهِ

ص: 181

(فَتَجِبُ) الزَّكَاةُ (بِمُضِيِّ الْحَوْلِ) عَلَى النِّصَابِ فِي مِلْكِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ التَّامِّ الْمِلْكِ (وَلَا يُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِهَا إمْكَانُ الْأَدَاءِ) لِمَفْهُومِ (" لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولُ عَلَيْهِ الْحَوْلُ ") فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ بَعْدَ الْحَوْلِ مُطْلَقًا وَلِأَنَّهَا حَقٌّ لِلْفَقِيرِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهَا إمْكَانُ الْأَدَاءِ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ وَلِأَنَّهُ لَوْ اُشْتُرِطَ لَمْ يَنْعَقِدْ الْحَوْلُ الثَّانِي، حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَنْعَقِدُ عَقِبَ الْأَوَّلِ إجْمَاعًا وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ فَلَا يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِهَا إمْكَانُ الْأَدَاءِ، كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ فَإِنَّ الصَّوْمَ يَجِبُ عَلَى الْمَرِيضِ وَالْحَائِضِ وَالْعَاجِزِ عَنْ أَدَائِهِ.

(لَكِنْ لَوْ كَانَ النِّصَابُ غَائِبًا عَنْ الْبَلَدِ) أَوْ مَغْصُوبًا أَوْ ضَالًّا وَنَحْوَهُ (لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِخْرَاجِ مِنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ، حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ مِنْهُ) لِمَا تَقَدَّمَ فَإِمْكَانُ الْأَدَاءِ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْإِخْرَاج لَا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ.

(وَلَوْ أُتْلِفَ الْمَالُ بَعْدَ الْحَوْلِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ) مِنْ إخْرَاجِهَا (ضَمِنَهَا) لِاسْتِقْرَارِهَا بِمُضِيِّ الْحَوْلِ (وَلَا تَسْقُطُ بِتَلَفِ الْمَالِ) لِأَنَّهَا عَيْنٌ تَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ تَسْلِيمِهَا إلَى مُسْتَحَقِّيهَا فَضَمِنَهَا بِتَلَفِهَا فِي يَدِهِ كَعَارِيَّةٍ وَغَصْبٍ، وَكَدَيْنِ الْآدَمِيِّ فَلَا يُعْتَبَرُ بَقَاءُ الْمَالِ (إلَّا الزَّرْعَ وَالثَّمَرَ، إذَا تَلِفَ بِجَائِحَةٍ قَبْلَ حَصَادٍ وَجُذَاذٍ) أَوْ بَعْدِهِمَا قَبْلَ وَضْعٍ فِي جَرِينٍ وَنَحْوِهِ، لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهَا قَبْلَ ذَلِكَ (وَيَأْتِي) فِي بَابِ زَكَاةِ الْخَارِجِ مِنْ الْأَرْضِ.

(وَ) إلَّا (مَا لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْيَدِ، كَالدُّيُونِ) إذَا سَقَطَتْ بِلَا عِوَضٍ، وَلَا إسْقَاطٍ فَتَسْقُطُ زَكَاتُهَا (وَتَقَدَّمَ مَعْنَاهُ) آنِفًا.

وَكَذَا لَا يَضْمَنُ زَكَاةَ دَيْنِهِ إذَا مَاتَ الْمَدِينُ مُفْلِسًا (وَدُيُونُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ وَالنَّذْر غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، وَدَيْنِ حَجٍّ سَوَاءً) لِعُمُومِ قَوْلِهِ: صلى الله عليه وسلم «دَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ» (فَإِذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ مِنْهَا) أَيْ: مِنْ دُيُونِ اللَّهِ (زَكَاةٌ أَوْ غَيْرُهَا بَعْدَ وُجُوبِهَا لَمْ تَسْقُطْ) لِأَنَّهَا حَقٌّ وَاجِبٌ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ فَلَمْ تَسْقُطْ بِالْمَوْتِ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ (وَأُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ» (فَيُخْرِجُهَا وَارِثٌ) لِقِيَامِهِ مُقَامَ مُوَرِّثِهِ (فَإِنْ كَانَ) الْوَارِثُ (صَغِيرًا فَوَلِيُّهُ) يُخْرِجُهَا لِقِيَامِهِ مُقَامُهُ ثُمَّ الْحَاكِمُ وَسَوَاء وَصَّى بِهَا أَوْ لَا، كَالْعَشْرِ (فَإِنْ كَانَ مَعَهَا) أَيْ: الزَّكَاةِ وَنَحْوِهَا مِنْ دُيُونِ اللَّهِ تَعَالَى (دَيْنُ آدَمِيٍّ) بِلَا رَهْنٍ.

(وَضَاقَ مَالُهُ) أَيْ: الْمَيِّتِ (اقْتَسَمُوا) التَّرِكَةَ (بِالْحِصَصِ) كَدُيُونِ الْآدَمِيِّينَ إذَا ضَاقَ عَنْهَا الْمَالُ (إلَّا إذَا كَانَ بِهِ) أَيْ: دَيْنِ الْآدَمِيِّ (رَهْنٌ فَيُقَدِّم) الْآدَمِيُّ بِدَيْنِهِ مِنْ الرَّهْنِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ صُرِفَ فِي الزَّكَاةِ وَنَحْوِهَا (وَتُقَدَّمُ أُضْحِيَّةٌ مُعَيَّنَةٌ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الدَّيْنِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا فِيهِ سَوَاءً كَانَ لَهُ وَفَاءٌ أَوْ

ص: 182