الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وِلَايَتهَا وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ، إلَّا أَنَّهُ يَسُوغُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ، فَهِيَ مَزِيَّةٌ، ذَكَرَهُ ابْنُ قُنْدُسٍ عَنْ الْفُصُولِ (وَتَقِفُ) إمَامَتُهُنَّ (فِي صَفِّهِنَّ كَمَكْتُوبَةٍ) اسْتِحْبَابًا (وَأَمَّا إذَا صَلَّى الرِّجَالُ) عَلَى الْجِنَازَةِ قَبْلَ النِّسَاءِ (فَإِنَّهُنَّ يُصَلِّينَ فُرَادَى) فِي وَجْهٍ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُقَدَّمَ خِلَافُهُ.
(وَلَهُ) أَيْ: الْمُصَلِّي (بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ قِيرَاطٌ) مِنْ أَجْرٍ (وَهُوَ أَمْرٌ مَعْلُومٌ عِنْدَ اللَّهِ) تَعَالَى، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ قِيرَاطٌ نِسْبَتُهُ مِنْ أَجْرِ صَاحِبِ الْمُصِيبَةِ (وَلَهُ بِتَمَامِ دَفْنِهَا قِيرَاطٌ آخَرُ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا مِنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تُدْفَنَ) لِقَوْلِهِ: صلى الله عليه وسلم «مَنْ شَهِدَ الْجِنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ قِيلَ وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ» وَلِمُسْلِمٍ " أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ ".
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ " فَكَانَ مَعَهَا حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهَا وَيُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا " وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَمَّنْ يَذْهَبُ إلَى مُصَلَّى الْجَنَائِزِ، فَيَجْلِسُ فِيهِ مُتَصَدِّيًا لِلصَّلَاةِ عَلَى مَنْ يَحْضُرُ مِنْ الْجَنَائِزِ فَقَالَ: لَا بَأْسَ قَالَ، فِي الْفُرُوعِ: وَكَأَنَّهُ يَرَى إذَا تَبِعَهَا مِنْ أَهْلِهَا فَهُوَ أَفْضَلُ قَالَ فِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ صَعْدَةَ " وَتَبِعَهَا مِنْ أَهْلِهَا يَعْنِي مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَتَبِعَهَا مِنْ أَهْلِهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ.
[فَصْلٌ حَمْلُ الْمُسْلِم وَدَفْنُهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ]
(فَصْلٌ حَمْلُهُ وَدَفْنُهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ) وَتَقَدَّمَ (وَكَذَا مُؤْنَتُهُمَا) أَيْ: مُؤْنَةُ الْحَمْلِ وَالدَّفْنِ فَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، إنْ لَمْ يَخْلُفْ شَيْئًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ وَلَمْ يُمْكِنْ الْأَخْذُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَالْمُرَادُ عَلَى مَنْ عَلِمَ بِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَبَاقِي مُؤَنِ التَّجْهِيزِ.
(وَلَا يَخْتَصُّ أَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ) لِحَمْلِ الْمَيِّتِ وَدَفْنِهِ (مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ) أَيْ: مُسْلِمًا (فَلِهَذَا يَسْقُطُ) الْحَمْلُ (بِكَافِرٍ) كَالتَّكْفِينِ وَالدَّفْنِ، لِعَدَمِ اعْتِبَارِ النِّيَّةِ لَهُمَا بِخِلَافِ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ.
(وَيُكْرَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ: الْحَمْلِ وَالدَّفْنِ لِأَنَّهُ يَذْهَبُ بِالْأَجْرِ.
(وَ) كَذَا يُكْرَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ (عَلَى الْغُسْلِ) وَالتَّكْفِينِ، وَتَقَدَّمَ (فَيُوضَعُ الْمَيِّتُ عَلَى النَّعْشِ) بَعْدَ أَنْ يُغَسَّلَ وَيُكَفَّنَ (مُسْتَلْقِيًا) عَلَى ظَهْرِهِ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ (وَيُسْتَحَبُّ إنْ كَانَ) الْمَيِّتُ (امْرَأَةً أَنْ يُسْتَرَ) النَّعْشُ " (بِمُكِبَّةٍ فَوْقَ السَّرِيرِ، تُعْمَلُ مِنْ خَشَبٍ أَوْ جَرِيدٍ، أَوْ قَصَبٍ، مِثْلُ الْقُبَّةِ فَوْقَهَا ثَوْبٌ) .
قَالَ بَعْضُهُمْ: أَوَّلُ مَنْ اُتُّخِذَ لَهُ ذَلِكَ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم أَوَّلُ مَنْ غُطِّيَ نَعْشُهَا فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ (وَيُسَنُّ أَنْ يَحْمِلَهُ أَرْبَعَةٌ لِأَنَّهُ يُسَنُّ التَّرْبِيعُ فِي حَمْلِهِ) لِمَا رَوَى سَعِيدٌ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَنْ اتَّبَعَ جِنَازَةً فَلْيَحْمِلْ بِجَوَانِبِ السَّرِيرِ كُلِّهَا، فَإِنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ، ثُمَّ إنْ شَاءَ فَلْيَطَّوَّعْ، وَإِنْ شَاءَ فَلْيَدَعْ " إسْنَادُهُ ثِقَاتٌ إلَّا أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ.
(وَكَرِهَهُ) أَيْ: التَّرْبِيعَ فِي حَمْلِهِ (الْآجُرِّيُّ وَغَيْرُهُ مَعَ الِازْدِحَامِ) عَلَى الْجِنَازَةِ (وَهُوَ) أَيْ: التَّرْبِيعُ (أَفْضَلُ مِنْ الْحَمْلِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَصِفَتُهُ) أَيْ: التَّرْبِيعُ (أَنْ يَضَعَ قَائِمَةَ النَّعْشِ الْيُسْرَى الْمُقَدَّمَةَ) فِي حَالِ السِّيَرِ.
وَهِيَ الَّتِي يَمِينُ الْمَيِّتِ (عَلَى كَتِفِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَنْتَقِلَ إلَى) قَائِمَةِ السَّرِيرِ الْيُسْرَى (الْمُؤَخَّرَةِ) فَيَضَعَهَا عَلَى كَتِفِهِ الْيُمْنَى أَيْضًا، ثُمَّ يَدَعَهَا لِغَيْرِهِ (ثُمَّ يَضَعَ قَائِمَتَهُ) أَيْ: النَّعْشِ (الْيُمْنَى الْمُقَدَّمَةِ) وَهِيَ الَّتِي تَلِي يَسَارَ الْمَيِّتِ (عَلَى كَتِفِهِ الْيُسْرَى) ثُمَّ يَدَعَهَا لِغَيْرِهِ، وَ (يَنْتَقِلَ إلَى) قَائِمَةِ السَّرِيرِ الْيُمْنَى (الْمُؤَخَّرَةِ) فَيَضَعَهَا عَلَى كَتِفِهِ الْيُسْرَى فَتَكُونُ الْبُدَاءَةُ مَنْ الْجَانِبَيْنِ بِالرَّأْسِ، وَالْخِتَامِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِالرِّجْلَيْنِ.
نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ، لِمَا فِيهَا مِنْ الْمُوَافَقَةِ لِكَيْفِيَّةِ غُسْلِهِ، حَيْثُ يُبْدَأُ بِشِقِّهِ الْأَيْمَنِ إلَى رِجْلِهِ، ثُمَّ بِالْأَيْسَرِ كَذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ " (وَإِنْ حُمِلَ) الْمَيِّتُ (بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ) وَهُمَا الْقَائِمَتَانِ (كُلُّ عَمُودٍ عَلَى عَاتِقٍ؛ كَانَ حَسَنًا وَلَمْ يُكْرَهْ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم حَمَلَ جِنَازَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ " وَرُوِيَ عَنْ سَعْدٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ حُمِلَ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ فَمِنْ عِنْدَ رَأْسِهِ، ثُمَّ مِنْ عِنْدَ رِجْلَيْهِ.
وَفِي الْمَذْهَبِ مِنْ نَاحِيَةِ رِجْلَيْهِ لَا يَصْلُحُ إلَّا التَّرْبِيعُ انْتَهَى لِأَنَّ الْمُؤَخَّرَ إنْ تَوَسَّطَ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ لَمْ يُرَ مَا بَيْنَ قَدَمَيْهِ فَلَا يُهْتَدَى إلَى الْمَشْيِ فَعَلَى هَذَا يَحْمِلُ السَّرِيرَ ثَلَاثَةٌ وَاحِدٌ مِنْ مُقَدَّمِهِ، يَضَعُ الْعَمُودَيْنِ الْمُقَدَّمَيْنِ عَلَى عَاتِقِهِ، وَرَأْسِهِ بَيْنَهُمَا وَالْخَشَبَةَ الْمُعْتَرِضَةَ عَلَى كَاهِلِهِ وَاثْنَانِ مِنْ مُؤَخَّرِهِ: أَحَدُهُمَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ وَالْآخَرُ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ يَضَعُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَمُودًا عَلَى عَاتِقِهِ.
(وَلَا بَأْسَ بِحَمْلِ طِفْلٍ عَلَى يَدَيْهِ وَ) لَا بَأْسَ (بِحَمْلِ الْمَيِّتِ بِأَعْمِدَةٍ لِلْحَاجَةِ) كَجِنَازَةِ ابْنِ عُمَرَ.
(وَ) لَا بَأْسَ بِحَمْلِ الْمَيِّتِ (عَلَى دَابَّةٍ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ كَبُعْدِ) قَبْرِهِ (وَنَحْوِهِ) كَسِمَنٍ مُفْرِطٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُبْدِعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: لَا يَحْرُمُ حَمْلُهَا عَلَى هَيْئَةٍ مُزْرِيَةٍ، أَوْ هَيْئَةٍ يُخَافُ مَعَهَا سُقُوطُهَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ، وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ.
(وَلَا بَأْسَ بِالدَّفْنِ لَيْلًا) لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ دُفِنَ لَيْلًا وَعَلِيٌّ دَفَنَ فَاطِمَةَ لَيْلًا: قَالَهُ أَحْمَدُ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ قَبْرًا فَأُسْرِجَ لَهُ سِرَاجٌ، فَأَخَذَ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ وَقَالَ: رَحِمَكَ اللَّهُ، إنْ كُنْتَ لَأَوَّاهًا تَلَّاءً لِلْقُرْآنِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ وَالدَّفْنُ بِالنَّهَارِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَسْهَلَ عَلَى مُتَّبِعِي الْجِنَازَةِ، وَأَكْثَرُ لِلْمُصَلِّينَ عَلَيْهَا، وَأَمْكَنُ لِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ فِي دَفْنِهِ وَلَحْدِهِ.
(وَيُكْرَهُ) الدَّفْنُ (عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ) عِنْدَ (غُرُوبِهَا، وَ) عِنْدَ (قِيَامِهَا) لِقَوْلِ عُتْبَةَ: «ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَنْهَانَا عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِنَّ، وَأَنْ نُقْبِرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً، حَتَّى تَرْتَفِعَ وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، وَحِينَ تَتَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَمَعْنَى " تَتَضَيَّفُ " تَجْنَحُ وَتَمِيلُ لِلْغُرُوبِ مِنْ قَوْلِكَ تَضَيَّفْتُ فُلَانًا إذَا مِلْتَ إلَيْهِ.
(وَيُسَنُّ الْإِسْرَاعُ بِهَا) أَيْ: بِالْجِنَازَةِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَيَكُونُ (دُونَ الْخَبَبِ) نَصَّ عَلَيْهِ.
وَفِي الْمَذْهَبِ: وَفَوْقَ السَّعْيِ وَفِي الْكَافِي: لَا يُفْرِطُ فِي الْإِسْرَاعِ فَيَمْخُضَهَا وَيُؤْذِي مُتَّبِعَهَا وَقَالَ الْقَاضِي: يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَخْرُجَ عَنْ الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ وَلَكِنْ يُرَاعِي الْحَاجَةَ نَصَّ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ «مَرَّ عَلَيْهِ جِنَازَةٌ تُمْخَضُ مَخْضًا، فَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالْقَصْدِ فِي جَنَائِزِكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ فَإِنْ خِيفَ عَلَيْهِ التَّغَيُّرُ أُسْرِعَ وَالْخَبَبُ ضَرْبٌ مِنْ الْعَدْوِ، وَهُوَ خَطْوٌ فَسِيحٌ، دُونَ الْعَنَقِ - بِفَتْحَتَيْنِ ضَرْبٌ مِنْ السَّيْرِ فَسِيحٌ سَرِيعٌ (مَا لَمْ يُخَفْ عَلَيْهَا مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الْإِسْرَاعِ، فَيَمْشِي بِحَيْثُ لَا يَضُرُّهَا.
(وَاتِّبَاعُهَا) أَيْ: الْجِنَازَةُ (سُنَّةٌ) وَفِي آخِرِ الرِّعَايَةِ: اتِّبَاعُهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ لِأَمْرِ الشَّارِعِ بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ قَالَ «أَمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ» (وَهُوَ) أَيْ: اتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ (حَقٌّ لِلْمَيِّتِ وَأَهْلِهِ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَوْ قُدِّرَ لَوْ انْفَرَدَ، أَيْ: الْمَيِّتُ يَسْتَحِقُّ هَذَا الْحَقَّ، لِمُزَاحِمٍ أَوْ لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ، تَبِعَهُ لِأَجْلِ أَهْلِهِ إحْسَانًا إلَيْهِمْ لِتَأْلِيفٍ أَوْ مُكَافَأَةٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَذَكَرَ فِعْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ.
(وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ: أَنَّ مِنْ الْجَبْرِ أَنْ يَتْبَعَهَا لِقَضَاءِ حَقِّ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ) قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَاتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا ثُمَّ يَنْصَرِفَ الثَّانِي: أَنْ يَتْبَعَهَا إلَى الْقَبْر ثُمَّ يَقِفَ، حَتَّى تُدْفَنَ الثَّالِثُ أَنْ يَقِفَ بَعْدَ الدَّفْنِ،
فَيَسْتَغْفِرَ لَهُ وَيَسْأَلُ اللَّهَ لَهُ التَّثْبِيتَ وَيَدْعُو لَهُ بِالرَّحْمَةِ.
(وَيُكْرَهُ لِامْرَأَةٍ) اتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ، لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ:«نُهِينَا عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا» أَيْ: لَمْ يُحَتَّمْ عَلَيْنَا تَرْكُ اتِّبَاعِهَا بَلْ نُهِينَا نَهْيَ تَنْزِيهٍ (وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُ الْمُشَاةِ أَمَامَهَا) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَلِأَنَّهُمْ شُفَعَاءُ وَالشَّفِيعُ يَتَقَدَّمُ الْمَشْفُوعَ لَهُ.
(وَلَا يُكْرَهُ) كَوْنُ الْمُشَاةِ (خَلْفَهَا) أَيْ: الْجِنَازَةِ، بَلْ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إنَّهُ أَفْضَلُ لِأَنَّهَا مَتْبُوعَةٌ.
(وَ) لَا يُكْرَهُ أَنْ يَمْشُوا (حَيْثُ شَاءُوا) عَنْ يَمِينِهَا أَوْ يَسَارِهَا، بِحَيْثُ يُعَدُّونَ تَابِعِينَ لَهَا.
(وَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ (الرُّكْبَانُ، وَلَوْ فِي سَفِينَةٍ خَلْفَهَا) لِمَا رَوَى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ مَرْفُوعًا «الرَّاكِبُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَلِأَنَّ سَيْرَهُ أَمَامَهَا يُؤْذِي مُتَّبِعَهَا (فَلَوْ رَكِبَ وَكَانَ أَمَامَهَا) أَيْ: الْجِنَازَةِ (كُرِهَ) قَالَهُ الْمَجْدُ.
قَالَ النَّخَعِيُّ: كَانُوا يَكْرَهُونَهُ رَوَاهُ سَعِيدٌ (وَيُكْرَهُ رَكُوبُ) مُتَّبِعِ الْجِنَازَةِ لِحَدِيثِ ثَوْبَانَ قَالَ «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي جِنَازَةٍ، فَرَأَى نَاسًا رِكَابًا، فَقَالَ: أَلَا تَسْتَحْيُونَ؟ مَلَائِكَةُ اللَّهِ عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَأَنْتُمْ عَلَى ظُهُورِ الدَّوَابِّ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (إلَّا لِحَاجَةٍ) كَمَرَضٍ.
(وَ) إلَّا (لِعَوْدٍ) فَلَا يُكْرَهُ، لِمَا رَوَى جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَبِعَ جِنَازَةَ ابْنِ الدَّحْدَاحِ مَاشِيًا وَرَجَعَ عَلَى فَرَسٍ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ صَحِيحٌ (وَالْقُرْبُ مِنْهَا أَفْضَلُ) مِنْ الْبُعْدِ عَنْهَا (فَإِنْ بَعُدَ) عَنْ الْجِنَازَةِ فَلَا بَأْسَ (أَوْ تَقَدَّمَ) الْجِنَازَةَ (إلَى الْقَبْرِ، فَلَا بَأْسَ) بِذَلِكَ أَيْ: لَا كَرَاهَةَ فِيهِ.
(وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ) الْجِنَازَةَ (إلَى مَوْضِعِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا وَ) يُكْرَهُ (أَنْ تُتْبَعَ) الْجِنَازَةُ (بِنَارٍ) لِلْخَبَرِ قِيلَ: سَبَبُ الْكَرَاهَةِ: كَوْنُهُ شِعَارُ الْجَاهِلِيَّةِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْمَالِكِيِّ: تَفَاؤُلًا بِالنَّارِ (إلَّا لِحَاجَةِ ضَوْءٍ) فَلَا يُكْرَهُ إذَنْ لِلْحَاجَةِ.
(وَأَنْ تُتْبَعَ بِمَاءِ وَرْدٍ وَنَحْوِهِ وَمِثْلُهُ التَّبْخِيرُ عِنْدَ خُرُوجِ رُوحِهِ) يُكْرَهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ وَقَالَهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ.
(وَيُكْرَهُ جُلُوسُ مَنْ تَبِعَهَا) أَيْ: الْجِنَازَةَ (حَتَّى تُوضَعَ بِالْأَرْضِ لِلدَّفْنِ) نَصَّ عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا «إذَا تَبِعْتُمْ الْجَنَائِزَ فَلَا تَجْلِسُوا حَتَّى تُوضَعَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِيهِ «حَتَّى تُوضَعَ بِالْأَرْضِ» (إلَّا لِمَنْ بَعُدَ عَنْهَا) أَيْ: عَنْ الْجِنَازَةِ فَلَا يُكْرَهُ جُلُوسُهُ قَبْلَ " وَضْعِهَا بِالْأَرْضِ، لِمَا فِي انْتِظَارِهِ قَائِمًا مِنْ الْمَشَقَّةِ.
(وَإِنْ جَاءَتْ) الْجِنَازَةُ (وَهُوَ
جَالِسٌ أَوْ مَرَّتْ بِهِ) وَهُوَ جَالِسٌ (كُرِهَ قِيَامُهُ لَهَا) لِحَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ «رَأَيْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَامَ فَقُمْنَا تَبَعًا لَهُ يَعْنِي فِي الْجِنَازَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: «مُرَّ بِجِنَازَةٍ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَامَ الْحَسَنُ وَلَمْ يَقُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ الْحَسَنُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَمَا قَامَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَامَ ثُمَّ قَعَدَ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ (وَكَانَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ إذَا صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ - هُوَ وَلِيُّهَا - لَمْ يَجْلِسْ حَتَّى تُدْفَنَ) نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ.
(وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا بَأْسَ بِقِيَامِهِ عَلَى الْقَبْرِ حَتَّى تُدْفَنَ جَبْرًا وَإِكْرَامًا) وَوَقَفَ عَلِيٌّ عَلَى قَبْرٍ فَقِيلَ لَهُ: " أَلَا تَجْلِسُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: قَلِيلٌ عَلَى أَخِينَا قِيَامُنَا عَلَى قَبْرِهِ " ذَكَرَهُ أَحْمَدُ مُحْتَجًّا بِهِ.
(وَيُكْرَه الصَّوْتُ وَالضَّجَّةُ عِنْدَ رَفْعِهَا) لِأَنَّهُ مُحْدَثٌ (وَكَذَا) رَفْعُ الصَّوْتِ (مَعَهَا) أَيْ: مَعَ الْجِنَازَةِ (وَلَوْ بِقِرَاءَةٍ وَذِكْرٍ)«لِنَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُتْبَعَ الْجِنَازَةُ بِصَوْتٍ أَوْ نَارٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (بَلْ يُسَنُّ) الْقِرَاءَةُ وَالذِّكْرُ (سِرًّا) وَإِلَّا الصَّمْتُ.
(وَيُسَنُّ) لِمُتَّبِعِ الْجِنَازَةِ (أَنْ يَكُونَ مُتَخَشِّعًا مُتَفَكِّرًا فِي مَآلِهِ) أَيْ: أَمْرُهُ الَّذِي يَئُولُ إلَيْهِ وَيَرْجِعُ (مُتَّعِظًا بِالْمَوْتِ وَبِمَا يَصِيرُ إلَيْهِ الْمَيِّتُ) قَالَ سَعِيدُ بْنُ مُعَاذٍ " مَا تَبِعْتُ جِنَازَةً فَحَدَّثْتُ نَفْسِي بِغَيْرِ مَا هُوَ مَفْعُولٌ بِهَا "(وَيُكْرَهُ) لِمُتَّبِعِ الْجِنَازَةِ (التَّبَسُّمُ، وَالضَّحِكُ أَشَدُّ) مِنْهُ (وَالتَّحَدُّثُ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا كَذَا مَسَحَهُ بِيَدَيْهِ أَوْ بِشَيْءٍ عَلَيْهَا تَبَرُّكًا) وَقِيلَ: بِمَنْعِهِ كَالْقَبْرِ وَأَوْلَى.
قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: هُوَ بِدْعَةٌ يُخَافُ مِنْهُ عَلَى الْمَيِّتِ قَالَ وَهُوَ قَبِيحٌ فِي الْحَيَاةِ، فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَفِي الْفُصُولِ: يُكْرَهُ قَالَ: وَلِهَذَا مَنَعَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ مَسِّ الْقَبْرِ، فَكَيْفَ بِالْجَسَدِ؟ وَلِأَنَّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ كَالْحَيَاةِ، ثُمَّ حَالَ الْحَيَاةِ يُكْرَهُ أَنْ يُمَسَّ بَدَنُ الْإِنْسَانِ لِلِاحْتِرَامِ وَغَيْرِهِ سِوَى الْمُصَافَحَةِ وَرَوَى ابْنُ الْخَلَّالِ فِي أَخْلَاقِ أَحْمَدَ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ عَبْدِ الصَّمَدِ الطَّيَالِسِيَّ مَسَحَ يَدَهُ عَلَى أَحْمَدَ، ثُمَّ مَسَحَهَا عَلَى يَدَيْهِ، وَهُوَ يَنْظُرُ فَغَضِبَ شَدِيدًا، وَجَعَلَ يَنْفُضُ يَدَهُ، وَيَقُول عَمَّنْ أَخَذْتُمْ هَذَا؟ وَأَنْكَرَهُ شَدِيدًا.
(وَقَوْلُ الْقَائِلِ مَعَ الْجِنَازَةِ: اسْتَغْفِرُوا لَهُ وَنَحْوُهُ بِدْعَةٌ) عِنْدَ أَحْمَدَ وَكَرِهَهُ (وَحَرَّمَهُ أَبُو حَفْصٍ) نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: مَا يُعْجِبُنِي وَرَوَى سَعِيدٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَا لِقَائِلِ ذَلِكَ: " لَا غَفَرَ اللَّهُ لَكَ ".
(وَيَحْرُمُ أَنْ يَتْبَعَهَا مَعَ مُنْكَرٍ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ إزَالَتِهِ، نَحْوُ طَبْلٍ وَنِيَاحَةٍ وَلَطْمِ نِسْوَةٍ، وَتَصْفِيقٍ، وَرَفْعِ أَصْوَاتِهِنَّ) لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اسْتِمَاعٍ مَحْظُورٍ، وَرُؤْيَتُهُ مَعَ