الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ الْإِحْرَامِ وَالتَّلْبِيَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا]
". (هُوَ) أَيْ: الْإِحْرَامُ لُغَةً: نِيَّةُ الدُّخُولِ فِي التَّحْرِيمِ يُقَالُ: أَشْتَى إذَا دَخَلَ فِي الشِّتَاءِ وَأَرْبَعَ إذَا دَخَلَ فِي الرَّبِيعِ وَشَرْعًا (نِيَّةُ النُّسُكِ) أَيْ: الدُّخُولُ فِيهِ لَا نِيَّته لِيَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرَ (سُمِّيَ) الدُّخُولُ فِي النُّسُكِ (إحْرَامًا لِأَنَّ الْمُحْرِمَ بِإِحْرَامِهِ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ أَشْيَاءَ كَانَتْ مُبَاحَةً لَهُ) مِنْ النِّكَاحِ وَالطِّيبِ وَأَشْيَاءَ مِنْ اللِّبَاسِ وَنَحْوِهَا وَمِنْهُ فِي الصَّلَاةِ " تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ ".
(وَيُسَنُّ لِمُرِيدِهِ) أَيْ: الْإِحْرَامِ (أَنْ يَغْتَسِلَ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَلَوْ حَائِضًا وَنُفَسَاءَ) لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «أَمَرَ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ وَهِيَ نُفَسَاءُ أَنْ تَغْتَسِلَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ «وَأَمَرَ عَائِشَةَ أَنْ تَغْتَسِلَ لِإِهْلَالِ الْحَجِّ وَهِيَ حَائِضٌ» (فَإِنْ رَجَتَا) أَيْ: الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ (الطُّهْرَ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمِيقَاتِ اُسْتُحِبَّ) لَهُمَا (تَأْخِيرُ) الْغُسْلِ (حَتَّى تَطْهُرَا) لِيَكُونَ أَكْمَلَ لَهُمَا.
(وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ تَرْجُو الطُّهْرَ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمِيقَاتِ (اغْتَسَلَتَا) قَبْلَ الطُّهْرِ لِمَا تَقَدَّمَ وَلِأَنَّ مُجَاوَزَةَ الْمِيقَاتِ بِلَا إحْرَامٍ غَيْرُ جَائِزَةٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
(وَيَتَيَمَّمُ عَادِمُ الْمَاءِ) لِإِحْرَامِهِ وَكَذَا الْعَاجِزُ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ كَسَائِرِ مَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْغُسْلُ (وَتَقَدَّمَ) فِي بَابِ الْغُسْلِ.
(وَلَا يَضُرُّ حَدَثُهُ بَعْدَ غُسْلِهِ قَبْلَ إحْرَامِهِ) كَحَدَثِهِ بَعْدَ غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَقَبْلَ صَلَاتِهَا.
(وَ) يُسَنُّ لِمُرِيدِ الْإِحْرَامِ (أَنْ يَتَنَظَّفَ بِإِزَالَةِ الشَّعْرِ مِنْ حَلْقِ الْعَانَةِ وَقَصِّ الشَّارِبِ وَنَتْفِ الْإِبِطِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَقَطْعِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ) لِقَوْلِ إبْرَاهِيمَ " كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ ذَلِكَ ثُمَّ يَلْبَسُونَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِمْ رَوَاهُ سَعِيدٌ؛ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ عِبَادَةٌ سُنَّ فِيهِ ذَلِكَ كَالْجُمُعَةِ وَلِأَنَّ مُدَّتَهُ تَطُولُ.
(وَ) يُسَنُّ لِمُرِيدِ الْإِحْرَامِ (أَنْ يَتَطَيَّبَ وَلَوْ امْرَأَةً فِي بَدَنِهِ سَوَاءٌ كَانَ) الطِّيبُ (مِمَّا تَبْقَى عَيْنُهُ كَالْمِسْكِ أَوْ أَثَرُهُ كَالْعُودِ وَالْبَخُورِ وَمَاءِ الْوَرْدِ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ «كُنْتُ أُطَيِّبَ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَتْ «كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الْمِسْكِ فِي مَفَارِقِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُحْرِمٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَيُسْتَحَبُّ لَهَا) أَيْ: لِلْمَرْأَةِ إذَا أَرَادَتْ الْإِحْرَامَ (خِضَابٌ بِحِنَّاءٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تُدَلِّكَ الْمَرْأَةُ يَدَيْهَا فِي حِنَّاءٍ» وَلِأَنَّهُ مِنْ الزِّينَةِ أَشْبَهَ الطِّيبَ.
(وَيُكْرَهُ تَطْيِيبُهُ)
أَيْ: مُرِيدِ الْإِحْرَامِ (ثَوْبَهُ) وَحَرَّمَهُ الْآجُرِّيُّ (فَ) عَلَى الْأَوَّلِ (إنْ طَيَّبَهُ) أَيْ: طَيَّبَ مُرِيدُ الْإِحْرَامِ ثَوْبَهُ (فَلَهُ اسْتِدَامَتُهُ) أَيْ: اسْتِدَامَةُ لُبْسِهِ (مَا لَمْ يَنْزِعْهُ فَإِنْ نَزَعَهُ فَلَيْسَ لَهُ لُبْسُهُ وَالطِّيبُ فِيهِ) لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَمْنَعُ الطِّيبَ وَلُبْسَ الْمُطَيَّبِ دُونَ الِاسْتِدَامَةِ (فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ: لَبِسَهُ بَعْدَ نَزْعِهِ.
(وَأَثَرُ الطِّيبِ بَاقٍ) لَمْ يَغْسِلْهُ حَتَّى يُذْهِبَ فَدًى لِاسْتِعْمَالِهِ الطِّيبَ (وَإِنْ نَقَلَهُ) أَيْ: الطِّيبَ (مِنْ مَوْضِعٍ مِنْ بَدَنِهِ إلَى مَوْضِعٍ) آخَرَ (أَوْ تَعَمَّدَ مَسَّهُ بِيَدِهِ فَعَلِقَ) الطِّيبُ (بِهَا أَوْ نَحَّاهُ) أَيْ: الطِّيبَ (عَنْ مَوْضِعِهِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ) بَعْدَ إحْرَامِهِ (فَدَى) لِأَنَّهُ ابْتِدَاءٌ لِلطِّيبِ (فَإِنْ ذَابَ) الطِّيبُ (بِالشَّمْسِ أَوْ بِالْعَرَقِ فَسَالَ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ) مِنْ بَدَنِ الْمُحْرِمِ (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ «كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم إلَى مَكَّةَ فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بِالْمِسْكِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَإِذَا عَرِقَتْ إحْدَانَا سَالَ عَلَى وَجْهِهَا فَيَرَاهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَا يَنْهَاهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
(وَيُسَنُّ) لِمَنْ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ (أَنْ يَلْبَسَ ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ) لِحَدِيثِ «خَيْرُ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضُ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ (نَظِيفَيْنِ) لِأَنَّا أَحْبَبْنَا لَهُ التَّنْظِيفَ فِي بَدَنِهِ فَكَذَلِكَ فِي ثِيَابِهِ (إزَارًا وَرِدَاءً جَدِيدَيْنِ أَوْ غَسِيلَيْنِ فَالرِّدَاءُ عَلَى كَتِفِهِ وَالْإِزَارُ عَلَى وَسْطِهِ) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «لِيُحْرِمَ أَحَدُكُمْ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ» قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثَبَتَ ذَلِكَ.
وَفِي تَبْصِرَةِ الْحَلْوَانِيِّ إخْرَاجُ كَتِفِهِ الْأَيْمَنِ مِنْ الرِّدَاءِ أَوْلَى (وَيَجُوزُ) إحْرَامُهُ (فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ) وَفِي التَّبْصِرَةِ: بَعْضُهُ عَلَى عَاتِقِهِ.
(وَيَتَجَرَّدُ) مُرِيدُ الْإِحْرَامِ (عَنْ الْمَخِيطِ) لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَجَرَّدَ لِإِهْلَالِهِ وَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ عَلَى اللُّبْسِ لَكِنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ (وَيَلْبَسُ نَعْلَيْنِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخَبَرِ وَهُمَا التَّاسُومَةُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ لُبْسُ السَّرْمُوزَةِ وَالْجُمْجُمِ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ (إنْ كَانَ) الْمُحْرِمُ (رَجُلًا وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَهَا لُبْسُ الْمَخِيطِ فِي الْإِحْرَامِ) إلَّا الْقُفَّازَيْنِ وَيَأْتِي تَوْضِيحُهُ (وَالْمَخِيطُ: كُلُّ مَا يُخَاطُ عَلَى قَدْرِ الْمَلْبُوسِ عَلَيْهِ كَالْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْبُرْنُسِ) وَالْقَبَاءِ وَكَذَا الدِّرْعُ وَنَحْوُهُ مِمَّا يُصْنَعُ مِنْ لِبَدٍ وَنَحْوِهِ عَلَى قَدْرِ الْمَلْبُوسِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خِيَاطَةٌ (وَلَوْ لَبِسَ إزَارًا مُوصَلًا أَوْ اتَّشَحَ بِثَوْبٍ مَخِيطٍ أَوْ ائْتَزَرَ بِهِ جَازَ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لُبْسًا لِلْمَخِيطِ الْمَصْنُوعِ عَلَى قَدْرِ الْمَلْبُوسِ عَلَيْهِ لِمِثْلِهِ.
(ثُمَّ يُحْرِمُ عَقِبَ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ أَوْ) صَلَاةِ (نَفْلٍ) رَكْعَتَيْنِ (نَدْبًا) نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «أَهَلَّ فِي دُبُرِ صَلَاةٍ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ (وَهُوَ) أَيْ:
إحْرَامُهُ عَقِبَ الصَّلَاةِ (أَوْلَى) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِذَلِكَ خَرَجَ حَاجًّا فَلَمَّا صَلَّى فِي مَسْجِدِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْهُمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُبْدِعِ وَالْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ عَقِبَ صَلَاةِ فَرْضٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ نَفْلًا سَوَاءً.
(وَإِنْ شَاءَ) أَحْرَمَ (إذَا رَكِبَ وَإِنْ شَاءَ) أَحْرَمَ (إذَا سَارَ) قَبْلَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ لِوُرُودِ ذَلِكَ كُلِّهِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم لَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَوْجَبَ الْإِحْرَامَ حِينَ فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمًا أَهَلَّ فَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ قَوْمٌ فَقَالُوا أَحْرَمَ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يُدْرِكُوا إلَّا ذَلِكَ ثُمَّ سَارَ حَتَّى عَلَا عَلَى الْبَيْدَاءِ فَأَهَلَّ فَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ أُنَاسٌ فَقَالُوا أَهَلَّ حِينَ عَلَا الْبَيْدَاءَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْأَثْرَمُ.
(وَلَا يَرْكَعُهُ) أَيْ: النَّفَلَ (وَقْت نَهْي) لِلْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ فِي أَوْقَاتِ النَّهْي (وَلَا مَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ) أَوْ عَجَزَ عَنْ اسْتِعْمَالِهِمَا لِقُرُوحٍ لَا يَسْتَطِيعُ مَعَهَا مَسَّ الْبَشَرَةِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ.
(وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ إلَّا بِالنِّيَّةِ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» وَلِأَنَّهُ عَمَلٌ وَعِبَادَةٌ مَحْضَةٌ فَافْتُقِرَ إلَيْهَا كَصَلَاةٍ (فَهِيَ) أَيْ: النِّيَّةُ (شَرْطٌ فِيهِ) أَيْ: الْإِحْرَامِ كَالنِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ لَكِنْ سَبَقَ لَك أَنَّ الْإِحْرَامَ: هُوَ نِيَّةُ النُّسُكِ فَكَيْفَ يُقَالُ: لَا تَنْعَقِدُ النِّيَّةُ إلَّا بِنِيَّةٍ وَإِنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي النِّيَّةِ مَعَ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّسَلْسُلِ؟ وَأَمَّا التَّجَرُّدِ فَلَيْسَ رُكْنًا وَلَا شَرْطًا فِي النُّسُكِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَمَّا كَانَ التَّجَرُّدُ هَيْئَةً تُجَامِعُ نِيَّةَ النُّسُكِ رُبَّمَا أُطْلِقَ عَلَيْهَا فَاحْتِيجَ إلَى التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْهَيْئَةَ لَيْسَتْ كَافِيَةً بِنَفْسِهَا بَلْ لَا بُدَّ مَعَهَا مِنْ النِّيَّةِ وَإِنَّهَا لَا تَفْتَقِرُ إلَى غَيْرِهَا مِنْ تَلْبِيَةٍ أَوْ سَوْقِ هَدْيٍ كَمَا سَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ.
(وَيُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ بِمَا أَحْرَمَ) بِهِ (فَيَقْصِدُ بِنِيَّتِهِ نُسُكًا مُعَيَّنًا) لِفِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَفِعْلِ مَنْ مَعَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَلِأَنَّ أَحْكَامَ ذَلِكَ تَخْتَلِفُ فَاسْتُحِبَّ تَعْيِينُهُ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ (وَنِيَّةُ النُّسُكِ كَافِيَةٌ فَلَا يُحْتَاجُ مَعَهَا إلَى تَلْبِيَةٍ وَلَا سَوْقِ هَدْيٍ) لِعُمُومِ إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ".
(وَإِنْ لَبَّى أَوْ سَاقَ هَدْيًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لَمْ يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُ) لِلْخَبَرِ (وَلَوْ نَطَقَ بِغَيْرِ مَا نَوَاهُ نَحْوَ أَنْ يَنْوِيَ الْعُمْرَةَ فَيَسْبِقُ لِسَانُهُ إلَى الْحَجِّ أَوْ بِالْعَكْسِ) بِأَنْ يَنْوِيَ الْحَجَّ فَيَسْبِقُ لِسَانُهُ إلَى الْعُمْرَةِ (انْعَقَدَ) إحْرَامُهُ (بِمَا نَوَاهُ دُونَ مَا لَفَظَهُ) لِأَنَّ النِّيَّةَ مَحَلُّهَا الْقَلْبُ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي
الْوُضُوءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعٌ مَنْ يَحْفَظُ عَنْهُ.
(وَيَنْعَقِدُ) إحْرَامُهُ (حَالَ جِمَاعِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِهِ (وَيَبْطُلُ) أَيْ: يَفْسُدُ (إحْرَامُهُ بِهِ) أَيْ: بِالْجِمَاعِ فَيَمْضِي فِي فَاسِدِهِ وَيَقْضِيهِ كَمَا يَأْتِي.
(وَيَخْرُجُ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الْإِحْرَامِ (بِرَدَّةٍ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] .
وَ (لَا) يَخْرُجُ مِنْهُ (بِجُنُونٍ وَإِغْمَاءٍ وَسُكْرٍ وَمَوْتٍ) لِخَبَرِ الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتهُ (وَلَا يَنْعَقِدُ) الْإِحْرَامُ (مَعَ وُجُودِ أَحَدِهَا) أَيْ: الْجُنُونِ أَوْ الْإِغْمَاءِ أَوْ السُّكْرِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلنِّيَّةِ (وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ) مُوَضَّحًا.
(فَإِذَا أَرَادَ الْإِحْرَامَ نَوَى بِقَلْبِهِ قَائِلًا بِلِسَانِهِ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ النُّسُكَ الْفُلَانِيَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي) وَلَمْ يَذْكُرُوا مِثْلَ هَذَا فِي الصَّلَاةِ لِقِصَرِ مُدَّتِهَا وَيُسْرِهَا عَادَةً.
(وَإِنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَمَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي أَوْ فَلِي أَنْ أُحِلَّ وَهَذَا الِاشْتِرَاطُ سُنَّةٌ) فِي قَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَمَّارٍ (وَيُفِيدُ) هَذَا الِاشْتِرَاطُ (إذَا عَاقَهُ عَدُوٌّ أَوْ مَرَضٌ أَوْ ذَهَابُ نَفَقَةٍ أَوْ خَطَأُ طَرِيقٍ وَنَحْوِهِ: أَنَّ لَهُ التَّحَلُّلَ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لِضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ حِينَ قَالَتْ لَهُ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَأَجِدُنِي وَجِعَةً فَقَالَ: حُجِّي وَاشْتَرِطِي وَقُولِي: اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
زَادَ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَةٍ إسْنَادُهَا جَيِّدٌ «فَإِنَّ لَكِ عَلَى رَبِّكِ مَا اسْتَثْنَيْتِ» وَلِقَوْلِ عَائِشَةَ لِعُرْوَةِ " قُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَإِنْ تَيَسَّرَ وَإِلَّا فَعُمْرَةٌ ".
(وَ) يُفِيدُ هَذَا الِاشْتِرَاطُ أَيْضًا (أَنَّهُ مَتَى حَلَّ بِذَلِكَ) أَيْ: سَبَبِ عُذْرٍ مِمَّا تَقَدَّمَ (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ هَدْيٌ فَيَلْزَمُهُ نَحْرُهُ (وَيَأْتِي آخِرَ بَابِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ فَإِنْ اشْتَرَطَ بِمَا يُؤَدِّي مَعْنَى الِاشْتِرَاطِ كَقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ النُّسُكَ الْفُلَانِيَّ إنْ تَيَسَّرَ لِي وَإِلَّا فَلَا حَرَجَ عَلَيَّ جَازَ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْخَبَرِ.
(وَإِنْ قَالَ) فِي إحْرَامِهِ (مَتَى شِئْتُ أَحْلَلْتُهُ أَوْ) إنْ (أَفْسَدْتُ لَمْ أَقْضِهِ لَمْ يَصِحَّ) اشْتِرَاطُهُ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ فِي ذَلِكَ (وَإِنْ نَوَى الِاشْتِرَاطَ وَلَمْ يَتَلَفَّظْ بِهِ لَمْ يُفِدْ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِضُبَاعَةَ) بِضَمِّ الضَّادِ بِنْتِ الزُّبَيْرِ (قُولِي: مَحِلِّي) أَيْ: مَكَان إحْلَالِي (مِنْ الْأَرْضِ حَيْثُ حَبَسْتنِي) وَالْقَوْلُ لَا يَكُونُ إلَّا بِاللِّسَانِ.