الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ مَا يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمَرْأَةِ]
فَصْلٌ وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمَرْأَةِ.
شَابَّةً كَانَتْ أَوْ عَجُوزًا مَسَافَةُ قَصْرٍ، وَدُونَهَا: وُجُودُ مَحْرَمٍ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَلَا يُدْخَلُ عَلَيْهَا إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ فَقَالَ: اُخْرُجْ مَعَهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا مَحْرَمٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِمُسْلِمٍ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا وَلَهُ أَيْضًا " ثَلَاثًا "، وَهَذَا مُخَصِّصٌ لِظَاهِرِ الْآيَةِ؛ وَلِأَنَّهَا أَنْشَأَتْ سَفَرًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَجُزْ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ كَحَجِّ التَّطَوُّعِ وَالزِّيَارَةِ وَالتِّجَارَةِ، (وَكَذَا يُعْتَبَرُ) الْمَحْرَمُ (لِكُلِّ سَفَرٍ يُحْتَاجُ فِيهِ مَحْرَمٌ) أَيْ: لِكُلِّ مَا يُعَدُّ سَفَرًا عُرْفًا، وَ (لَا) يُعْتَبَرُ الْمَحْرَمُ إذَا خَرَجَتْ (فِي أَطْرَافِ الْبَلَدِ مَعَ عَدَمِ الْخَوْف) عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَفَرٍ (وَهُوَ) أَيْ الْمَحْرَمُ (مُعْتَبَرٌ لِمَنْ لِعَوْرَتِهَا حُكْمٌ وَهِيَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ) ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الشَّهْوَةِ بِخِلَافِ مَنْ دُونَهَا.
(قَالَ الشَّيْخُ: وَأَمَّا الْإِمَاءُ فَيُسَافِرْنَ مَعَهَا) تَبَعًا لَهَا (وَلَا يَفْتَقِرْنَ إلَى مَحْرَمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مَحْرَمَ لَهُنَّ فِي الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ انْتَهَى وَيَتَوَجَّهُ فِي عُتَقَائِهَا مِنْ الْإِمَاءِ مِثْلُهُ عَلَى مَا قَالَ) الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مِنْ أَنَّهُ لَا مَحْرَمَ لَهُنَّ فِي الْعَادَةِ وَيُحْتَمَلُ عَكْسُهُ لِانْقِطَاعِ التَّبَعِيَّةِ وَيَمْلِكْنَ أَنْفُسَهُنَّ بِالْعِتْقِ.
(قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ) أَيْ: الْأَصْحَابِ (اعْتِبَارُ الْمَحْرَمِ لِلْكُلِّ) أَيْ: الْأَحْرَارِ وَإِمَائِهِنَّ وَعُتَقَائِهِنَّ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ (وَعَدَمِهِ) أَيْ الْمَحْرَمِ لِلْمَذْكُورَاتِ (كَعَدَمِ الْمَحْرَمِ لِلْحُرَّةِ) الْأَصْلِ فَلَا يُبَاحُ لَهَا السَّفَرُ بِغَيْرِهِ مُطْلَقًا " تَنْبِيهٌ " ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْخُنْثَى كَالرَّجُلِ قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ، (وَالْمَحْرَمُ) هُنَا (زَوْجُهَا) سُمِّيَ مَحْرَمًا مَعَ كَوْنِهَا تَحِلُّ لَهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ صِيَانَتِهَا وَحِفْظِهَا مِنْ إبَاحَةِ الْخَلْوَةِ بِهَا بِسَفَرِهِ مَعَهَا (أَوْ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ بِنَسَبٍ) كَالْأَبِ وَالِابْنِ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَالْخَالِ (أَوْ سَبَبٍ مُبَاحٍ) كَزَوْجِ أُمِّهَا وَابْنِ زَوْجِهَا وَأَبِيهِ وَأَخِيهَا مِنْ رَضَاعٍ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ سَفَرًا يَكُونُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا إلَّا وَمَعَهَا أَبُوهَا أَوْ
ابْنُهَا أَوْ زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ لِحُرْمَتِهَا، لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْ سَبَبٍ مُبَاحٍ نِسَاءُ النَّبِيِّ؛ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُنَّ مُحَرَّمَاتٌ عَلَى غَيْرِهِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَلَسْنَا مَحَارِمُ لَهُنَّ إلَّا مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ نَسَبٌ أَوْ رَضَاعٌ مُحَرِّمٌ أَوْ مُصَاهَرَةٌ كَذَلِكَ، وَحُكْمُهُنَّ وَإِنْ كَانَ انْقَطَعَ بِمَوْتِهِنَّ، لَكِنْ قُصِدَ بَيَانُ خُصُوصِيَّتِهِنَّ وَفَضِيلَتِهِنَّ.
(وَخَرَجَ بِهِ) أَيْ: بِقَوْلِهِ: مُبَاحٌ (أُمُّ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا وَبِنْتُهَا) أَيْ بِنْتُ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا فَلَيْسَ الْوَاطِئُ لَهُنَّ مَحْرَمًا لِعَدَمِ إبَاحَةِ السَّبَبِ، (وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ لِحُرْمَتِهَا: الْمُلَاعَنَةُ فَإِنَّ تَحْرِيمَهَا عَلَيْهِ) أَيْ: الْمَلَاعِنِ (عُقُوبَةً وَتَغْلِيظًا لِحُرْمَتِهَا) فَلَا يَكُونُ الْمَلَاعِنُ مَحْرَمًا لَهَا (إذَا كَانَ ذَكَرًا) .
فَأُمُّ الْمَرْأَةِ وَبِنْتُهَا: لَيْسَتْ مَحْرَمًا لَهَا (بَالِغًا عَاقِلًا مُسْلِمًا) فَمَنْ دُونَ بُلُوغٍ وَالْمَجْنُونُ وَالْكَافِرُ لَيْسَ مَحْرَمًا؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ مِنْ الْحِفْظِ، وَالْكَافِرُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا كَالْحَضَانَةِ وَكَالْمَجُوسِيِّ لِاعْتِقَادِهِ حِلَّهَا وَلَا تُعْتَبَرُ الْحُرِّيَّةُ فَلِهَذَا قَالَ:
(وَلَوْ عَبْدًا) وَهُوَ أَبُوهَا أَوْ أَخُوهَا مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ وَلَدِ زَوْجِهَا أَوْ أَبُوهُ وَنَحْوِهِ (وَنَفَقَتُهُ) أَيْ: الْمَحْرَمِ إذَا سَافَرَ مَعَهَا (عَلَيْهَا) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ سَبِيلِهَا (وَلَوْ كَانَ مَحْرَمُهَا زَوْجَهَا) فَيَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ بِقَدْرِ نَفَقَةِ الْحَضَرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَا زَادَ فَعَلَيْهَا (فَيُعْتَبَرُ أَنْ تَمْلِكَ زَادًا أَوْ رَاحِلَةً لَهُمَا) أَيْ: لَهَا وَلِمَحْرَمِهَا صَالِحَيْنِ لِمِثْلِهِمَا.
(وَلَوْ بَذَلَتْ النَّفَقَةَ) لِمَحْرَمِهَا (لَمْ يَلْزَمْهُ السَّفَرُ مَعَهَا) لِلْمَشَقَّةِ كَحَجَّةٍ عَنْ مَرِيضَةٍ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ الزَّوْجُ بِأَنْ يُسَافِرَ مَعَ زَوْجَتِهِ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ أَمْرٌ بَعْدَ حَظْرٍ أَوْ أَمْرُ تَخْيِيرٍ، وَعُلِمَ صلى الله عليه وسلم مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يُعْجِبُهُ أَنْ يُسَافِرَ مَعَهَا (وَكَانَتْ) مَنْ امْتَنَعَ مَحْرَمُهَا مِنْ السَّفَرِ مَعَهَا (كَمَنْ لَا مَحْرَمَ لَهَا) عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ (وَلَيْسَ الْعَبْدُ مَحْرَمًا لِسَيِّدَتِهِ) نَصًّا (مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا مَالِكَةً لَهُ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«سَفَرُ الْمَرْأَةِ مَعَ عَبْدِهَا ضَيْعَةٌ» ؛ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَيْهَا، وَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ أَبَدًا.
(وَلَوْ جَازَ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا) ؛ لِأَنَّهُ لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ (فَلَوْ حَجَّتْ) الْمَرْأَةُ (بِغَيْرِ مَحْرَمٍ حَرُمَ) عَلَيْهَا ذَلِكَ (وَأَجْزَأَ) هَا الْحَجُّ وِفَاقًا، كَمَنْ حَجَّ وَقَدْ تَرَكَ حَقًّا يَلْزَمُهُ مِنْ دَيْنٍ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا الْعُمْرَةُ.
(وَيَصِحُّ) الْحَجُّ (مِنْ مَغْصُوبٍ وَ) مِنْ (أَجِيرِ خِدْمَةٍ بِأُجْرَةٍ أَوْ لَا وَمِنْ تَاجِرٍ) وَقَاصِدٍ رُؤْيَةَ الْبِلَادِ النَّائِيَةِ أَوْ النُّزْهَةَ وَنَحْوِهِ (وَيَأْتِي وَلَا إثْمَ) عَلَيْهِ قَالَ تَعَالَى {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] .
(وَالثَّوَابُ بِحَسَبِ الْإِخْلَاصِ) فِي الْعَمَلِ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (وَإِنْ مَاتَ الْمَحْرَمُ قَبْلَ خُرُوجِهَا) لِلسَّفَرِ (لَمْ تَخْرُجْ) بِلَا مَحْرَمٍ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ السَّفَرِ بِلَا مَحْرَمٍ.
(وَ) إنْ مَاتَ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ خُرُوجِهَا (فَإِنْ كَانَ) مَاتَ (قَرِيبًا رَجَعَتْ) ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْحَاضِرَةِ، (وَإِنْ كَانَ) مَاتَ (بَعِيدًا مَضَتْ) فِي سَفَرِهَا لِلْحَجِّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَفِيدُ بِالرُّجُوعِ شَيْئًا لِكَوْنِهَا بِغَيْرِ مَحْرَمٍ.
(وَلَوْ مَعَ إمْكَانِ إقَامَتِهَا بِبَلَدٍ) ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى الرُّجُوعِ (وَلَمْ تَصِرْ مُحْصَرَةً) ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَفِيدُ بِالتَّحَلُّلِ زَوَالَ مَا بِهَا كَالْمَرِيضِ، (لَكِنْ إنْ كَانَ حَجُّهَا تَطَوُّعًا وَأَمْكَنَهَا الْإِقَامَةُ بِبَلَدٍ فَهُوَ أَوْلَى) مِنْ السَّفَرِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ.
(وَإِنْ كَانَ الْمَحْرَمُ الْمَيِّتُ زَوْجُهَا فَيَأْتِي لَهُ تَتِمَّةٌ فِي الْعِدَدِ) مُفَصَّلًا.
(وَمَنْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ أَوْ) عَلَيْهِ حَجَّةُ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ فَقَالَ: حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟ قَالَ: لَا قَالَ: حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ» احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَصَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ؛ وَلِأَنَّهُ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ قَبْلَ حَجِّهِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ كَانَ صَبِيًّا، (وَلَا نَذْرُهُ وَلَا نَافِلَتُهُ) أَيْ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ بِنَذْرٍ وَلَا نَافِلَةٍ مَنْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ.
(فَإِنْ فَعَلَ) بِأَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ أَوْ أَحْرَمَ بِنَذْرٍ أَوْ نَافِلَةٍ إذَنْ (انْصَرَفَ إلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ) فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا؛ لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ: «هَذِهِ عَنْك وَحُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ» ، وَقَوْلُهُ:" أَوَّلًا حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ " أَيْ: اسْتَدِمْهُ كَقَوْلِك لِلْمُؤْمِنِ: آمِنٌ؛ وَلِأَنَّ نِيَّةَ التَّعْيِينِ مُلْغَاةٌ فَيَصِيرُ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا، وَقَوْلُهُ: صلى الله عليه وسلم «اجْعَلْ هَذِهِ عَنْ نَفْسِكَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَجَابَ الْقَاضِي عَنْهُ بِأَنَّهُ أَرَادَ التَّلْبِيَةَ لِقَوْلِهِ: " هَذِهِ عَنْك " وَلَمْ يَجُزْ فَسْخُ حَجٍّ إلَى حَجٍّ، وَرَدَّ النَّائِبُ (مَا أَخَذَ) مِنْ غَيْرِهِ لِيَحُجَّ عَنْهُ لِعَدَمِ إجْزَاءِ حَجِّهِ عَنْهُ وَوُقُوعِهِ عَنْ نَفْسِهِ.
(وَالْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ فِي ذَلِكَ) فَمَنْ عَلَيْهِ عُمْرَةُ الْإِسْلَامِ أَوْ قَضَاءٌ أَوْ نَذْرٌ لَمْ يَجُزْ وَلَمْ يَصِحَّ أَنْ يَعْتَمِرَ عَنْ غَيْرِهِ وَلَا نَذْرِهِ وَلَا نَافِلَتِهِ.
(وَمَنْ أَتَى بِوَاجِبِ أَحَدِهِمَا) بِأَنْ يَأْتِيَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَوْ عُمْرَتِهِ (فَلَهُ فِعْلُ نَذْرِهِ وَنَفْلِهِ) أَيْ: مَا أَتَى بِوَاجِبِهِ قَبْلَ الْآخَرِ، فَمَنْ حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لَهُ أَنْ يَحُجَّ نَذْرًا وَنَفْلًا قَبْلَ أَنْ يَعْتَمِرَ، وَمَنْ اعْتَمَرَ عُمْرَةَ الْإِسْلَامِ فَلَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ نَذْرًا
وَنَفْلًا قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ (وَحُكْمُ النَّائِبِ كَالْمَنُوبِ عَنْهُ) فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُهُ (فَلَوْ أَحْرَمَ بِنَذْرٍ أَوْ نَفْلٍ عَمَّنْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، وَقَعَ) إحْرَامُهُ عَنْهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ حَجَّةُ قَضَاءٍ أَوْ حَجَّةُ نَذْرٍ وَأَحْرَمَ بِنَفْلٍ.
(وَلَوْ اسْتَنَابَ عَنْهُ) الْمَعْضُوبُ (أَوْ) اسْتَنَابَ وَارِثٌ (عَنْ مَيِّتٍ وَاحِدٍ فِي فَرْضِهِ وَآخَرُ فِي نَذْرِهِ فِي سَنَةٍ) وَاحِدَةٍ جَازَ، وَزَعَمَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ التَّأْخِيرِ لِوُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ، (وَيُحْرِمُ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْأُخْرَى، وَأَيُّهُمَا أَحْرَمَ أَوَّلًا فَعَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ) أَحْرَمَ (الْآخَرُ عَنْ نَذْرِهِ وَلَوْ لَمْ يَنْوِهِ) أَيْ: يَنْوِ الثَّانِي أَنَّهَا عَنْ النَّذْرِ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ التَّعْيِينِ فِي الْحَجِّ لِانْعِقَادِهِ مُبْهَمًا ثُمَّ يُعَيِّنُ.
(وَيَصِحُّ أَنْ يَنُوبَ الرَّجُلُ عَنْ الْمَرْأَةِ وَ) أَنْ تَنُوبَ (الْمَرْأَةُ عَنْ الرَّجُلِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ) بِلَا كَرَاهَةٍ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَأَنْ يَنُوبَ فِي الْحَجِّ مَنْ أَسْقَطَهُ عَنْ نَفْسِهِ) بِأَنْ حَجَّ (مَعَ بَقَاءِ الْعُمْرَةِ فِي ذِمَّتِهِ وَأَنْ يَنُوبَ فِي الْعُمْرَةِ مَنْ أَسْقَطَهَا عَنْ نَفْسِهِ مَعَ بَقَاءِ الْحَجِّ فِي ذِمَّتِهِ) ؛ لِأَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ.
(وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَنُوبَ فِي نُسُكٍ مَنْ لَمْ يَكُنْ أَسْقَطَهُ عَنْ نَفْسِهِ) كَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَعْتَمِرْ كَذَلِكَ.
(وَيَصِحُّ الِاسْتِنَابَةُ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ وَفِي بَعْضِهِ لِقَادِرٍ) عَلَى الْحَجِّ وَغَيْرِهِ كَالصَّدَقَةِ؛ وَلِأَنَّهَا حَجَّةٌ لَا تَلْزَمُهُ بِنَفْسِهِ فَجَازَ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهَا كَالْمَعْضُوبِ.
(وَمَنْ أَوْقَعَ) نُسُكًا (فَرْضًا أَوْ نَفْلًا عَنْ حَيٍّ بِلَا إذْنِهِ أَوْ) أَوْقَعَ نُسُكًا (لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ كَأَمْرِهِ بِحَجٍّ فَيَعْتَمِرُ، وَعَكْسُهُ) بِأَنْ يُؤْمَرَ بِالِاعْتِمَارِ فَيَحُجُّ (لَمْ يَجُزْ) عَنْ الْحَيِّ (كَزَكَاةٍ) أَيْ: كَإِخْرَاجِ زَكَاةِ حَيٍّ بِلَا إذْنِهِ، (وَيَرُدُّ) الْمَأْمُورُ الْمُخَالِفُ فِيمَا تَقَدَّمَ (مَا أَخَذَهُ) مِنْ الْآمِرِ؛ لِعَدَمِ فِعْلِهِ مَا أَخَذَ الْعِوَضَ لِأَجْلِهِ.
(وَيَقَعُ) الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ (عَنْ الْمَيِّتِ وَلَا إذْنَ لَهُ) وَلَا لِوَارِثِهِ (كَالصَّدَقَةِ) عَنْهُ؛ وَلِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَشْبِيهِهِ صلى الله عليه وسلم لَهُ بِالدَّيْنِ.
(وَيَتَعَيَّنُ النَّائِبُ بِتَعْيِينِ وَصِيٍّ جُعِلَ إلَيْهِ التَّعْيِينُ) لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُوصِي، (فَإِنْ أَبَى) الْوَصِيُّ التَّعْيِينَ عَيَّنَ غَيْرَهُ كَوَارِثٍ أَوْ حَاكِمٍ، وَكَذَا لَوْ أَبَى مُوصًى إلَيْهِ بِحَجٍّ عَيَّنَ غَيْرَهُ لِسُقُوطِ حَقِّهِ بِإِبَائِهِ، (وَيَكْفِي النَّائِبُ أَنْ يَنْوِيَ النُّسُكَ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ) لَهُ، (وَلَا تُعْتَبَرُ تَسْمِيَتُهُ لَفْظًا نَصًّا وَإِنْ جَهِلَ) النَّائِبُ (اسْمَهُ أَوْ نَسِيَهُ لَبَّى عَمَّنْ سَلَّمَ إلَيْهِ الْمَالَ لِيَحُجَّ بِهِ عَنْهُ) لِحُصُولِ التَّمْيِيزِ بِذَلِكَ.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَحُجَّ عَنْ أَبَوَيْهِ إنْ كَانَا مَيِّتَيْنِ أَوْ عَاجِزَيْنِ، زَادَ بَعْضُهُمْ إنْ لَمْ يَحُجَّا وَيُقَدِّمُ أُمَّهُ؛ لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِالْبِرِّ، وَيُقَدِّمُ وَاجِبَ أَبِيهِ عَلَى فِعْلِهَا) لِإِبْرَاءِ ذِمَّتِهِ نَصَّ عَلَيْهِمَا وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ مَرْفُوعًا «إذَا حَجَّ الرَّجُلُ عَنْهُ وَعَنْ وَالِدِيهِ
يُقْبَلُ عَنْهُ وَعَنْهُمَا وَاسْتَبْشَرَتْ أَرْوَاحُهُمَا فِي السَّمَاءِ، وَكُتِبَ عِنْدَ اللَّهِ بَرًّا» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَفِي إسْنَادِهِ أَبُو أُمَيَّةَ الطَّرَسُوسِيُّ وَأَبُو سَعِيدٍ الْبَقَّالُ: ضَعِيفَانِ.
، وَعَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا:«مَنْ حَجَّ عَنْ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ فَقَدْ قَضَى عَنْهُ حَجَّتَهُ وَكَانَ لَهُ فَضْلُ عَشْرِ حِجَجٍ» ضَعِيفٌ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ ".
تَتِمَّةٌ " النَّائِبُ أَمِينٌ فِيمَا أُعْطِيَهُ لِيَحُجَّ مِنْهُ فَيَرْكَبُ وَيُنْفِقُ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَضْمَنُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَيَرُدُّ مَا فَضَلَ وَتُحْسَبُ لَهُ نَفَقَةُ رُجُوعِهِ، وَلَوْ طَالَتْ إقَامَتُهُ بِمَكَّةَ مَا لَمْ يَتَّخِذْهَا دَارًا فَإِنْ اتَّخَذَهَا دَارًا وَلَوْ سَاعَةً فَلَا نَفَقَةَ لِرُجُوعِهِ، وَلَهُ أَيْضًا نَفَقَةُ خَادِمِهِ إنْ لَمْ يَخْدُمْ نَفْسَهُ مِثْلُهُ بِمَا اسْتَدَانَهُ لِعُذْرٍ وَبِمَا أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ بِنِيَّةِ رُجُوعِهِ وَمَا لَزِمَهُ بِمُخَالَفَتِهِ فَمِنْهُ، وَلَوْ مَاتَ أَوْ أَحُصِرَ أَوْ مَرِضَ أَوْ ضَلَّ الطَّرِيقَ لَمْ يَلْزَمْهُ الضَّمَانُ لِمَا أَنْفَقَ نَصًّا.
وَدَمُ الْإِحْصَارِ عَلَى الْمُسْتَنِيبِ وَإِنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَيَرُدُّ مَا أَخَذَهُ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ لَمْ يَقَعْ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ وَكَذَا إنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِتَفْرِيطِهِ، وَإِلَّا اُحْتُسِبَ لَهُ بِالنَّفَقَةِ، وَإِنْ مَرِضَ فِي الطَّرِيقِ فَعَادَ فَلَهُ نَفَقَةُ رُجُوعِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ وَلَا تَفْرِيطَ بِخِلَافِ مَا لَوْ خَافَ الْمَرَضَ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَهِّمٌ وَدَمُ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ عَلَى الْمُسْتَنِيبِ إنْ أَذِنَ فِيهِمَا وَإِلَّا فَعَلَى النَّائِبِ كَجِنَايَتِهِ، وَإِذَا أَمَرَهُ بِحَجٍّ فَتَمَتَّعَ أَوْ اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ ثُمَّ حَجَّ فَإِنْ خَرَجَ إلَى الْمِيقَاتِ فَأَحْرَمَ مِنْهُ بِالْحَجِّ جَازَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ نَصًّا، وَإِنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ مِيقَاتِهِ وَيَرُدُّ مِنْ النَّفَقَةِ بِقَدْرِ مَا تَرَكَ مِنْ إحْرَامِ الْحَجِّ فِيمَا بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَمَكَّةَ.
وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَقَعُ فِعْلُهُ عَنْ الْأَمْرِ، وَيَرُدُّ جَمِيعَ النَّفَقَةِ، وَإِنْ أُمِرَ بِالْإِفْرَادِ فَقَرَنَ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا، وَيَرُدُّ مِنْ النَّفَقَةِ بِقَدْرِ الْعُمْرَةِ إنْ أَمَرَهُ بِهَا وَلَمْ يَفْعَلْ.
وَإِنْ أَمَرَهُ بِالتَّمَتُّعِ فَقَرَنَ وَقَعَ عَنْ الْأَمْرِ وَلَا يَرُدُّ شَيْئًا مِنْ النَّفَقَةِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ.
وَقَالَ الْقَاضِي: يَرُدُّ نِصْفَ النَّفَقَةِ وَإِنْ أَفْرَدَ: وَقَعَ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ أَيْضًا، وَيَرُدُّ نِصْفَ النَّفَقَةِ وَإِنْ أَمَرَهُ بِالْقِرَانِ فَأَفْرَدَ أَوْ تَمَتَّعَ صَحَّ وَوَقَعَا عَنْ الْآمِرِ، وَيَرُدُّ مِنْ النَّفَقَةِ بِقَدْرِ مَا تَرَكَ مِنْ إحْرَامِ النُّسُكِ الَّذِي تَرَكَهُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ إذَا أَمَرَهُ بِالنُّسُكَيْنِ فَفَعَلَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ رَدَّ مِنْ النَّفَقَةِ بِقَدْرِ مَا تَرَكَ وَوَقَعَ الْمَفْعُولُ عَنْ الْآمِرِ لِلنَّائِبِ مِنْ النَّفَقَةِ بِقَدْرِهِ، قَالَهُ فِي الشَّرْحِ مُلَخَّصًا.