الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى (وَالْحُكْمُ فِي الْقَضَاءِ وَالْهَدْيِ كَمَا تَقَدَّمَ) تَفْصِيلُهُ.
(وَيَقْضِي عَبْدٌ) مُكَلَّفٌ حَيْثُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِأَنْ كَانَ نَذْرًا أَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ (فِي رِقِّهِ كَحُرٍّ) ؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِأَدَاءِ الْوَاجِبِ (وَصَغِيرٌ) فِي فَوَاتٍ وَإِحْصَارٍ (كَبَالِغٍ وَلَا يَصِحُّ) قَضَاؤُهُ حَيْثُ وَجَبَ (إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ) كَمَا لَوْ أَفْسَدَ نُسُكَهُ بِالْوَطْءِ.
(وَلَوْ أُحْصِرَ فِي حَجٍّ فَاسِدٍ فَلَهُ التَّحَلُّلُ) مِنْهُ بِذَبْحِ الْهَدْيِ إنْ وَجَدَهُ أَوْ الصَّوْمُ إنْ عَدِمَهُ كَالصَّحِيحِ (فَإِنْ حَلَّ) مِنْ الْحَجِّ الْفَاسِدِ (ثُمَّ زَالَ الْحَصْرُ وَفِي الْوَقْتِ سَعَةٌ) لِلْقَضَاءِ (فَلَهُ أَنْ يَقْضِيَ فِي ذَلِكَ الْعَامِ) ذَكَرَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَغَيْرِهِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ: يَجِبُ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنَّمَا قَالُوهُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَنْعِ وَلَيْسَ يُتَصَوَّرُ الْقَضَاءُ فِي الْعَامِ الَّذِي أَفْسَدَ فِيهِ الْحَجَّ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَجَمَاعَةٌ وَلَا يَصِحُّ مِمَّنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ ثُمَّ طَافَ وَسَعَى وَرَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَحَلَقَ فِي نِصْفِ اللَّيْلِ الثَّانِي أَنْ يُحْرِمَ بِحَجَّةٍ أُخْرَى وَيَقِفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ رَمْيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عَمَلٌ وَاجِبٌ بِالْإِحْرَامِ السَّابِقِ فَلَا يَجُوزُ مَعَ بَقَائِهِ أَنْ يُحْرِمَ بِغَيْرِهِ هَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي وَسَلِمَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حِجَّتَيْنِ فِي عَامٍ.
(وَمَنْ شَرَطَ فِي ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ أَنْ يَحِلَّ مَتَى مَرِضَ، أَوْ ضَاعَتْ نَفَقَتُهُ، أَوْ نَفِدَتْ وَنَحْوه) كَمَتَى ضَلَّ الطَّرِيقَ (أَوْ قَالَ: إنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَمَحِلِّي حَيْثُ حَبَسَتْنِي فَلَهُ التَّحَلُّلُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ) لِحَدِيثِ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ السَّابِقِ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «فَإِنَّ لَكِ عَلَى رَبِّكِ مَا اشْتَرَطْتِ» ؛ وَلِأَنَّ لِلشَّرْطِ تَأْثِيرًا فِي الْعِبَادَاتِ بِدَلِيلِ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي صُمْتُ شَهْرًا وَنَحْوَهُ.
(وَلَيْسَ عَلَيْهِ هَدْيٌ وَلَا صَوْمٌ وَلَا قَضَاءٌ وَلَا غَيْرُهُ) لِظَاهِرِ حَدِيثِ ضُبَاعَةَ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ شَرْطًا كَانَ إحْرَامُهُ الَّذِي فَعَلَهُ إلَى حِينِ وُجُودِ الشَّرْطِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَكْمَلَ أَفْعَالَ الْحَجِّ (وَلَهُ الْبَقَاءُ عَلَى إحْرَامِهِ) حَتَّى يَزُولَ عُذْرُهُ وَيُتِمَّ نُسُكَهُ (فَإِنْ قَالَ إنْ مَرِضْتُ وَنَحْوَهُ، فَأَنَا حَلَالٌ فَمَتَى وُجِدَ الشَّرْطُ حَلَّ بِوُجُودِهِ) ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ صَحِيحٌ فَكَانَ عَلَى مَا شَرَطَ.
[بَابٌ الْهَدْيُ وَالْأَضَاحِيُّ وَالْعَقِيقَةُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]
(بَابٌ الْهَدْيُ وَالْأَضَاحِيّ وَالْعَقِيقَةُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا)(الْهَدْيُ) أَصْلُهُ: التَّشْدِيدُ، مِنْ هَدَيْتُ الشَّيْء أَهْدِيه وَيُقَالُ أَيْضًا: أَهْدَيْتُ
الْهَدْيَ إهْدَاءً وَهُوَ (مَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ مِنْ النَّعَمِ وَغَيْرِهَا) .
وَقَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: مَا يُذْبَحُ بِمِنًى سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُهْدَى لِلَّهِ تَعَالَى (وَالْأُضْحِيَّةُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا وَيُقَالُ: ضَحِيَّةٌ كَسَرِيَّةٍ وَالْجَمْعُ ضَحَايَا وَيُقَالُ أَضْحَاهُ وَالْجَمْعُ أَضْحَى كَأَرْطَاةَ وَأَرْطَى نَقَلَهُ الْجَوْهَرِيُّ عَنْ الْأَزْهَرِيِّ وَهِيَ (مَا يُذْبَحُ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) أَيْ: الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الْأَهْلِيَّةِ (أَيَّامَ النَّحْرِ) الثَّلَاثَةِ وَلَيْلَتَيْ يَوْمَيْ التَّشْرِيقِ عَلَى مَا يَأْتِي (بِسَبَبِ الْعِيدِ) بِخِلَافِ مَا يُذْبَحُ بِسَبَبِ نُسُكٍ أَوْ إحْرَامٍ (تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُهَا) احْتِرَازًا عَمَّا يُذْبَحُ لِلْبَيْعِ وَنَحْوِهِ.
(يُسَنُّ لِمَنْ أَتَى مَكَّةَ أَنْ يَهْدِيَ هَدْيًا) لِفِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ جَابِرٌ «فِي صِفَةِ حَجِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ وَاَلَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِائَةً» وَقَدْ «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَبْعَثُ بِالْهَدْيِ إلَى مَكَّةَ وَيُقِيمُ هُوَ بِالْمَدِينَةِ» .
(وَالْأَفْضَلُ فِيهِمَا) أَيْ: فِي الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ (إبِلٌ، ثُمَّ بَقَرٌ إنْ أَخْرَجَ كَامِلًا، ثُمَّ غَنَمٌ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ «رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ؛ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَمْلَحَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ؛ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الْبُدْنَ أَكْثَرُ ثَمَنًا وَلَحْمًا وَأَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ وَسُئِلَ صلى الله عليه وسلم «أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: أَغْلَاهَا ثَمَنًا وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا» وَالْإِبِلُ أَغْلَى ثَمَنًا وَأَنْفَسُ مِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ (ثُمَّ شِرْكُ) سَبْعٍ فَأَكْثَرَ (فِي بَدَنَةٍ، ثُمَّ شِرْكٌ فِي بَقَرَةٍ) ؛ لِأَنَّ إرَاقَةَ الدَّمِ مَقْصُودَةٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ.
وَالْمُنْفَرِدُ تَقَرَّبَ بِإِرَاقَتِهِ كُلِّهِ (وَلَا يُجْزِئ فِي الْأُضْحِيَّةِ الْوَحْشِيُّ) إذْ لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِهِ، مَعَ الْوُرُودِ (وَلَا) يُجْزِئُ أَيْضًا فِي الْأُضْحِيَّةِ مَنْ (أَحَدُ أَبَوَيْهِ وَحْشِيٌّ) تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْمَنْعِ (وَأَفْضَلُهَا) أَيْ: الْأَجْنَاسِ، أَيْ: أَفْضَلُ كُلِّ جِنْسٍ (أَسْمَنُ، ثُمَّ أَغْلَى ثَمَنًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " تَعْظِيمُهَا اسْتِسْمَانُهَا وَاسْتِحْسَانُهَا " وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَعْظَمُ لِأَجْرِهَا وَأَكْثَرُ لِنَفْعِهَا.
(وَذَكَرٌ وَأُنْثَى سَوَاءٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 34]
وقَوْله تَعَالَى {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} [الحج: 36] وَلَمْ يَقُلْ ذَكَرًا وَلَا أُنْثَى وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «أَهْدَى جَمَلًا كَانَ لِأَبِي جَهْلٍ فِي أَنْفِهِ بَرَّةٌ مِنْ فِضَّةٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ قَالَ أَحْمَدُ الْخَصِيُّ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ النَّعْجَةِ؛ لِأَنَّ لَحْمَهُ أَوْفَرُ وَأَطْيَبُ.
وَقَالَ الْمُوَفَّقُ: الْكَبْشُ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَفْضَلُ النَّعَمِ؛ لِأَنَّهَا أُضْحِيَّةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (وَأَقْرَنُ أَفْضَلُ) ؛ لِأَنَّهُ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ " (وَيُسَنُّ اسْتِسْمَانُهَا وَاسْتِحْسَانُهَا) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32](وَأَفْضَلُهَا لَوْنًا الْأَشْهَبُ، وَهُوَ الْأَمْلَحُ، وَهُوَ الْأَبْيَضُ) النَّقِيُّ الْبَيَاضِ قَالَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ (أَوْ مَا بَيَاضُهُ أَكْثَرُ مِنْ سَوَادِهِ قَالَهُ الْكِسَائِيُّ) لِمَا رُوِيَ عَنْ مَوْلَاةِ ابْنِ وَرَقَةَ بْنِ سَعِيدٍ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «دَمُ عَفْرَاءَ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ مِنْ دَمِ سَوْدَاوَيْنِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ بِمَعْنَاهُ،.
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ " دَمُ بَيْضَاءَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ دَمِ سَوْدَاوَيْنِ "؛ وَلِأَنَّهُ لَوْنُ أُضْحِيَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (ثُمَّ أَصْفَرُ ثُمَّ أَسْوَدُ) يَعْنِي أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ أَحْسَنَ لَوْنًا فَهُوَ أَفْضَلُ.
(قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ يُعْجِبُنِي الْبَيَاضُ وَ) قَالَ: (أَكْرَهَ السَّوَادَ) .
(وَلَا يُجْزِئُ) فِي الْأُضْحِيَّةِ وَكَذَا دَمِ تَمَتُّعٍ وَنَحْوِهِ (إلَّا الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ وَهُوَ مَا لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ) وَيَدُلُّ لِإِجْزَائِهِ: مَا رَوَتْ أُمُّ بِلَالٍ بِنْتِ هِلَالٍ عَنْ أَبِيهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «يُجْزِئُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ أُضْحِيَّةً» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْهَدْيُ مِثْلُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ جَذَعِ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ: أَنَّ جَذَعَ الضَّأْنِ يَنْزَوِ فَيُلَقِّحَ، بِخِلَافِ الْجَذَعِ مِنْ الْمَعْزِ قَالَهُ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ وَيُعْرَفُ كَوْنُهُ قَدْ أَجَذَعَ بِنَوْمِ الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِهِ قَالَ الْخِرَقِيُّ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ سَأَلْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، كَيْفَ تَعْرِفُونَ الضَّأْنَ إذَا أَجْذَعَ؟ قَالُوا: لَا تَزَالُ الصُّوفَةُ قَائِمَةً عَلَى ظَهْرِهِ مَا دَامَ حَمَلًا فَإِذَا نَامَتْ الصُّوفَةُ عَلَى ظَهْرِهِ عُلِمَ أَنَّهُ أَجَذَعُ.
(وَ) لَا (يُجْزِئُ إلَّا الثَّنِيُّ مِمَّا سِوَاهُ) أَيْ: الضَّأْنِ (فَثَنِيُّ الْإِبِلِ: مَا كَمُلَ لَهُ خَمْسُ سِنِينَ) قَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَأَبُو زَيْدٍ الْكِلَابِيُّ وَأَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ: إذَا مَضَتْ السَّنَةُ الْخَامِسَةُ عَلَى الْبَعِيرِ وَدَخَلَ فِي السَّادِسَةِ وَأَلْقَى ثَنِيَّتَهُ فَهُوَ حِينَئِذٍ ثَنِيٌّ، وَنَرَى أَنَّهُ إنَّمَا سُمِّيَ
ثَنِيًّا؛ لِأَنَّهُ أَلْقَى ثَنِيَّتَهُ (وَ) ثَنِيُّ (بَقَرٍ) مَا لَهُ (سَنَتَانِ) كَامِلَتَانِ.
(وَ) ثَنِيُّ (مَعْزٍ) مَا لَهُ (سَنَةٌ) كَامِلَةٌ؛ لِحَدِيثِ «لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً، فَإِنْ عَسُرَ عَلَيْكُمْ فَاذْبَحُوا الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ» ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يُلَقِّحُ (وَيُجْزِئُ أَعْلَى سِنًّا مِمَّا ذُكِرَ) ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى وَالْحَصْرُ فِيمَا تَقَدَّمَ إضَافِيٌّ، فَالْمَعْنَى: لَا يُجْزِئُ أَدْوَنُ مِمَّا تَقَدَّمَ.
(وَجَذَعُ ضَأْنٍ أَفْضَلُ مِنْ ثَنِيِّ مَعْزٍ) قَالَ أَحْمَدُ لَا تُعْجِبُنِي الْأُضْحِيَّةَ إلَّا الضَّأْنَ؛ وَلِأَنَّ جَذَعَ الضَّأْنِ أَطْيَبُ لَحْمًا مِنْ ثَنِيِّ الْمَعْزِ.
(وَكُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ: مِنْ جَذَعِ الضَّأْنِ وَثَنِيِّ الْمَعْزِ (أَفْضَلُ مِنْ سُبُعِ بَدَنَةٍ أَوْ) سُبُعِ (بَقَرَةٍ) لِمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إرَاقَةُ الدَّمِ (وَسُبُعِ شَاةٍ أَفْضَلُ مِنْ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ، وَزِيَادَةُ عَدَدٍ فِي جِنْسٍ أَفْضَلُ مِنْ الْمُغَالَاةِ مَعَ عَدَمِهِ) أَيْ: عَدَمِ التَّعَدُّدِ (فَبَدَنَتَانِ) سَمِينَتَانِ (بِتِسْعَةٍ، أَفْضَلُ مِنْ بَدَنَةٍ بِعَشْرَةٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ كَثْرَةِ إرَاقَةِ الدَّمِ (وَرَجَّحَ الشَّيْخُ الْبَدَنَةَ) الَّتِي بِعَشَرَةٍ عَلَى الْبَدَنَتَيْنِ بِتِسْعَةٍ؛ لِأَنَّهَا أَنْفَسُ.
(وَالْخَصِيّ رَاجِحٌ عَلَى النَّعْجَةِ) ؛ لِأَنَّ لَحْمَهُ أَوْفَرُ وَأَطْيَبُ (وَرَجَّحَ الْمُوَفَّقُ الْكَبْشَ) فِي الْأُضْحِيَّةِ (عَلَى سَائِرِ النَّعَمِ) ؛ لِأَنَّهُ أُضْحِيَّةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
(وَتُجْزِئُ الشَّاةُ عَنْ وَاحِدٍ وَنَصَّ) الْإِمَامُ (وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَعِيَالِهِ، مِثْلُ امْرَأَتِهِ وَأَوْلَادِهِ وَمَمَالِيكِهِ) قَالَ صَالِحٌ: قُلْتُ لِأَبِي يُضَحَّى بِالشَّاةِ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ؟ قَالَ: نَعَمْ لَا بَأْسَ «قَدْ ذَبَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَبْشَيْنِ فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَقَرَّبَ الْآخَرَ. وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ عَمَّنْ وَحَّدَكَ مِنْ أُمَّتِي» وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا: مَا رَوَى أَبُو أَيُّوبَ قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ» قَالَ فِي الشَّرْحِ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
(وَ) تُجْزِئُ كُلٌّ مِنْ (الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ عَنْ سَبْعَةٍ) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ «نَحَرْنَا بِالْحُدَيْبِيَةِ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ» .
وَفِي لَفْظٍ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ (فَأَقَلَّ) أَيْ: وَتُجْزِئُ الْبَدَنَةُ وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
(قَالَ الزَّرْكَشِيّ: الِاعْتِبَارُ) أَيْ: فِي إجْزَاءِ الْبَدَنَةِ أَوْ الْبَقَرَةِ عَنْ سَبْعَةٍ فَأَقَلَّ (أَنْ يَشْتَرِكَ الْجَمِيعُ) أَيْ: فِي الْبَدَنَةِ أَوْ الْبَقَرَةِ (دَفْعَةً، فَلَوْ اشْتَرَكَ ثَلَاثَةٌ فِي) بَدَنَةٍ أَوْ (بَقَرَةٍ أُضْحِيَّةً وَقَالُوا: مَنْ جَاءَ يُرِيدُ أُضْحِيَّةً شَارَكْنَاهُ فَجَاءَ قَوْمٌ فَشَارَكُوهُمْ
لَمْ تُجْزِ) الْبَدَنَةُ أَوْ الْبَقَرَةُ (إلَّا عَنْ الثَّلَاثَةِ قَالَهُ الشِّيرَازِيُّ: انْتَهَى وَالْمُرَادُ: إذَا أَوْجَبُوهَا) أَيْ: الثَّلَاثَةُ (عَلَى أَنْفُسِهِمْ نَصَّ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا لَمْ يُوجِبُوهَا فَلَا مَانِعَ مِنْ الِاشْتِرَاكِ قَبْلَ الذَّبْحِ، لِعَدَمِ التَّعْيِينِ (وَالْجَوَامِيسُ فِيهِمَا) أَيْ: فِي الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ (كَالْبَقَرِ) فِي الْإِجْزَاءِ وَالسِّنِّ، وَإِجْزَاءُ الْوَاحِدَةِ عَنْ سَبْعَةٍ؛ لِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْهَا (وَسَوَاءٌ أَرَادَ جَمِيعُهُمْ) أَيْ: جَمِيعُ الشُّرَكَاءِ فِي الْبَدَنَةِ أَوْ الْبَقَرَةِ (الْقُرْبَةَ، أَوْ) أَرَادَ (بَعْضُهُمْ) الْقُرْبَةَ.
(وَ) أَرَادَ (الْبَاقُونَ اللَّحْمَ) ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ الْمُجْزِئَ لَا يَنْقُصُ أَجْرُهُ بِإِرَادَةِ الشَّرِيكِ غَيْرِ الْقُرْبَةِ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَتْ جِهَاتُ الْقُرْبَةِ بِأَنْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ الْمُتْعَةَ، وَالْآخَرُ الْقِرَانَ وَالْآخَرُ تَرْكَ وَاجِبٍ، وَهَكَذَا؛ وَلِأَنَّ الْقِسْمَةَ هُنَا إقْرَارُ حَقٍّ وَلَيْسَتْ بَيْعًا وَفِي أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالِاشْتِرَاكِ مَعَ أَنَّ سُنَّةَ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ: الْأَكْلُ، وَالْإِهْدَاءُ: دَلِيلٌ عَلَى تَجْوِيزِ الْقِسْمَةِ إذْ بِهَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ.
وَيَجُوزُ الِاشْتِرَاكُ فِي الْبُدْنِ وَالْبَقَرِ (وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ) أَيْ: الشُّرَكَاءِ (ذِمِّيًّا فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ) أَيْ: الْإِمَامِ.
(قَالَهُ الْقَاضِي) وَجَزَمَ بِمَعْنَاهُ فِي الْمُنْتَهَى (وَيُعْتَبَرُ ذَبْحُهَا) أَيْ: الْبَدَنَةِ أَوْ الْبَقَرَةِ (عَنْهُمْ) أَيْ: السَّبْعَةِ فَأَقَلَّ نَصَّ عَلَيْهِ (وَيَجُوزُ أَنْ يَقْتَسِمُوا اللَّحْمَ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ) فِي الْمِثْلِيَّاتِ وَنَحْوِهَا (لَيْسَتْ بَيْعًا) بَلْ إقْرَارُ حَقٍّ.
(وَلَوْ ذَبَحُوهَا) أَيْ: الْبَدَنَةَ أَوْ الْبَقَرَةَ (عَلَى أَنَّهُمْ سَبْعَةٌ فَبَانُوا ثَمَانِيَةً ذَبَحُوا شَاةً وَأَجْزَأَتْهُمْ) الشَّاةُ مَعَ الْبَدَنَةِ أَوْ الْبَقَرَةِ فَإِنْ بَانُوا تِسْعَةً ذَبَحُوا شَاتَيْنِ وَهَكَذَا.
(وَلَوْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي شَاتَيْنِ عَلَى الشُّيُوعِ أَجْزَأ) ذَلِكَ عَنْهُمَا كَمَا لَوْ ذَبَحَ كُلٌّ مِنْهُمَا شَاةً.
(وَلَوْ اشْتَرَى سُبُعَ بَقَرَةٍ) أَوْ بَدَنَةٍ (ذُبِحَتْ لِلَّحْمِ فَهُوَ لَحْمٌ اشْتَرَاهُ وَلَيْسَتْ) الْحِصَّةُ الَّتِي اشْتَرَاهَا أُضْحِيَّةً لِعَدَمِ ذَبْحِهَا عَنْهُمْ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى إنْسَانٌ شَاةً ذُبِحَتْ لِلَّحْمِ وَأَمَّا مَا ذُبِحَ هَدْيًا أَوْ أُضْحِيَّةً فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، كَمَا يَأْتِي وَلَوْ تَطَوُّعًا لِتَعَيُّنِهِ بِالذَّبْحِ.