الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُخْتَصَّةِ بِهِ وَلِأَنَّ الِاعْتِكَافَ عِبَادَةٌ مِنْ شَرْطِهَا الْمَسْجِدُ فَلَمْ يُسْتَحَبَّ فِيهَا ذَلِكَ كَالطَّوَافِ، وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ اسْتِحْبَابَهُ إذَا قَصَدَ بِهِ الطَّاعَةَ لَا الْمُبَاهَاةَ، (لَكِنَّ فِعْلَهُ لِذَلِكَ) أَيْ: لِإِقْرَاءِ الْقُرْآنِ وَتَدْرِيسِ الْعِلْمِ وَمُنَاظَرَةِ الْفُقَهَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (أَفْضَلُ مِنْ الِاعْتِكَافِ لِتَعَدِّي نَفْعِهِ) .
(وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ فِي الْمَسْجِدِ وَيَشْهَدَ النِّكَاحَ لِنَفْسِهِ وَغَيْرِهِ) ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ طَاعَةٌ وَحُضُورُهُ قُرْبَةٌ، وَمُدَّتُهُ لَا تَتَطَاوَلُ فَهُوَ كَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَرَدِّ السَّلَامِ.
(وَ) لَا بَأْسَ أَنْ (يُصْلِحَ بَيْنَ الْقَوْمِ وَيَعُودَ الْمَرِيضَ وَيُصَلِّيَ عَلَى الْجَنَائِزِ وَيُهِنِّي وَيُعَزِّي وَيُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ كُلَّ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِيهِ.
(وَيُسْتَحَبُّ لَهُ) أَيْ: لِلْمُعْتَكِفِ (تَرْكُ لُبْسٍ رَفِيعِ الثِّيَابِ وَالتَّلَذُّذِ بِمَا يُبَاحُ لَهُ قَبْلَ الِاعْتِكَافِ وَ) أَنْ (لَا يَنَامَ إلَّا عَنْ غَلَبَةٍ وَلَوْ مَعَ قُرْبِ الْمَاءِ وَأَنْ لَا يَنَامَ مُضْطَجِعًا بَلْ مُتَرَبِّعًا مُسْتَنِدًا، وَلَا يُكْرَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَا بَأْسَ بِأَخْذِ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ، وَ) لَا بَأْسَ (أَنْ يَأْكُلَ فِي الْمَسْجِدِ وَيَضَعَ سُفْرَةً) وَشِبْهَهَا (يَسْقُطُ عَلَيْهَا مَا يَقَعُ عَنْهُ لِئَلَّا يُلَوِّثَ الْمَسْجِدَ) .
(وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَطَيَّبَ) الْمُعْتَكِفُ؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ عِبَادَةٌ تَخْتَصُّ مَكَانًا فَكَانَ تَرْكُ الطِّيبِ فِيهَا مَشْرُوعًا كَالْحَجِّ قَالَ أَحْمَدُ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَتَطَيَّبَ.
[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ]
ِ (يَجِبُ بِنَاءُ الْمَسَاجِدِ فِي الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى وَالْمَحَالِّ) جَمْعُ مَحِلَّةٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ (وَنَحْوِهَا حَسَبَ الْحَاجَةِ) فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْهَا: الْجُسُورُ وَالْقَنَاطِرُ وَأَرَاهُ ذَكَرَ الْمَصَانِعَ وَالْمَسَاجِدَ انْتَهَى، وَفِي الْحَثِّ عَلَى عِمَارَةِ الْمَسَاجِدِ وَمُرَاعَاةِ مَصَالِحِهَا آثَارٌ كَثِيرَةٌ وَأَحَادِيثُ بَعْضُهَا صَحِيحٌ، وَيُسْتَحَبُّ اتِّخَاذُ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ وَتَنْظِيفُهَا وَتَطْيِيبُهَا؛ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ:«أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ «وَأَحَبُّ الْبِلَادِ إلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا» ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، (وَمَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنَى لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ) لِحَدِيثِ عُثْمَانَ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم -
يَقُولُ: مَنْ بَنَى مَسْجِدًا قَالَ بُكَيْر: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَعِمَارَةُ الْمَسَاجِدِ وَمُرَاعَاةُ أَبْنِيَتِهَا مُسْتَحَبَّةٌ) لِلْأَخْبَارِ.
(وَيُسَنُّ أَنْ يُصَانَ كُلُّ مَسْجِدٍ عَنْ كُلِّ وَسَخٍ وَقَذَرٍ وَقَذَاةِ) عَيْنٍ (وَمُخَاطٍ وَتَقْلِيمِ أَظْفَارٍ وَقَصِّ شَارِبٍ وَحَلْقِ رَأْسٍ وَنَتْفِ إبْطٍ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ: صلى الله عليه وسلم «عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي حَتَّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنْ الْمَسْجِدِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَخْرَجَ أَذًى مِنْ الْمَسْجِدِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» ؛ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِذَلِكَ ".
(وَ) يُسَنُّ أَيْضًا أَنْ يُصَانَ (عَنْ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ مِنْ بَصَلٍ وَثُومٍ وَكُرَّاثٍ وَنَحْوِهِمْ) كَفُجْلٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدٌ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«إنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ النَّاسُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» .
وَفِي رِوَايَةٍ: «فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسَاجِدَنَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، (فَإِنْ دَخَلَهُ) أَيْ: الْمَسْجِدَ (آكِلٌ ذَلِكَ) أَيْ: مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ مِنْ ثُومٍ وَبَصَلٍ وَنَحْوِهِمَا، (أَوْ) دَخَلَهُ (مَنْ لَهُ صُنَانٌ أَوْ بَخْرٌ، قَوِيَ إخْرَاجُهُ) أَيْ اسْتِحْبَابُ إخْرَاجِهِ إزَالَةً لِلْأَذَى، (وَعَلَى قِيَاسِهِ: إخْرَاجُ الرِّيحِ مِنْ دُبُرِهِ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ بِجَامِعِ الْإِيذَاءِ بِالرَّائِحَةِ فَيُسَنُّ أَنْ يُصَانَ الْمَسْجِدُ مِنْ ذَلِكَ وَيَخْرُجُ مِنْهُ لِأَجْلِهِ.
(وَ) يُصَانُ الْمَسْجِدُ (مِنْ بُزَاقٍ وَلَوْ فِي هَوَائِهِ) أَيْ: هَوَاءِ الْمَسْجِدِ كَسَطْحِهِ؛ لِأَنَّهُ كَقَرَارِهِ (وَهُوَ) أَيْ الْبُزَاقُ (فِيهِ) أَيْ: الْمَسْجِدِ (خَطِيئَةٌ) لِلْخَبَرِ، (فَإِنْ كَانَتْ أَرْضُهُ) أَيْ: الْمَسْجِدِ (حَصْبَاءَ وَنَحْوَهَا) كَالتُّرَابِ وَالرَّمْلِ (فَكَفَّارَتُهَا: دَفْنُهَا) لِلْخَبَرِ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَرْضُهُ حَصْبَاءَ وَنَحْوَهَا، بَلْ كَانَتْ بَلَاطًا أَوْ رُخَامًا (مَسَحَهَا بِثَوْبِهِ أَوْ غَيْرِهِ) ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ إزَالَتُهَا.
(وَلَا يَكْفِي تَغْطِيَتُهَا بِحَصِيرٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا إزَالَةَ فِي ذَلِكَ (وَإِنْ لَمْ يُزِلْهَا) أَيْ: الْبَصْقَةَ أَوْ النُّخَامَةَ وَنَحْوَهَا (فَاعِلُهَا لَزِمَ غَيْرَهُ مِنْ كُلِّ مَنْ عَلِمَ بِهَا إزَالَتُهَا بِدَفْنٍ) إنْ كَانَتْ أَرْضُهُ حَصْبَاءَ وَنَحْوَهَا (أَوْ غَيْرِهِ) كَمَسْحٍ بِثَوْبٍ وَنَحْوِهِ إنْ لَمْ تَكُنْ أَرْضُهُ كَذَلِكَ، (فَإِنْ بَدَرَهُ الْبُزَاقُ) فِي الْمَسْجِدِ (أَخَذَهُ بِثَوْبِهِ وَحَكَّهُ) أَيْ: الثَّوْبَ (بِبَعْضِهِ) لِيَذْهَبَ (وَإِنْ كَانَ) الْبُزَاقُ وَنَحْوُهُ (عَلَى حَائِطٍ وَجَبَ أَيْضًا إزَالَتُهَا) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَسْجِدِ، (وَيُسَنُّ تَخْلِيقُ مَوْضِعِهِ) أَيْ مَوْضِعِ الْبُزَاقِ مِنْ الْمَسْجِدِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي حَائِطٍ أَوْ غَيْرِهِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَحَكَّتْهَا وَجَعَلَتْ مَكَانَهَا خَلُوقًا، فَقَالَ: صلى الله عليه وسلم -
مَا أَحْسَنَ هَذَا» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.
(وَتَحْرُمُ زَخْرَفَتُهُ) أَيْ: الْمَسْجِدِ (بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَتَجِبُ إزَالَتُهُ) إنْ تَحَصَّلَ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ مُوَضَّحًا وَأَوَّلُ مَنْ ذَهَّبَ الْكَعْبَةَ فِي الْإِسْلَامِ وَزَخْرَفَهَا وَزَخْرَفَ الْمَسَاجِدَ: الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ (وَيُكْرَهُ) أَنْ يُزَخْرَفَ الْمَسْجِدَ (بِنَقْشٍ وَصِبْغٍ وَكِتَابَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُلْهِي الْمُصَلِّيَ عَنْ صَلَاتِهِ غَالِبًا، وَإِنْ كَانَ) فَعَلَ ذَلِكَ (مِنْ مَالِ الْوَقْفِ حَرُمَ) فِعْلُهُ.
(وَوَجَبَ الضَّمَانُ) أَيْ: ضَمَانُ مَالِ الْوَقْفِ الَّذِي صَرَفَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى جِهَةِ الْوَقْفِ.
(وَفِي الْغُنْيَةِ: لَا بَأْسَ بِتَجْصِيصِهِ انْتَهَى أَيْ: يُبَاحُ تَجْصِيصُ حِيطَانِهِ أَيْ: تَبْيِيضُهَا، وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي سَعْدُ الدِّينِ الْحَارِثِيُّ وَلَمْ يَرَهُ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ وَقَالَ: هُوَ مِنْ زِينَةِ الدُّنْيَا) قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَيُكْرَهُ تَجْصِيصُ الْمَسَاجِدِ وَزَخْرَفَتُهَا لِمَا رَوَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا سَاءَ عَمَلُ قَوْمٍ قَطُّ إلَّا زَخْرَفُوا مَسَاجِدَهُمْ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا أُمِرْت بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَعَلَيْهِ يَحْرُمُ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ وَيَجِبُ الضَّمَانُ لَا عَلَى الْأَوَّلِ.
(وَيُصَانُ عَنْ تَعْلِيقِ مُصْحَفٍ وَغَيْرِهِ) فِي قِبْلَتِهِ دُونَ وَضْعِهِ بِالْأَرْضِ.
(قَالَ أَحْمَدُ: يُكْرَهُ أَنْ يُعَلِّقَ فِي الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ) وَلَمْ يُكْرَه أَنْ يُوضَعَ فِي الْمَسْجِدِ الْمُصْحَفُ أَوْ نَحْوُهُ.
(وَيَحْرُمُ فِيهِ أَيْ الْمَسْجِدِ) الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَالْإِجَارَةُ؛ (لِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْ الْبَيْعِ) لِلْمُعْتَكِفِ وَغَيْرِهِ، وَظَاهِرُهُ قَلَّ الْمَبِيعُ أَوْ كَثُرَ احْتَاجَ إلَيْهِ أَوْ لَا لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ:«نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْبَيْعِ وَالِابْتِيَاعِ وَعَنْ تَنَاشُدِ الْأَشْعَارِ فِي الْمَسَاجِدِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
وَرَأَى عِمْرَانُ الْقَصِيرُ رَجُلًا يَبِيعُ فِي الْمَسَاجِدِ فَقَالَ: يَا هَذَا إنَّ هَذَا سُوقُ الْآخِرَةِ فَإِنْ أَرَدْتَ الْبَيْعَ فَاخْرُجْ إلَى سُوقِ الدُّنْيَا " (فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ: بَاعَ أَوْ اشْتَرَى فِي الْمَسْجِدِ (فَبَاطِلٌ) قَالَ أَحْمَدُ، وَإِنَّمَا هَذِهِ بُيُوتُ اللَّهِ لَا يُبَاعُ فِيهَا وَلَا يُشْتَرَى وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ الْبَيْعَ وَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَقَطَعَ بِالْكَرَاهَةِ فِي الْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ.
وَفِي الشَّرْحِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْبَيْعِ (وَيُسَنُّ أَنْ يُقَالَ لَهُ) أَيْ لِمَنْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى فِي الْمَسْجِدِ: (لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَك) رَدْعًا لَهُ، (وَلَا يَجُوزُ التَّكَسُّبُ فِيهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ (بِالصَّنْعَةِ كَخِيَاطَةٍ وَغَيْرِهَا قَلِيلًا كَانَ) ذَلِكَ (أَوْ كَثِيرًا لِحَاجَةٍ وَغَيْرِهَا) وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ.
سَوَاءٌ كَانَ الصَّانِعُ يُرَاعِي الْمَسْجِدَ بِكَنْسٍ أَوْ رَشٍّ وَنَحْوِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التِّجَارَةِ
بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، (وَلَا يَبْطُلُ بِهِنَّ) أَيْ: بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالتَّكَسُّبِ بِالصَّنْعَةِ (الِاعْتِكَافُ) كَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي لَا تُخْرِجُهُ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْعِبَادَةِ (فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتَّخَذَ الْمَسْجِدُ مَكَانًا لِلْمَعَايِشِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبْنَ لِذَلِكَ (وَقُعُودُ الصُّنَّاعِ وَالْفَعَلَةِ فِيهِ يَنْتَظِرُونَ مَنْ يُكْرِيهِمْ بِمَنْزِلَةِ وَضْعِ الْبَضَائِعِ فِيهِ يَنْتَظِرُونَ مَنْ يَشْتَرِيهَا وَعَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ مَنْعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ) كَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ، (وَإِنْ وَقَفُوا) أَيْ الصُّنَّاعُ وَالْفَعَلَةُ (خَارِجَ أَبْوَابِهِ) يَنْتَظِرُونَ مَنْ يُكْرِيهِمْ (فَلَا بَأْسَ) بِذَلِكَ لِعَدَمِ الْمَحْذُورِ.
قَالَ (الْإِمَامُ) أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: (لَا أَرَى لِرَجُلٍ) وَمِثْلُهُ الْخُنْثَى وَالْمَرْأَةُ (إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ إلَّا أَنْ يُلْزِمَ نَفْسَهُ الذِّكْرَ وَالتَّسْبِيحَ فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ إنَّمَا بُنِيَتْ لِذَلِكَ وَلِلصَّلَاةِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ خَرَجَ إلَى مَعَاشِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10] .
(وَ) يَجِبُ أَنْ (يُصَانَ) الْمَسْجِدُ عَنْ عَمَلِ صَنْعَةٍ لِتَحْرِيمِهَا فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَلَا يُكْرَهُ الْيَسِيرُ) مِنْ الْعَمَلِ فِي الْمَسْجِدِ (لِغَيْرِ التَّكَسُّبِ كَرَقْعِ ثَوْبِهِ وَخَصْفِ نَعْلِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الصَّانِعُ يُرَاعِي) أَنْ يَتَعَهَّدَ (الْمَسْجِدَ بِكَنْسٍ وَنَحْوِهِ) كَرَشٍّ (أَوْ لَمْ يَكُنْ) كَذَلِكَ (وَيَحْرُمُ) فِعْلُ ذَلِكَ (لِلتَّكَسُّبِ كَمَا تَقَدَّمَ إلَّا الْكِتَابَةَ، فَإِنَّ) الْإِمَامَ (أَحْمَدَ سَهَّلَ فِيهَا وَلَمْ يُسَهِّلْ فِي وَضْعِ النَّعْشِ فِيهِ، قَالَ الْقَاضِي سَعْدُ الدِّينِ الْحَارِثِيُّ: لِأَنَّ الْكِتَابَةَ نَوْعُ تَحْصِيلٍ لِلْعِلْمِ فَهِيَ فِي مَعْنَى الدِّرَاسَةِ) ، وَهَذَا يُوجِبُ التَّقَيُّدَ بِمَا لَا يَكُونُ تَكَسُّبًا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: فَلَيْسَ ذَلِكَ كُلَّ يَوْمٍ، انْتَهَى كَلَامُ الْحَارِثِيِّ قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَظَاهِرُ مَا نَقَلَ الْأَثْرَمُ: التَّسْهِيلُ فِي الْكِتَابَةِ مُطْلَقًا لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْصِيلِ الْعِلْمِ وَتَكْثِيرِ كُتُبِهِ.
(وَيَخْرُجُ عَلَى ذَلِكَ تَعْلِيمُ الصِّبْيَانِ الْكِتَابَةَ فِيهِ) بِالْأَجْرِ قَالَهُ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى (بِشَرْطِ أَنْ لَا يَحْصُلَ ضَرَرٌ بِحِبْرٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) مِمَّا فِيهِ ضَرَرٌ.
(وَيُسَنُّ أَنْ يُصَانَ) الْمَسْجِدُ (عَنْ صَغِيرٍ لَا يُمَيِّزُ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ وَلَا فَائِدَةٍ)(وَ) أَنْ يُصَانَ (عَنْ مَجْنُونٍ حَالَ جُنُونِهِ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهِ.
(وَ) أَنْ يُصَانَ (عَنْ لَغَطٍ وَخُصُومَةٍ وَكَثْرَةِ حَدِيثٍ لَاغٍ وَرَفْعِ صَوْتٍ بِمَكْرُوهٍ، وَظَاهِرُ هَذَا: أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ مُبَاحًا أَوْ مُسْتَحَبًّا) ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ كَرَاهَةُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ بِالْعِلْمِ وَغَيْرِهِ فَقَالَ: لَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ.
(وَ) أَنْ يُصَانَ (عَنْ رَفْعِ الصِّبْيَانِ أَصْوَاتَهُمْ بِاللَّعِبِ وَغَيْرِهِ وَعَنْ مَزَامِيرِ الشَّيْطَانِ: مِنْ الْغِنَاءِ وَالتَّصْفِيقِ وَالضَّرْبِ بِالدُّفُوفِ، وَيُمْنَعُ فِيهِ اخْتِلَاطُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ
مِنْ الْمَفَاسِدِ.
(وَ) يُمْنَعُ فِيهِ (إيذَاءُ الْمُصَلِّينَ وَغَيْرِهِمْ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ) لِحَدِيثِ: «مَا أَنْصَفَ الْقَارِئُ الْمُصَلِّيَ» وَحَدِيثِ «أَلَا كُلُّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ» .
وَيُمْنَعُ السَّكْرَانُ مِنْ دُخُولِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] وَيُمْنَعُ نَجِسُ الْبَدَنِ مِنْ اللُّبْثِ فِيهِ بِلَا تَيَمُّمٍ هَكَذَا نَقَلَهُ فِي الْآدَابِ عَنْ ابْنِ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِ، وَعِبَارَةُ الْمُنْتَهَى فِي بَابِ الْغُسْلِ مَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ تَتَعَدَّى، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْغُسْلِ فَمَفْهُومُهُ: لَا يُمْنَعُ مِنْهُ مَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ لَا تَتَعَدَّى.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَلَا بَأْسَ بِالْمُنَاظَرَةِ فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ وَالِاجْتِهَادِ فِي الْمَسَاجِدِ إذَا كَانَ الْقَصْدُ طَلَبَ الْحَقِّ، فَإِنْ كَانَ مُغَالَبَةً وَمُنَافَرَةً دَخَلَ فِي حَيِّزِ الْمُلَاحَاةِ وَالْجِدَالِ فِيمَا لَا يَعْنِي وَلَمْ يَجُزْ فِي الْمَسَاجِدِ انْتَهَى.
وَيُبَاحُ فِيهِ عَقْدُ النِّكَاحِ، بَلْ يُسْتَحَبُّ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَالْقَضَاءُ وَاللِّعَانُ لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَفِيهِ قَالَ:«فَتَلَاعَنَا فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَا شَاهِدٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالْحُكْمُ وَإِنْشَادُ الشِّعْرِ الْمُبَاحِ وَتَعْلِيمُ الْعِلْمِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ لِحَدِيثِ جَابِر بْنِ سَمُرَةَ قَالَ:«شَهِدْتُ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ مَرَّةٍ فِي الْمَسْجِدِ وَأَصْحَابُهُ يَتَذَاكَرُونَ الشِّعْرَ وَأَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَرُبَّمَا تَبَسَّمَ مَعَهُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَيُبَاحُ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنْ يَكُونَ فِي خَيْمَةٍ قَالَتْ عَائِشَةُ: «أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فِي الْأَكْحَلِ فَضَرَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ يَعُودُهُ مِنْ قَرِيبٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَ) يُبَاحُ (إدْخَالُ الْبَعِيرِ فِيهِ) أَيْ: الْمَسْجِدِ «؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم طَافَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ» .
(وَيُصَانُ عَنْ حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ مُطْلَقًا) خِيفَ تَلْوِيثُهُ أَوْ لَا، (وَالْأَوْلَى: أَنْ يُقَالَ: يَجِبُ صَوْنُهُ عَنْ جُلُوسِهِمَا فِيهِ) قَالَهُ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى؛ لِأَنَّ جُلُوسَهُمَا فِيهِ مُحَرَّمٌ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَيْضِ.
(وَيُسَنُّ أَنْ يُصَانَ) الْمَسْجِدُ (عَنْ الْمُرُورِ فِيهِ بِأَنْ لَا يُجْعَلَ طَرِيقًا إلَّا لِحَاجَةٍ وَكَوْنُهُ) أَيْ: الْمَسْجِدِ (طَرِيقًا قَرِيبًا حَاجَةٌ) فَتَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِذَلِكَ.
(وَكَذَا الْجُنُبُ بِلَا وُضُوءٍ) يَحْرُمُ عَلَيْهِ اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ فَيَجِبُ أَنْ يُصَانَ عَنْهُ (وَيُسَنُّ أَنْ يُصَانَ) عَنْ مُرُورِهِ فِيهِ إلَّا لِحَاجَةٍ، وَإِنْ تَوَضَّأَ جَازَ لَهُ اللُّبْثُ وَالنَّوْمُ فِيهِ وَتَقَدَّمَ فِي الْغُسْلِ.
(وَيُبَاحُ لِلْمُعْتَكِفِ وَغَيْرِهِ النَّوْمُ فِيهِ)«؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا مُضْطَجِعًا فِي الْمَسْجِدِ عَلَى بَطْنِهِ فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ ضِجْعَةٌ يَبْغَضُهَا اللَّهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد حَدِيثٌ صَحِيحٌ فَأَنْكَرَ الضِّجْعَةَ وَلَمْ يُنْكِرْ نَوْمَهُ بِالْمَسْجِدِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، وَكَانَ أَهْلُ الصُّفَّةِ يَنَامُونَ فِي الْمَسْجِدِ
(قَالَ) الْقَاضِي سَعْدُ الدِّينِ (الْحَارِثِيُّ) لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ أَيْ النَّوْمِ لِلْمُعْتَكِفِ (وَكَذَا مَا لَا يُسْتَدَامُ كَبَيْتُوتَةِ الصَّيْفِ وَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَقَيْلُولَةِ الْمُجْتَازِ وَنَحْوِ ذَلِكَ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةٍ غَيْرُ وَاحِدٍ وَمَا يُسْتَدَامُ مِنْ النَّوْمِ كَنَوْمِ الْمُقِيمِ، عَنْ أَحْمَدَ الْمَنْعُ مِنْهُ كَمَا مَرَّ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحٍ وَابْنِ مَنْصُورٍ وَأَبِي دَاوُد، وَحَكَى الْقَاضِي رِوَايَةً بِالْجَوَازِ: وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ، وَبِهَذَا أَقُولُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَارِثِيِّ (لَكِنْ لَا يَنَامُ قُدَّامَ الْمُصَلِّينَ) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمُصَلِّي اسْتِقْبَالُ نَائِمٍ قُلْت وَعَلَى هَذَا فَلَهُمْ إقَامَتُهُ.
(وَيُسَنُّ صَوْنُهُ) أَيْ: الْمَسْجِدِ (عَنْ إنْشَادِ شِعْرٍ مُحَرَّمٍ)، قُلْتُ: بَلْ يَجِبُ.
(وَ) عَنْ إنْشَادِ شِعْرٍ (قَبِيحٍ) وَعَمَلِ سَمَاعٍ وَإِنْشَادِ ضَالَّةٍ أَيْ: تَعْرِيفِهَا (وَنِشْدَانُهَا) أَيْ: طَلَبُهَا (وَيُسَنُّ لِسَامِعِهِ) أَيْ: سَامِعِ نِشْدَانِ الضَّالَّةِ (أَنْ يَقُولَ: لَا وَجَدْتهَا وَلَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْك) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ: لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْك إنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(وَ) يُسَنُّ صَوْنُهُ (عَنْ إقَامَةِ) حَدٍّ نَقَلَهُ فِي الْآدَابِ عَنْ الرِّعَايَةِ قَالَ: وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إقَامَةُ الْحُدُودِ فِي الْمَسَاجِدِ وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسْجِدِ.
(وَ) عَنْ (سَلِّ سَيْفٍ وَنَحْوِهِ) مِنْ أَنْوَاعِ السِّلَاحِ احْتِرَامًا لَهُ.
(وَيُكْرَهُ فِيهِ) أَيْ: الْمَسْجِدِ (الْخَوْضُ وَالْفُضُولُ) مِنْ الْكَلَامِ (وَحَدِيثُ الدُّنْيَا وَالِارْتِفَاقُ بِهِ) أَيْ بِالْمَسْجِدِ (وَإِخْرَاجُ حَصَاهُ وَتُرَابُهُ لِلتَّبَرُّكِ بِهِ وَغَيْرُهُ) قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: كَذَا قَالُوا وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ: إمَّا مُرَادُهُمْ بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمُ، وَإِمَّا مُرَادُهُمْ إخْرَاجُ الشَّيْءِ الْيَسِيرِ لَا الْكَثِيرِ انْتَهَى وَيَأْتِي لَهُ تَتِمَّةٌ فِي الْحَجِّ.
(وَلَا يَسْتَعْمِلُ النَّاسَ حُصْرَهُ وَقَنَادِيلَهُ) وَسَائِرَ مَا وُقِفَ لِمَصْلَحَةٍ (فِي مَصَالِحِهِمْ كَالْأَعْرَاسِ وَالْأَعْزِيَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُوقَفْ لِذَلِكَ وَيَجِبُ صَرْفُ الْوَقْفِ لِلْجِهَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا الْوَاقِفُ.
(وَمَنْ لَهُ الْأَكْلُ فِيهِ فَلَا يُلَوِّثُ حُصْرَهُ وَلَا يُلْقِي الْعِظَامَ وَنَحْوَهَا) كَقُشُورِ الْبِطِّيخِ وَنَوَى التَّمْرِ وَنَحْوِهِ (فِيهِ) ؛ لِأَنَّهُ (تَقْذِيرٌ) لَهُ، (فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ تَنْظِيفُ ذَلِكَ) وَعَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْبُصَاقِ: إنْ لَمْ يُزِلْهُ فَاعِلُهُ، وَجَبَ عَلَى مَنْ عَلِمَهُ غَيْرُهُ.
(وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُغْرَسَ فِيهِ شَيْءٌ وَيُقْلَعُ مَا غُرِسَ فِيهِ وَلَوْ بَعْدَ إيقَافِهِ) أَيْ: الْمَغْرُوسِ.
(وَلَا) يَجُوزُ (حَفْرُ بِئْرٍ) فِي الْمَسْجِدِ قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ حَفْرِ الْبِئْرِ
فِي الْمَسْجِدِ قَالَ: لَا قُلْت فَإِنْ حُفِرَتْ تَرَى أَنْ يُؤْخَذَ الْمُغْتَسَلُ فَيُغَطَّى بِهِ الْبِئْرُ؟ قَالَ إنَّمَا ذَلِكَ لِلْمُتَوَفَّى (وَيَأْتِي آخِرَ الْوَقْفِ) مُفَصَّلًا.
(وَيَحْرُمُ الْجِمَاعُ فِيهِ وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ يُكْرَهُ فَوْقَهُ وَالتَّمَسُّحُ بِحَائِطِهِ وَالْبَوْلُ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى حَائِطِ الْمَسْجِدِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: أَكْرَهُ لِمَنْ بَالَ أَنْ يَمْسَحَ ذَكَرُهُ بِجِدَارِ الْمَسْجِدِ قَالَ الْمُرَادُ بِهِ الْحَظْرُ.
(وَجَوَّزَ فِي الرِّعَايَةِ الْوَطْءَ فِيهِ وَعَلَى سَطْحِهِ وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ أَحْكَامِ الْمَسَاجِد فِي الْغُسْلِ.
(وَيَحْرُم بَوْلُهُ فِيهِ) أَيْ: فِي الْمَسْجِدِ (وَلَوْ فِي إنَاءٍ) ؛؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ تَابِعٌ لِلْقَرَارِ.
(وَ) يَحْرُمُ فِيهِ (فَصْدٌ وَحِجَامَةٌ وَقَيْءٌ وَنَحْوُهُ) كَبَطِّ سِلْعَةٍ وَلَوْ فِي إنَاءٍ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ لَمْ يُبْنَ لَهَذَا فَوَجَبَ صَوْنُهُ عَنْهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْتَحَاضَةِ أَنَّهَا لَا يُمْكِنُهَا التَّحَرُّزُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِتَرْكِ الِاعْتِكَافِ بِخِلَافِ الْفَصْدِ وَنَحْوِهِ.
(وَإِنْ دَعَتْ إلَيْهِ حَاجَةٌ كَبِيرَةٌ خَرَجَ الْمُعْتَكِفُ مِنْ الْمَسْجِدِ فَفَعَلَهُ) كَسَائِرِ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ ثُمَّ عَادَ إلَى مُعْتَكَفِهِ.
(وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْخُرُوجُ إلَيْهِ كَالْمَرَضِ الَّذِي يُمْكِنُ احْتِمَالُهُ) كَالصُّدَاعِ وَوَجَعِ الضِّرْسِ وَالْحُمَّى الْيَسِيرَةِ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ مُعْتَكَفِهِ لِذَلِكَ وَتَقَدَّمَ.
(وَكَذَا حُكْمُ نَجَاسَةٍ فِي هَوَائِهِ) أَيْ: الْمَسْجِدِ (كَالْقَتْلِ عَلَى نِطْعٍ وَدَمٍ وَنَحْوِهِ) كَقَيْحٍ وَصَدِيدٍ (فِي إنَاءٍ) فَيَحْرُمُ لِتَبَعِيَّةِ الْهَوَاءِ لِلْقَرَارِ.
(وَإِنْ بَالَ خَارِجَهُ) أَيْ: خَارِجَ الْمَسْجِدِ (وَجَسَدُهُ فِيهِ دُونَ ذَكَرِهِ وَكُرِهَ) لَهُ ذَلِكَ.
(وَيُبَاحُ الْوُضُوءُ فِيهِ وَالْغُسْلُ بِلَا ضَرَرٍ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " كَانَ يَتَوَضَّأُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ " وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: " كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَالْخُلَفَاءُ يَتَوَضَّئُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ إلَّا أَنْ يَحْصُلَ مِنْهُ بُصَاقٌ أَوْ مُخَاطٌ وَتَقَدَّمَ بَعْضُهُ فِي الْبَابِ وَبَعْضُهُ فِي آخِرِ الْوُضُوءِ.
وَيُبَاحُ غَلْقُ أَبْوَابِهِ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ لِئَلَّا يَدْخُلَهُ مَنْ يُكْرَهُ دُخُولُهُ إلَيْهِ كَمَجْنُونٍ وَسَكْرَانَ وَطِفْلٍ لَا يُمَيِّزُ.
(وَ) يُبَاحُ (قَتْلُ الْقَمْلِ وَالْبَرَاغِيثِ فِيهِ إنْ أَخْرَجَهُ، وَإِلَّا حَرُمَ إلْقَاؤُهُ فِيهِ) هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى وَلَعَلَّهُ بُنِيَ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ قِشْرِهِمَا وَإِلَّا فَصَرَّحُوا بِجَوَازِ الدَّفْنِ وَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ إنْ دَفَنَهَا، وَقَرَارُ الْمَسْجِدِ مَسْجِدٌ.
(وَلَيْسَ لِكَافِرٍ دُخُولُ حَرَمِ مَكَّةَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] .
(وَلَا) يُمْنَعُ الْكَافِرُ دُخُولَ (حَرَمِ الْمَدِينَةَ) ، وَأَمَّا الْإِقَامَةُ بِالْحِجَازِ فَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي أَحْكَامِ الذِّمَّةِ.
(وَلَا) يَجُوزُ لِكَافِرٍ
(دُخُولُ مَسْجِدِ الْحِلِّ وَلَوْ بِإِذْنِ مُسْلِمٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: 18] .
(وَيَجُوزُ دُخُولُهَا) أَيْ: مَسَاجِدِ الْحِلِّ (لِلذِّمِّيِّ) وَمِثْلُهُ الْمُعَاهِدُ وَالْمُسْتَأْمَنُ إذَا اُسْتُؤْجِرَ لِعِمَارَتِهَا؛ لِأَنَّهُ لِمَصْلَحَتِهَا.
(وَلَا بَأْسَ بِالِاجْتِمَاعِ فِي الْمَسْجِدِ) خُصُوصًا لِمُذَاكَرَةٍ لَا لِمَكْرُوهٍ وَمَعْصِيَةٍ.
(وَ) لَا بَأْسَ (بِالْأَكْلِ فِيهِ) أَيْ: فِي الْمَسْجِدِ لِلْمُعْتَكِفِ وَغَيْرِهِ لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ: «كُنَّا نَأْكُلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
(وَ) لَا بَأْسَ (بِالِاسْتِلْقَاءِ فِيهِ لِمَنْ لَهُ سَرَاوِيلُ) وَكَذَا لَوْ احْتَاطَ بِحَيْثُ يَأْمَنُ كَشْفَ عَوْرَتِهِ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: أَنَّهُ «رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مُسْتَلْقِيًا فِي الْمَسْجِدِ وَاضِعًا إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَإِذَا دَخَلَهُ وَقْتُ السَّحَرِ فَلَا يَتَقَدَّمُ إلَى صَدْرِهِ قَالَ جَرِيرُ بْنُ عُثْمَانَ: كُنَّا نَسْمَعُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَكُونُ قَبْلَ الصُّبْحِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ) قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ التَّقَدُّمِ فِي الْمَسْجِدِ وَقْتَ السَّحَرِ.
(وَيُكْرَهُ السُّؤَالُ) أَيْ: سُؤَالُ الصَّدَقَةِ فِي الْمَسْجِدِ (وَالتَّصَدُّقُ عَلَيْهِ فِيهِ) ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَكْرُوهٍ وَ (لَا) يُكْرَهُ التَّصَدُّقُ (عَلَى غَيْرِ السَّائِلِ) وَلَا عَلَى مَنْ سَأَلَ لَهُ الْخَطِيبُ وَتَقَدَّمَ فِي الْجُمُعَةِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَدْرٍ قَالَ: " صَلَّيْت يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِذَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَقْرُبُ مِنِّي فَقَامَ سَائِلٌ فَسَأَلَهُ فَأَعْطَاهُ أَحْمَدُ قِطْعَةً فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ الصَّلَاةِ قَامَ رَجُلٌ إلَى ذَلِكَ السَّائِلِ وَقَالَ: أَعْطِنِي تِلْكَ الْقِطْعَةَ فَأَبَى فَقَالَ: أَعْطِنِي وَأُعْطِيك دِرْهَمًا فَلَمْ يَفْعَلْ فَمَا زَالَ يَزِيدُهُ حَتَّى بَلَغَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا فَقَالَ: لَا أَفْعَلُ فَإِنِّي أَرْجُو مِنْ بَرَكَةِ هَذِهِ الْقِطْعَةِ مَا تَرْجُو أَنْتَ.
(وَيُقَدِّمُ دَاخِلُهُ) أَيْ: الْمَسْجِدِ (يُمْنَاهُ فِي دُخُولِهِ عَكْسُ خُرُوجِهِ) فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ يُسْرَاهُ (وَيَقُولُ) عِنْدَ دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ (مَا وَرَدَ وَتَقَدَّمَ) فِي بَابِ الْمَشْيِ إلَى الصَّلَاةِ مُسْتَوْفًى.
(وَإِذَا لَمْ يُصَلِّ فِي نَعْلِهِ وَضَعَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يَرْمِ بِهِمَا عَلَى وَجْهِ
التَّكَبُّرِ وَالتَّعَاظُمِ) ؛ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ بُيُوتُ اللَّهِ.
(وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِإِتْلَافِ شَيْءٍ مِنْ أَرْضِ الْمَسْجِدِ أَوْ أَذَى أَحَدٍ لَمْ يَجُزْ وَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِسَبَبِهِ) ، وَقَرِيبٌ مِنْهُ رَمْيُ مَا يَجْلِسُ عَلَيْهِ مِنْ نَحْوِ فَرْوٍ (وَالْأَدَبُ أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ) بَلْ يَضَعَهُ وَضْعًا.
وَتَقَدَّمَ حُكْمُ رَمْيِ الْمُصْحَفِ وَكُتُبِ الْعِلْمِ بِالْأَرْضِ فِي آخِرِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ.
(وَيُسَنُّ كَنْسُهُ) أَيْ: الْمَسْجِدِ (يَوْمَ الْخَمِيسِ وَإِخْرَاجُ كُنَاسَتِهِ وَتَنْظِيفُهُ وَتَطْيِيبُهُ فِيهِ) أَيْ: فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ (وَتَجْمِيرُهُ فِي الْجُمَعِ) وَمِثْلُهَا الْأَعْيَادُ.
(وَيُسْتَحَبُّ شَعْلُ الْقَنَادِيلِ فِيهِ كُلَّ لَيْلَةٍ) بِحَسَبِ الْحَاجَةِ فَقَطْ؛ وَذَلِكَ لِحَدِيثِ «مَيْمُونَةَ مَوْلَاةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَ: ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ، وَكَانَتْ الْبِلَادُ إذْ ذَاكَ خَرَابًا قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَأْتُوهُ وَتُصَلُّوا فِيهِ فَابْعَثُوا بِزَيْتٍ يُسْرَجُ فِي قَنَادِيلِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
(وَكَثْرَةُ إيقَادِهَا زِيَادَةً عَلَى الْحَاجَةِ يُمْنَعُ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةٌ بِلَا مَصْلَحَةٍ قَالَ الْقَاضِي سَعْدُ الدِّينِ الْحَارِثِيُّ: (الْمَوْقُوفُ عَلَى الِاسْتِصْبَاحِ فِي الْمَسَاجِدِ يُسْتَعْمَلُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يُزَادُ عَلَى الْمُعْتَادِ) كَ (لَيْلَةِ نِصْفِ شَعْبَانَ وَلَا كَلَيْلَةِ الْخَتْمِ) فِي أَوَاخِرِ رَمَضَانَ عِنْدَ خَتْمِ الْقُرْآنِ فِي التَّرَاوِيحِ.
(وَلَا اللَّيْلَةِ الْمَشْهُورَةِ بِالرَّغَائِبِ) أَوَّلَ جُمُعَةٍ فِي رَجَبٍ (فَإِنْ زَادَ) عَلَى الْمُعْتَادِ فِي هَذِهِ اللَّيَالِي وَشَبَهِهَا ضَمِنَ؛ (لِأَنَّ الزِّيَادَةَ بِدْعَةٌ وَإِضَاعَةُ مَالٍ لِخُلُوِّهِ عَنْ نَفْعِ الدُّنْيَا وَنَفْعِ الْآخِرَةِ وَيُؤَدِّي عَادَةً إلَى كَثْرَةِ اللَّغَطِ وَاللَّهْوِ وَشَغْلِ قُلُوبِ الْمُصَلِّينَ وَيُوهِمُ كَوْنَهَا قُرْبَةً وَلَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ انْتَهَى) بَلْ فِي كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ إدْخَالِ بَعْضِ الْمَجُوسِ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ قُلْتُ: وَقَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ إيقَادُ الْمَآذِن لَكِنَّهُ فِي رَمَضَانَ صَارَ بِحَسَبِ الْعَادَةِ عَلَامَةً عَلَى بَقَاءِ اللَّيْلِ.
(وَيَنْبَغِي إذَا أَخَذَ شَيْئًا مِنْ الْمَسْجِدِ مِمَّا يُصَانُ عَنْهُ أَنْ لَا يُلْقِيَهُ فِيهِ) ؛ لِأَنَّ خَلَاءَ الْمَسْجِدِ مِنْهُ فَإِذَا أَلْقَى فِيهِ وَكَكُنَاسَةٍ وَنَحْوِهَا أُلْقِيَتْ فِيهِ، وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَاقِعٌ فِي هَذَا (بِخِلَافِ حَصْبَاءَ وَنَحْوِهَا) مِنْ أَجْزَاءِ تُرَابِ الْمَسْجِدِ وَطِينِهِ وَطِيبِهِ (لَوْ أَخَذَهُ فِي يَدِهِ ثُمَّ رَمَى بِهِ فِيهِ) لِأَنَّ اسْتِبْقَاءَ ذَلِكَ فِيهِ مَطْلُوبٌ.
(وَيُمْنَعُ النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْجَوَامِعِ مِنْ اسْتِطْرَاقِ حِلَقِ الْفُقَهَاءِ وَالْقُرَّاءِ) صِيَانَةً لِحُرْمَتِهَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«لَا حِمَى إلَّا فِي ثَلَاثَةٍ: الْبِئْرِ وَالْفَرَسِ وَحَلْقَةِ الْقَوْمِ» فَأَمَّا الْبِئْرُ فَهُوَ مُنْتَهَى حَرِيمِهَا، وَأَمَّا طُولُ الْفَرَسِ فَهُوَ مَا دَارَ عَلَيْهِ بِرَسَنِهِ إذَا كَانَ مَرْبُوطًا، وَأَمَّا حَلْقَةُ الْقَوْمِ فَهُوَ اسْتِدَارَتُهُمْ فِي الْجُلُوسِ لِلتَّشَاوُرِ وَالْحَدِيثِ " وَهَذَا الْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي إسْنَادُهُ جَيِّدٌ
وَهُوَ مُرْسَلٌ.
قَالَ فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ الْآدَابِ (وَيُسَنُّ أَنْ يَشْتَغِلَ فِي الْمَسْجِدِ بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ) ؛ لِأَنَّهَا لِذَلِكَ بُنِيَتْ (مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ) ؛ لِأَنَّهُ خَيْرُ الْمَجَالِسِ (وَيُكْرَهُ أَنْ يُسْنِدَ ظَهْرَهُ إلَيْهَا) وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَأَنَّ مَعْنَاهُ مَدُّ الرِّجْلِ إلَيْهَا.
(وَلَا يُشَبِّكُ أَصَابِعَهُ فِيهِ) أَيْ: فِي الْمَسْجِدِ وَلَا حَالَ تَوَجُّهِهِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي صَلَاةٍ وَتَقَدَّمَ فِي الْمَشْيِ إلَى الصَّلَاةِ (زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: عَلَى خِلَافِ صِفَةِ مَا شَبَّكَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم) وَلَعَلَّهُ يُشِيرُ إلَى مَا صَدَرَ مِنْهُ مِنْ التَّشْبِيكِ حِينَ ذَكَرَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ.
(وَيُبَاحُ اتِّخَاذُ الْمِحْرَابِ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ وَتَقَدَّمَ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ (وَ) يُبَاحُ اتِّخَاذُ الْمِحْرَابِ (فِي الْمَنْزِلِ) وَكَذَلِكَ الرُّبُطُ وَالْمَدَارِسُ.
(وَيُضْمَنُ الْمَسْجِدُ بِالْإِتْلَافِ إجْمَاعًا وَيُضْمَنُ بِالْغَصْبِ) قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ اتَّخَذَهُ مَسْكَنًا أَوْ مَخْزَنًا وَنَحْوَ ذَلِكَ أَنَّهُ يَضْمَنُ أُجْرَتَهُ كَمَا نَقُولُ فِي الْحُرِّ إذَا اسْتَعْمَلَهُ كُرْهًا.
(قَالَ الشَّيْخُ: لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ فِي بِنَاءِ مَسْجِدٍ فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ، وَ) أَنْ يَأْذَنَ فِي بِنَاءِ مَسْجِدٍ (عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الطَّرِيقِ الْوَاسِعِ (مَا لَمْ يَضُرَّ بِالنَّاسِ) وَعَنْهُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ عَلَى سَابَاطٍ أَوْ قَنْطَرَةِ جِسْرٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: حُكْمُ الْمَسَاجِدِ الَّتِي بُنِيَتْ فِي الطَّرِيقِ أَنْ تُهْدَمَ وَعَنْهُ: يَجُوزُ الْبِنَاءُ بِلَا إذْنِهِ وَحَيْثُ جَازَ صَحَّتْ الصَّلَاةُ فِيهِ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَتَصِحُّ فِيمَا بُنِيَ عَلَى دَرْبٍ مُشْتَرَكٍ بِإِذْنِ أَهْلِهِ وَفِيهِ وَجْهٌ.
(وَيَحْرُمُ أَنْ يُبْنَى مَسْجِدٌ إلَى جَانِبِ مَسْجِدٍ إلَّا لِحَاجَةٍ كَضِيقِ الْأَوَّلِ وَنَحْوِهِ) كَخَوْفِ فِتْنَةٍ بِاجْتِمَاعِهِمْ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يُقْصَدْ الْمُضَارَّةُ وَعِبَارَةُ الْمُنْتَهَى وَيَحْرُمُ بِنَاءُ مَسْجِدٍ يُرَادُ بِهِ الضَّرَرُ لِمَسْجِدٍ بِقُرْبِهِ.
(وَيُكْرَهُ تَطْيِينُهُ)(بِنَجَسٍ وَ) يُكْرَهُ (بِنَاؤُهُ بِنَجَسٍ) مِنْ لَبِنٍ أَوْ غَيْرِهِ وَكَذَا تَطْبِيقُهُ بِطَوَابِقَ نَجِسَةٍ ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ فِي بَابِ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ وَقِيَاسُهُ: تَجْصِيصُهُ بِجِصٍّ نَجِسٍ قُلْتُ: وَالتَّحْرِيمُ فِي الْكُلِّ أَظْهَرُ.
(وَ) إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الْقَرْيَةِ أَحَدٌ بَلْ مَاتُوا أَوْ أَسْلَمُوا جَازَ أَنْ (تُتَّخَذَ الْبِيعَةُ مَسْجِدًا) وَمِثْلُهَا الْكَنِيسَةُ وَالدُّيُورَةُ وَصَوَامِعُ الرُّهْبَانِ (لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ بِبَرِّ الشَّامِ فَإِنَّهُ فُتِحَ عَنْوَةً قَالَهُ الشَّيْخُ وَثَبَتَ فِي الْخَبَرِ ضَرْبُ الْخِبَاءِ وَاحْتِجَازُ الْحَصِيرِ فِيهِ) أَيْ: فِي الْمَسْجِدِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَتَقَدَّمَ بَعْضُهُ.
(وَيُكْرَهُ لِغَيْرِ الْإِمَامِ مُدَاوَمَةُ مَوْضِعٍ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الْمَسْجِدِ (لَا يُصَلِّي إلَّا فِيهِ) ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ التَّحْجِيرَ، (فَإِنْ دَاوَمَ) عَلَى الصَّلَاةِ بِمَوْضِعٍ (فَلَيْسَ هُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ فَإِذَا قَامَ مِنْهُ فَلِغَيْرِهِ الْجُلُوسُ فِيهِ) لِحَدِيثِ:«مَنْ سَبَقَ إلَى مُبَاحٍ فَهُوَ لَهُ» .
(وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُقِيمَ مِنْهُ إنْسَانًا) وَلَوْ
وَلَدَهُ أَوْ عَبْدَهُ (وَيَجْلِسُ مَكَانَهُ أَوْ يُجْلِسُ غَيْرَهُ مَكَانَهُ) لِمَا سَبَقَ وَتَقَدَّمَ قَوْلُ التَّنْقِيحِ: وَقَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِي عَدَمَ الصِّحَّةِ أَيْ: صِحَّةِ صَلَاةِ مَنْ أَقَامَ غَيْرَهُ وَصَلَّى مَكَانَهُ (إلَّا الصَّبِيَّ فَيُؤَخَّرُ عَنْ الْمَكَانِ الْفَاضِلِ وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَ) تَقَدَّمَ أَيْضًا (آخِرَ الْجُمُعَةِ) مُوَضَّحًا.
(وَمَنْ قَامَ مِنْ مَوْضِعِهِ لِعُذْرٍ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْهُ تَرْكَ إعْرَاضٍ وَهُوَ السَّابِقُ إلَيْهِ، (وَإِنْ كَانَ) قَامَ مِنْهُ (لِغَيْرِ عُذْرٍ سَقَطَ حَقُّهُ بِقِيَامِهِ) مِنْهُ (لِإِعْرَاضِهِ عَنْهُ إلَّا أَنْ يُخَلِّفَ مُصَلًّى مَفْرُوشًا وَنَحْوَهُ) فِي مَكَانِهِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ رَفْعُهُ.
(وَيَنْبَغِي لِمَنْ قَصَدَ الْمَسْجِدَ لِلصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا) قُلْتُ: إلَّا لِإِقْرَاءِ قُرْآنٍ أَوْ عِلْمٍ أَوْ نَحْوِهِ إنْ قُلْنَا: يُكْرَهُ لِلْمُعْتَكِفِ (أَنْ يَنْوِيَ الِاعْتِكَافَ مُدَّةَ لُبْثِهِ) بِالْمَسْجِدِ تَحْصِيلًا لِثَوَابِ الِاعْتِكَافِ (لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ صَائِمًا) ؛ إذْ الْحَسَنَاتُ تَتَضَاعَفُ بِالْأَزْمِنَةِ الْفَاضِلَةِ.
(وَإِنْ جَعَلَ سُفْلَ بَيْتِهِ) مَسْجِدًا صَحَّ وَانْتَفَعَ بِعُلُوِّهِ (أَوْ)(جَعَلَ عُلُوَّهُ مَسْجِدًا صَحَّ وَانْتَفَعَ بِالْآخَرِ) فِيمَا شَاءَ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ.
وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: إنْ جَعَلَ سُفْلَ بَيْتِهِ مَسْجِدًا لَمْ يَنْتَفِعْ بِسَطْحِهِ وَإِنْ جَعَلَ عُلُوَّهُ مَسْجِدًا انْتَفَعَ بِسُفْلِهِ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ أَحْمَدُ: لِأَنَّ السَّطْحَ لَا يَحْتَاجُ إلَى سُفْلٍ وَقِيلَ يَجُوزُ أَنْ يُهْدَمَ الْمَسْجِدُ وَيُجَدَّدَ بِنَاؤُهُ لِمَصْلَحَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَالَ تَارَةً فِي مَسْجِدٍ لَهُ حَائِطٌ قَصِيرٌ غَيْرُ حَصِينٍ وَلَهُ مَنَارَةٌ لَا بَأْسَ أَنْ تُهْدَمَ وَتُجْعَلَ فِي الْحَائِطِ لِئَلَّا يَدْخُلَهُ الْكِلَابُ وَيَأْتِي فِي الْوَقْفِ.
(قَالَ الْقَاضِي حَرِيمُ الْجَوَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ إنْ كَانَ الِارْتِفَاقُ بِهَا مُضِرًّا بِأَهْلِ الْجَوَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ: مُنِعُوا مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الِارْتِفَاقِ بِهَا
دَفْعًا لِلضَّرَرِ
(وَلَمْ يَجُزْ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَأْذَنَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّينَ بِهَا أَحَقُّ) مِنْ غَيْرِهِمْ.
(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) فِي الِارْتِفَاقِ بِهَا (ضَرَرٌ جَازَ الِارْتِفَاقُ بِحَرِيمِهَا) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهَا لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ (وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ إذْنُ السُّلْطَانِ) وَلَا نَائِبِهِ لِلْحَرَجِ.
(وَلَا يَجُوزُ إحْدَاثُ الْمَسْجِدِ فِي الْمَقْبَرَةِ وَتَقَدَّمَ فِي اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ) مُوَضَّحًا.
(قَالَ الشَّيْخُ مَا عَلِمْت أَحَدًا مِنْ الْعُلَمَاءِ كَرِهَ السِّوَاكَ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْآثَارُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّلَفَ كَانُوا يَسْتَاكُونَ فِي الْمَسْجِدِ) وَتَقَدَّمَ: أَنَّهُ يَتَأَكَّدُ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ قَالَ فِي الشَّرْحِ وَيَجُوزُ السِّوَاكُ فِي الْمَسْجِدِ لِمَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ «قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَطْعَمَ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَإِذَا سَرَّحَ شَعْرَهُ فِيهِ وَجَمَعَهُ أَيْ: السَّاقِطَ مِنْ شَعْرِهِ (فَلَمْ يَتْرُكْهُ) بِالْمَسْجِدِ (فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، سَوَاءٌ قُلْنَا بِطَهَارَةِ الشَّعْرِ أَوْ نَجَاسَتِهِ) لِإِخْلَاءِ الْمَسْجِدِ عَنْهُ، (وَأَمَّا إذَا تَرَكَ شَعْرَهُ فِيهِ