الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي الْخِطْبَةِ]
(فَصْلٌ فِي الْخِطْبَةِ وَيُحَرَّمُ التَّصْرِيحُ وَهُوَ مَا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ النِّكَاحِ بِخِطْبَةِ مُعْتَدَّةٍ بَائِنٍ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: بِالْإِجْمَاعِ وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235] وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَحْمِلَهَا الْحِرْصُ عَلَى النِّكَاحِ عَلَى الْإِخْبَارِ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قَبْلَ انْقِضَائِهَا وَالتَّعْرِيضُ بِخِلَافِهِ (إلَّا لِزَوْجٍ تَحِلُّ لَهُ) كَالْمُخْتَلِعَةِ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ نِكَاحُهَا فِي عِدَّتِهَا أَشْبَهَتْ غَيْرَ الْمُعْتَدَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَالْمَزْنِيِّ بِهَا وَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَالْمُسْتَبْرَأَةُ كَأُمِّ الْوَلَدِ إذَا مَاتَ سَيِّدُهَا أَوْ أَعْتَقَهَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا قَالَهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ.
(وَيَحْرُمُ) أَيْضًا (تَعْرِيضٌ وَهُوَ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ النِّكَاحُ مَعَ احْتِمَالِ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ النِّكَاحِ (بِخِطْبَةِ) مُطَلَّقَةٍ (رَجْعِيَّةٍ) لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ.
(وَيَجُوزُ) التَّعْرِيضُ (فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَالْبَائِنِ بِطَلَاقِ ثَلَاثٍ وَ) الْبَائِنِ (بِغَيْرِ) الطَّلَاقِ (الثَّلَاثِ) كَالْمُخْتَلِعَةِ وَالْمُطَلَّقَةِ عَلَى عِوَضٍ.
(وَ) الْبَائِنِ (بِفَسْخِ لَعْنَةٍ وعَيْبٍ وَرَضَاعٍ) وَنَحْوِهِ وقَوْله تَعَالَى: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235](هِيَ) أَيْ الْمَرْأَةُ (فِي الْجَوَابِ) لِلْخَاطِبِ (كَهُوَ فِيمَا يَحِلُّ وَيُحَرَّمُ) فَيَجُوزُ لِلْبَائِنِ التَّعْرِيضُ فِي الْإِجَابَةِ وَيُحَرَّمُ عَلَيْهَا التَّصْرِيحُ وَعَلَى الرَّجْعِيَّةِ التَّعْرِيضُ وَالتَّصْرِيحُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّ الْخِطْبَةَ لِلْعَقْدِ فَلَا يَخْتَلِفَانِ فِي حِلِّهِ وَحُرْمَتِهِ.
(وَالتَّعْرِيضُ) مِنْ الْخَاطِبِ (نَحْوُ أَنْ يَقُولَ: إنِّي فِي مِثْلِكِ لَرَاغِبٌ وَلَا تُفَوِّتِينِي بِنَفْسِكِ وَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُكِ فَأَعْلِمِينِي وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّهَا عَلَى رَغْبَتِهِ فِيهَا) نَحْوُ مَا أَحْوَجَنِي إلَى مِثْلِكِ (وَتُجِيبُهُ) تَعْرِيضًا نَحْوَ (مَا يُرْغَبُ عَنْكَ وَإِنْ قُضِيَ شَيْءٌ كَانَ وَنَحْوَ ذَلِكَ) نَحْو إنْ يَكُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ.
(فَإِنْ صَرَّحَ) الْخَاطِبُ (بِالْخِطْبَةِ أَوْ عَرَّضَ) بِالْخِطْبَةِ (فِي مَوْضِعٍ يَحْرُمَانِ فِيهِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ حِلِّهَا) وَانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا (صَحَّ نِكَاحُهُ) لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي ذَلِكَ تَقْدِيمٌ حُظِرَ عَلَى الْعَقْدِ.
(وَلَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَخْطُبَ) امْرَأَةً عَلَى خِطْبَةِ مُسْلِمٍ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَتْرُكَ»
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَلِأَنَّ فِي خِطْبَةِ الثَّانِي إفْسَادًا عَلَى الْأَوَّلِ وَإِيقَاعٌ لِلْعَدَاوَةِ وَ (لَا) تَحْرُمُ خِطْبَةٌ عَلَى خِطْبَةِ (كَافِرٍ) لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ «عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» (كَمَا لَا) يَجِبُ أَنْ (يَنْصَحَهُ نَصًّا) لِحَدِيثِ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّ النَّهْيَ خَاصٌّ بِالْمُسْلِمِ وَإِلْحَاقُ غَيْرِهِ بِهِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ مِثْلُهُ وَلَيْسَ الذِّمِّيُّ كَالْمُسْلِمِ وَلَا حُرْمَتُهُ كَحُرْمَتِهِ (إنْ أُجِيبَ) الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ (تَصْرِيحًا أَوْ تَعْرِيضًا إنْ عَلِمَ) الثَّانِي بِخِطْبَةِ الْأَوَّلِ وَإِجَابَتِهِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ كَانَ مَعْذُورًا بِالْجَهْلِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْإِجَابَةِ.
(فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ خَطَبَ عَلَى خِطْبَتِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ وَعَقَدَ عَلَيْهَا (صَحَّ الْعَقْدُ كَالْخِطْبَةِ) أَيْ كَمَا لَوْ خَطَبَهَا (فِي الْعِدَّةِ) لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ لَا يُقَارِنُ الْعَقْدَ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ (بِخِلَافِ الْبَيْعِ) عَلَى بَيْعِ الْمُسْلِمِ.
(فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ) الثَّانِي (أُجِيبَ) الْأَوَّلُ (أَمْ لَا) جَازَ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِالْجَهْلِ (أَوْ رُدَّ) الْأَوَّلُ جَازَ لِمَا رَوَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ «أَنَّهَا أَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَاهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ الْعَصَا عَنْ عَاتِقِهِ انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَلَوْ) كَانَ رَدَّهُ (بَعْدَ الْإِجَابَةِ) فَيَجُوزُ لِلثَّانِي الْخِطْبَةُ لِأَنَّ الْإِعْرَاضَ عَنْ الْأَوَّلِ لَيْسَ مِنْ قِبَلِهِ (أَوْ لَمْ يُرْكَنْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ بِمَعْنَى عَدَمِ الْإِجَابَةِ (أَوْ أَذِنَ) الْأَوَّلُ (لَهُ) أَيْ لِلثَّانِي فِي الْخِطْبَةِ جَازَ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ (أَوْ سَكَتَ) الْأَوَّلُ (عَنْهُ) بِأَنْ اسْتَأْذَنَ الثَّانِي الْأَوَّلَ فَسَكَتَ عَنْهُ جَازَ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّرْكِ (لَوْ كَانَ) الْأَوَّلُ (قَدْ عَرَّضَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَمَنْ خَطَبَ تَعْرِيضًا فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا فَلَا يُنْهِي غَيْرَهُ عَنْ الْخِطْبَةِ (أَوْ تَرَكَ) الْأَوَّلُ (الْخِطْبَةَ جَازَ) لِلثَّانِي أَنْ يَخْطُبَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَتْرُكَ» وَكَذَا لَوْ لَمْ يَعُدْ الْخَاطِبُ حَتَّى طَالَتْ الْمُدَّةُ وَتَضَرَّرَتْ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ أَوْ زَالَتْ وِلَايَةُ الْوَلِيِّ الْمُجِيبِ بِمَوْتٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ كَانَتْ الْإِجَابَةُ مِنْ الْمَرْأَةِ ثُمَّ جُنَّتْ ذَكَرَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ.
(وَلَا يُكْرَهُ لِلْوَلِيِّ) الْمُجْبَرِ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِجَابَةِ لِغَرَضٍ (وَلَا) يُكْرَهُ (لِلْمَرْأَةِ) غَيْرِ الْمُجْبَرَةِ (الرُّجُوعُ عَنْ الْإِجَابَةِ لِغَرَضٍ) صَحِيحٍ لِأَنَّهُ عَقْدُ عُمْرٍ يَدُومُ الضَّرَرُ فِيهِ فَكَانَ لَهَا الِاحْتِيَاطُ لِنَفْسِهَا وَالنَّظَرُ فِي حَظِّهَا وَالْوَلِيُّ قَائِمٌ مَقَامَهَا فِي ذَلِكَ (وَبِلَا غَرَضٍ) صَحِيحٍ (يُكْرَهُ) الرُّجُوعُ مِنْهُ وَمِنْهَا لِمَا فِيهِ مِنْ إخْلَافِ الْوَعْدِ وَالرُّجُوعِ عَنْ الْقَوْلِ
وَلَمْ يُحَرَّمْ لِأَنَّ الْحَقَّ بَعْدُ لَمْ يَلْزَمْ كَمَنْ سَاوَمَ لِسِلْعَةٍ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ لَا يَبِيعَهَا.
(وَأَشَدُّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ تَحْرِيمِ الْخِطْبَةِ عَلَى الْخِطْبَةِ (تَحْرِيمًا مَنْ فَرَضَ لَهُ وَلِيُّ الْأَمْرِ عَلَى الصَّدَقَاتِ أَوْ غَيْرِهَا) كَالْجَوَالِي (مَا يَسْتَحِقّهُ فَيَجِيءُ مَنْ زَاحَمَهُ) فِيهِ (أَوْ) مَنْ (يَنْزِعُهُ عَنْهُ) لِأَنَّهُ أَشَدُّ إيذَاءً لَهُ مِنْ خِطْبَةٍ عَلَيْهِ.
(وَالتَّعْوِيلُ فِي الرَّدِّ وَالْإِجَابَةِ عَلَيْهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ (إنْ لَمْ تَكُنْ مُجْبَرَةً) لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَلَوْ أَجَابَتْ الْوَلِيَّ وَرَغِبَتْ هِيَ عَنْ النِّكَاحِ كَانَ الْأَمْرُ أَمْرَهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَتْ مُجْبَرَةً (فَ) التَّعْوِيلُ فِي الرَّدِّ وَالْإِجَابَةِ (عَلَى الْوَلِيِّ) لِأَنَّهُ مَلَكَ تَزْوِيجَهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا فَكَانَتْ الْعِبْرَةُ بِهِ لَا بِهَا (لَكِنْ لَوْ كَرِهَتْ) الْمُجْبَرَةُ (الْمُجَابَ وَاخْتَارَتْ) كُفُؤًا (غَيْرَهُ وَعَيَّنَتْهُ سَقَطَ حُكْمُ إجَابَةِ وَلِيِّهَا لِأَنَّ اخْتِيَارَهَا) إذَا تَمَّ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ (يُقَدَّمُ عَلَى اخْتِيَارِهِ) .
(قَالَ الشَّيْخُ وَلَوْ خَطَبَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ وَلِيُّهَا الرَّجُلَ ابْتِدَاءً فَأَجَابَهَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحِلَّ لِرَجُلٍ آخَرَ خِطْبَتُهَا) لِأَنَّهُ إيذَاءٌ لَهُ (إلَّا أَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْخَاطِبَ) لِأَنَّهُ دُونَهُ فِي الْإِيذَاءِ ثُمَّ ذَكَرَ الشَّيْخُ مَسْأَلَةً وَقَعَ فِيهَا فِي كَلَامِهِ سَقْطُ كَلِمَةٍ فَتَرَكَهَا الْمُصَنِّفُ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ (وَنَظِيرُ الْأُولَى) وَهِيَ الَّتِي ذَكَرْتُ لَكَ فِي الْمَتْنِ (أَنْ تَخْطُبَهُ امْرَأَةٌ أَوْ) يَخْطُبَهُ (وَلِيُّهَا بَعْدَ أَنْ خَطَبَ هُوَ امْرَأَةً فَإِنَّ هَذَا إيذَاءٌ لِلْمَخْطُوبِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ كَمَا أَنَّ ذَلِكَ إيذَاءٌ لِلْخَاطِبِ وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ قَبْلَ انْعِقَادِ الْعَقْدِ) أَيْ لُزُومِهِ (وَذَلِكَ كُلُّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَرَامًا انْتَهَى) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ نَقِيضُ جَوَازِ خِطْبَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى خِطْبَةِ أُخْتِهَا وَصَرَّحَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ بِالْمَنْعِ وَلَعَلَّ الْعِلَّةَ تُسَاعِدُهُ.
(وَالسَّعْيُ مِنْ الْأَبِ لِلْأَيِّمِ فِي التَّزْوِيجِ وَاخْتِيَارُ الْأَكْفَاءِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ) بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ (لِفِعْلِ عُمَرَ رضي الله عنه) حَيْثُ عَرَضَ حَفْصَةَ عَلَى عُثْمَانَ رضي الله عنهم قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ.
(وَلَوْ أَذِنَتْ) امْرَأَةٌ (لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَهَلْ يُحَرَّمُ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ خِطْبَتُهَا أَمْ لَا) يُحَرَّمُ فِيهِ (احْتِمَالَانِ) أَحَدُهُمَا يُحَرَّمُ كَمَا لَوْ خُطِبَتْ فَأَجَابَتْ قَالَ التَّقِيُّ الْفَتُوحِيُّ الْأَظْهَرُ التَّحْرِيمُ وَالثَّانِي لَا يُحَرَّمُ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْطُبْهَا أَحَدٌ وَهُمَا لِلْقَاضِي أَبِي يَعْلَى قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَهَذَا دَلِيلٌ مِنْ الْقَاضِي أَنَّ سُكُوتَ الْمَرْأَةِ عِنْدَ الْخِطْبَةِ لَيْسَ بِخِطْبَةٍ بِحَالٍ.
(وَيُسْتَحَبُّ عَقْدُ النِّكَاحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَسَاءً) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «أَمْسُوا بِالْمَلَاكِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ» رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِمَقْصُودِهِ وَلِأَنَّهُ يَوْمٌ شَرِيفٌ وَيَوْمُ عِيدٍ وَالْبَرَكَةُ فِي النِّكَاحِ مَطْلُوبَةٌ فَاسْتُحِبَّ لَهُ أَشْرَفُ الْأَيَّامِ طَلَبًا لِلْبَرَكَةِ وَالْإِمْسَاءُ بِهِ لِأَنَّ فِي آخِرِ النَّهَارِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَاعَةُ الْإِجَابَةِ.
وَيُسْتَحَبُّ
أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ (بَعْدَ خُطْبَةِ) عَبْدِ اللَّهِ (بْنِ مَسْعُودٍ) رضي الله عنه (يَخْطُبُهَا الْعَاقِدُ) أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْحَاضِرِينَ (قَبْلَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ) .
وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ وَإِنْ أَخَّرَ الْخُطْبَةَ عَنْ الْعَقْدِ جَازَ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ يَنْبَغِي أَنْ تُقَالَ مَعَ النِّسْيَانِ بَعْدَ الْعَقْدِ (وَكَانَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ إذَا حَضَرَ عَقْدَ نِكَاحٍ وَلَمْ يَخْطُبْ فِيهِ بِهَا قَامَ وَتَرَكَهُمْ) وَهَذَا مِنْهُ عَلَى طَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ فِي اسْتِحْبَابهَا (وَلَيْسَتْ وَاجِبَةٌ) لِأَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «زَوِّجْنِيهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ خُطْبَةً وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ «رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ قَالَ خَطَبْتُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُمَامَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَنْكَحَنِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَشَهَّدَ» وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَمْ تَجِبْ فِيهِ خُطْبَةٌ كَالْبَيْعِ.
(وَهِيَ) أَنَّ خُطْبَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ «عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم التَّشَهُّدَ فِي الصَّلَاةِ وَالتَّشَهُّدَ فِي الْحَاجَةِ» (إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَفَتْحِهَا عَلَى أَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ (نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَيَقْرَأُ ثَلَاثَ آيَاتٍ) فَفَسَّرَهَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]{اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70] الْآيَةَ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَاقْتَصَرَ فِي الْمُقْنِعِ وَالْمُنْتَهَى عَلَى خُطْبَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ زَادَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ (وَبَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالنِّكَاحِ وَنَهَى عَنْ السِّفَاحِ فَقَالَ مُخْبِرًا وَآمِرًا {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32] الْآيَةَ) قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ هَذِهِ الْآيَةَ أَيْضًا (وَيُجْزِئُ عَنْ ذَلِكَ أَنْ يَتَشَهَّدَ وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا دُعِيَ لِيُزَوِّجَ قَالَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ إنَّ فُلَانًا يَخْطُبُ إلَيْكُمْ فُلَانَةَ فَإِنْ أَنْكَحْتُمُوهُ فَالْحَمْدُ
لِلَّهِ وَإِنْ رَدَدْتُمُوهُ فَسُبْحَانَ اللَّهِ ".
(وَالْمُسْتَحَبُّ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ) لِمَا تَقَدَّمَ (لَا) خُطْبَتَانِ (اثْنَتَانِ إحْدَاهُمَا) مِنْ الْعَاقِدِ وَالْأُخْرَى (مِنْ الزَّوْجِ قَبْلَ قَبُولِهِ) لِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ السَّلَفِ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ أَوْلَى مَا اُتُّبِعَ.
(وَيُسْتَحَبُّ ضَرْبُ الدُّفِّ) الَّذِي لَا حَلْقَ فِيهِ وَلَا صُنُوجَ (وَالصَّوْتُ فِي الْإِمْلَاكِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ التَّزْوِيجِ (حَتَّى يَشْتَهِرَ وَيُعْرَفَ نَصًّا قِيلَ لِأَحْمَدَ مَا الصَّوْتُ قَالَ يَتَكَلَّمُ وَيَتَحَدَّثُ وَيَظْهَرُ وَيُسَنُّ إظْهَارُهُ النِّكَاحُ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ الصَّوْتُ وَالدُّفُّ فِي النِّكَاحِ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ (وَيَأْتِي آخِرَ الْوَلِيمَةِ) .
(وَ) يُسَنُّ (أَنْ يُقَالَ لِلْمُتَزَوِّجِ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ وَعَلَيْكَ وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ وَعَافِيَةٍ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا رَفَّأَ إنْسَانًا تَزَوَّجَ قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ وَبَارَكَ عَلَيْكَ وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ «بَارَكَ اللَّهُ لَكَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» .
(وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَقُولَ) الزَّوْجُ (إذَا زُفَّتْ إلَيْهِ) الْمَرْأَةُ (اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلَكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ) لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «إذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً أَوْ اشْتَرَى خَادِمًا فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ وَإِذَا اشْتَرَى بَعِيرًا أَخَذَ بِذِرْوَةِ سَنَامِهِ وَلْيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أَسِيدٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَ فَحَضَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو ذَرٍّ وَحُذَيْفَةُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا لَهُ: إذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خُذْ بِرَأْسِ أَهْلِكَ ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لِي فِي أَهْلِي وَبَارِكْ لِأَهْلِي فِي وَارْزُقْنِي مِنْهُمْ ثُمَّ شَأْنَكَ وَشَأْنَ أَهْلِكَ " رَوَاهُ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ فِي مَسَائِلِهِ عَنْ أَبِيهِ بِإِسْنَادِهِ.