الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَرَامًا (إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ) مَعَ خُلُوِّهَا عَنْ الْمَوَانِعِ وَبَاقِي شُرُوطِهِ وَإِنْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ فِي الْبَاطِنِ فَإِنْكَارُهَا لَا أَثَرَ لَهُ وَتَحِلُّ لَهُ وَيَحْصُلُ التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا كَمَا ذَكَرَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ فِي مَوَاضِعَ تَقَدَّمَ بَعْضُهَا وَتَأْتِي بَقِيَّتُهَا (فَإِنْ أَقَرَّ الْوَلِيُّ عَلَيْهَا) بِالنِّكَاحِ بِأَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَوَّجَهَا مِنْ الْمُدَّعِي وَأَنْكَرَتْ (وَكَانَ الْوَلِيُّ مِمَّنْ يَمْلِكُ إجْبَارَهَا) كَأَبِي الْبِكْرِ وَوَصِيُّهُ فِي النِّكَاحِ (صَحَّ إقْرَارُهُ) لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ إنْشَاءَ عَقْدٍ مَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ الْوَلِيُّ مُجْبِرًا كَالْجَدِّ وَالْعَمِّ وَالْأَخِ (فَلَا) يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْر مَا لَمْ تَقِرَّ بِالْإِذْنِ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ الشَّرْطُ الثَّالِثُ الْوَلِيُّ]
(فَصْلٌ) الشَّرْطُ (الثَّالِثُ: الْوَلِيُّ فَلَا يَصِحُّ نِكَاحٌ إلَّا بِوَلِيٍّ) لِمَا رَوَى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ.
وَقَالَ الْمَرْوَزِيُّ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ وَيَحْيَى عَنْ حَدِيثِ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» فَقَالَا: صَحِيحٌ وَهُوَ لِنَفْيِ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ بِدَلِيلِ مَا رَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ لَا يُقَالُ:
يُمْكِنُ حَمْلُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ لِأَنَّ كَلَامَ الشَّارِعِ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ أَيْ لَا نِكَاحَ شَرْعِيٌّ أَوْ مَوْجُودٌ فِي الشَّرْعِ إلَّا بِوَلِيٍّ وَلَا يُقَالُ: لِلثَّانِي أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِهِ مَعَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ نِكَاحِهَا لِنَفْسِهَا لِأَنَّهُ إضَافَةٌ إلَيْهِنَّ وَلِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهَا فَصَحَّ مِنْهَا كَبَيْعِ أَمَتِهَا لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إنَّمَا تُزَوِّجُ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا.
وَأَمَّا الْآيَةُ فَالنَّهْيُ عَنْ الْعَضْلِ عَمَّ الْأَوْلِيَاءَ وَنَهْيُهُمْ عَنْهُ دَلِيلٌ عَلَى اشْتِرَاطِهِمْ إذْ الْعَضْلُ
لُغَةً الْمَنْعُ وَهُوَ شَامِلٌ لِلْعَضْلِ الْحِسِّيِّ وَالشَّرْعِيِّ ثُمَّ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ حِين امْتَنَعَ مِنْ تَزْوِيجِ أُخْتِهِ فَدَعَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَزَوَّجَهَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِمَعْقِلٍ وِلَايَةٌ وَأَنَّ الْحُكْمَ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهِ لَمَا عُوتِبَ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الْإِضَافَةُ إلَيْهِنَّ فَلِأَنَّهُنَّ مَحَلٌّ لَهُ (فَلَوْ زَوَّجَتْ) امْرَأَةٌ (نَفْسَهَا أَوْ) زَوَّجَتْ (غَيْرَهَا) كَأَمَتِهَا وَبِنْتِهَا وَأُخْتِهَا وَنَحْوِهَا (أَوْ وَكَّلَتْ) امْرَأَةٌ (غَيْرَ وَلِيِّهَا فِي تَزْوِيجِهَا وَلَوْ بِإِذْنِ وَلِيِّهَا فِيهِنَّ) أَيْ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ (لَمْ يَصِحَّ) النِّكَاحُ لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِهِ وَلِأَنَّهَا غَيْرُ مَأْمُونَةٍ عَلَى الْبُضْعِ لِنَقْصِ عَقْلِهَا وَسُرْعَةِ انْخِدَاعِهَا فَلَمْ يَجُزْ تَفْوِيضُهُ إلَيْهَا كَالْمُبَذِّرِ فِي الْمَالِ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ أَنْ تُوَكِّلَ فِيهِ، وَلَا أَنْ تَتَوَكَّلَ فِيهِ.
وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ (فَإِنْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ حَاكِمٌ) لَمْ يُنْقَضْ (أَوْ كَانَ الْمُتَوَلِّي الْعَقْدَ حَاكِمًا) يَرَاهُ (لَمْ يُنْقَضْ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ) إذَا حَكَمَ بِهَا مَنْ يَرَاهَا لَمْ يُنْقَضْ لِأَنَّهُ يُسَوَّغُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ فَلَمْ يَجُزْ نَقْضُ الْحُكْمِ بِهَا (كَمَا لَوْ حَكَمَ بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ) وَنَحْوِهِ مِمَّا لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغٌ وَلَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةُ قَاطِعٍ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي الْقَضَاءِ وَهَذَا النَّصُّ مُتَأَوَّلٌ وَفِي صِحَّتِهِ كَلَامٌ وَقَدْ عَارَضَهُ ظَوَاهِرُ.
(وَيُزَوِّجُ أَمَتَهَا بِإِذْنِهَا) أَيْ الْمَالِكَةِ (بِشَرْطِ نُطْقِهَا) أَيْ الْمَالِكَةِ (بِهِ) أَيْ بِالْإِذْنِ (مَنْ يُزَوِّجهَا) أَيْ الْمَالِكَةَ مِنْ أَبٍ وَجَدٍّ وَأَخٍ وَعَمٍّ وَنَحْوِهِمْ لِأَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ كَوْنُ الْوِلَايَةِ لِلْمَالِكَةِ فَامْتَنَعَتْ فِي حَقِّهَا لِقُصُورِهَا فَتَثْبُتُ لِأَوْلِيَائِهَا كَوِلَايَةِ نَفْسِهَا وَلِأَنَّهُمْ يَلُونَهَا لَوْ عَتَقَتْ فَفِي حَالِ رِقِّهَا أَوْلَى.
(وَلَوْ) كَانَتْ الْمَالِكَةُ (بِكْرًا) فَلَا بُدَّ مِنْ نُطْقِهَا بِالْإِذْنِ لِأَنَّ صُمَاتَهَا إنَّمَا اكْتَفَى بِهِ فِي تَزْوِيجِهَا نَفْسِهَا لِحَيَائِهَا وَلَا تَسْتَحْيِي فِي تَزْوِيجِ أَمَتِهَا (إنْ كَانَتْ) الْمَالِكَةُ (غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهَا) لِحَظِّ نَفْسِهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَتْ مَحْجُورًا عَلَيْهَا لِصِغَرٍ أَوْ سَفَهٍ أَوْ جُنُونٍ (فَيُزَوِّجُ أَمَتَهَا وَلِيُّهَا فِي مَالِهَا) مِنْ أَبٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ حَاكِمٍ أَوْ قِيمَةٍ فَقَطْ (إنْ كَانَ الْحَظُّ فِي تَزْوِيجِهَا) لِأَنَّ التَّزْوِيجَ تَصَرُّفٌ فِي الْمَالِ وَالْأَمَةُ مَالٌ، وَلَا إذْنَ لِلْمَالِكَةِ إذَنْ.
(وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي أَمَةِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ) أَوْ الْمَجْنُونِ أَوْ السَّفِيهِ فَيُزَوِّجُهَا أَبُوهُ لِمَصْلَحَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبٌ فَوَصِيُّهُ ثُمَّ الْحَاكِمُ ثُمَّ قَيِّمُهُ (وَيُجْبِرُهَا مَنْ يُجْبِرُ سَيِّدَتَهَا) إنْ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى الْأَمَةِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِهِ فَلَا مَفْهُوم لَهُ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُزَوِّجُ الْأَمَةَ بِلَا إذْنِهَا وَلِيٌّ لِسَيِّدَتِهَا بِإِذْنِ سَيِّدَتِهَا كَمَا تَقَدَّمَ إنْ لَمْ تَكُنْ مَحْجُورًا عَلَيْهَا وَإِلَّا زَوَّجَهَا وَلِيُّهَا فِي مَالِهَا وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ يُجْبِرُ الْعَتِيقَةَ مَنْ يُجْبِرُ مَوْلَاتَهَا كَمَا فِي الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ فَمَعْنَاهُ أَنَّ أَبَا الْمُعْتَقَةِ يُجْبِرُ عَتِيقَةَ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ قَالَ الزَّرْكَشِيّ:
وَهُوَ بَعِيدٌ وَقَالَ عَنْ عَدَمِ الْإِجْبَارِ إنَّهُ الصَّحِيحُ الْمَقْطُوعُ بِهِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا قَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَهُوَ كَمَا قَالَ فِي الْكَبِيرَةِ يَعْنِي إذَا كَانَتْ الْعَتِيقَةُ كَبِيرَةً لَا إجْبَارَ بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ يَتِمَّ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَى التَّمْثِيلِ بِهَا فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى.
(وَيُزَوِّجُ مُعْتَقَتَهَا) أَيْ عَتِيقَةَ الْمَرْأَةِ (عَصَبَةُ الْمُعْتَقَةِ) بِفَتْحِ التَّاءِ بِضَبْطِ الْمُصَنِّفِ (مِنْ النَّسَبِ) كَأَبِيهَا وَابْنِهَا وَأَخِيهَا وَنَحْوِهِمْ لِأَنَّ عَصَبَةَ النَّسَبِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى عَصَبَةِ الْوَلَاءِ (فَإِنْ عُدِمَ) عَصَبَتُهَا مِنْ النَّسَبِ (فَأَقْرَبُ وَلِيٍّ لِسَيِّدَتِهَا الْمُعْتِقَةِ) يُزَوِّجُ الْعَتِيقَةَ (بِإِذْنِهَا) أَيْ الْعَتِيقَةِ لِأَنَّهُمْ عَصَبَاتٌ يَرِثُونَ وَيَعْقِلُونَ فَكَذَلِكَ يُزَوِّجُونَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا الْإِجْبَارُ وَصَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ قَالَ: وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إجْبَارٍ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ الْعَصَبَاتِ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ (فَإِنْ اجْتَمَعَ ابْنُ الْمُعْتِقَةِ وَأَبُوهَا فَالِابْنُ أَوْلَى) بِتَزْوِيجِ عَتِيقَةِ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ، وَالْأَبُ إنَّمَا قُدِّمَ فِي نِكَاحِ ابْنَتِهِ لِزِيَادَةِ شَفَقَتِهِ (وَلَا إذْنَ) يُعْتَبَرُ (لِسَيِّدَتِهَا) أَيْ الْمُعْتِقَةِ فِي تَزْوِيجِهَا لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهَا وَلَا مِلْكَ.
(وَأَحَقُّ النَّاسِ) الَّذِينَ لَهُمْ وِلَايَةُ النِّكَاحِ (بِنِكَاحِ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ أَبُوهَا)، لِأَنَّ الْوَلَدَ مَوْهُوبٌ لِأَبِيهِ قَالَ تَعَالَى:{وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى} [الأنبياء: 90] .
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [إبراهيم: 39] ، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» وَإِثْبَاتُ وِلَايَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى الْهِبَةِ أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ وَلِأَنَّ الْأَبَ أَكْمَلُ شَفَقَةً وَأَتَمُّ نَظَرًا بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهَا مِنْ مَالِهِ وَلَهُ مِنْ مَالِهَا، (ثُمَّ أَبُوهُ وَإِنْ عَلَا) لِأَنَّ الْجَدَّ لَهُ إيلَادٌ وَتَعْصِيبٌ أَشْبَهَ الْأَبَ (وَأَوْلَى الْأَجْدَادِ أَقْرَبُهُمْ) كَالْمِيرَاثِ، (ثُمَّ ابْنُهَا ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ) بِتَثْلِيثِ الْفَاءِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْمِيرَاثِ وَلِلِابْنِ وِلَايَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَ إلَيْهَا فَقَالَتْ: لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِي شَاهِدًا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَيْسَ مِنْ أَوْلِيَائِكِ شَاهِدٌ وَلَا غَائِبٌ يَكْرَهُ ذَلِكَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لَهَا وَلِيًّا شَاهِدًا أَيْ حَاضِرًا.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا ظَنَّتْ أَنَّ ابْنَهَا عُمَرَ لَا وِلَايَةَ لَهُ لِصِغَرِهِ، فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَهَا سَنَةَ أَرْبَعٍ.
وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: كَانَ عُمْرُهُ حِينَ وَفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم تِسْعَ سِنِينَ، وَإِنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ اثْنَيْنِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ عُمْرُهُ حِينَ التَّزْوِيجِ سَنَتَيْنِ انْتَهَى.
وَقَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَحَدِيثُ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ حِينَ زُوِّجَ
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُمَّهُ أُمَّ سَلَمَةَ أَلَيْسَ كَانَ صَغِيرًا؟ قَالَ: وَمَنْ يَقُولُ كَانَ صَغِيرًا؟ أَلَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ (ثُمَّ أَخُوهَا) لِأَبَوَيْهَا كَالْمِيرَاثِ (ثُمَّ) أَخُوهَا (لِأَبِيهَا) كَالْإِرْثِ (ثُمَّ بَنُوهُمَا كَذَلِكَ) ، فَيُقَدَّمُ ابْنُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ عَلَى ابْنِ الْأَخِ لِأَبٍ كَالْمِيرَاثِ ثُمَّ بَنُوهُمَا كَذَلِكَ (وَإِنْ نَزَلُوا) كَالْإِرْثِ، (ثُمَّ الْعَمُّ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ) الْعَمُّ (لِأَبٍ ثُمَّ بَنُوهُمَا كَذَلِكَ وَإِنْ نَزَلُوا) الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، (ثُمَّ أَقْرَبُ الْعَصَبَاتِ عَلَى تَرْتِيبِ الْمِيرَاثِ) لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مَبْنَاهَا عَلَى النَّظَرِ وَالشَّفَقَةِ، وَمَظِنَّةُ ذَلِكَ الْقَرَابَةُ وَالْأَحَقُّ بِالْمِيرَاثِ هُوَ الْأَقْرَبُ فَيَكُونُ أَحَقَّ بِالْوِلَايَةِ.
قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْوِلَايَةَ فِي النِّكَاحِ لَا تَثْبُتُ إلَّا لِمَنْ يَرِثُ بِالتَّعْصِيبِ، عَلَى هَذَا لَا يَلِي بَنُو أَبٍ أَعْلَى مَعَ بَنِي أَبٍ أَقْرَبَ مِنْهُ وَإِنْ نَزَلَتْ دَرَجَتُهُمْ وَأَوْلَى وَلَدِ كُلِّ أَبٍ أَقْرَبُهُمْ إلَيْهِ لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا (فَإِذَا كَانَ ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ، فَكَأَخٌ لِأَبَوَيْنِ وَأَخٌ لِأَبٍ) ، أَيْ فَيُقَدَّمُ ابْنُ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ مِنْ أُمٍّ عَلَى مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي وَالشَّارِحِ وَطَائِفَةٍ.
وَقَالَ الْمُوَفَّقُ: هُمَا سَوَاءٌ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي التَّعْصِيب وَالْإِرْثِ بِهِ، وَجِهَةُ الْأُمِّ يُورَثُ بِهَا مُنْفَرِدَةً فَلَا تَرْجِيحَ بِهَا فَعَلَى هَذَا لَوْ اجْتَمَعَ ابْنُ عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ وَابْنُ عَمٍّ لِأَبٍ هُوَ أَخٌ مِنْ أُمٍّ فَالْوِلَايَةُ لِابْنِ الْعَمِّ مِنْ الْأَبَوَيْنِ (ثُمَّ الْمَوْلَى الْمُنْعِمُ) بِالْعِتْقِ لِأَنَّهُ يَرِثُهَا وَيَعْقِلُ عَنْهَا عِنْدَ عَدَمِ عَصَبَتِهَا مِنْ النَّسَبِ فَكَانَ لَهُ تَزْوِيجُهَا (ثُمَّ أَقْرَبُ عَصَبَاتِهِ) فَأَقْرَبُهُمْ عَلَى تَرْتِيبِ الْمِيرَاثِ، ثُمَّ مَوْلَى الْمَوْلَى ثُمَّ عَصَبَاتُهُ كَذَلِكَ، ثُمَّ مَوْلَى مَوْلَى الْمَوْلَى ثُمَّ عَصَبَاتُهُ كَذَلِكَ (وَيُقَدَّمُ هُنَا ابْنَهُ وَإِنْ نَزَلَ عَلَى أَبِيهِ) لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِالْمِيرَاثِ وَأَقْوَى فِي التَّعْصِيبِ.
وَإِنَّمَا قَدَّمَ أَبَ النَّسَبِ بِزِيَادَةِ شَفَقَتِهِ وَفَضِيلَةِ وِلَادَتِهِ وَهَذَا مَعْدُومٌ فِي أَبِ الْمُعْتِقِ فَرَجَعَ فِيهِ إلَى الْأَصْلِ (ثُمَّ السُّلْطَانُ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا» (وَهُوَ) أَيْ السُّلْطَانُ (الْإِمَامُ) الْأَعْظَمُ (أَوْ) نَائِبُهُ (الْحَاكِمُ وَمَنْ فَوَّضَا إلَيْهِ) الْأَنْكِحَةَ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْأَمِيرَ لَا يُزَوِّجُ وَهُوَ مُقْتَضَى نَصِّ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، الْقَاضِي يَقْضِي فِي التَّزَوُّجِ وَالْحُقُوقِ وَالرَّجْمِ وَصَاحِبُ الشُّرَط إنَّمَا هُوَ مُسَلَّطٌ فِي الْأَدَبِ وَالْجِنَايَةِ، وَلَيْسَ إلَيْهِ الْمَوَارِيثُ وَالْوَصَايَا وَالْفُرُوجُ وَالرَّجْمُ وَالْحُدُودُ، وَهُوَ إلَى الْقَاضِي أَوْ إلَى الْخَلِيفَةِ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَرْوَزِيِّ: فِي الرُّسْتَاقِ يَكُونُ فِيهِ الْمَوْلَى وَلَيْسَ فِيهِ قَاضٍ يُزَوَّجُ إذَا احْتَاطَ لَهَا فِي الْمَهْرِ، وَالْكُفْءُ أَجْوَزُ أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى أَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التَّزْوِيجِ لِمَا تَقَدَّمَ.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْأَظْهَرُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْقَاضِي، لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّرْحِ
وَهُوَ مَعْنَى مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا يَأْتِي (وَلَوْ) كَانَ الْإِمَامُ أَوْ الْحَاكِمُ مِنْ بُغَاةٍ إذَا اسْتَوْلَوْا عَلَى بَلَدٍ لِأَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ حُكْمُ سُلْطَانِهِمْ وَقَاضِيهِمْ، مَجْرَى حُكْمِ الْإِمَامِ وَقَاضِيهِ.
وَإِذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ خُلُوَّهَا مِنْ الْمَوَانِعِ، وَأَنَّهَا لَا وَلِيَّ لَهَا زُوِّجَتْ، وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ (وَمَنْ حَكَّمَهُ الزَّوْجَانِ) بَيْنَهُمَا (وَهُوَ صَالِحٌ لِلْحُكْمِ كَحَاكِمٍ) مُوَلَّى مِنْ قِبَلِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ لِمَا يَأْتِي فِي الْقَضَاءِ.
(وَلَا وِلَايَةَ لِغَيْرِ الْعَصَبَاتِ) النَّسَبِيَّةِ وَالسَّبَبِيَّةِ مِنْ (الْأَقَارِبِ كَالْأَخِ مِنْ الْأُمِّ وَالْخَالِ وَعَمِّ الْأُمِّ وَأَبِيهَا وَنَحْوِهِمْ) ، لِقَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه " إذَا بَلَغَ النِّسَاءُ نَصَّ الْحَقَائِقِ فَمَا لِعَصَبَةٍ أَوْلَى، يَعْنِي إذَا أَدْرَكَنِي " رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْغَرِيبِ وَلِأَنَّ مَنْ لَيْسَ يَعْصِبُهَا شَبِيهٌ بِالْأَجْنَبِيِّ مِنْهَا وَفِي نُسْخَةٍ: لِغَيْرِ الْعَصَبَاتِ وَالْأَقَارِبِ وَمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْحِلُّ أَوْلَى وَقَوْلُهُ: " مِنْ الْأَقَارِبِ ": صِفَةٌ لِغَيْرِ الْعَصَبَات أَوْ حَالٌ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مَفْهُومُهُ لَيْسَ مُرَادًا بَلْ عَصَبَةُ الْوَلَاءِ أَيْضًا لَهَا الْوِلَايَةُ لَكِنَّهَا الْمُؤَخَّرَةُ عَنْ عَصَبَةِ النَّسَبِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَلَا) وِلَايَةَ (لِمَنْ أَسْلَمَتْ) الْمَرْأَةُ (عَلَى يَدَيْهِ) وَلَا لِمُلْتَقِطٍ لِأَنَّهُ لَا نَسَبَ وَلَا وَلَاءَ لِحَدِيثِ «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» .
(فَإِنْ عُدِمَ الْوَلِيُّ مُطْلَقًا) بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِمَّنْ تَقَدَّمَ (أَوْ عَضَلُ) وَلِيُّهَا وَلَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ (زَوَّجَهَا ذُو سُلْطَانٍ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، كَوَالِي الْبَلَدِ أَوْ كَبِيرِهِ أَوْ أَمِيرِ الْقَافِلَةِ وَنَحْوِهِ) لِأَنَّ لَهُ سَلْطَنَةً، (فَإِنْ تَعَذَّرَ) ذُو سُلْطَانٍ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ (زَوَّجَهَا عَدْلٌ بِإِذْنِهَا قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ فِي دِهْقَانِ قَرْيَةٍ) : بِكَسْرِ الدَّالِ وَتُضَمُّ وَدَهْقَنَ الرَّجُلُ وَتَدَهْقَنَ كَثُرَ مَالُهُ قَالَهُ فِي الْحَاشِيَةِ أَيْ (رَئِيسُهَا يُزَوِّجُ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا إذَا احْتَاطَ لَهَا فِي الْكُفُؤِ وَالْمَهْرِ، إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الرُّسْتَاقِ قَاضٍ) لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْوِلَايَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَمْنَعُ النِّكَاحَ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَمْ يَجُزْ، كَاشْتِرَاطِ كَوْنِ الْوَلِيِّ عَصَبَةً فِي حَقِّ مَنْ لَا عَصَبَةَ لَهَا.
(وَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ حَاكِمٌ وَأَبَى التَّزْوِيجَ إلَّا بِظُلْمٍ كَطَلَبِهِ جُعْلًا لَا يَسْتَحِقُّهُ)، إمَّا لَأَنْ يَكُونَ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَا يَكْفِيهِ أَوْ طَلَبَ زِيَادَةً عَلَى جُعْلٍ مِثْلِهِ (صَارَ وُجُودُهُ) أَيْ الْحَاكِمِ (كَعَدَمِهِ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ.
(وَوَلِيُّ أَمَةٍ وَلَوْ) كَانَتْ (آبِقَةَ سَيِّدُهَا) الْمُكَلَّفُ الرَّشِيدُ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنَافِعِهَا وَكَانَ إلَيْهِ كَالْإِجَارَةِ (وَلَوْ) كَانَ سَيِّدُهَا (فَاسِقًا أَوْ مُكَاتَبًا) لِأَنَّ تَزْوِيجَهُ إيَّاهَا تَصَرُّفٌ فِي مَالِهِ فَصَحَّ ذَلِكَ مِنْهُ كَبَيْعِهِ لَكِنْ لَا يُزَوِّجُهَا الْمُكَاتَبُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْكِتَابَةِ (فَإِنْ كَانَ لَهَا سَيِّدَانِ اشْتَرَكَا فِي الْوِلَايَةِ وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الِاسْتِقْلَالُ بِهَا) أَيْ بِالْوِلَايَةِ عَلَيْهَا (بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ) كَمَا لَا يَبِيعُهَا وَلَا يُؤَجِّرُهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلَا يَتَأَتَّى تَزْوِيجُ نَصِيبِهِ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَقَصُ (فَإِنْ اشْتَجَرَا) أَيْ سَيِّدَا الْأَمَةِ فِي تَزْوِيجِهَا (لَمْ يَكُنْ لِلسُّلْطَانِ وِلَايَةٌ) لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لِمُكَلَّفٍ رَشِيدٍ حَاضِرٍ، وَلَا وِلَايَةَ