الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَحْسَنَ الطَّلَاقِ (بِزَمَنٍ الْبِدْعَةِ لِشِبْهِهِ بِخُلُقِهَا الْقَبِيحِ أَوْ) نَوَى (بِأَقْبَحِهِ زَمَنَ السُّنَّةِ بِقُبْحِ عَشْرَتِهَا) فَإِنْ نَوَى الْأَغْلَظَ عَلَيْهِ قُبِلَ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ وَإِنْ نَوَى غَيْرَهُ (لَمْ يُقْبَلْ) قَوْلُهُ (إلَّا بِقَرِينَةٍ) لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ.
(وَ) إنْ قَالَ (أَنْتِ طَالِقٌ فِي الْحَالِ السُّنَّةِ، وَهِيَ حَائِضٌ، أَوْ) قَالَ أَنْتِ (طَالِقٌ الْبِدْعَةِ فِي الْحَالِ، وَهِيَ فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ) تَطْلُقُ فِي الْحَالِ وَتَلْغُو الصِّفَةُ (أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً حَسَنَةً قَبِيحَةً، أَوْ) طَلْقَةً (فَاحِشَةً جَمِيلَةً أَوْ) طَلْقَةً (تَامَّةً نَاقِصَةً تَطْلُقُ فِي الْحَالِ) لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِوَصْفَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ فَلَغِيَا وَبَقِيَ مُجَرَّدُ الطَّلَاقِ فَوَقَعَ.
وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقُ طَلَاقَ الْحَرَجِ فَقَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ لِأَنَّ الْحَرَجَ الضِّيقُ وَالْإِثْمُ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ يَقَعُ ثَلَاثًا لِأَنَّهُ الَّذِي يَمْنَعُهُ الرُّجُوعَ إلَيْهَا.
[بَابُ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَاتِهِ]
ِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقَ بِغَيْرِ لَفْظٍ فَلَوْ نَوَاهُ بِقَلْبِهِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ لَمْ يَقَعْ، خِلَافًا لِابْنِ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيُّ وَرُدَّ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ بِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ فَلَمْ يَحْصُلْ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ كَالْعِتْقِ.
وَانْقَسَمَ اللَّفْظُ إلَى صَرِيحٍ وَكِنَايَةٍ لِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ فَكَانَ لَهُ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ كَالْعِتْقِ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا الْإِزَالَةُ (الصَّرِيحُ مَا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ أَيْ بِحَسْبِ الْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ مِنْ كُلّ شَيْءٍ) وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ مِنْ طَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَظِهَارٍ وَغَيْرِهَا فَلَفْظُ الطَّلَاقِ صَرِيحٌ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ فِي الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ وَإِنْ قَبِلَ التَّأْوِيلَ عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِهِ فَانْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ قُنْدُسٍ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ (وَالْكِنَايَةُ مَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ وَيَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الصَّرِيحِ وَصَرِيحُهُ لَفْظُ الطَّلَاقِ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ) لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ عَلَى الْخُصُوصِ ثَبَتَ لَهُ عُرْفُ الشَّارِعِ وَالِاسْتِعْمَالِ، فَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَلَاقٌ أَوْ الطَّلَاقُ أَوْ طَلَّقْتُكِ أَوْ مُطَلَّقَةً فَهُوَ صَرِيحٌ (لَا غَيْرُ) أَيْ لَيْسَ صَرِيحُهُ غَيْرَ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ كَالسَّرَاحِ وَالْفِرَاق لِأَنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ كَثِيرًا فَلَمْ يَكُونَا صَرِيحَيْنِ، فِيهِ
كَسَائِرِ كِنَايَاتِهِ.
قَالَ تَعَالَى {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [البينة: 4] وَقَالَ {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الطَّلَاقُ إذْ الْآيَةُ فِي الرَّجْعَةِ وَهِيَ إذَا قَارَبَتْ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا أَنْ يُمْسِكَهَا بِرَجْعَةٍ وَإِمَّا أَنْ يَتْرُكَهَا حَتَّى تَنْقَضِي عِدَّتُهَا فَالْمُرَادُ بِالتَّسْرِيحِ فِي الْآيَةِ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ الْإِرْسَالُ (غَيْرُ أَمْرٍ نَحْوَ طَلِّقِي وَ) غَيْرُهُ (مُضَارِعٌ نَحْوَ أُطَلِّقُكِ وَ) غَيْرُ (مُطَلِّقَةٍ بِكَسْرِ اللَّام) اسْم فَاعِلٍ (فَلَا تَطْلُقُ بِهِ) لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْإِيقَاعِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْمُسَوَّدَةِ فِي الْبُيُوع بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَلْفَاظَ الْعُقُودِ بِالْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ وَاسْمِ الْفَاعِلِ وَاسْمِ الْمَفْعُولِ وَإِنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِالْمُضَارِعِ وَمَا كَانَ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مُحْتَمِلًا فَإِنَّهُ يَكُون كِنَايَةً حَيْثُ تَصِحُّ الْكِنَايَةُ كَالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ وَيُعْتَبَرُ دَلَالَاتِ الْأَحْوَالِ وَهَذَا الْبَابُ عَظِيمُ الْمَنْفَعَةِ خُصُوصًا فِي الْخُلْعِ وَبَابِهِ.
(وَإِذَا أَتَى بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ) غَيْرَ حَاكٍ وَنَحْوَهُ (وَقَعَ؛ نَوَاهُ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ) لِأَنَّ سَائِرَ الصَّرَائِحِ لَا تَفْتَقِر إلَى نِيَّةٍ فَكَذَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ فَيَقَعُ.
(وَلَوْ كَانَ) الْآتِي بِالصَّرِيحِ (هَازِلًا أَوْ لَاعِبًا) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعُ مَنْ يَحْفَظُ عَنْهُ وَسَنَدُهُ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ (أَوْ) كَانَ (مُخْطِئًا) قِيَاسًا عَلَى الْهَازِلِ (وَهُوَ) أَيْ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَنَحْوُهُ (إنْشَاءٌ) كَسَائِرِ صِيَغِ الْفُسُوخِ وَالْعُقُودِ (وَقَالَ الشَّيْخُ هَذِهِ صِيَغُ إنْشَاءٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُثْبِتُ الْحُكْمَ وَبِهَا تَمَّ وَهِيَ أَخْبَارٌ لِدَلَالَتِهَا عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي فِي النَّفْسِ) وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ يَطَّرِد فِي كُلِّ إنْشَاءٍ وَطَلَبٍ.
(وَإِنْ قَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ أَوْ) قَالَ (عَبْدِي حُرٌّ أَوْ) قَالَ (أَمَتِي حُرَّةٌ وَأَطْلَقَ النِّيَّةَ) فَلَمْ يَنْوِ مُعَيَّنًا وَلَا مُبْهَمًا مِنْ زَوْجَاته وَلَا عَبِيدِهِ وَلَا إمَائِهِ (طَلَّقَ جَمِيعَ نِسَائِهِ وَعَتَقَ عَبِيدُهُ وَإِمَاؤُهُ) لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْعِتْقِ.
(وَلَوْ قَالَ) لِامْرَأَتِهِ (كُلَّمَا قُلْتِ لِي شَيْئًا وَلَمْ أَقُلْ لَكِ مِثْلَهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ لَهُ: أَنْتِ طَالِقٌ بِفَتْحِ التَّاءِ أَوْ كَسْرِهَا فَلَمْ يَقُلْهُ) طَلُقَتْ لِوُجُودِ الصِّفَةِ (أَوْ قَالَهُ طَلُقَتْ) لِأَنَّهُ وَاجَهَهَا بِالطَّلَاقِ (وَلَوْ) قَالَهُ وَعَلَّقَهُ (بِشَرْطٍ) طَلُقَتْ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ لَهَا مِثْلَهُ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ غَيْرُ الْمُنْجَزِ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَلَهُ التَّمَادِي إلَى قُبَيْلِ الْمَوْتِ انْتَهَى وَلَوْ نَوَى فِي وَقْتِ كَذَا وَنَحْوِهِ
تَخَصَّصَ بِهِ لِأَنَّ تَخْصِيصَ اللَّفْظِ الْعَامِّ بِالنِّيَّةِ كَثِيرًا أَشَارَ إلَيْهِ فِي بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ وَمُجَرَّدُ النِّيَّةِ لَا يُخْرِجُ لَفْظَهُ عَنْ مُمَاثَلَةِ لَفْظِهَا (وَإِنْ قَالَ لَهَا) أَيْ لِمَنْ قَالَ لَهُمَا كُلَّمَا قُلْتِ لِي شَيْئًا وَلَمْ أَقُلْ لَكِ مِثْلَهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَتْ لَهُ أَنْتَ طَالِقٌ (أَنْتَ طَالِقُ بِفَتْحِ التَّاءِ طَلُقَتْ) كَمَا لَوْ وَاجَهَهَا بِذَلِكَ ابْتِدَاءً لِلْإِشَارَةِ وَالتَّعْيِينِ فَسَقَطَ حُكْمُ اللَّفْظِ.
(وَإِنْ) قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَ (ادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ طَالِق مِنْ وَثَاقٍ أَوْ) ادَّعَى أَنَّهُ (أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: أَطْلَقْتُكِ فَسَبَقَ لِسَانُهُ فَقَالَ: طَلَّقْتُكِ أَوْ) ادَّعَى أَنَّهُ (أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: طَاهِرٌ فَسَبَقَ لِسَانُهُ) فَقَالَ طَالِقٌ (أَوْ) ادَّعَى أَنَّهُ (أَرَادَ بِقَوْلِهِ) أَنْتِ (مُطَلَّقَةٌ مِنْ زَوْجٍ كَانَ قَبْلَهُ لَمْ تَطْلُقْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ) تَعَالَى لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ (وَلَمْ يُقْبَلْ) ذَلِكَ مِنْهُ (فِي الْحُكْمِ) لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ الظَّاهِرُ عُرْفًا وَإِذْ يَبْعُدُ إرَادَةُ ذَلِكَ (وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ) لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ.
وَقَالَ (أَرَدْتُ إنْ قُمْتِ فَتَرَكْتَ الشَّرْطَ وَلَمْ أُرِدْ طَلَاقًا) أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ قُمْتِ وَقَالَ أَرَدْتُ وَقَعَدْتِ فَتَرَكْتُهُ وَلَمْ أُرِدْ طَلَاقًا فَيُدَيَّنُ وَلَا يُقْبَلُ حُكْمًا (فَإِنْ صَرَّحَ فِي اللَّفْظِ بِالْوَثَاقِ فَقَالَ طَلَّقْتُكِ مِنْ وَثَاقِي أَوْ مِنْ وَثَاقٍ لَمْ يَقَعْ) عَلَيْهِ الطَّلَاقُ لِأَنَّ مَا يَتَّصِل بِالْكَلَامِ يَصْرِفهُ عَنْ مُقْتَضَاهُ كَالِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْط.
(وَلَوْ قِيلَ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ (أَطَلُقَتْ امْرَأَتَكَ؟ أَوْ) قِيلَ لَهُ (امْرَأَتُكَ طَالِقٌ؟ فَقَالَ نَعَمْ) وَأَرَادَ الْكَذِبَ طَلُقَتْ لِأَنَّ نَعَمْ صَرِيحٌ فِي الْجَوَابِ وَالْجَوَابُ الصَّرِيحُ بِلَفْظٍ صَرِيحٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قِيلَ لَهُ: أَلِفُلَانٍ عَلَيْكَ كَذَا؟ فَقَالَ نَعَمْ كَانَ إقْرَارًا (أَوْ) قِيلَ لَهُ (أَلَك امْرَأَةٌ فَقَالَ قَدْ طَلَّقْتهَا وَأَرَادَ الْكَذِبَ طَلُقَتْ) لِأَنَّهُ صَرِيحٌ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ (وَلَوْ قِيلَ لَهُ أَلَكَ امْرَأَةٌ؟ فَقَالَ لَا وَأَرَادَ الْكَذِبِ لَمْ تَطْلُقْ) لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ وَمَنْ أَرَادَ الْكَذِبَ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ (وَلَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ لَا امْرَأَةَ لَهُ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْكَذِبُ بَلْ نَوَى الطَّلَاقَ (طَلُقَتْ) امْرَأَتُهُ كَسَائِرِ الْكِنَايَات.
(وَلَوْ قِيلَ لَهُ: أَطَلُقَتْ امْرَأَتَكَ؟ فَقَالَ قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَ) بِذَلِكَ (الْإِيقَاعَ وَقَعَ) كَالْكِنَايَةِ (وَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ أَنِّي عَلَّقْتُ طَلَاقَهَا بِشَرْطِ) وَلَمْ يُوجَدْ قُبِلَ مِنْهُ ذَلِكَ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ.
(وَلَوْ قِيلَ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ (أَخْلَيْتَهَا) أَيْ أَخْلَيْتَ زَوْجَتَكَ (وَنَحْوَهُ وَقَالَ نَعَمْ فَكِنَايَةٌ) لَا تَطْلُقُ بِذَلِكَ حَتَّى يَنْوِيَ بِهِ الطَّلَاقَ لِأَنَّ السُّؤَالَ مُنْطَوٍ فِي الْجَوَابِ وَهُوَ كِنَايَةٌ (وَكَذَا لَيْسَ لِي امْرَأَةٌ أَوْ لَيْسَتْ لِي امْرَأَةٌ أَوْ لَا امْرَأَةَ لِي) فَهُوَ كِنَايَةٌ لَا يَقَعُ إلَّا بِنِيَّةٍ وَلَوْ نَوَى أَنَّهُ لَيْسَ لِي امْرَأَةٌ تَخْدُمنِي أَوْ لَيْسَ امْرَأَةٌ تُرْضِينِي أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ.
(وَمَنْ أَشْهَدَ بَيِّنَةً عَلَى نَفْسِهِ بِطَلَاقِ ثَلَاثٍ) أَيْ
أَقَرَّ أَنَّهُ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثَ وَكَانَ تَقَدَّمَ مِنْهُ يَمِينٌ تَوَهَّمَ وُقُوعَهَا عَلَيْهِ (ثُمَّ اسْتَفْتَى) عَنْ يَمِينِهِ (فَأُفْتِي بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) فِيهَا (لَمْ يُؤَاخَذْ بِإِقْرَارِهِ) بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ (لِمَعْرِفَةِ مُسْتَنَدِهِ) فِي إقْرَارِهِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ (وَيُقْبَلُ) قَوْلُهُ بِ (يَمِينِهِ أَنَّ مُسْتَنَدَهُ ذَلِكَ فِي إقْرَارِهِ) إنْ كَانَ (مِمَّنْ يَجْهَلُ مِثْلَهُ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى لَكِنْ مُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي شَرْحِهِ: أَنَّ الْمُقَدَّمَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ (وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ آخِرَ بَابِ الْخُلْعِ) ،.
(وَلَوْ قِيلَ لَهُ: أَلَمْ تُطَلِّقْ امْرَأَتَكَ؟ فَقَالَ: بَلَى طَلُقَتْ) لِأَنَّهَا جَوَابُ النَّفْيِ (وَإِنْ قَالَ نَعَمْ طَلُقَتْ امْرَأَةُ غَيْرِ النَّحْوِيِّ) لِأَنَّهُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فِي الْجَوَابِ بِخِلَافِ النَّحْوِيِّ فَلَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ لِأَنَّ نَعَمْ لَيْسَتْ جَوَابًا لِلنَّفْيِ وَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ فِي الْإِقْرَارِ.
(وَإِنْ لَطَمَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَطْعَمَهَا أَوْ سَقَاهَا أَوْ أَلْبَسَهَا ثَوْبًا أَوْ أَخْرَجَهَا مِنْ دَارِهَا أَوْ قَبَّلَهَا وَنَحْوَهُ) كَمَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهَا شَيْئًا (فَقَالَ هَذَا طَلَاقُك طَلُقَتْ فَهُوَ صَرِيحٌ) نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ ظَاهِرَ هَذَا اللَّفْظِ جَعَلَ هَذَا الْفِعْلَ طَلَاقًا مِنْهُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ أَوْقَعْتُ عَلَيْكِ طَلَاقًا هَذَا الْفِعْلُ مِنْ أَجْلِهِ لِأَنَّ الْفِعْلَ بِنَفْسِهِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِهِ فِيهِ لِيَصِحَّ لَفْظُهُ بِهِ، فَيَكُونُ صَرِيحًا فِيهِ يَقَع بِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ (فَلَوْ فَسَّرَهُ بِمُحْتَمَلٍ) أَيْ بِمَا يَحْتَمِلُ عَدَمَ الْوُقُوعِ (أَوْ نَوَى أَنَّ هَذَا سَبَبُ طَلَاقِكِ) فِي زَمَانٍ بِقَدْرِ هَذَا الزَّمَانِ (قُبِلَ) مِنْهُ ذَلِكَ (حُكْمًا) لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ وَلَا مَانِعَ يَمْنَعُهُ.
(وَإِنْ طَلَّقَ) زَوْجَتَهُ (أَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ عَقِبَهُ لِضَرَّتِهَا: شَرَكْتُك مَعَهَا، أَوْ أَنْتِ مِثْلُهَا، أَوْ أَنْتِ كَهِيَ أَوْ أَنْتِ شَرِيكَتُهَا فَصَرِيحٌ فِي الضَّرَّةِ فِي الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ) لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْحُكْمَ فِيهِمَا وَاحِدًا، إمَّا بِالشَّرِكَةِ فِي اللَّفْظَةِ أَوْ بِالْمُمَاثَلَةِ، وَهَذَا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ مَا فُهِمَ مِنْهُ فَكَانَ صَرِيحًا كَمَا لَوْ أَعَادَهُ عَلَيْهَا بِلَفْظِهِ (وَيَأْتِي) حُكْمُ (الْإِيلَاءِ) فِي بَابِهِ.
(وَإِنْ قَالَ) لِامْرَأَتِهِ (أَنْتِ طَالِقُ لَا شَيْءَ) طَلُقَتْ (أَوْ) أَنْتِ طَالِقُ (طَلْقَةً لَا تَقَعُ عَلَيْكِ أَوْ لَا يَنْقُصُ بِهَا عَدَدُ الطَّلَاقِ طَلُقَتْ) لِأَنَّ ذَلِكَ رَفْعٌ لِجَمِيعِ مَا أَوْقَعَهُ، فَلَمْ يَصِحَّ كَاسْتِثْنَاءِ الْجَمِيعِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ خَبَرًا فَهُوَ كَذِبٌ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا أَوْقَعَهُ وَقَعَ.
(وَ) إنْ قَالَ لَهَا (أَنْتِ طَالِقُ أَوْ لَا أَوْ) أَنْتِ (طَالِقُ وَاحِدَةً أَوْ لَا لَمْ يَقَعْ) طَلَاقُهُ لِأَنَّ هَذَا اسْتِفْهَامٌ فَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَفْظًا لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ، وَتُخَالِفُ الْمَسْأَلَةَ قَبْلَهَا لِأَنَّهُ إيقَاعٌ لَمْ يُعَارِضْهُ اسْتِفْهَامٌ.
(وَإِنْ كَتَبَ صَرِيحَ طَلَاقِهَا) أَيْ امْرَأَتِهِ (بِمَا يَتَبَيَّنُ) أَيْ يَظْهَرُ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ حُرُوفٌ يُفْهَمُ مِنْهَا الطَّلَاقُ أَشْبَهَتْ النُّطْقَ وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَقُومُ مَقَامَ قَوْلِ الْكَاتِبِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ مَأْمُورًا
بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، فَبَلَّغَ بِالْقَوْلِ مَرَّةً وَبِالْكِتَابَةِ أُخْرَى، وَلِأَنَّ كِتَاب الْقَاضِي يَقُوم مَقَامَ لَفْظِهِ فِي إثْبَاتِ الدُّيُونِ وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الْوِلَايَةِ بِالْخَطِّ ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَإِنْ كَتَبَ كِنَايَةً طَلَاقِهَا بِمَا يُبَيِّنُ فَهُوَ كِنَايَةٌ عَلَى قِيَاسِ مَا قَبْلَهُ (وَإِنْ نَوَى) بِكِتَابِهِ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ (تَجْوِيدَ خَطِّهِ أَوْ غَمَّ أَهْلِهِ أَوْ تَجْرِبَةَ قَلَمِهِ لَمْ يَقَعْ) طَلَاقُهُ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى تَجْوِيدَ خَطِّهِ أَوْ تَجْرِبَةَ قَلَمِهِ (لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى تَجْوِيدَ خَطِّهِ أَوْ تَجْرِبَةَ قَلَمِهِ) وَنَحْوَهُ فَقَدْ نَوَى غَيْرَ الطَّلَاقِ وَلَوْ نَوَى بِاللَّفْظِ غَيْرَ الْإِيقَاعِ لَمْ يَقَعْ فَهُنَا أَوْلَى وَمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ» إنَّمَا يَدُلّ عَلَى مُؤَاخَذَتِهِمْ بِمَا نَوَوْهُ عِنْدَ الْعَمَلِ بِهِ وَهَذَا لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا يُؤَاخَذُ بِهِ (وَيُقْبَلُ) مِنْهُ ذَلِكَ (حُكْمًا) لِأَنَّ ذَلِكَ يُقْبَلُ فِي اللَّفْظِ الصَّرِيحِ عَلَى قَوْلٍ فَهُنَا أَوْلَى.
(وَإِنْ كَتَبَهُ) أَيْ صَرِيحَ طَلَاقِ امْرَأَتِهِ (بِشَيْءٍ لَا يَتَبَيَّنُ مِثْلَ إنْ كَتَبَهُ بِإِصْبَعِهِ عَلَى وِسَادَةٍ وَنَحْوِهَا، أَوْ عَلَى شَيْءٍ لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ خَطٌّ كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْمَاءِ أَوْ فِي الْهَوَاءِ لَمْ يَقَعْ) طَلَاقُهُ لِأَنَّ هَذِهِ الْكِتَابَةَ بِمَنْزِلَةِ الْهَمْسِ بِلِسَانِهِ بِمَا لَا يُسْمَعُ (فَلَوْ قَرَأَ مَا كَتَبَهُ وَقَصَدَ الْقِرَاءَة لَمْ يَقَعْ) طَلَاقُهُ، كَلَفْظِ الطَّلَاقِ إذَا قَصَدَ بِهِ الْحِكَايَةَ وَنَحْوَهَا وَيُقْبَل مِنْهُ ذَلِكَ حُكْمًا.
(وَيَقَعُ بِإِشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ مِنْ أَخْرَسَ فَقَطْ) لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهَا الطَّلَاقُ أَشْبَهَتْ الْكِتَابَةَ (فَلَوْ لَمْ يَفْهَمْهَا) أَيْ الْإِشَارَةَ (إلَّا الْبَعْضُ فَكِنَايَةٌ) بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ (وَتَأْوِيلُهُ) أَيْ الْأَخْرَسُ (مَعَ الصَّرِيحِ) مِنْ الْإِشَارَةِ (كَالنُّطْقِ) أَيْ كَتَأْوِيلِهِ مَعَ النُّطْقِ فِيمَا يُقْبَل أَوْ يُرَدُّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ.
" تَتِمَّةٌ " قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَإِنْ أَشَارَ الْأَخْرَسُ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثِ لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةٌ لِأَنَّ إشَارَتَهُ لَا تَكْفِي انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ إذَا نَوَاهُ (وَكِتَابَتُهُ) أَيْ الْأَخْرَسِ بِمَا يُبَيِّنُ (طَلَاقَ) كَالنَّاطِقِ وَأَوْلَى (فَأَمَّا الْقَادِرُ عَلَى الْكَلَامِ فَلَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ بِإِشَارَةٍ) وَلَوْ كَانَتْ مَفْهُومَةً لِقُدْرَتِهِ عَلَى النُّطْقِ.
(وَصَرِيحُهُ) أَيْ الطَّلَاقِ (بِلِسَانِ الْعَجَم بِهَشْتَم) بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ، لِأَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ فِي لِسَانِهِمْ مَوْضُوعَةٌ لِلطَّلَاقِ يَسْتَعْمِلُونَهَا فِيهِ فَأَشْبَهَتْ لَفْظَ الطَّلَاقِ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ صَرِيحَةً فِي لِسَانِهِمْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَجَمِيَّةِ صَرِيحٌ لِلطَّلَاقِ، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ بِمَعْنَى خَلَّيْتُكِ فَإِنَّ مَعْنَى طَلَّقْتُكِ: خَلَّيْتُكِ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَوْضُوعًا لَهُ وَمُسْتَعْمَلًا فِيهِ كَانَ صَرِيحًا (فَإِذَا قَالَهُ) أَيْ بِهَشْتَم (مَنْ يَعْرِفُ مَعْنَاهُ) مِنْ عَرَبِيٍّ أَوْ عَجَمِيٍّ (وَقَعَ نَوَاهُ) مِنْ وَاحِدَةٍ أَوْ أَكْثَرَ (لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ مِثْلُ الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ) فَإِنْ أَطْلَقَ فَوَاحِدَةٌ (فَإِنْ زَادَ بِسَيَّارِ طَلُقَتْ ثَلَاثًا) لِأَنَّ مُؤَدَّاةُ ذَلِكَ فِي لُغَتِهِمْ (وَإِنْ قَالَهُ عَرَبِيّ وَلَا يَفْهَمُهُ) لَمْ يَقَع (أَوْ نَطَقَ عَجَمِيّ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ)