الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي خَصَائِصِ النَّبِيِّ]
ِّ صلى الله عليه وسلم وَاحْتِيجَ إلَى بَيَانِهَا لِئَلَّا يَرَى جَاهِلٌ بَعْضَ الْخَصَائِصِ فِي الْخَبَرِ الصَّحِيحِ فَيَعْمَلُ بِهَا أَخْذًا بِأَصْلِ التَّأَسِّي فَوَجَبَ بَيَانُهَا لِتُعْرَفَ وَأَيُّ فَائِدَةٍ أَهَمُّ مِنْ هَذَا وَأَمَّا مَا يَقَع فِي ضِمْنِ الْخَصَائِصِ مِمَّا لَا فَائِدَةَ فِيهِ الْيَوْمَ فَقَلِيلٌ لَا تَخْلُو أَبْوَابُ الْفِقْهِ عَنْ مِثْلِهِ لِلتَّدْرِيبِ وَمَعْرِفَةِ الْأَدِلَّةِ (خُصَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِوَاجِبَاتٍ وَمَحْظُورَاتٍ وَمُبَاحَاتٍ وَكَرَاهَاتٍ قَالَهُ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) وَقَدْ بَدَأَ مِنْهَا بِالْوَاجِبَاتِ فَقَالَ (فَالْوَاجِبَاتُ الْوِتْرُ) لِخَبَرِ «ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرَائِضُ وَلَكُمْ تَطَوُّعٌ النَّحْرُ وَالْوِتْرُ وَرَكْعَتَا الضُّحَى» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَقَلُّ الضُّحَى لَا أَكْثَرُهُ وَقِيَاسُهُ فِي الْوِتْرِ كَذَلِكَ قِيلَ وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ لِأَنَّهُ نَهَى عَنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى رَكْعَةٍ (وَهَلْ هُوَ) أَيْ الْوِتْرُ (قِيَامُ اللَّيْلِ أَوْ غَيْرُهُ احْتِمَالَانِ الْأَظْهَرُ الثَّانِي) أَيْ أَنَّ الْوِتْرَ غَيْرُ قِيَامِ اللَّيْلِ لِحَدِيثٍ سَاقَهُ ابْنُ عَقِيلٍ «الْوِتْرُ وَالتَّهَجُّدُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ» قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فَرَّقَ أَصْحَابُنَا هُنَا بَيْنَ الْوِتْرِ وَقِيَامِ اللَّيْلِ انْتَهَى.
وَأَكْثَرُ الْوَاصِفِينَ لِتَهَجُّدِهِ صلى الله عليه وسلم اقْتَصَرُوا عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً وَذَلِكَ هُوَ الْوِتْرُ وَتَقَدَّمَ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ أَنَّ التَّهَجُّدَ بَعْدَ نَوْمٍ وَعَلَيْهِ فَإِنْ نَامَ ثُمَّ أَوْتَرَ فَتَهَجُّدٌ وَوِتْرٌ وَإِنْ أَوْتَرَ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ فَوِتْرٌ لَا تَهَجُّدٌ.
(وَالسِّوَاكُ لِكُلِّ صَلَاةٍ) لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِهِ لِكُلِّ صَلَاةٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ (وَالْأُضْحِيَّةُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا وَلَوْ عَبَّرَ بِالتَّضْحِيَةِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ اسْمٌ لِلشَّاةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُضَحَّى بِهِ (وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «ثَلَاثٌ كُتِبَتْ عَلَيَّ وَهُنَّ لَكُمْ تَطَوُّعٌ الْوِتْرُ وَالنَّحْرُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (وَفِي الرِّعَايَةِ وَالضُّحَى) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ وَرَدَّ بِضَعْفِ الْخَبَرِ وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ «أَنَّهُ لَمْ يُدَاوِمْ عَلَى صَلَاةِ الضُّحَى» (وَغَلَّطَهُ الشَّيْخُ) قَالَ وَلَمْ يَكُنْ يُوَاظِبُ عَلَى الضُّحَى بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ بِسُنَّتِهِ.
(وَقِيَامُ اللَّيْلِ لَمْ يُنْسَخْ) وُجُوبُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ قَالَ الْقَاضِي وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ وَقِيلَ نُسِخَ جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعَبِ قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ.
(وَأَنْ يُخَيِّرَ) صلى الله عليه وسلم -
(نِسَاءَهُ) رضي الله عنهن (بَيْنَ فِرَاقِهِ) طَلَبًا لِلدُّنْيَا (وَالْإِقَامَةِ مَعَهُ) طَلَبًا لِلْآخِرَةِ أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ} [الأحزاب: 28] الْآيَتَيْنِ وَلِئَلَّا يَكُون مُكْرِهًا لَهُنَّ عَلَى الصَّبْرِ عَلَى مَا آثَرَهُ لِنَفْسِهِ مِنْ الْفَقْرِ وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّهُ تَعَوَّذَ مِنْ الْفَقْرِ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا تَعَوَّذَ مِنْ فِتْنَةِ الْغِنَى أَوْ تَعَوَّذَ مِنْ فَقْرِ الْقَلْبِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ «لَيْسَ الْغِنَى بِكَثْرَةِ الْعَرَضِ وَإِنَّمَا الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ» وَخَيَّرَهُنَّ وَبَدَأَ مِنْهُنَّ بِعَائِشَةَ فَاخْتَرْنَ الْمُقَامَ.
(وَإِنْكَارُ الْمُنْكَرِ إذَا رَآهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ) فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْخَوْفِ لِأَنَّ اللَّهَ وَعَدَهُ بِالْعِصْمَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَلَا إذَا كَانَ الْمُرْتَكِبُ يَزِيدُهُ الْإِنْكَارُ إغْرَاءً لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ إبَاحَتُهُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأُمَّةِ ذَكَرَهُ السَّمْعَانِيُّ فِي الْقَوَاطِعِ.
(وَالْمُشَاوَرَةُ فِي الْأَمْرِ مَعَ أَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ) ذَوِي الْأَحْلَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] وَالْحِكْمَةُ أَنْ يَسْتَنَّ بِهَا الْحُكَّامُ بَعْدَهُ فَقَدْ كَانَ صلى الله عليه وسلم غَنِيًّا عَنْهَا بِالْوَحْيِ.
(وَمُصَابَرَةِ الْعَدُوِّ الْكَثِيرِ) الزَّائِدِ عَلَى الضِّعْفِ (لِلْوَعْدِ بِالنَّصْرِ) أَيْ لِأَنَّهُ مَوْعُودٌ بِالْعِصْمَةِ وَالنَّصْرِ بَلْ رَوَى الدَّمِيرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ نَبِيٌّ أَمَرَ بِالْقِتَالِ.
ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْمَحْظُورَاتِ بِقَوْلِهِ (وَمُنِعَ صلى الله عليه وسلم مِنْ الرَّمْزِ بِالْعَيْنِ وَالْإِشَارَةِ بِهَا) لِحَدِيثِ «مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَهِيَ الْإِيمَاءُ إلَى مُبَاحٍ مِنْ نَحْوِ ضَرْبٍ وَقَتْلٍ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ الظَّاهِرِ، وَسُمِّيَ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ لِشَبَهِهِ بِالْخِيَانَةِ بِإِخْفَائِهِ، وَلَا يُحَرَّمُ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ إلَّا فِي مَحْظُورٍ.
(وَ) مِنْ (نَزْعٍ لَأْمَةِ الْحَرْبِ) أَيْ سِلَاحِهِ كَدِرْعِهِ (إذَا لَبِسَهَا حَتَّى يَلْقَى الْعَدُوَّ) وَيُقَاتِلُهُ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي قِصَّةِ أُحُدٍ لَمَّا أُشِيرَ عَلَيْهِ بِتَرْكِ الْحَرْبِ بَعْدَ أَنْ لَبِسَ لَأْمَتَهُ «مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَلْبَسَ لَأْمَةَ الْحَرْبِ ثُمَّ يَنْزِعَهَا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدُوِّهِ» وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ الْأَنْبِيَاءِ.
(وَ) مِنْ (إمْسَاكِ مَنْ كَرِهَتْ نِكَاحَهُ) كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ تَخْيِيرِهِ نِسَاءَهُ وَاحْتَجَّ لَهُ بِخَبَرِ الْعَائِذَةِ بِقَوْلِهَا: " أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْكَ " وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «لَقَدْ اسْتَعَذْتِ بِمَعَاذٍ الْحَقِي بِأَهْلِكِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
(وَمِنْ الشِّعْرِ وَالْخَطِّ وَتَعَلُّمُهُمَا) قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: 69] .
وَقَالَ: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [العنكبوت: 48]- الْآيَةَ وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ» وَنَحْوُهُ فَلَيْسَ بِشِعْرٍ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مَوْزُونٌ بِلَا قَصْدِ زِنَتِهِ وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعَرُوضِ وَالْأَدَبِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ شِعْرًا إلَّا بِالْقَصْدِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّجَزِ أَشِعْرٌ هُوَ أَمْ لَا؟ وَكَانَ يُمَيِّزُ بَيْنَ جَيِّدِ الشِّعْرِ وَرَدِيئِهِ.
(وَمِنْ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ) لِأَنَّهَا تَكْرَهُ صُحْبَتَهُ، وَلِأَنَّهُ أَشْرَفُ مِنْ أَنْ يَضَعَ مَاءَهُ فِي رَحِمِ كَافِرَةٍ.
وَفِي الْخَبَرِ «سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لَا أُزَوَّجَ إلَّا مَنْ كَانَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ فَأَعْطَانِي» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ (كَالْأَمَةِ) أَيْ كَمَا مَنَعَ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ وَلَوْ مُسْلِمَةً لِأَنَّ نِكَاحَهَا مُعْتَبَرٌ بِخَوْفِ الْعَنَتِ وَهُوَ مَعْصُومٌ وَبِفُقْدَانِ مَهْرِ الْحُرَّةِ وَنِكَاحُهُ غَنِيٌّ عَنْ الْمَهْرِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَخَرَجَ بِالنِّكَاحِ التَّسَرِّي.
(وَمِنْ) أَخْذِ (الصَّدَقَةِ) لِنَفْسِهِ (وَلَوْ تَطَوُّعًا أَوْ) كَانَتْ (غَيْرَ مَأْكُولَةٍ) وَكَذَا الْكَفَّارَةُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ» وَصِيَانَةً لِمَنْصِبِهِ الشَّرِيفِ لِأَنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ ذُلِّ الْآخِذِ وَعِزِّ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ وَأَبْدَلَ بِهَا الْفَيْءَ الَّذِي يُؤْخَذُ عَلَى سَبِيلِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ الْمُنْبِئَ عَنْ عِزِّ الْآخِذِ وَذُلِّ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ.
(وَ) مِنْ (الزَّكَاةِ عَلَى قَرَابَتَيْهِ وَهُمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ عَلَى قَوْلٍ فِي بَنِي الْمُطَّلِبِ) وَكَذَا مَوَالِيهِمْ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لَنَا وَإِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هَذَا حَسَنٌ صَحِيحٌ وَلِكَوْنِ تَحْرِيمِهَا عَلَى هَؤُلَاءِ سَبَبَ انْتِسَابِهِمْ إلَيْهِ عُدَّ مِنْ خَصَائِصِهِ أَمَّا صَدَقَةُ النَّفْلِ فَلَا تُحَرَّمُ عَلَيْهِمْ (وَقَالَ الْقَاضِي فِي قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} [الأحزاب: 50] إلَى قَوْلِهِ: {اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} [الأحزاب: 50] (الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ تُهَاجِرْ مَعَهُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي قَرَابَتِهِ فِي الْآيَةِ لَا الْأَجْنَبِيَّاتِ فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ وَذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ نَسْخَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ.
(وَكَانَ) صلى الله عليه وسلم (لَا يُصَلِّي أَوَّلًا) أَيْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ (عَلَى مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَا وَفَاءَ لَهُ، كَأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ إلَّا مَعَ ضَامِنٍ وَيَأْذَنُ صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ) رضي الله عنهم (فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ ثُمَّ نُسِخَ الْمَنْعُ،
فَكَانَ آخِرًا يُصَلِّي عَلَيْهِ وَلَا ضَامِنَ وَيُوَفِّي دَيْنَهُ مِنْ عِنْدِهِ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ فَتَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ» قَالَ فِي الْفُرُوعِ (وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْإِرْثِ.
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ لَا يَرِثُ وَلَا يُعْقَلُ بِالْإِجْمَاعِ) وَاقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْإِنْصَافِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْمُبَاحَاتِ بِقَوْلِهِ (وَأُبِيحَ لَهُ) صلى الله عليه وسلم (أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَيِّ عَدَدٍ شَاءَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51] الْآيَةَ وَلِأَنَّهُ مَأْمُونُ الْجَوْرِ وَمَاتَ عَنْ تِسْعٍ كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ (وَفِي الرِّعَايَةِ: كَانَ لَهُ) صلى الله عليه وسلم (أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَيِّ عَدَدٍ شَاءَ إلَى أَنْ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} [الأحزاب: 52] انْتَهَى ثُمَّ نُسِخَ لِتَكُونَ الْمِنَّةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِتَرْكِ التَّزْوِيجِ فَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} [الأحزاب: 50] الْآيَةَ) وَقِيلَ نُسِخَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51] الْآيَةَ.
(وَلَهُ) صلى الله عليه وسلم (التَّزَوُّجُ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ) لِأَنَّ اعْتِبَارَ الشُّهُودِ لِأَمْنِ الْجُحُودِ وَهُوَ مَأْمُونٌ مِنْهُ وَالْمَرْأَةُ لَوْ جَحَدَتْ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا وَاعْتِبَارُ الْوَلِيِّ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى الْكَفَاءَةِ وَهُوَ فَوْقَ الْأَكْفَاءِ.
(وَ) لَهُ التَّزَوُّجُ أَيْضًا (بِلَا مَهْرٍ) وَهُوَ بِمَعْنَى الْهِبَةِ فَلَا يَجِبُ مَهْرٌ ابْتِدَاءً وَلَا انْتِهَاءً وقَوْله تَعَالَى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب: 50] الْآيَةَ.
(وَ) لَهُ التَّزَوُّجُ (بِلَفْظِ الْهِبَةِ) لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ (وَتَحِلُّ لَهُ) صلى الله عليه وسلم (الْمَرْأَةُ بِتَزْوِيجِ اللَّهِ) تَعَالَى مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ بِعَقْدٍ (كَزَيْنَبِ) قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37](وَإِذَا تَزَوَّجَ) صلى الله عليه وسلم (بِلَفْظِ الْهِبَةِ لَا يَجِبُ مَهْرٌ بِالْعَقْدِ وَلَا بِالدُّخُولِ) لِظَاهِرِ الْآيَةِ.
(وَ) كَانَ (لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ فِي زَمَنِ الْإِحْرَامِ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَكَحَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» وَلَكِنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ كَانَ حَلَالًا، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا.
وَفِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ «قَالَتْ تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم -
وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرَفٍ» وَقَالَ أَبُو رَافِعٍ «تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ وَكُنْتُ السَّفِيرَ بَيْنَهُمَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَقَدْ رَدَّ بِهَذَا رِوَايَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ الْأُولَى.
(وَ) لَهُ (أَنْ يُرْدِفَ الْأَجْنَبِيَّةَ خَلْفَهُ لِقِصَّةِ أَسْمَاءَ) وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ غِفَارٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرْدَفَهَا عَلَى حَقِيبَتِهِ وَتَخَلَّى بِهَا» لِقِصَّةِ أُمِّ حَرَامٍ قَالَ فِي الْآدَابِ وَهَلْ لَهُ أَنْ يُرْدِفَهَا مَعَهُ عَلَى الدَّابَّةِ مَعَ عَدَمِ سُوءِ الظَّنِّ يَتَوَجَّه خِلَافٌ؟ بِنَاءً عَلَى أَنَّ إرْدَافَهُ لَا مِمَّا يَخْتَصُّ بِهِ وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ الْمَنْعُ.
(وَ) لَهُ (أَنْ يُزَوِّجَهَا) أَيْ الْأَجْنَبِيَّةَ (لِمَنْ شَاءَ بِلَا إذْنِهَا وَإِذْنِ وَلِيِّهَا وَيَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ) وقَوْله تَعَالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] .
(وَإِنْ كَانَتْ) الْمَرْأَةُ (خَلِيَّةً) مِنْ مَوَانِعِ النِّكَاحِ (أَوْ رَغِبَ) صلى الله عليه وسلم (فِيهَا وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْإِجَابَةُ وَحُرِّمَ عَلَى غَيْرِهِ خِطْبَتُهَا) لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ.
(وَأُبِيحَ لَهُ) صلى الله عليه وسلم (الْوِصَالُ فِي الصَّوْمِ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْوِصَالِ فَقِيلَ: إنَّكَ تُوَاصِلُ فَقَالَ: إنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ إنِّي أَبِيتُ أُطْعَمُ وَأُسْقَى» أَيْ أُعْطَى قُوَّةَ الطَّاعِمِ وَالشَّارِبِ.
(وَ) أُبِيحَ (لَهُ خُمْسُ الْغَنِيمَةِ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ) الْوَقْعَةَ وقَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41] .
(وَ) أُبِيحَ لَهُ (الصَّفِيُّ مِنْ الْمَغْنَمِ وَهُوَ مَا يَخْتَارُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مِنْ) الْغَنِيمَةِ (كَجَارِيَةٍ وَنَحْوِهَا) كَسَيْفٍ وَدِرْعٍ وَمِنْهُ صَفِيَّةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها.
(وَأُبِيحَ لَهُ) صلى الله عليه وسلم (دُخُولُ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ) مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ.
(وَ) أُبِيحَ لَهُ (الْقِتَالُ فِيهَا) أَيْ فِي مَكَّةَ (سَاعَةً) مِنْ النَّهَارِ فَكَانَتْ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الْعَصْرِ وَتَقَدَّمَ مُوَضَّحًا فِي الْحَجِّ.
(وَلَهُ) صلى الله عليه وسلم (أَخْذُ الْمَاءِ مِنْ الْعَطْشَانِ) وَالطَّعَامِ مِنْ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ، لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.
(وَ) أُبِيحَ لَهُ (أَنْ يَقْتُلَ بِغَيْرِ إحْدَى الثَّلَاثِ نَصًّا) يَعْنِي بِالثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَجُعِلَتْ تَرِكَتُهُ صَدَقَةً، فَلَا يُوَرَّثُ)
لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةً» وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِنَبِيِّنَا، بَلْ سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ مِثْلُهُ فَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، (وَفِي عُيُونٍ الْمَسَائِلِ) وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَنْ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ وَابْنِ عَقِيلٍ.
(وَيُبَاحُ لَهُ مِلْكُ الْيَمِينِ مُسْلِمَةً كَانَتْ) الْأَمَةُ (أَوْ مُشْرِكَةً) يَعْنِي كِتَابِيَّةً وَلَا يَسْتَشْكِلُ جَوَازُ التَّسَرِّي بِالْكِتَابِيَّةِ بِمَا عَلَّلُوا أَنَّ نِكَاحَ الْكِتَابِيَّةِ مِنْ كَوْنِهَا تَكْرَهُ صُحْبَتَهُ، لِأَنَّ التَّوَالُدَ لَا يَسْتَلْزِمُ كَرَاهِيَتهَا وَلِأَنَّ الْقَصْدَ بِالنِّكَاحِ إصَابَةُ التَّوَالُدِ فَاحْتِيطَ لَهُ وَيَلْزَمُ فِي النِّكَاحِ أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ الْمُشْرِكَةُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، بِخِلَافِ الْمُلْكِ.
ثُمَّ ذَكَرَ الْكَرَامَةَ بِقَوْلِهِ: (وَأُكْرِمَ) صلى الله عليه وسلم (بِأَنْ جُعِلَ خَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ) قَالَ تَعَالَى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40] .
(وَ) جُعِلَ (خَيْرَ الْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ) لِحَدِيثِ «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ» أَيْ وَلَا فَخْرَ أَكْمَلُ مِنْ هَذَا الْفَخْرِ أُعْطِيتُهُ، أَوْ لَا أَقُولُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِافْتِخَارِ بَلْ لِبَيَانِ الْوَاقِع أَوْ لِلتَّبْلِيغِ وَحَدِيثُ «لَا تُفَاضِلُوا بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ» وَنَحْوِهِ، أُجِيبَ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ مَا يُؤَدِّي إلَى التَّنْقِيصِ وَنَوْعُ الْآدَمِيِّ أَفْضَلُ الْخَلْقِ فَهُوَ صلى الله عليه وسلم أَفْضَلُ الْخَلْقِ (وَأُمَّتُهُ أَفْضَلُ الْأُمَمِ) قَالَ تَعَالَى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110](وَجُعِلَتْ) أُمَّتُهُ (شُهَدَاءَ عَلَى الْأُمَمِ بِتَبْلِيغِ الرُّسُلِ إلَيْهِمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143] .
(وَأَصْحَابُهُ خَيْرُ الْقُرُونِ) لِحَدِيثِ: «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَأُمَّتُهُ مَعْصُومَةٌ مِنْ الِاجْتِمَاعِ عَلَى الضَّلَالَةِ) لِحَدِيثِ: «لَا تَجْتَمِعُ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى ضَلَالَةٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ، لَكِنْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ لَهُ شَوَاهِدَ (وَ) لِذَلِكَ كَانَ (إجْمَاعُهُمْ حُجَّةً) وَاخْتِلَافُهُمْ رَحْمَةً.
(وَنَسَخَ شَرْعُهُ الشَّرَائِعَ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ أَمَرَ بِتَرْكِ شَرَائِعِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ (وَلَا تُنْسَخُ شَرِيعَتُهُ) لِأَنَّهُ لَا نَبِيَّ
بَعْدَهُ (وَجُعِلَ كِتَابُهُ مُعْجِزًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} [الإسراء: 88] الْآيَةَ.
(وَ) جُعِلَ كِتَابُهُ (مَحْفُوظًا عَنْ التَّبْدِيلِ) وَالتَّحْرِيفِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 42] بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ، وَقَدْ اشْتَمَلَ عَلَى جَمِيعِ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ وَزِيَادَةٍ، وَجَمَعَ كُلَّ شَيْءٍ وَيُسِّرَ لِلْحِفْظِ وَنَزَلَ مُنَجَّمًا وَعَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ أَيْ أَوْجُهٍ مِنْ الْمَعَانِي مُتَّفِقَةً بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَبِكُلِّ لُغَةٍ مِنْ لُغَاتِ الْعَرَبِ لَكِنَّ أَكْثَرَهُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ فَفِيهِ خَمْسُونَ لُغَةً ذَكَرَهَا الْوَاسِطِيُّ فِي الْإِرْشَادِ.
(وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ) بِشَيْءٍ (أَوْ ادَّعَى) عَلَى غَيْرِهِ (بِحَقٍّ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ) صلى الله عليه وسلم (بِغَيْرِ يَمِينٍ) لِأَنَّهُ الْمَعْصُومُ الصَّادِقُ الصَّدُوقُ انْتَهَى.
(وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ) أَيْ الْأَصْحَابِ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ (أَنَّهُ فِي وَجُوَبِ الْقَسْمِ) بَيْنَ الزَّوْجَاتِ (وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ كَغَيْرِهِ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُنُونِ وَالْفُصُولِ انْتَهَى لِقَوْلِهِ «اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَرُوِيَ مُرْسَلًا وَهُوَ أَصَحُّ (وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ) أَيْ الْقَسْمُ (غَيْرُ وَاجِبٍ) عَلَيْهِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: أُبِيحَ لَهُ تَرْكُ الْقَسْمِ قَسْمُ الِابْتِدَاءِ أَوْ قَسْمُ الِانْتِهَاءِ، قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي فِي الْجَامِعِ.
(وَجُعِلَ) صلى الله عليه وسلم (أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6](وَيَلْزَمُ كُلُّ وَاحِدٍ أَنْ يَقِيَهُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَهُ طَلَبُ ذَلِكَ) حَتَّى مِنْ الْمُحْتَاجِ، وَيَفْدِي بِمُهْجَتِهِ مُهْجَتَهُ صلى الله عليه وسلم -
فَإِنَّهُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسهمْ وَمِثْلُهُ لَوْ قَصَدَهُ ظَالِمٌ فَعَلَى مَنْ حَضَرَهُ أَنْ يَبْذُلَ نَفْسَهُ دُونَهُ.
(وَ) يَلْزَمُ كُلَّ أَحَدٍ (أَنْ يُحِبَّهُ أَكْثَرَ مِنْ نَفْسِهِ) لِحَدِيثِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «لَنْ يُؤْمِنَ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَ) أَكْثَرُ مِنْ (مَالِهِ وَوَلَدِهِ) وَوَالِدِهِ (وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَزَادَ النَّسَائِيُّ " وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ".
(وَحُرِّمَ عَلَى غَيْرِهِ نِكَاحُ زَوْجَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا} [الأحزاب: 53] حَتَّى مَنْ فَارَقَهَا فِي الْحَيَاةِ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَنَقَلَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى مَنْ دَخَلَ بِهَا دُونَ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَأُطْلِقَ فِي الْفُرُوعِ: عَنْ جَوَازِ نِكَاحِ مَنْ فَارَقَهَا فِي حَيَاتِهِ وَأَمَّا تَحْرِيمُ سَرَارِيهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى غَيْرِهِ فَلَمْ أَرَهُ فِي كَلَامِ أَصْحَابِنَا نَفْيًا، وَلَا إثْبَاتًا وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ: وَجَزَمَ الطُّوسِيُّ وَالْبَارِزِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْهُمْ بِالتَّحْرِيمِ قِيَاسًا عَلَى زَوْجَتِهِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ، وَظَاهِرُ الْأَدِلَّةِ تَقْتَضِي أَنَّهَا لَا تُحَرَّمُ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَتِهِ وَلَا أُمِّ الْمُؤْمِنَيْنِ، لَكِنَّ الْمَنْعَ أَقْوَى (وَهُنَّ أَزْوَاجُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) لِلْخَبَرِ (وَجَعَلَهُنَّ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَالزَّوْجِيَّةُ بَاقِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ مَنْ مَاتَتْ عَنْهُ أَوْ مَاتَ عَنْهَا قَالَ تَعَالَى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6](فِي تَحْرِيمِ النِّكَاحِ وَوُجُوبِ احْتِرَامِهِنَّ وَطَاعَتِهِنَّ وَتَحْرِيمِ عُقُوقِهِنَّ) دُونَ الْخَلْوَةِ وَالنَّظَرِ وَالْمُسَافَرَةِ وَنَحْوِهَا (وَلَا يَتَعَدَّى تَحْرِيمُ نِكَاحهنَّ إلَى قَرَابَتهنَّ) وَلَا أَخَوَاتِهِنَّ وَنَحْوِهِنَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (إجْمَاعًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24](وَجُعِلَ ثَوَابُهُنَّ وَعِقَابُهُنَّ ضِعْفَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الأحزاب: 30] الْآيَتَيْنِ.
(وَلَا يَحِلُّ أَنْ يَسْأَلْنَ شَيْئًا إلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53](وَيَجُوزُ أَنْ يُسْأَلَ غَيْرُهُنَّ) مِنْ النِّسَاءِ (مُشَافَهَةً) وَأَفْضَلُهُنَّ:
خَدِيجَةُ وَعَائِشَةُ وَمَا ثَبَتَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعَائِشَةَ حِينَ قَالَتْ لَهُ «قَدْ رَزَقَكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا: لَا وَاَللَّهِ مَا رَزَقَنِي اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا، آمَنَتْ بِي حِينَ كَذَّبَنِي النَّاسُ وَأَعْطَتْنِي مَالَهَا حِينَ حَرَمَنِي النَّاسُ» وَمَا رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ «أَقْرَأَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ جِبْرِيلَ وَخَدِيجَةُ أَقْرَأَهَا جِبْرِيلُ مِنْ رَبِّهَا السَّلَامَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ» يَدُلُّ عَلَى تَفْضِيلِ خَدِيجَةَ وَخَبَرُ «فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي» وَقَوْلُهُ لَهَا «أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ إلَّا مَرْيَمَ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فَاطِمَةَ أَفْضَلُ وَاحْتَجَّ مَنْ فَضَّلَ عَائِشَةَ بِمَا احْتَجَّتْ بِهِ مِنْ أَنَّهَا فِي الْآخِرَةِ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الدَّرَجَةِ وَفَاطِمَةَ مَعَ عَلِيٍّ فِيهَا.
(وَأَوْلَادُ بَنَاتِهِ) صلى الله عليه وسلم (يُنْسَبُونَ إلَيْهِ) لِحَدِيثِ «إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ مُشِيرًا إلَى الْحَسَنِ» رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى.
وَفِي حَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا قَطُّ إلَّا جَعَلَ ذُرِّيَّتَهُ مِنْ صُلْبِهِ غَيْرِي، فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ ذُرِّيَّتِي مِنْ صُلْبِ عَلِيٍّ» ذَكَرَهُ فِي الْخَصَائِصِ الصُّغْرَى (دُونَ أَوْلَادِ بَنَاتِ غَيْرِهِ) فَيُنْسَبُونَ إلَى آبَائِهِمْ قَالَ تَعَالَى: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] .
(وَالنَّجَسُ مِنَّا طَاهِرٌ مِنْهُ) صلى الله عليه وسلم وَمِنْ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَبِجَوَازِ أَنْ يُسْتَشْفَى بِبَوْلِهِ وَدَمِهِ لِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ «أَنَّ أُمَّ أَيْمَنَ شَرِبَتْ بَوْلَهُ فَقَالَ: إذَنْ لَا تَلِجُ النَّارُ بَطْنَكِ» لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ.
وَلِمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الضُّعَفَاءِ «أَنَّ غُلَامًا حَجَمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ حِجَامَتِهِ شَرِبَ دَمَهُ فَقَالَ وَيْحَكَ مَا صَنَعْتَ بِالدَّمِ قَالَ غَيَّبْتُهُ فِي بَطْنِي قَالَ اذْهَبْ فَقَدْ أَحْرَزْتَ نَفْسَكَ مِنْ النَّارِ» قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ وَكَانَ السِّرُّ فِي ذَلِكَ مَا صَنَعَهُ الْمَلَكَانِ مِنْ غَسْلِهِمَا جَوْفَهُ.
(وَهُوَ) صلى الله عليه وسلم (طَاهِرٌ بَعْدَ مَوْتِهِ بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ) وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ غَيْرَهُ أَيْضًا طَاهِرٌ.
(وَلَمْ يَكُنْ لَهُ)
- صلى الله عليه وسلم (فَيْءٌ) أَيْ ظِلٌّ (فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لِأَنَّهُ نُورَانِيُّ وَالظِّلُّ نَوْعُ ظُلْمَةٍ) ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ وَيَشْهَد لَهُ أَنَّهُ سَأَلَ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ فِي جَمِيعِ أَعْضَائِهِ وَجِهَاتِهِ نُورًا، وَخَتَمَ بِقَوْلِهِ وَاجْعَلْنِي نُورًا (وَكَانَتْ الْأَرْضُ تَجْتَذِبُ أَثْقَالَهُ) لِلْأَخْبَارِ (وَسَاوَى الْأَنْبِيَاءَ فِي مُعْجِزَاتِهِمْ وَانْفَرَدَ بِالْقُرْآنِ) فَآدَمُ خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ وَمُحَمَّدٌ شَقَّ صَدْرَهُ وَمَلَأَهُ ذَلِكَ الْخُلُقَ النَّبَوِيَّ وَأُعْطِيَ إدْرِيسُ عُلُوَّ الْمَكَانِ وَمُحَمَّدٌ الْمِعْرَاجَ وَلَمَّا نَجَا إبْرَاهِيمُ مِنْ النَّارِ نَجَّى مُحَمَّدًا مِنْ نَارِ الْحَرْبِ.
وَلَمَّا أَعْطَاهُ مَقَامَ الْخُلَّةِ أَعْطَى مُحَمَّدًا مَقَامَ الْمَحَبَّةِ بَلْ جَمَعَهُ لَهُ مَعَ الْخُلَّةِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي يَعْلَى فِي الْمِعْرَاجِ «فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ اتَّخِذْهُ خَلِيلًا وَحَبِيبًا» وَهُوَ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ وَمُحَمَّدٌ حَبِيبُ الرَّحْمَنِ وَلَمَّا أَعْطَى مُوسَى قَلْبَ الْعَصَا حَيَّةً أَعْطَى مُحَمَّدًا حُنَيْنَ الْجِذْعِ الَّذِي هُوَ أَغْرَبُ وَلَمَّا أَعْطَاهُ انْفِلَاقَ الْبَحْرِ أَعْطَى مُحَمَّدًا انْشِقَاقَ الْقَمَرِ الَّذِي هُوَ أَبْهَى لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَلَمَّا أَعْطَى تَفْجِيرَ الْمَاءِ مِنْ الْحَجَرِ أَعْطَى مُحَمَّدًا نَبْعَ الْمَاءِ مِنْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ.
وَلَمَّا أَعْطَاهُ الْكَلَامَ أَعْطَى مُحَمَّدًا الدُّنُوَّ وَالرُّؤْيَا وَلَمَّا أَعْطَى يُوسُفَ شَطْرَ الْحُسْنِ أَعْطَى مُحَمَّدًا الْحُسْنَ كُلَّهُ وَلَمَّا أَعْطَى دَاوُد تَلْيِينَ الْحَدِيدِ أَعْطَى مُحَمَّدًا اخْضِرَارَ الْعُودِ الْيَابِسِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَمَّا أَعْطَى سُلَيْمَانَ كَلَامَ الطَّيْرِ أَعْطَى مُحَمَّدًا أَنْ كَلَّمَهُ الْحَجَرُ وَالشَّجَرُ وَالزَّرْعُ وَالضَّبُّ وَلَمَّا أَعْطَى عِيسَى إبْرَاءَ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ وَإِحْيَاءَ الْمَوْتَى أَعْطَى مُحَمَّدًا رَدَّ الْعَيْنِ بَعْدَ سُقُوطِهَا وَهَكَذَا.
(وَ) أُحِلَّتْ لَهُ (الْغَنَائِمُ) وَلَمْ تَحِلَّ لِنَبِيٍّ قَبْلَهُ لِحَدِيثِ «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي» وَالْأَنْبِيَاءُ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِالْجِهَادِ فَلَمْ تَكُنْ غَنَائِمَ وَالْمَأْذُونُ الْمَمْنُوعُ مِنْهَا فَتَأْتِي نَارٌ مِنْ السَّمَاءِ فَتَحْرِقُهَا إلَّا الذُّرِّيَّةَ (وَجُعِلَتْ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ الْأَرْضُ مَسْجِدًا) أَيْ مَحَلَّ السُّجُودِ، فَأَيُّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فِي مَكَان صَلَّى وَلَمْ تَكُنْ الْأُمَمُ الْمُتَقَدِّمَة تُصَلِّي إلَّا فِي الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ.
(وَ) جُعِلَ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ (تُرَابُهَا طَهُورًا) أَيْ مُطَهِّرًا وَهُوَ التَّيَمُّمُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمَاءِ شَرْعًا رَوَى ذَلِكَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا.
(وَنُصِرَ بِالرُّعْبِ) أَيْ بِسَبَبِ
خَوْفِ الْعَدُوِّ مِنْهُ (مَسِيرَةَ شَهْرٍ) أَمَامَهُ وَشَهْرٍ خَلْفَهُ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِ الْمَدِينَةِ رَوَى ذَلِكَ الشَّيْخَانِ وَجُعِلَتْ الْغَايَةُ شَهْرًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ إذْ ذَاكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْدَائِهِ أَكْثَرُ مِنْ شَهْرٍ (وَبُعِثَ إلَى النَّاسِ كَافَّةً) قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ: 28] وَأَمَّا عُمُومُ رِسَالَةِ نُوحٍ بَعْدَ الطُّوفَانِ لِانْحِصَارِ الْبَاقِينَ فِيمَنْ كَانُوا مَعَهُ وَأُرْسِلَ إلَى الْجِنِّ بِالْإِجْمَاعِ وَإِلَى الْمَلَائِكَةِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ.
(وَأُعْطِيَ الشَّفَاعَةَ الْعُظْمَى وَالْمَقَامَ الْمَحْمُودَ) مُقْتَضَى كَلَامِهِ كَالْمَوَاهِبِ وَالْخَصَائِصِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي الْأَذَانِ أَنَّ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى لِأَنَّ فِيهِ يَحْمَدُهُ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَالْمَقَامُ الْمَحْمُودُ جُلُوسُهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْعَرْشِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ عَلَى الْكُرْسِيِّ ذَكَرَهُمَا الْبَغَوِيّ.
(وَمُعْجِزَاتُهُ بَاقِيَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) وَانْقَضَتْ مُعْجِزَاتُ الْأَنْبِيَاءِ بِمَوْتِهِمْ، إذْ أَكْثَرُ مُعْجِزَاتِ بَنِي إسْرَائِيلَ كَانَتْ حِسِّيَّةً تُشَاهَدُ بِالْأَبْصَارِ كَنَاقَةِ صَالِحٍ وَعَصَا مُوسَى فَانْقَرَضَتْ بِانْقِرَاضِ مَنْ عَاصَرَهُمْ وَلَمْ يُشَاهِدْهَا إلَّا مَنْ حَضَرَهَا، وَمُعْجِزَاتُ الْقُرْآنِ تُشَاهَدُ بِالْبَصِيرَةِ فَتَسْتَمِرُّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يَمُرُّ عَصْرٌ إلَّا وَيَظْهَرُ فِيهِ شَيْءٌ أَخْبَرَ أَنَّهُ سَيَكُونُ إذْ مَا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ يَعْلَمُهُ مَنْ جَاءَ بَعْدَ الْأَوَّلِ (وَنَبْعُ الْمَاءِ مِنْ بَيْنَ أَصَابِعِهِ بَرَكَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى حَلَّتْ فِي الْمَاءِ بِوَضْعِ أَصَابِعِهِ فِيهِ فَجَعَلَ يَفُورُ وَيَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ) حَتَّى كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَكَذَلِكَ رُوِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وُقُوعُهُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ فَنَفِدَ الْمَاءُ فَوَضَعَ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ فِي قَلِيلٍ فَفَارَ الْمَاءُ مِنْ إصْبَعَيْهِ وَشَرِبُوا وَتَوَضَّئُوا وَهُمْ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ (لَا أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ نَفْسِ اللَّحْمِ وَالدَّمِ كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُ الْجُهَّالِ قَالَهُ فِي الْهَدْيِ) .
وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ وَبِهِ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ «جَابِرٍ فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ» قَالَ فِي الْمَوَاهِبِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَكِلَاهُمَا مُعْجِزَةٌ لَهُ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ غَيْرِ مُلَابَسَةِ مَاءٍ وَلَا وَضْعِ إنَاءٍ تَأَدُّبًا مَعَ اللَّهِ تَعَالَى إذْ هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِابْتِدَاعِ الْمَعْلُومَاتِ وَإِيجَادِهَا مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ.
(وَمَنْ دَعَاهُ) صلى الله عليه وسلم -
(وَهُوَ يُصَلِّي وَجَبَ عَلَيْهِ قَطْعُهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (وَإِجَابَتُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: 24](وَتَطَوُّعُهُ صلى الله عليه وسلم بِالصَّلَاةِ قَاعِدًا) بِلَا عُذْرٍ (كَتَطَوُّعِهِ قَائِمًا فِي الْأَجْرِ) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي جَالِسًا فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ فَقَالَ: مَالَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ قُلْتُ حُدِّثْتُ أَنَّكَ قُلْتَ: «صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ قَالَ أَجَلْ وَلَكِنْ لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ» قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَحَمْلُهُ عَلَى الْعُذْرِ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْفَرْقِ (وَقَالَ الْقَفَّالُ) تَطَوُّعهُ بِالصَّلَاةِ قَاعِدًا (عَلَى النِّصْفِ) مِنْ أَجْرِ الْقَائِم (كَغَيْرِهِ) وَيَرُدُّهُ مَا سَبَقَ.
(وَكَانَ لَهُ الْقَضَاءُ بِعِلْمِهِ) لِأَنَّ اللَّهَ عَصَمَهُ فَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ خَطَأٌ يُقَرُّ عَلَيْهِ.
(وَهُوَ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ) لِلْخَبَرِ (وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ) يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ: «أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ» (وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ وَأَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ) رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ (وَهُوَ أَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ: «أَنَا أَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا» .
وَحَدِيثِ الْبَزَّارِ «يَأْتِي مَعِي مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْلُ السَّيْلِ وَاللَّيْلِ» .
وَحَدِيثِ مُسْلِمٍ: «مَا صَدَقَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ مَا صُدِّقْتُ» إذْ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ مَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ إلَّا الرَّجُلُ الْوَاحِدُ (وَأُعْطِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْ أَلْفَاظًا قَلِيلَةً تُفِيدُ مَعَانٍ كَثِيرَةٍ (وَصُفُوفُ أُمَّتِهِ فِي الصَّلَاةِ كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تُصَفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْمُتَقَدِّمَةَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ» .
(وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} [الحجرات: 2](وَلَا أَنْ يُنَادِيَهُ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [الحجرات: 4](وَلَا أَنْ يُنَادِيَهُ بِاسْمِهِ فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ بَلْ يَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63] قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ وَالْكُنْيَةُ مِنْ الِاسْمِ وَأَمَّا مَا وَقَعَ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ
مِنْ نِدَائِهِ بِكُنْيَتِهِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ قَائِلُهُ أَوْ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ.
(وَيُخَاطَبُ فِي الصَّلَاةِ بِقَوْلِ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَلَوْ خَاطَبَ مَخْلُوقًا غَيْرَهُ بَطُلَتْ صَلَاتُهُ وَخَاطَبَ إبْلِيسَ بِاللَّعْنَةِ فِي صَلَاتِهِ فَقَالَ «أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ» ) .
وَفِي الْفُرُوعِ قَبْلَ التَّحْرِيمِ أَوْ مُؤَوَّلٌ وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْخُصُوصِيَّةِ (وَلَمْ تَبْطُلْ) صَلَاتُهُ.
(وَكَانَتْ الْهَدِيَّةُ حَلَالًا لَهُ) فَكَانَ «إذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ سَأَلَ عَنْهُ قَالَ أَهَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقَةٌ؟ فَإِنْ قِيلَ صَدَقَةٌ قَالَ لِأَصْحَابِهِ كُلُوا وَلَمْ يَأْكُلْ مَعَهُمْ، وَإِنْ قِيلَ هَدِيَّةٌ ضَرَبَ بِيَدِهِ وَأَكَلَ مَعَهُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ فَلَا تَحِلُّ لَهُمْ الْهَدِيَّةُ مِنْ رَعَايَاهُمْ) لِمَا رَوَى أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.
(وَمَنْ رَآهُ فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآهُ حَقًّا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَخَيَّلُ بِهِ) لِأَنَّ اللَّهَ عَصَمَهُ مِنْهُ لَكِنْ لَا يَعْمَلُ الرَّائِي بِمَا سَمِعَهُ مِنْهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ لِعَدَمِ الضَّبْطِ لَا لِلشَّكِّ فِي رُؤْيَتِهِ (وَكَانَ لَا يَتَثَاءَبُ) لِأَنَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ وَاَللَّهُ عَصَمَهُ مِنْهُ (وَعُرِضَ عَلَيْهِ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ مِنْ آدَمَ إلَى مَنْ بَعْدَهُ كَمَا عَلَّمَ آدَمَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ) لِحَدِيثِ الدَّيْلَمِيِّ «مُثِّلَتْ لِي الدُّنْيَا بِالْمَاءِ وَالطِّينِ فَعُلِّمْتُ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا كَمَا عُلِّمَ آدَم الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا» وَعُرِضَ عَلَيْهِ أُمَّتُهُ بِأَسْرِهِمْ حَتَّى رَآهُمْ لِحَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ «عُرِضَتْ عَلَيَّ أُمَّتِي الْبَارِحَةَ لَدَى هَذِهِ الْحُجْرَةِ أَوَّلُهَا وَآخِرُهَا صُوِّرُوا لِي بِالْمَاءِ وَالطِّينِ حَتَّى إنِّي لَأَعْرَفُ بِالْإِنْسَانِ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدِكُمْ بِصَاحِبِهِ» وَعُرِضَ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا هُوَ كَائِن فِي أُمَّتِهِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ لِحَدِيثِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ «أُدْرِيتُ مَا تَلْقَى أُمَّتِي بَعْدِي وَسَفْكَ بَعْضِهِمْ دِمَاءَ بَعْضٍ» (وَيَبْلُغُهُ سَلَامُ النَّاسِ بَعْدَ مَوْتِهِ) لِحَدِيثِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَا مِنْ أَحَدٍ سَلَّمَ عَلَيَّ عِنْدَ قَبْرِي إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عليه السلام» .
(وَالْكَذِبُ عَلَيْهِ) صلى الله عليه وسلم (لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى غَيْرِهِ) لِأَنَّهُ عَلَيْهِ كَبِيرَةٌ لِلْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَعْنَاهُ وَالْكَذِبُ عَلَى غَيْرِهِ صَغِيرَةٌ إلَّا فِيمَا يَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ (وَمَنْ كَذَبَ عَلَيْهِ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ، وَتَنَامُ عَيْنَاهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ) لِخَبَرِ
الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» .
وَفِي الْبُخَارِيِّ فِي خَبَرِ الْإِسْرَاءِ «وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ» وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ: نَوْمُهُ فِي الْوَادِي عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ لِأَنَّ طُلُوعَ الْفَجْرِ وَالشَّمْسِ إنَّمَا يُدْرَكُ بِالْعَيْنِ وَهِيَ نَائِمَةٌ أَوْ يُقَالُ: كَانَ لَهُ نَوْمَان: أَحَدُهُمَا تَنَامُ عَيْنُهُ وَقَلْبُهُ وَالثَّانِي عَيْنُهُ دُونَ قَلْبِهِ وَكَانَ يَوْمُ الْوَادِي عَنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ.
(وَلَا نَقْضَ بِنَوْمِهِ وَلَوْ مُضْطَجِعًا) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اضْطَجَعَ وَنَامَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» .
(وَيَرَى مَنْ خَلْفَهُ كَمَا يَرَى أَمَامَهُ رُؤْيَةً بِالْعَيْنِ حَقِيقَةً نَصًّا) كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالْأَخْبَارُ الْوَاجِبَةُ فِيهِ مُقَيَّدَةٌ بِحَالِ الصَّلَاةِ فَهِيَ مُقَيَّدَةٌ لِقَوْلِهِ: «لَا أَعْلَمُ مَا وَرَاءَ جِدَارِي هَذَا» قَالَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ.
(وَالدَّفْنُ فِي الْبُنْيَانِ مُخْتَصٌّ بِهِ لِئَلَّا يُتَّخَذَ قَبْرُهُ مَسْجِدًا) وَلِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مَرْفُوعًا «لَمْ يُقْبَرْ نَبِيٌّ إلَّا حَيْثُ قُبِضَ» (وَزِيَارَةُ قَبْرِهِ مُسْتَحَبَّةٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) لِعُمُومِ مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ حَجَّ وَزَارَ قَبْرِي بَعْدَ وَفَاتِي فَكَأَنَّمَا زَارَنِي فِي حَيَاتِي» وَفِي رِوَايَةٍ «مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي» وَكَقَبْرِهِ الشَّرِيفِ فِي عُمُومِ الزِّيَارَةِ تَبَعًا لَهُ قَبْرُ صَاحِبَيْهِ رضي الله عنهما وَيُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ زِيَارَةُ مَنْ عَدَاهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَتَقَدَّمَ.
(وَخُصَّ بِصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ) اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ قَالَ ابْنُ بَطَّةَ: كَانَ خَاصًّا بِهِ وَكَذَا أَجَابَ الْقَاضِي لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ وَيَنْهَى عَنْهُمَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ: أَنَّهُ مِنْ قَضَاءِ الرَّاتِبَةِ إذَا فَاتَتْ، وَلَيْسَ بِخُصُوصِيَّةٍ حَيْثُ اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى جَوَازِ قَضَاءِ الرَّاتِبَةِ فِي وَقْتِ النَّهْيِ.
(وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُهْدِيَ) شَيْئًا (لِيُعْطَى) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (أَكْثَرَ مِنْهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: 6] أَيْ لَا تُعْطِ