الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا عَفْوٌ مَعَ وُجُودِ وَارِثٍ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ لَهُ الْقِصَاصُ» وَالْعَفْوُ عَلَى الدِّيَةِ لَا مَجَّانًا.
[بَابُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ]
(بَابُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَهُوَ) أَيْ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ (فِعْلُ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ) إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ (أَوْ) فِعْلُ (وَلِيِّهِ) أَيْ وَارِثِهِ إنْ كَانَتْ عَلَى النَّفْسِ (بِجَانٍ عَامِدٍ مِثْلَ مَا فَعَلَ) الْجَانِي (أَوْ شِبْهِهِ) أَيْ شِبْهِ فِعْلِ الْجَانِي (وَلَهُ) أَيْ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ (ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مُسْتَحِقُّهُ مُكَلَّفًا) لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَيْسَ أَهْلًا لِلِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ تَكْلِيفِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَلَا تَصَرُّفُهُ (فَإِنْ كَانَ) مُسْتَحَقَّ الْقِصَاصِ (صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا لَمْ يَجُزْ) لِآخَرَ (اسْتِيفَاؤُهُ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَيُحْبَسُ الْقَاتِلُ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ وَ) حَتَّى (يَعْقِلَ الْمَجْنُونُ) لِأَنَّ فِيهِ حَظًّا لِلْقَاتِلِ بِتَأْخِيرِ قَتْلِهِ وَحَظًّا لِلْمُسْتَحِقِّ بِإِيصَالِهِ إلَى حَقِّهِ، وَلِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ إتْلَافَ نَفْسِهِ وَمَنْفَعَتِهِ فَإِذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ النَّفْسِ لِعَارِضٍ بَقِيَ إتْلَافُ الْمَنْفَعَةِ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ وَقَدْ حَبَسَ مُعَاوِيَةُ هُدْبَةَ بْنَ خَشْرَمٍ فِي قَوَدٍ حَتَّى بَلَغَ ابْنُ الْقَتِيلِ فَلَمْ يُنْكَرْ ذَلِكَ وَكَانَ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ.
(وَلَيْسَ لِأَبِيهِمَا) أَيْ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ (اسْتِيفَاؤُهُ) لَهُمَا (كَوَصِيٍّ وَحَاكِمٍ) لِأَنَّ الْقَصْدَ التَّشَفِّي وَتَرْكُ الْغَيْظِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِاسْتِيفَاءِ الْأَبِ أَوْ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الدِّيَةِ فَإِنَّ الْغَرَضَ يَحْصُلُ بِاسْتِيفَائِهِ، وَلِأَنَّ الدِّيَةَ يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَهَا إذَا تَعَيَّنَتْ وَالْقِصَاصَ لَا يَتَعَيَّنُ (فَإِنْ كَانَا مُحْتَاجَيْنِ إلَى نَفَقَةٍ فَلِوَلِيِّ الْمَجْنُونِ الْعَفْوُ إلَى الدِّيَةِ دُونَ وَلِيِّ الصَّغِيرِ نَصَّا) لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَيْسَ فِي حَالَةٍ مُعْتَادَةٍ يُنْتَظَرُ فِيهَا إفَاقَتُهُ وَرُجُوعُ عَقْلِهِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَتَقَدَّمَ فِي اللَّقِيطِ مَا فِي ذَلِكَ.
(وَإِنْ مَاتَا) أَيْ: الصَّغِيرُ وَالْمَجْنُونُ (قَبْلَ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ قَامَ وَارِثُهُمَا مَقَامَهُمَا فِيهِ) أَيْ: فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ، لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُمَا فَانْتَقَلَ بِمَوْتِهِمَا إلَى وَارِثِهِمَا كَسَائِرِ حُقُوقِهِمَا، (وَإِنْ قَتَلَا قَاتِلَ أَبِيهِمَا أَوْ قَطَعَا قَاطِعَهُمَا) أَيْ: الصَّغِيرُ وَالْمَجْنُونُ (قَهْرًا) سَقَطَ حَقُّهُمَا لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَيْنَ حَقِّهِ فَسَقَطَ الْحَقُّ
أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ لَهُمَا وَدِيعَةٌ عِنْدَ شَخْصٍ فَأَتْلَفَاهَا (أَوْ اقْتَصَّا مِمَّنْ لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ دِيَتَهُ بِالْعَبْدِ سَقَطَ حَقُّهُمَا) وَجْهًا وَاحِدًا، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ دَيْنِهِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَلَمْ يَكُنْ إلَّا سُقُوطُهُ.
الشَّرْطُ (الثَّانِي اتِّفَاقُ الْمُسْتَحِقِّينَ لَهُ) أَيْ: الْقِصَاصِ (عَلَى اسْتِيفَائِهِ) لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ حَقٌّ مُشْتَرَكٌ لَا يُمْكِنُ تَبْعِيضُهُ فَلَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ (وَلَيْسَ لِبَعْضِهِمْ اسْتِيفَاؤُهُ دُونَ بَعْضٍ) لِأَنَّهُ يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ الدَّيْنَ (فَإِنْ فَعَلَ) بِأَنْ اسْتَوْفَى أَحَدُهُمْ الْقِصَاصَ بِدُونِ إذْنِ الْبَاقِي (فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا يَسْتَحِقُّ بَعْضَهَا فَلَمْ يَجِبْ قَتْلُهُ بِهَا، لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تُؤْخَذُ بِبَعْضِ نَفْسٍ، وَلِأَنَّهُ مُشَارِكٌ فِي اسْتِحْقَاقِ الْقَتْلِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَوَدٌ كَالشَّرِيكِ فِي الْجَارِيَةِ إذَا وَطِئَهَا وَيُفَارِقُ مَا إذَا قَتَلَ الْجَمَاعَةُ وَاحِدًا فَإِنَّا لَمْ نُوجِبْ الْقِصَاصَ بِقَتْلِ بَعْضِ النَّفْسِ (وَلِشُرَكَائِهِ فِي تَرِكَةِ الْجَانَّيْ حَقُّهُمْ مِنْ الدِّيَةِ) لِأَنَّ حَقَّهُمْ مِنْ الْقِصَاصِ سَقَطَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ مَاتَ الْقَاتِلُ (وَتَرْجِعُ وَرَثَةُ الْجَانِي عَلَى الْمُقْتَصِّ بِمَا فَوْقَ حَقِّهِ) مِنْ الدِّيَةِ.
(فَلَوْ كَانَ الْجَانِي أَقَلَّ دِيَةً مِنْ قَاتِلِهِ مِثْلُ امْرَأَةٍ قَتَلَتْ رَجُلًا لَهُ ابْنَانِ قَتَلَهَا أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ) الِابْنِ (الْآخَرِ فَلِلْآخَرِ نِصْفُ دِيَةِ أَبِيهِ فِي تَرِكَةِ الْمَرْأَةِ) الَّتِي قَتَلَتْهُ كَمَا لَوْ مَاتَتْ (وَتَرْجِعُ وَرَثَتُهَا بِنِصْفِ دِيَتِهَا عَلَى قَاتِلِهَا) لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ سِوَى نِصْفِ دَمِهَا وَقَدْ اسْتَوْفَاهُ (وَهُوَ) أَيْ: نِصْفُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ (رُبْعُ دِيَةِ الرَّجُلِ) لِأَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ كَمَا يَأْتِي (وَإِنْ عَفَا بَعْضُهُمْ) أَيْ: الْوَرَثَةُ عَنْ الْقِصَاصِ (وَكَانَ مِمَّنْ يَصِحُّ عَفَوْهُ) بِأَنْ كَانَ مُكَلَّفًا (وَلَوْ) كَانَ الْعَفْوُ (إلَى الدِّيَةِ سَقَطَ الْقِصَاصُ) رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ لِأَنَّ الْقِصَاصُ حَقٌّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَرَثَةِ لَا يَتَبَعَّضُ مَبْنَاهُ عَلَى الدَّرْءِ وَالْإِسْقَاطِ فَإِذَا أَسْقَطَ بَعْضُهُمْ حَقَّهُ سَرَى إلَى الْبَاقِي كَالْعِتْقِ (وَإِنْ كَانَ الْعَافِي) عَلَى الْقِصَاصِ (زَوْجًا أَوْ زَوْجَةً) لِقَوْلِ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ: " إنَّ عُمَرَ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَتَلَ قَتِيلًا فَجَاءَ وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ لِيَقْتُلُوهُ فَقَالَتْ امْرَأَةُ الْمَقْتُولِ وَهِيَ أُخْتُ الْقَاتِلِ: عَفَوْتُ عَنْ حَقِّي فَقَالَ عُمَرُ: اللَّهُ أَكْبَرُ عَتَقَ الْقَتِيلُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد لِأَنَّ مَنْ وَرِثَ الْمَالَ وَرِثَ الْقَوَدَ كَمَا يَأْتِي.
(وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمْ) أَيْ الْوَرَثَةِ (وَلَوْ مَعَ فِسْقِهِ بِعَفْوِ بَعْضِهِمْ) فَإِنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّ الْجَمِيعِ مِنْ الْقِصَاصِ لِكَوْنِ شَهَادَتِهِ إقْرَارًا بِأَنَّ نَصِيبَهُ مِنْ الْقِصَاصِ سَقَطَ وَهُوَ لَا يَتَبَعَّضُ (وَلِلْبَاقِي) الَّذِينَ لَمْ يَعْفُوا (حَقُّهُمْ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى الْجَانِي) سَوَاءٌ عَفَا مُطْلَقًا أَوْ إلَى الدِّيَةِ لِأَنَّ حَقَّهُ مِنْ الْقِصَاصِ سَقَطَ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَثَبَتَ لَهُ الْبَدَلُ كَمَا لَوْ وَرِثَ بَعْضَ دَمِهِ أَوْ مَاتَ (فَإِنْ قَتَلَهُ الْبَاقُونَ عَالِمِينَ بِالْعَفْوِ وَ) عَالِمِينَ
(بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ فَعَلَيْهِمْ الْقَوَدُ حَكَمَ بِالْعَفْوِ حَاكِمٌ أَوْ لَا) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قُتِلَ عَمْدًا عُدْوَانًا أَشْبَهَ مَا قَتَلُوهُ ابْتِدَاء (وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا عَالِمِينَ بِالْعَفْوِ) وَبِسُقُوطِ الْقِصَاصِ (فَلَا قَوَدَ) عَلَيْهِمْ (وَلَوْ كَانَ قَدْ حُكِمَ بِالْعَفْوِ) لِأَنَّ عَدَمَ الْعِلْمِ بِذَلِكَ شُبْهَةٌ دَرَأَتْ الْقَوَدَ كَالْوَكِيلِ إذَا قَتَلَهُ بَعْدَ الْعَفْوِ وَقَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ (وَعَلَيْهِمْ) أَيْ الْقَاتِلِينَ (دِيَتُهُ) لِأَنَّ الْقَتْلَ قَدْ تَعَذَّرَ وَالدِّيَةَ بَدَلُهُ، (وَسَوَاءٌ كَانَ الْجَمِيعُ حَاضِرِينَ أَوْ) كَانَ بَعْضُهُمْ حَاضِرًا وَ (بَعْضُهُمْ غَائِبًا) لِاسْتِوَائِهِمْ مَعْنًى، (فَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ هُوَ الْعَافِي فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ) ، وَلَوْ ادَّعَى نِسْيَانَهُ أَوْ جَوَازَهُ، (وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ) أَيْ: الْوَرَثَةِ (غَائِبًا انْتَظَرَ قُدُومَهُ وُجُوبًا) لِأَنَّهُ حَقٌّ مُشْتَرَكٌ أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ عَبْدًا مُشْتَرَكًا.
(وَيُحْبَسُ الْقَاتِلُ حَتَّى يَقْدَمَ) الْغَائِبُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ (وَكُلُّ مَنْ وَرِثَ الْمَالَ وَرِثَ الْقِصَاصَ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِ مِنْ الْمَالِ حَتَّى الزَّوْجَيْنِ وَذَوِي الْأَرْحَامِ) لِأَنَّهُ حَقٌّ فَيَسْتَحِقُّهُ الْوَارِثُ مِنْ جِهَةِ مُوَرِّثِهِ، أَشْبَهَ الْمَالَ، وَالْأَحْسَنُ رَفْعُ الزَّوْجَيْنِ وَذَوِي الْأَرْحَامِ عَطْفًا عَلَى " كُلُّ "، وَعَلَى عِبَارَةِ الْمُصَنَّفِ تَبَعًا لِلْمُقْنِعِ تَكُونُ حَتَّى حَرْفَ جَرٍّ لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ أَيْ كُلُّ مَنْ وَرِثَ الْمَالَ وَرِثَ الْقِصَاصَ يَنْتَهِي ذَلِكَ إلَى الزَّوْجَيْنِ وَذَوِي الْأَرْحَامِ (وَمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ فَوَلِيُّهُ الْإِمَامُ) لِأَنَّهُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ (إنْ شَاءَ اقْتَصَّ) لِأَنَّ بِنَا حَاجَةً إلَى عِصْمَةِ الدِّمَاءِ فَلَوْ لَمْ يَقْتُلْ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ لَقُتِلَ (وَإِنْ شَاءَ عَفَا إلَى دِيَةٍ كَامِلَةٍ) فَأَكْثَرَ لِأَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَرَى فِيهِ الْمَصْلَحَةَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي الْقِصَاصِ وَالْعَفْوِ (وَلَيْسَ لَهُ الْعَفْوُ مَجَّانًا) وَلَا عَلَى أَقَلَّ مِنْ دِيَةٍ لِأَنَّهَا لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا حَظَّ لَهُمْ فِي ذَلِكَ.
(وَإِذَا اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي قَتْلِ وَاحِدٍ فَعَفَا عَنْهُمْ) وَرَثَتُهُ (إلَى الدِّيَةِ فَعَلَيْهِمْ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ عَفَا عَنْ بَعْضِهِمْ فَعَلَى الْمَعْفُوِّ عَنْهُ قِسْطُهُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الدِّيَةِ بَدَلَ الْمَحَلِّ وَهُوَ وَاحِدٌ فَتَكُونُ دِيَتُهُ وَاحِدَةً سَوَاءٌ أَتْلَفَهُ وَاحِدٌ أَوْ جَمَاعَةٌ وَأَمَّا الْقِصَاصُ فَهُوَ عُقُوبَةٌ عَلَى الْفِعْلِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ.
الشَّرْطُ (الثَّالِثُ أَنْ يُؤْمَنَ فِي الِاسْتِيفَاءِ التَّعَدِّي إلَى غَيْرِ الْجَانِي) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [الإسراء: 33] وَإِذَا أَفْضَى إلَى التَّعَدِّي فَفِيهِ إسْرَافٌ.
(فَلَوْ وَجَبَ الْقَوَدُ أَوْ الرَّجْمُ عَلَى حَامِلٍ أَوْ عَلَى حَائِلٍ وَ) حَمَلَتْ بَعْدَ وُجُوبِهِ (لَمْ تُقْتَلْ حَتَّى تَضَعَ الْوَلَدَ وَتَسْقِيَهُ اللَّبَأَ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ بِغَيْرِ خِلَافٍ لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَشَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ قَالُوا: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إذَا قَتَلَتْ الْمَرْأَةُ عَمْدًا فَلَا تُقْتَلُ حَتَّى تَضَعَ مَا فِي بَطْنِهَا إنْ كَانَتْ حَامِلًا وَحَتَّى
تَكْفُلَ وَلَدَهَا، وَإِنْ زَنَتْ لَمْ تُرْجَمْ حَتَّى تَضَعَ مَا فِي بَطْنِهَا، وَحَتَّى تَكْفُلَ وَلَدهَا» وَلِأَنَّهُ يُخَافُ عَلَى وَلَدِهَا، وَقَتْلُهُ حَرَامٌ، وَالْوَلَدُ يَتَضَرَّرُ بِتَرْكِ اللِّبَأِ ضَرَرًا كَثِيرًا، وَقَالَ فِي الْكَافِي: لَا يَعِيشُ إلَّا بِهِ (ثُمَّ إنْ وَجَدَ مَنْ يُرْضِعُهُ مُرْضِعَةً رَاتِبَةً قُتِلَتْ) ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ قَتْلِهَا إنَّمَا كَانَ لِلْخَوْفِ عَلَى وَلَدِهَا، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ.
(وَإِنْ وَجَدَ مُرْضِعَاتٍ غَيْرَ رَوَاتِبَ، أَوْ) وَجَدَ (لَبَنَ شَاةٍ وَنَحْوِهَا لِيَسْقِيَ مِنْهُ رَاتِبًا جَازَ قَتْلُهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخَافُ عَلَى الْوَلَدِ إذَنْ التَّلَفُ (وَيُسْتَحَبُّ لِوَلِيِّ الْقَتْلِ تَأْخِيرُهُ) حِينَئِذٍ (إلَى الْفِطَامِ) دَفْعًا لِضَرَرِ الْوَلَدِ بِذَلِكَ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ الْوَلَدِ (مَنْ يُرْضِعُهُ تُرِكَتْ حَتَّى تُرْضِعَهُ حَوْلَيْنِ ثُمَّ تَقْطَعُهُ) لِلْخَبَرِ وَالْمَعْنَى لِأَنَّ الْقَتْلَ إذَا أُخِّرَ مِنْ أَجْلِ حِفْظِ الْحَمْلِ فَلَأَنْ يُؤَخَّرَ مِنْ أَجْلِ حِفْظِ الْوَلَدِ أَوْلَى (وَلَا تُجْلَدُ) الْحَامِلُ (فِي الْحَدِّ) حَتَّى تَضَعَ (وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهَا فِي الطَّرَفِ حَتَّى تَضَعَ) لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ التَّعَدِّي إلَى تَلَفِ الْوَلَدِ أَشْبَهَ الِاقْتِصَاصَ فِي النَّفْسِ بَلْ يُقَادُ مِنْهَا بِمُجَرَّدِ الْوَضْعِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى.
(قَالَ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ) حَتَّى تَضَعَ (وَتَسْقِيَهُ اللِّبَأَ) قَالَ فِي الْمُبْدِع وَهُوَ ظَاهِرٌ (فَإِذَا أَوَضَعَتْ الْوَلَدَ وَانْقَطَعَ النِّفَاسُ وَكَانَتْ قَوِيَّةً يَوْمَ تَلَفِهَا وَلَا يُخَافُ عَلَى الْوَلَدِ الضَّرَرُ مِنْ تَأَثُّرِ اللَّبَنِ أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ مِنْ قَطْعِ الطَّرَفِ وَالْجِلْدِ) لِعَدَمِ الْمَانِعِ (وَإِنْ كَانَتْ فِي نِفَاسِهَا أَوْ ضَعِيفَةً يُخَافُ تَلَفُهَا لَمْ يُقَمْ عَلَيْهَا حَتَّى تَطْهُرَ وَتَقْوَى) دَفْعًا لِلضَّرَرِ وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ مِنْهَا بِالْوَضْعِ قَالَ فِي التَّنْقِيحِ بَلْ بِمُجَرَّدِ الْوَضْعِ قَبْلَ سَقْيِ اللَّبَنِ (وَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْحُدُودِ) بِأَوْضَحَ مِنْ هَذَا.
(وَإِنْ ادَّعَتْ مِنْ وُجِدَ عَلَيْهَا الْقِصَاصُ الْحَمْلَ قُبِلَ مِنْهَا إنْ أَمْكَنَ) لِأَنَّ لِلْحَمْلِ أَمَارَاتٌ خَفِيَّةٌ تَعْلَمُهَا مِنْ نَفْسِهَا دُونَ غَيْرِهَا لَوَجَبَ أَنْ يُحْتَاطَ لَهُ كَالْحَيْضِ (وَتُحْبَسُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهَا) احْتِيَاطًا لِمَنْ وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ (وَلَا تُحْبَسُ لِحَدٍّ) يَعْنِي لَوْ ادَّعَتْ مِنْ وَجَبَ عَلَيْهَا الْحَدُّ أَنَّهَا حَامِلٌ قُبِلَ مِنْهَا إنْ أَمْكَنَ وَلَمْ تُحْبَسْ.
(وَإِنْ اُقْتُصَّ مِنْ حَامِلٍ فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَضَعْهُ) وَلَمْ تَتَيَقَّنْهُ حَمْلًا (لَكِنْ مَاتَتْ عَلَى مَا بِهَا مِنْ انْتِفَاخِ الْبَطْنِ وَأَمَارَةِ الْحَمْلِ فَلَا ضَمَانَ فِي حَقِّ الْجَنِينِ لِأَنَّهُ لَا يُتَحَقَّقُ أَنَّ الِانْتِفَاخَ حَمْلٌ) فَلَا تُوجَبُ بِالشَّكِّ (وَإِنْ أَلْقَتْهُ) أَيْ الْجَنِينَ (حَيًّا فَعَاشَ فَلَا كَلَامَ) أَيْ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُقْتَصِّ لَكِنْ يُؤَدِّبُ (وَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا وَبَقِيَ) الْوَلَدُ (خَاضِعًا ذَلِيلًا زَمَانًا يَسِيرًا ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ إذَا كَانَ وَضْعُهُ لِوَقْتٍ يَعِيشُ مِثْلَهُ) وَهُوَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ (وَإِنْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا فِي وَقْتٍ لَا يَعِيشُ) فِيهِ (مِثْلُهُ) وَهُوَ مَا دُونَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ (فَفِيهِ غُرَّةٌ) عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ كَمَا يَأْتِي فِي الْجَنِينِ (وَالضَّمَانُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُقْتَصِّ