الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْإِقْرَارِ بِالْوَطْءِ (وَلَا أَثَرَ لِشُبْهَةِ مِلْكٍ مَعَ فِرَاشٍ) لِحَدِيثِ " الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ "(وَإِنْ وَطِئَ الْمَجْنُونُ مَنْ لَا شُبْهَةَ لَهُ عَلَيْهَا، وَلَا شُبْهَةُ مِلْكٍ لَمْ يَلْحَقْهُ نَسَبُهُ) لِأَنَّهُ لَا يَسْتَنِدُ إلَى مِلْكٍ وَلَا اعْتِقَادِ إبَاحَةٍ وَعَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ إنْ أَكْرَهَهَا عَلَى الْوَطْءِ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُكَلَّفُ وَغَيْرُهُ، وَتَبِعَهُ نَسَبُ الْأَبِ إجْمَاعًا مَا لَمْ يَنْتَفِ كَابْنِ مُلَاعَنَةٍ وَتَبَعِيَّةِ مِلْكٍ أَوْ حُرِّيَّةٍ لِأُمٍّ إلَّا مَعَ شَرْطٍ أَوْ غُرُورٍ، وَتَبَعِيَّةِ دَيْنٍ لِخَيْرِهِمَا وَتَبَعِيَّةِ نَجَاسَةٍ وَحُرْمَةِ أَكْلٍ لِأَخْبَثِهِمَا انْتَهَى.
[كِتَابُ الْعِدَدِ]
[فَصْلٌ وَالْعِدَّةُ أَقْسَامٌ فَالْأَوَّلُ عِدَّةُ الْحَامِلِ]
كِتَابُ الْعِدَدِ وَاحِدُهَا عِدَّةٌ بِكَسْرِ الْعَيْنِ فِيهِمَا قَالَ ابْنُ فَارِسٍ وَالْجَوْهَرِيُّ: عِدَّةُ الْمَرْأَةِ أَيَّامُ أَقْرَائِهَا، وَالْمَرْأَةُ مُعْتَدَّةٌ (وَهِيَ) أَيْ الْعِدَّةُ شَرْعًا (التَّرَبُّصُ الْمَحْدُودُ شَرْعًا) يَعْنِي مُدَّةً مَعْلُومَةً تَتَرَبَّصُ فِيهَا الْمَرْأَةُ لِتَعْرِفَ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِوَضْعِ حَمْلٍ أَوْ مُضِيِّ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهَا الْإِجْمَاعُ وَدَلِيلُهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَيَأْتِي مُفَصَّلًا فِي مَوَاضِعِهِ وَالْمَعْنَى يَشْهَدُ لَهُ، لِأَنَّ رَحِمَ الْمَرْأَةِ رُبَّمَا كَانَ مَشْغُولًا بِمَاءِ شَخْصٍ، وَتَمْيِيزُ الْأَنْسَابِ مَطْلُوبٌ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ، وَالْعِدَّةُ طَرِيقٌ لَهُ وَالْعِدَّةُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: مَعْنًى مَحْضٌ، وَتَعَبُّدٌ مَحْضٌ، وَمُجْتَمَعُ الْأَمْرَيْنِ وَالْمَعْنَى أَغْلَبُ، وَيَجْتَمِعُ الْأَمْرَانِ وَالتَّعَبُّدُ أَغْلَبُ فَالْأَوَّلُ عِدَّةُ الْحَامِلِ وَالثَّانِي عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَالثَّالِثُ عِدَّةُ الْمَوْطُوءَةِ الَّتِي يُمْكِنُ حَبَلُهَا مِمَّنْ يُولَدُ لِمِثْلِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ ذَاتَ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ، فَإِنَّ مَعْنَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ أَغْلَبُ مِنْ التَّعَبُّدِ بِالْعِدَدِ الْمُعْتَبَرِ لِغَلَبَةِ ظَنِّ الْبَرَاءَةِ، وَالرَّابِعُ كَمَا فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ لِلْمَدْخُولِ بِهَا الَّتِي يُمْكِنُ حَمْلُهَا وَتَمْضِي أَقْرَاؤُهَا فِي أَثْنَاءِ الشُّهُورِ، فَإِنَّ الْعَدَدَ الْخَاصَّ أَغْلَبُ مِنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ بِمُضِيِّ تِلْكَ الْأَقْرَاءِ.
(كُلُّ امْرَأَةٍ فَارَقَهَا زَوْجُهَا فِي حَيَاتِهِ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَالْخَلْوَةِ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا) إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} [الأحزاب: 49] الْآيَةَ وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ إنَّمَا وَجَبَتْ فِي الْأَصْلِ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَالْمَسِيسُ اللَّمْسُ بِالْيَدِ ثُمَّ اُسْتُعِيرَ لِلْجِمَاعِ لِأَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لَهُ.
(وَإِنْ خَلَا) الزَّوْجُ (بِهَا وَهِيَ مُطَاوِعَةٌ وَلَوْ لَمْ يَمَسَّهَا) مَعَ عِلْمِهِ بِهَا (وَلَوْ) كَانَتْ الْخَلْوَةُ (فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ سَوَاءٌ كَانَ بِهِمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ
مَانِعٌ (أَوْ) كَانَ (بِأَحَدِهِمَا مَانِعٌ مِنْ الْوَطْءِ) حِسِّيٍّ أَوْ شَرْعِيٍّ (كَإِحْرَامٍ وَصِيَامٍ وَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَمَرَضٍ وَجَبٍّ وَعُنَّةٍ وَرَتْقٍ وَظِهَارٍ وَإِيلَاءٍ وَاعْتِكَافٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ) لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى قَالَ: قَضَى الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ أَنَّ مَنْ أَغْلَقَ بَابًا أَوْ أَرْخَى سِتْرًا، فَقَدْ وَجَبَ الْمَهْرُ وَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ اشْتَهَرَتْ وَلَمْ تُنْكَرْ، فَكَانَتْ كَالْإِجْمَاعِ وَضَعَّفَ أَحْمَدُ مَا رُوِيَ خِلَافُهُ وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ فَالتَّمْكِينُ مِنْهُ يَجْرِي مَجْرَى الِاسْتِيفَاءِ فِي الْأَحْكَامِ كَعَقْدِ الْإِجَارَةِ، وَالْآيَةُ مَخْصُوصَةٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَالْحُكْمُ مُعَلَّقٌ عَلَى الْخَلْوَةِ الَّتِي هِيَ مَظِنَّةُ الْإِصَابَةِ دُونَ حَقِيقَتِهَا فَلَمْ تُؤَثِّرْ،.
وَلَوْ اخْتَلَى بِهَا وَاخْتَلَفَا فِي الْمَسِيسِ قَبْلَ قَوْلِ مَنْ يَدَّعِي الْوَطْءَ احْتِيَاطًا لِلْإِبْضَاعِ، وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى حَالِ الْخَلْوَةِ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ (إلَّا أَنْ لَا يَعْلَمَ) الزَّوْجُ (بِهَا) فِي الْخَلْوَةِ (كَأَعْمَى وَطِفْلٍ) فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْمَظِنَّةَ لَا تَتَحَقَّقُ (وَمَنْ لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ لِصِغَرِهِ) كَابْنِ دُونِ الْعَشَرَةِ (أَوْ كَانَتْ لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا لِصِغَرِهَا) كَبِنْتٍ دُونَ تِسْعٍ فَلَا عِدَّةَ (أَوْ) خَلَا بِهَا (غَيْرُ مُطَاوِعَةٍ وَفَارَقَهَا فِي حَيَاتِهِ فَلَا عِدَّة عَلَيْهَا، وَلَا يُكْمِلُ صَدَاقَهَا) لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمَظِنَّةِ مَعَ ظُهُورِ عَدَمِ الْمَسِيسِ.
(وَلَا تَجِبُ) الْعِدَّةُ (بِالْخَلْوَةِ بِلَا وَطْءٍ فِي نِكَاحِ مُجْمَعٍ عَلَى بُطْلَانِهِ) كَالْخَامِسَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ سَوَاءٌ (فَارَقَهَا) حَيًّا (أَوْ مَاتَ عَنْهَا) لِأَنَّ وُجُودَ صُورَةِ ذَلِكَ الْعَقْدِ كَعَدَمِهِ (وَإِنْ وَطِئَهَا) فِي النِّكَاحِ الْمُجْمَعِ عَلَى بُطْلَانِهِ (ثُمَّ مَاتَ أَوْ فَارَقَهَا اعْتَدَّتْ لِوَطْئِهِ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ مُنْذُ وَطِئَهَا) لِأَنَّ ذَلِكَ الْعَقْدَ كَعَدَمِهِ (كَالْمَزْنِيِّ بِهَا مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ) .
(وَلَا) تَجِبُ الْعِدَّةُ (بِتَحَمُّلِهَا مَاءَ الرَّجُلِ) قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ إنْ كَانَ مَاءُ زَوْجِهَا اعْتَدَّتْ، وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ فِي الْمُبْدِعِ فِيمَا يَلْحَقُ مِنْ النَّسَبِ: إذَا تَحَمَّلَتْ مَاءَ زَوْجِهَا لَحِقَهُ نَسَبُ مَنْ وَلَدَتْهُ مِنْهُ وَفِي الْعِدَّةِ وَالْمَهْرِ وَجْهَانِ، فَإِنْ كَانَ حَرَامًا أَوْ مَاءَ مَنْ ظَنَّتْهُ زَوْجَهَا فَلَا نَسَبَ وَلَا مَهْرَ وَلَا عِدَّةَ فِي الْأَصَحِّ فِيهَا، وَقَالَ فِي الْمُنْتَهَى وَكِتَابِ الصَّدَاقِ وَيَثْبُتُ بِهِ نَسَبٌ وَعِدَّةٌ وَمُصَاهَرَةٌ وَلَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ (وَلَا) تَجِبُ الْعِدَّةُ (بِالْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ مِنْ غَيْرِ خَلْوَةٍ) لِأَنَّ الْعِدَّةَ فِي الْأَصْلِ إنَّمَا وَجَبَتْ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَهِيَ مُتَيَقَّنَةٌ.
(وَتَجِبُ) الْعِدَّةُ عَلَى الزَّوْجَةِ (الذِّمِّيَّةِ مِنْ) زَوْجِهَا (الذِّمِّيِّ وَ) مِنْ زَوْجِهَا (الْمُسْلِمِ) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَلِأَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ (وَلَوْ لَمْ تَكُنْ) الْمُعْتَدَّةُ (مِنْ دِينِهِمْ) أَيْ الذِّمِّيَّيْنِ أَيْ مَشْرُوعَةً فِيهِ لِمَا تَقَدَّمَ (وَعِدَّتُهَا كَعِدَّةِ الْمُسْلِمَةِ) عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ لِلْعُمُومِ.
(وَتَجِبُ الْعِدَّةُ عَلَى مَنْ وُطِئَتْ مُطَاوِعَةً كَانَتْ أَوْ مُكْرَهَةً إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَاطِئُ لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ لِصِغَرِهِ) كَابْنِ دُونِ عَشْرٍ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا لِوَطْئِهِ (وَهُوَ مَذْهَبُ
الْمَالِكِيَّةِ) لِأَنَّ الْعِدَّةَ تُرَادُ لِلْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ مِنْ الْحَمْلِ، فَإِذَا كَانَ الْوَاطِئُ لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ فَالْبَرَاءَةُ مُتَيَقَّنَةٌ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الْعِدَّةِ.
(وَالْمُعْتَدَّاتُ سِتٌّ) أَيْ سِتَّةُ أَضْرُبٍ تَأْتِي مُفَصَّلَةً، وَلَمْ يَجْعَلْ الْآيِسَاتُ مِنْ الْمَحِيضِ ضَرْبًا، وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ضَرْبًا، لِاسْتِوَاءِ عِدَّتِهِمَا، (إحْدَاهُنَّ {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] ، حَرَائِرَ كُنَّ أَوْ إمَاءً، مُسْلِمَاتٍ أَوْ كَافِرَاتٍ عَنْ فُرْقَةِ الْحَيَاةِ أَوْ الْمَمَاتِ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى:{وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَآيَةُ الْحَمْلِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ آيَةِ الْأَشْهُرِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ مَنْ شَاءَ بَاهَلْته أَوْ لَاعَنْته أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ الْقُصْرَى: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] نَزَلَتْ بَعْدَ آيَةِ الْبَقَرَةِ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 234] وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ.
(وَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا إلَّا بِوَضْعِ كُلِّ الْحَمْلِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] فَإِذَا وَضَعَتْهُ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا (وَلَوْ لَمْ تَطْهُرْ وَتَغْتَسِلْ مِنْ نِفَاسِهَا) لِلْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ بِالْوَضْعِ (لَكِنْ إنْ تَزَوَّجَتْ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ حَرُمَ وَطْؤُهَا حَتَّى تَطْهُرَ) قِيَاسًا عَلَى الْحَيْضِ (فَلَوْ ظَهَرَ بَعْضُ الْوَلَدِ فَهِيَ فِي عِدَّةٍ حَتَّى يَنْفَصِلَ بَاقِيهِ إنْ كَانَ) الْحَمْلُ (وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ) الْحَمْلُ (أَكْثَرَ) مِنْ وَاحِدٍ (فَ) هِيَ فِي عِدَّةٍ (حَتَّى يَنْفَصِلَ بَاقِي الْأَخِيرِ) وقَوْله تَعَالَى: {أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وَقَبْلَ وَضْعِ كُلِّ الْأَخِيرِ لَمْ تَضَعْ حَمْلَهَا بَلْ بَعْضَهُ (فَإِنْ وَضَعَتْ وَلَدًا وَشَكَّتْ فِي وُجُودِ ثَانٍ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا حَتَّى تَزُولَ الرِّيبَةُ وَتَتَّقِينَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَعَهَا حَمْلٌ) وَفِي نُسْخَةِ وَلَدٍ لِيَحْصُلَ الْعِلْمُ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ.
(وَالْحَمْلُ الَّذِي تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَتَصِيرُ بِهِ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ) وَهُوَ مَا تَبَيَّنَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ الْإِنْسَانِ كَرَأْسٍ وَرَجُلٍ فَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ إجْمَاعًا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ حَمْلٌ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّصِّ (فَإِنْ وَضَعَتْ مُضْغَةً لَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ خَلْقِ الْإِنْسَانِ (فَذَكَرَ ثِقَاتٌ مِنْ النِّسَاءِ أَنَّهُ مَبْدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ لَمْ تَنْقَضِ بِهِ الْعِدَّةُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ وَلَدًا أَشْبَهَ الْعَلَقَةَ (وَكَذَا لَوْ أَلْقَتْ نُطْفَةً أَوْ دَمًا أَوْ عَلَقَةً) فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ وَلَدٌ بِالْمُشَاهَدَةِ لَا بِالْبَيِّنَةِ (لَكِنْ لَوْ وَضَعَتْ مُضْغَةً لَمْ يَتَبَيَّنْ) أَيْ يَظْهَرْ (فِيهَا الْخَلْقُ فَشَهِدَتْ ثِقَاتٌ مِنْ الْقَوَابِلِ أَنَّ فِيهَا صُورَةً خَفِيَّةً بَانَ بِهَا أَنَّهَا خِلْقَةُ آدَمِيٍّ انْقَضَتْ بِهِ الْعِدَّةُ) لِأَنَّهُ حَمْلٌ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّصِّ.
(وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ لَا يَلْحَقُهُ) أَيْ الزَّوْجَ (نَسَبُهُ كَامْرَأَةِ صَغِيرٍ لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ وَ) امْرَأَةِ (خَصِيٍّ مَجْبُوبٍ) أَوْ خَصِيٍّ غَيْرِ مَجْبُوبٍ
كَمَا سَبَقَ (وَمُطَلَّقَةٌ عَقِبَ عَقْدٍ) بِأَنْ طَلَّقَهَا بِالْمَجْلِسِ وَكَذَا لَوْ مَاتَ (وَمَنْ وُلِدَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ عَقَدَ عَلَيْهَا وَعَاشَ أَوْ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ مَاتَ أَوْ) مُنْذُ (بَانَتْ مِنْهُ أَوْ) مُنْذُ (انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا إنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا بِهِ) لِأَنَّهُ حَمْلٌ لَيْسَ مِنْهُ يَقِينًا فَلَمْ تَعْتَدَّ بِوَضْعِهِ كَمَا لَوْ ظَهَرَ بَعْدَ مَوْتِهِ (وَتَعْتَدُّ بَعَدَهُ عِدَّةَ وَفَاةٍ) إنْ كَانَتْ مُتَوَفًّى عَنْهَا (أَوْ عِدَّةَ فِرَاقٍ) إنْ كَانَ فَارَقَهَا فِي الْحَيَاةِ (حَيْثُ وَجَبَتْ) عِدَّةُ الْفِرَاقِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ.
(وَأَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ) وِفَاقًا لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ أَنَّهُ رُفِعَ إلَى عُمَرَ أَنَّ امْرَأَةً وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهَمَّ عُمَرُ بِرَجْمِهَا فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ لَيْسَ لَك ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] وَقَالَ {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] فَحَوْلَانِ وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ ثَلَاثُونَ شَهْرًا لَا رَجْمَ عَلَيْهَا فَخَلَّى عُمَرُ سَبِيلَهَا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَذَلِكَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ وُلِدَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ (وَغَالِبُهَا) أَنَّ مُدَّةَ الْحَمْلِ (تِسْعَةُ أَشْهُرٍ) لِأَنَّ غَالِبَ النِّسَاءِ كَذَلِكَ يَحْمِلْنَ وَهَذَا أَمْرٌ مَعْرُوفٌ بَيْنَ النَّاسِ.
(وَأَكْثَرُهَا أَرْبَعُ سِنِينَ) لِأَنَّ مَا لَا نَصَّ فِيهِ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْوُجُودِ وَقَدْ وُجِدَ أَرْبَعُ سِنِينَ فَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ قُلْتُ لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: " لَا تَزِيدُ الْمَرْأَةُ فِي حَمْلِهَا عَلَى سَنَتَيْنِ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَنْ يَقُولُ هَذَا؟ هَذِهِ جَارَتُنَا امْرَأَةُ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ امْرَأَةُ صِدْقٍ وَزَوْجُهَا رَجُلُ صِدْقٍ حَمَلَتْ ثَلَاثَةَ أَبْطُنٍ فِي اثْنَيْ عَشَرَ سَنَةً " وَقَالَ الشَّافِعِيُّ " بَقِيَ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعَ سِنِينَ وَقَالَ أَحْمَدُ: نِسَاءُ بَنِي عَجْلَانَ تَحْمِلُ أَرْبَعَ سِنِينَ.
(وَأَقَلُّ مَا يُتَبَيَّنُ بِهِ) خَلْقُ (الْوَلَدِ أَحَدٌ وَثَمَانُونَ يَوْمًا) لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ» الْحَدِيثَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَنْقَضِي بِمَا دُونَ الْمُضْغَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الثَّمَانِينَ فَأَمَّا بَعْدُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَيْسَ فِيهِ إشْكَالٌ وَذَكَرَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ أَنَّ غَالِبَ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ خَلْقُهُ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ.