الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منها: أنها يوم عيد ولا يصام منفردًا وقراءة: {الم تَنْزِيلُ} و {هَلْ أَتَى} في صبيحتها والجمعة، والمنافقين فيها، والغُسل لها، والتطيب، والسواك، ولبس أحسن الثياب، وتبخير المسجد، والتبكير، والاشتغال بالعبادة حتى يخرج الخطيب والخطبة، والإِنصات، وقراءة الكهف، ونفي كراهية النافلة وقت الاستواء، ومنع السفر قبلها، وتضعيف أجر الذاهب إليها بكل خطوة أجر سنة، ونفي تسجير جهنم يومها، وساعة الإجابة، وتكفير الآثام، وأنها يوم المزيد والشاهد والمدخر لهذه الأُمة، وخير أيام الأسبوع، وتجتمع فيها الأرواح، إن ثبت الخبر فيه. قلت: هكذا سردها ابن حجر تبعًا لابن القيم وبعضها غير موافق لمذهب مالك ككراهة صوم يومها وقراءة السورتين المذكورتين في صبيحتها، وعدم كراهة النفل فيها في الاستواء، فلا خصوصية لها بذلك عندنا كما مرّ فلا كراهة في ذلك مطلقًا، ومنع السفر يومها فلا يمنع عنده إلَاّ بعد الزوال. ثم قال المصنف:
باب فرض الجمعة لقول الله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}
فاسعوا: فامضوا.
رواية الأكثر إلى {وَذَرُوا الْبَيْعَ} وسياق بقية الآية في رواية كريمة وأبي ذرٍّ. وقوله: {فَاسْعَوْا} فامضوا في رواية أبي ذرٍّ عن الحموي وحده، وهو تفسير منه للمراد بالسعي هنا بخلاف قوله في الحديث المتقدم، فلا تأتوها تسعون فالمراد به الجري. وفي "تفسير النسفي" {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} فامضوا إليه واعملوا له. وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنه- سمعت عمر رضي الله عنه يقرأ:"فامضوا إلى ذكر الله"، وعنه ما سمعت عمر يقرؤها قط إلا "فامضوا إلى ذكر الله" وروي عن إبراهيم كان عبد الله يقرؤها "فامضوا إلى ذكر الله"، ويقول لو قرأتها "فاسعوا" لسعيت حتى يسقط ردائي.
وعن الحسن "ليس السعي على الأقدام، ولقد نهوا أن يأتوا المسجد إلا وعليهم السكينة والوقار ولكن بالقلوب والنيّة والخشوع". وعن قتادة أنه كان يقول في هذه الآية "فاسعوا" أن تسعى بقلبك وعملك وهي المشي إليها واستدلال البخاري بهذه الآية على فرضية الجمعة سبقه إليه الشافعي في "الأم". وكذلك حديث أبي هريرة، ثم قال: فالتنزيل ثم السنة يدلان على إيجابها، قال: وعلم بالإجماع أن يوم الجمعة هو الذي بين الخميس والسبت. وقال الشيخ الموفق: الأمر بالسعي يدل على الوجوب إذ لا يجب السعي إلا إلى واجب.
وقال الزين بن المنير: وجه الدلالة من الآية الكريمة مشروعية النداء لها إذ الأذان من خواص الفرائض، وكذا النهي عن البيع؛ لأنه لا ينهى عن المباح نهي تحريم إلا إذا أفضى إلى ترك واجب، ويضاف إلى ذلك التوبيخ على قطعها. قال: وأما وجه الدلالة من الحديث فهو من التعبير بالفرض؛ لأنه للإلزام وإن أطلق على غير الإلزام كالتقدير، لكنه متعين له لاشتماله على ذكر الصرف لأهل الكتاب عن اختياره وتعيينه لهذه الأمة سواء كان ذلك وقع لهم بالتنصيص أو بالاجتهاد. وفي سياق القصة إشعار بأن فرضيتها على الأعيان لا على الكفاية، وهو من جهة إطلاق
الفرضية ومن التعميم في قوله: فهدانا الله له والناس لنا فيه تبَع. وقول الخطابي: أكثر الفقهاء أنها من فروض الكفاية غلط، وحكى أبو الطيب عن بعض أصحاب الشافعي غلط من قال: إنها فرض كفاية وهو ابن كج.
وفي "الدراية" صلاة الجمعة فريضة محكمة جاحدها كافر بالإجماع، وقد أجمعت الأُمة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا على فرضيتها من غير إنكار، ووجوبها من جهة المعنى هو أنّا أُمرنا بترك الظهر لإِقامة الجمعة، والظهر فريضة ولا يجوز ترك الفرض إلا لفرض آكد منه وأولى، فدلّ على أن الجمعة آكد من الظهر في الفريضة، فصارت الجمعة فرض عين لكن اختلفوا في أصل الفرض في هذا الوقت. فقال الشافعي في "الجديد" وزفر ومالك وأحمد ومحمد في رواية فرض الوقت: الجمعة والظهر بدل منها. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي في "القديم": الفرض هو الظهر، وإنما أمر غير المعذور بإسقاطه بأداء الجمعة. وقال محمد في رواية فرضه أحدهما غير عين والتعيين إليه.
وفائدة الخلاف تظهر في حر مقيم أدى الظهر في أول وقته يجوز مطلقًا حتى لو خرج بعد أداء الظهر إليها، ولم يخرج لم يبطل فرضه لكن عند أبي حنيفة تبطل بمجرد السعي مطلقًا، وعندهما لا تبطل إلا إذا أدرك. وعند الشافعي ومالك لا يجوز ظهره سواء أدرك الجمعة أو لا خرج إليها أم لا.
وقوله: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ} أراد بهذا النداء الأذان عند قعود الإمام على المنبر للخطبة يدل لذلك ما روى الزهري عن السائب بن يزيد: "كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنٌ واحدٌ لم يكنِ له مؤذنٌ غيرُهُ، وكانَ إذا جلسَ صلى الله عليه وسلم على المنبرِ أذّنَ على المسجدِ فإذا نزلَ أقامَ الصلاةَ، ثم كان أبو بكرٍ -رضي الله تعالى عنه- كذلكَ وعمرُ -رضي الله تعالى عنه- كذلكَ حتى إذا كان عثمانُ -رضي الله تعالى عنه- وكثرتْ الناسُ وتباعدتْ المنازلُ زادَ إذانًا فأمر بالتاذين الأول على دارٍ له بالسوقِ يقالُ لها "الزوراءُ" فكانَ يؤذَّنُ له عليها، فإذا جلسَ عثمانُ -رضي الله تعالى عنه- أذّنَ مؤذنُهُ الأولُ، فإذا نزلَ أقامَ الصلاةَ فلمْ يعبْ ذلكَ عليهِ أحدٌ".
وقوله: {مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} بيان (لإذا) وتفسير له وقيل من يوم الجمعة في يوم الجمعة كقوله تعالى: {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} أي: في الأرض. وقوله: {إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} أي: إلى الصلاة. وعن سعيد بن المسيب {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} موعظة الإمام. وقيل: {إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} إلى الخطبة والصلاة.
وقوله: {وَذَرُوا الْبَيْعَ} اتركوا البيع والشراء؛ لأن البيع يتناول المعنيين جميعًا وإنما يحرم البيع عند الأذان. وقال الزهري عند خروج الإمام، وقال سماك: إذا زالت الشمس حرم البيع والشراء، وقيل: أراد الأمر بترك ما يذهل عن ذكر الله من شواغل الدنيا وإنما خص البيع من بينها؛ لأن يوم الجمعة يوم يهبط الناس فيه من قراهم وبواديهم وينصبون إلى المصر من كل أوب ووقت هبوطهم
واجتماعهم واغتصاص الأسواق بهم إذا انتفخ النهار وتعالى الضحى ودنا وقت الظهيرة، وحينئذ تمر التجارة ويتكاثر البيع والشراء، فلما كان ذلك مظنة الذهول بالبيع عن ذكر الله والمضي إلى المسجد قيل لهم: بادروا تجارة الآخرة واتركوا تجارة الدنيا واسعوا إلى ذكر الله الذي لا شيء أنفع منه وأربح، وذروا البيع الذي نفعه يسير وربحه متقارب.
وقوله: {ذَلِكُمْ} الكاف فيه الخطاب كالتاء في (أنت) وذلك للدلالة على أحوال المخاطبين وعدوهم، فإذا أشرف إلى واحد مذكر وخاطبت مثله قلت:(ذلك) وإذا خاطبت اثنين قلت: (ذلكما) وإذا خاطبت جمعًا قلت: (ذلكم) للمذكر، و (ذلكن) للمؤنث.