الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثلاثون
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ وَهْوَ الْقَتْلُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضُ".
قوله: "حتى يقبض العلم" بموت العلماء وكثرة الجهلاء. وقوله: "وتكثر الزلازل" جمع زلزلة، وهي حركة الأرض واضطرابها حتى ربما سقط البناء القائم عليها. وقوله:"ويتقارب الزمان" فتكون كما في الترمذي عن أنس مرفوعًا: "السنةُ كالشَّهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم واليوم كالساعة والساعة كالضرمة بالنار" أي كزمان اتّقاد الضرمة، وهي ما توقد به النار أولًا كالقضب والكبريت.
وقد مرَّت مباحث هذا الحديث مستوفاة غاية عند ذكره مختصرًا في باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس من كتاب العلم. وقوله: "فيفيض" بفتح حرف المضارعة بالرفع خبر مبتدأ محذوف. أي: هو يفيض ولأَبي ذر بالنصب عطفًا على يكثر. ويفيض استعارة من فيض الماء لكثرته يقال: "فاض الماء" إذا كثر حتى سال على ضفة الوادي أي: جانبه، وأفاض الرجل إناه أي: مَلأه حتى فاض، والمعنى: يفيض المال حتى يكثر، فيفضل منه في أيدي مالِكيه ما لا حاجة لهم به، وقيل: بل ينتشر في النَّاس ويعمهم.
رجاله خمسة:
قد مرّوا، مرّ أبو اليمان وشعيب في السابع من بدء الوحي، ومرَّ أبو الزناد وعبد الرحمن في السابع من الإيمان، وأبو هريرة في الثاني منه.
الحديث الحادي والثلاثون
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا وَفِى يَمَنِنَا". قَالَ: قَالُوا: وَفِى نَجْدِنَا؟ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا وَفِى يَمَنِنَا". قَالَ: قَالُوا: وَفِى نَجْدِنَا؟ قَالَ: قَالَ: "هُنَاكَ الزَّلَازِلُ وَالْفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ".
قوله: "قال: اللهم بارك إلخ" قال في "الفتح": هكذا وقع في هذه الروايات بصورة الموقوف عن ابن عمر لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم وقال القابسي: سقط ذكره عليه الصلاة والسلام من النسخة ولابد منه لأن مثله لا يقال بالرأي. وقد رواه أزهر السمان عن ابن عون مصرحًا فيه بذكر النبي صلى الله عليه وسلم كما يأتي في الفتن.
قلت: هذا مع ما في الحديث من قوله عن ابن عمر، قال: قال: "اللهم بارك" لا يصح أنه
على صورة الوقف لأن ابن عمر أسند القول إلى غيره، فلا يصح أن يكون من قوله ومن أسنده إليه معلوم أنه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه هو الذي يسند إليه الصحابي ويَرْوي عنه، وإذا كان لم يذكره. فإنّما لم يذكره للعلم به على حد قوله تعالى:{عَبَسَ وَتَوَلَّى} ، وقوله تعالى:{حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} ، وقوله:"في شامنا ويمننا" المراد بهما: الإقليمان المعروفان، أو البلاد التي عن يميننا وشمالنا أعم منهما.
وقوله "في نجدنا؟ " هو خلاف الغور وهو تهامة وكل ما ارتفع من بلاد تهامة إلى أَرض العراق. ذكر هنا "وفي نجدنا" بعد قوله: "في شامِنا وَيَمننا" مرتين، وفي رواية ولد ابن عون فلما كان الثالثة أو الرابعة قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا؟ قال: بها الزلازل والفتن ومنها يطلع قرن الشيطان". وقرن الشيطان أُمته وحزبه. قال الداودي: للشمس قرن حقيقة، ويحتمل أن يريد بالقرن قوة الشيطان وما يستعين به على الإِضلال، وهذا وجه وقيل: إن الشيطان يقرن رأسه بالشمس عند طلوعها ليقع سجود عبدتها له، قيل: ويحتمل أن يكون للشمس شيطان تطلع الشمس بين قرنيه، وقال الخطابي: القرن الأُمة من الناس يحدثون بعد فناء آخرين، وقرن الحية أن يضرب المثل فيما لا يحمد من الأُمور. وقال غيره: كان أهل المشرق يومئذٍ أهل كفر فاخبرَ صلى الله عليه وسلم أن الفتنة تكون من تلك النَّاحية، فكان كما أُخبروا. وأول الفتن كان من قبل المشرق، فكان ذلك سببًا للفرقة بين المسلمين وذلك مما يحبه الشيطان ويفرح به، وكذلك البِدع نشأَت من تلك الجهة.
قال المهلب: إنما ترك عليه الصلاة والسلام الدعاء لأهل المشرق ليضعفوا عن البشر الذي هو موضوع في جهتهم لاستيلاء الشيطان بالفتن، وقال القسطلاني: إنما ترك الدعاء لأهل المشرق لأنه علم العاقبة، وأن القدر سبق بوقوع الفتن فيها والزلازل ونحوها من العقوبات. والأدب أن لا يدعى بخلاف القدر مع كشف العاقبة بل يحرم حينئذ. وقد مرَّ أن نجد ما ارتفع من بلاد تهامة إلى العراق، وتهامة كلها من الغور، ومكة من تهامة. وقال الخطابي: نجد من جهة المشرق، ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق ونواحيها، وهي مشرق أهل المدينة. وقد ذكرت حدود نجد في رسالتي المسماة:"بالقول القاضي" بمبانيه، وأما الشام فقد قال أبو القاسم الزجاجي: سميت بذلك لكثرة قراها وتداني بعضها من بعض فشبهت بالشامات، وقيل سميت بذلك؛ لأن قومًا من كنعان بن حام خرجوا عند التفرق فتشاءموا إليها أي: أخذوا ذات الشمال.
وقال ابن عساكر: سميت الشام بسام بن نوح عليه السلام وسام اسمه بالسريانية شام، وبالعبرانية شيم وقيل: سميت شامًا لأنها عن شمال الأرض، وقيل: إن اسم الشام أولًا سورية، وكانت أرض بني إسرائيل قسمت على اثني عشر سهمًا فصار لسهم منهم مدينة شامرين. وهي من فلسطين فصار إليها متجر العرب في ذلك، ومنها كانت ميرتهم فَسَمَوا الشام بشامرين. ثم حذفوا فقالوا: الشام، قال البكري: الشام مهموز الألف، وقد لا يهمز، وقال الفراء: فيها لغتان: شأم، وشام والنسب إليها شأمي، وشامي على الحذف. وقال الجوهري: يذكر ويؤنث.