الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبواب صلاة الخوف
وقول الله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} إلى قوله {إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} .
ثبت لفظ أبواب للمستملي وأبي الوقت، وفي رواية الأصيلي وكريمة
باب
بالإفراد وسقط للباقين، وثبت سياق الآيتين بلفظهما إلى قوله {مُهِينًا} في رواية كريمة، واقتصر في رواية الأصيلي على إلى أن تقصروا من الصلاة، وقال إلى "قولهَ {عَذَابًا مُهِينًا} .
وأما أبو ذر فساق الأولى بتمامها. ومن الثانية إلى قوله معك، ثم قال إلى قوله:{عَذَابًا مُهِينًا} .
قال الزين بن المنير: ذكر صلاة الخوف إثر صلاة الجمعة؛ لأنها من جملة الخمس، لكن خرج كل منهما عن قياس حكم باقي الصلوات، ولما كان خروج الجمعة أخف قدمه تلو الصلوات الخمس وعقبه بصلاة الخوف؛ لكثرة المخالفة ولاسيما عند شدة الخوف، وساق الآيتين في هذه الترجمة مشيرًا إلى أن خروج صلاة الخوف عن هيئة بقية الصلوات ثبت بالكتاب قولًا وبالسُّنة فعلًا، ولما كانت الآيتان قد اشتملتا على مشروعية القصر في صلاة الخوف وعلى كيفيتها، ساقهما معًا وآثر تخريج حديث ابن عمر لقوة شبه الكيفية التي ذكرها بالآية.
ومعنى قوله: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ} أي سافرتم. ومفهومه أن القصر مختص بالسفر، هو كذلك. وقوله:{أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} أي: بتنصيف ركعاتها ونفي الحرج فيه يدل على جوازه لا على وجوله، ويؤيده أنه عليه الصلاة والسلام أتم في السفر، وإلى كونه جائزًا ذهب الشافعي، وأوجبه أبو حنيفة، واستدل الشافعي بما رواه مسلم والأربعة عن يعلي بن أمية قال:"قلت لعمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- قال الله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ} فقد أمن الناس، قال: عجبت مما عجبت منه فسألتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال: صدقةٌ تصدَّقَ اللهُ بها عليكم فاقبلوا صدقتَهُ". فقد علق القصر بالقبول وسماه صدقة والمتصدق عليه غير في قبول الصدقة، فلا يلزمه القبول حتمًا واستدل الحنفية بقول عمر المروي في النسائي وابن ماجه وابن حبان صلاة السفر ركعتان تام غير قصر على لسان نبيكم وبقول عائشة -رضي الله تعالى عنها- المروي عند الشميخين:"أولُ ما فرض الصلاة فُرضتْ ركعتين فأُقرتْ في السفر وزيدتْ في الحضر". وبحديث ابن عباس عند مسلم قال: "فرضَ اللهُ الصلاةَ على لسانِ نبيِّكُم في الحضرِ أربعَ ركعاتٍ، وفي
السفرِ ركعتينِ، وفي الخوفِ ركعة".
وأجابوا عن حديث يعلى بأنه أمر بالقبول، والأمر للوجوب، وأجاب الآخرون عن الأحاديث المذكورة بأن الأول مؤول بأنه كالتام في الصحة والإجزاء، وعن الأخيرين بأنهما لا ينفيان جواز الزيادة.
وقوله: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي: بالقتال والتعرض لما يكره، وهو شرط باعتبار الغالب في ذلك الوقت وإنما لم يعتبر مفهومه الذي هو اختصاص القصر بالخوف، لحديث يعلي بن أمية السابق، فقد قال فيه:"فاقبلوا صدقته" فثبت القصر في الأمن ببيان السنة، وبأن الإجماع على جواز القصر في السفر من غير خوف. وقوله:{وَإِذَا كُنْتَ} أيها الرسول علمه طريق صلاة الخوف ليقتدي به الأئمة بعده عليه الصلاة والسلام وقوله: {فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} تمسك بمفهومه أبو يوسف في إحدى الروايتين عنه والحسن بن زياد اللؤلؤي من أصحابه وإبراهيم بن علية.
وحكي عن المزني صاحب الشافعي فقالوا: ليس هذا لغيره؛ لأنها إنما شرعت بخلاف القياس لإِحراز فضيلة الصلاة معه صلى الله عليه وسلم، وهذا المعنى انعدم بعده واحتج عليهم بإجماع الصحابة على فعل ذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وبقوله عليه الصلاة والسلام:"صلُّوا كما رأيتموني أُصلّي" فعموم منطوقه مقدم على ذلك المفهوم. وادعى المزني نسخها لتركه عليه الصلاة والسلام لها يوم الخندق.
وأجيب بتأخر نزولها عنه، لأنها نزلت سنة ست والخندق كانت سنة أربع أو خمس على الصحيح فيهما. وقال ابن العربي وغيره شرط كونه عليه الصلاة والسلام فيهم إنما ورد لبيان الحكم لا لوجوده، والتقدير (بيّن لهم بفعلك لكونه أوضح من القول) ثم إن الأصل أن كل عذر طرأ على العبادة فهو على التساوي كالقصر، والكيفية وردت لبيان الحذر من العدو وذلك لا يقتضي التخصيص بقوم دون قوم.
وقال الزين بن المنير: الشرط إذا خرج مخرج التعليم لا يكون له مفهوم كالخوف في قوله تعالى {أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ} .
وقال الطحاوي: كان أبو يوسف قد قال مرة: لا تصلى صلاة الخوف بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وزعم أن الناس إنما صلوها لفضل الصلاة معه عليه الصلاة والسلام. قال: وهذا القول ليس بشيء عندنا، وكان محمد بن شجاع يعيبه ويقول: إن الصلاة خلف النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت أفضل من الصلاة مع الناس جميعًا إلا أنه يقطعها ما يقطع الصلاة خلف غيره.
وقوله: {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} أي فاجعلهم طائفتين، فلتقم إحداهما معك يصلون وتقوم الطائفة الأخرى في وجه العدو.
وقوله: {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} أي: المصلون حزمًا، وقيل الضمير للطائفة الأخرى، وذكر الطائفة الأولى يدل عليهم {فَإِذَا سَجَدُوا} يعني المصلين.
وقوله: {فَلْيَكُونُوا} أي: غير المصلين.
وقوله: {مِنْ وَرَائِكُمْ يحْرُسُونَكُمْ} يعني النبي صلى الله عليه وسلم ومن يصلي معه، فغلب المخاطب على الغائب. وقوله {طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا} لاشتغالهم بالحراسة.
وقوله {فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} ظاهره أن الإِمام يصلي مرتين بكل طائفة مرة، كما فعله عليه الصلاة والسلام ببطن نخل.
وقوله: {وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} جعل الحذر وهو التحرز والتيقظ آلة يستعملها المغازي، فجمع بينه وبين الأسلحة في الأخذ.
وقوله: {أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ} رخصة لهم في وضعها إذا ثقل عليهم أخذها بسبب مطر أو مرض، وهذا يؤيد أن الأمر للوجوب دون الاستحباب.
وقوله: {وَخُذُوا حِذْرَكُمْ} أمرهم مع ذلك بأخذ الحذر كي لا يهجم عليهم العدو.
وقوله: {إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} وعد للمؤمنين بالنصر وإشارة إلى أن الأمر بالحزم ليس لضعفهم وغلبة عدوهم، بل لأن الواجب في الأمور التيقظ.