الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع والخمسون
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ أَخْبَرَنِي ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ. وَالإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ".
قوله "أخبرني ابن شهاب" هكذا رواه يحيى بن بكير عن الليث، ورواه شعيب بن الليث عن أبيه فقال: عن عقيل عن ابن شهاب عن عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ عن أبي هريرة، أخرجه مسلم والنسائي والطريقان صحيحان، وقد رواه أبو صالح عن الليث بالإِسنادين معًا أخرجه الطحاوي، وكذا رواه ابن جريج وغيره عن الزهري بهما أخرجه عبد الرزاق وغيره، ورواه مالك عند أبي داود وابن أبي ذيب عند ابن ماجه كلاهما عن الزهري بالإسناد الأول.
وقوله "يوم الجمعة" مفهومه أن غير يوم الجمعة بخلافه، وفيه بحث.
وقوله "فقد لغوت" قال الأخفش: اللغو الكلام الذي لا أصل له من الباطل وشبهه. وقال ابن عرفة: اللغو السقط، وقيل الميل عن الصواب، وقيل اللغو الإِثم كقوله تعالى {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} .
وقال الزين بن المنير: اتفقت أقوال المفسرين على أن اللغو ما لا يحسن من الكلام، وأغرب أبو عبيد الهروي فقال: معنى لغا تكلم كذا أطلق والصواب التقييد.
وقال النضر بن شُمَيل: معنى لغوت خبت من الأجر، وقيل بطلت فضيلة جمعتك، وقيل صارت جمعتك ظهرًا. قال في "الفتح": أقوال أهل اللغة متقاربة المعنى، ويشهد للقول الأخير ما رواه أبو داود وابن خزيمة عن عبد الله بن عمر مرفوعًا "ومنْ لغا وتخطى رقابَ الناس كانت له ظهرًا".
قال ابن وهب أحد رواته معناه أجزأت عنه الصلاة وحرم فضيلة الجمعة.
ولأحمد عن علي مرفوعًا "مَنْ قال صهْ، فقد تكلمَ ومَنْ تكلمَ فلا جمعة له".
ولأبي داود نحوه ولأحمد والبزار عن ابن عباس مرفوعًا "مَنْ تكلمَ يومَ الجمعة والإمامُ يخطبُ فهو كالحمارِ يحملُ أسفارًا. والذي يقولُ له أنصِتْ ليستْ له جمعةٌ"، وله شاهد قوي في "جامع" حماد بن سلمة عن ابن عمر موقوفًا قال العلماء: معناه لا جمعة له كاملة للإِجماع على إسقاط فرض الوقت عنه.
وحكى ابن التين عن بعض من جوز الكلام في الخطبة أنه تأول قوله: فقد لغوت أي أمرت بالإنصات من لا يجب عليه، وهو جمود شديد؛ لأن الإصات لم يختلف في مطلوبيته، فكيف يكون من أمر بما طلبه الشرع لاغيًا؛ بل النهي عن الكلام مأخوذ من حديث الباب بدلالة الموافقة؛ لأنه إذا جعل قوله "أنصِتْ" مع كونه أمرًا بمعروف لغوًا فغيره من الكلام أولى أن يسمى لغوًا.
وعند أحمد من رواية الأعرج عن أبي هريرة آخر هذا الحديث بعد قوله فقد لغوت "عليك بنفسك"، واستدل به على منع جميع الكلام حال الخطبة، وبه قال الجمهور وفي حق من سمعها وكذا الحكم في حق من لم يسمعها عند الأكثر قالوا: وإذا أراد الأمر بالمعروف، فليجعله بالإِشارة.
قلت: قد مرّ وجوب الإنصات وحرمة الكلام على من لم يسمع عند المالكية، ويحرم عندهم نهي اللاغي بالكلام أو رميه بالحصى والإِشارة إليه بما يفهم النهي حسمًا للمادة.
وعند الشافعية لغير السامع أن يشتغل بالتلاوة والذكر، وكلام المجموع يقتضي أن الاشتغال بهما أولى.
وأغرب ابن عبد البر فنقل الإجماع على وجوب الإنصات على من سمعها إلا عن قليل من التابعين، ولفظه لا خلاف علمته بين فقهاء الأمصار في وجوب الإنصات في الخطبة على من سمعها في الجمعة، وأنه غير جائز أن يقول لمن سمعه من الجهال يتكلم والإمام يخطب أنصت ونحوها أخذا بهذا الحديث، وروي عن الشعبي وناس قليل أنهم كانوا يتكلمون حين الخطبة إلا حين القراءة في الخطبة خاصة قال وفعلهم في ذلك مردود عند أهل العلم، وأحسن أحوالهم أن يقال إنهم لم يبلغهم الحديث.
وقد مرّ باب "الاستماع" إلى الخطبة حكم الكلام ساعة الخطبة عند الشافعية وما بنوا عليه الخلاف عندهم.
وروي عن الشافعية والحنابلة أيضًا التفرقة بين من يسمع الخطبة ومن لا يسمعها، ولبعض الشافعية التفرقة بين من تنعقد بهم الجمعة، فيجب عليهم الإنصات دون من زاد فجعله شبيهًا بفروض الكفاية. واختلف السلف إذا خطب بما لا ينبغي من القول، وعلى ذلك يحمل ما نقل عن السلف من كلام حال الخطبة، والذي يظهر أن من نفى وجوبه أراد أنه لا يشترط في صحة الجمعة بخلاف غيره. ويدل على الوجوب في حق السامع أن في حديث علي المشار إليه آنفًا "ومن دنا فلم ينصت كان عليه كفلان من الوزر"؛ لأن الوزر لا يترتب على من فعل مباحًا، ولو كان مكروهًا كراهة تنزيه.
ونقل صاحب "المغني" الاتفاق على أن الكلام الذي يجوز في الصلاة يجوز في الخطبة كتحذير الضرير من البئر وعبارة الشافعي وإذا خاف على أحد لم أر بأسًا إذا لم يفهم عنه بالإيماء أن يتكلم، وقد استثني من الإنصات في الخطبة ما إذا انتهى الخطيب إلى كل ما لم يشرع مثل