الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب إذا لم يطق قاعدًا صلّي على جنب
قوله: إذا لم يطق أي: الإنسان الصلاة في حال القعود صلّى على جنبه. ثم قال: وقال عطاء: إذا لم يقدر أن يتحول إلى القِبْلَة، حيث كان وجهه.
قوله: إذا لم يقدر في رواية الكشميهني: إن لم يقدر ومطابقة هذا الأثر للترجمة من جهة أن الجامع بينهما أن العاجز عن أداء فرض ينتقل إلى فرض دونه، ولا يترك وهو حجة على مَنْ قال إن العاجز عن القعود في الصلاة تسقط عنه الصلاة وحكاه الغزالي عن أبي حنيفة، وتعقب بأنه لا يوجد في كتب الحنفية، وإنما الثابت عن أبي حنيفة إسقاط الصلاة إذا عجز عن الإيماء بالرأس، وقالوا: إنه يقضي بعد البرء. وهذا الأثر وصله عبد الرزاق عن ابن جريج وعطاء بن أبي رباح، قد مرّ في التاسع والثلاثين من العلم.
الحديث السادس والثلاثون
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ الْمُكْتِبُ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَتْ بِى بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّلَاةِ فَقَالَ: "صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ".
قوله: "عن عبد الله" هو ابن المبارك وسقط ذكره من رواية أبي زيد المروزي، ولابد منه، فإن عبدان لم يسمع من إبراهيم بن طَهمان، والحسين المُكتِب باسم الفاعل من التكتيب هو ابن ذكوان المعلم الذي سبق في الباب قبله، قال الترمذي: لا نعلم أحدًا روى هذا عن حسين إلا إبراهيم، وروى أبو أسامة وعيسى بن يونس وغيرهما عن حسين على اللفظ السابق، ولا يؤخذ من ذلك تضعيف رواية إبراهيم كما فهمه ابن العربي، تبعًا لابن بطال ورد على الترمذي بأن رواية إبراهيم توافق الأُصول، ورواية غيره تخالفها، فتكون رواية إبراهيم أرجح؛ لأن ذلك راجع إلى الترجيح من حيث المعنى لا من حيث الإسناد، وإلا فاتفاق الأكثر على شيء يقتضي أن رواية مَنْ خالفهم تكون شاذة، والحق أن الروايتين صحيحتان كما صنع البخاري، وكل منهما مشتملة على حكم غير الحكم الذي اشتملت عليه الأخرى.
وقوله: "عن الصلاة" المراد عن صلاة المريض: بدليل قوله في أوله: كانت بي بواسير. وفي رواية وكيع عن إبراهيم بن طَهمان عن صلاة المريض أخرجه الترمذي وغيره. قال الخطابي: لعلَّ هذا الكلام كان جواب فتيا استفتاها عمران، وإلا فليست علة البواسير بمانعة من القيام في الصلاة
على ما فيها من الأذى، ولا مانع من أن يسأل عن حكم ما لم يعلمه، لاحتمال أن يحتاج إليه فيما بعد.
وقوله: "فإن لم يستطع فقاعدًا" استدل به مَنْ قال: لا ينتقل المريض إلى القعود إلَاّ بعد عدم القدرة على القيام. وقد حكاه عياض عن الشافعي ومالك وأحمد. وإسحاق لا يشترط العدم، بل وجود المشقة.
والمعروف عند الشافعية أن المراد بنفي الاستطاعة وجود المشقة الشديدة بالقيام، أو خوف زيادة مرض أو الهلاك، ولا يكتفي بأدنى مشقة.
قلت: مذهب المالكية: أن مشقة الصحيح غير معتبرة إمّا اتفاقًا كما عند الباجي أو على الصحيح كما عند غيره، وأما مشقة المريض، فمشهور مذهبهم فيها هو ما مرّ أنه هو المعروف عند الشافعية وروي عن ابن القاسم عدم اعتبارها أيضًا.
قال في "الفتح": ومن المشقة الشديدة دوران الرأس في حق راكب السفينة، وخوف الغرق لو صلّى قائمًا فيها، وهل يُعد في عدم الاستطاعة مَنْ كان كامنًا في الجهاد؟ ولو صلّى قائمًا لرآه العدو، فتجوز له الصلاة قاعدًا أو لا؟ فيه وجهان للشافعية، الأصح الجواز، لكن يقضي لكونه عذرًا نادرًا.
قلت: أما مذهب المالكية فلا يتردد في جوازه. ولا يجري فيه خلاف، واستدل به على تساوي عدم الاستطاعة في القيام والقعود في الانتقال خلافًا لمن فرق بينهما، كإمام الحرمين. ويدل للجمهور أيضًا حديث ابن عباس عند الطبراني بلفظ: يصلي قائمًا، فإن نالته مشقة فجالسًا، فإن نالته مشقة صلّى نائمًا، الحديث. فاعتبر في الحالين وجود المشقة، ولم يفرّق.
وقوله: "على جنب" في حديث علي عند الدارقطني على جنبه الأيمن مستقبل القبلة بوجهه وفيه: إن حالة الاستلقاء على الظهر تكون عند العجز من حالة الاضطجاع، وعند المالكية الترتيب بين الأيمن ثم الأيسر ثم الظهر مندوب، وأمّا الاضطجاع على البطن فتأخيره واجب، فإن قدم على الظهر مع القدرة على الظهر بطلت، وإذا استلقى على ظهره تكون أخمصاه للقبلة، وتوضع وسادة تحت رأسه، حتى يكون شبه القاعد ليتمكن من الإيماء بالركوع والسجود إذْ حقيقة الاستلقاء تمنع الأصحاء من الإيماء، فكيف بالمرضى. وعند الحنفية المقدم عندهم الظهر، وعند ابن كاس منهم أنه يصلي على جنبه الأيمن كما هو قول الشافعي ومالك وأحمد مستدلين بحديث الدارقطني المار، وبأنه هو الحالة التي يوجه عليها الميت في اللحد، لقوله عليه الصلاة والسلام في أثناء حديث البيت الحرام:"قبلتكم أحياءً وأمواتًا".
وعند الشافعية يكره على الأيسر بلا عذر، كما في المجموع. وقالوا: إن الترتيب إنما هو في غير الكعبة، أما فيها فالمتجه جواز الاستلقاء على ظهره، وعلى وجهه؛ لأنه كيفما توجه متوجه لجزء منها، ويركع ويسجد بقدر إمكانه، فإن قدر على زيادة على أكمل الركوع، تعينت تلك الزيادة