الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب إذا ارتحل بعدما زاغت الشمس صلّى الظهر ثم ركب
الحديث الحادي والثلاثون
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بن سعيد قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ.
هذا هو الحديث المذكور قبله وفيه: فإذا زاغت الشمس قبل أنْ يرتحل صلّى الظهر ثم ركب فقط. وهو المحفوظ عن عقيل في الكتب المشهورة، ومقتضاه أنه كان لا يجمع بين الصلاتين إلَاّ في وقت الثانية منهما. وبه احتج مَنْ أبى جمع التقديم كما مرّ، وقد قال أبو داود: ليس في تقديم الوقت حديث قائم.
وقد روى إسحاق بن راهويه حديث الباب عن شبابة بن سوار فقال: إذا كان في سفر فزالت الشمس صلّى الظهر والعصر جميعًا ثم ارتحل. أخرجه الإسماعيلي، ولا يقدح فيه. تفرد إسحاق به عن شبابة ولا تفرد جعفر الفريابي به عن إسحاق؛ لأنهما حافظان، والمشهور في جمع التقديم حديث أبي داود والترمذي وأحمد وابن حِبّان عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخّر الظهر حتى يجمعها إلى العصر، فيصليهما جميعًا، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلّى الظهر والعصر جميعًا، لكنه أعل بتفرد قتيبة به عن الليث بل أشار البخاري إلى أنَّ بعض الضعفاء أدخله على قتيبة في حديثه، كما حكاه الحاكم في "علوم الحديث"، وله طريق أخرى عن معاذ بن جبل أخرجها أبو داود من رواية هشام بن سعد عن أبي الزبير عن أبي الطفيل، لكن هشام مختلف فيه، فقد ضعفه ابن معين.
وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقد خالف الحفاظ من أصحاب أبي الزبير كمالك والثوري وقرة بن خالد، فلم يذكروا في روايتهم جمع التقديم. وقد ورد فيه حديث عن ابن عباس، أخرجه أحمد. وقد تقدم ذكره أول الباب السابق وأورده أبو داود تعليقًا، والترمذي في بعض الروايات عنه، وفي إسناده حسين بن عبد الله الهاشمي، وهو ضعيف، لكن له شاهد عن حمّاد عن
أيوب عن أبي قلابة عن ابن عباس لا أعلمه إلا مرفوعًا: أنه كان إذا نزل منزلًا في السفر فأعجبه أقام فيه، حتى يجمع بين الظهر والعصر، ثم يرتحل فإذا لم يتهيأ له المنزل مدّ في السفر، حتى ينزل فيجمع بين المغرب والعشاء. أخرجه البيهقي ورجاله ثقات إلَاّ إنه مشكوك في رفعه ووقفه، والمحفوظ أنه موقوف. وقد أخرجه البيهقي من وجه آخر مجزومًا بوقفه على ابن عباس. ولفظه: إذا كنتم سائرين فذكر نحوه.
وقد روى مسلم عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر بعرفة في وقت الظهر، فلو لم يرد من فعله إلا هذا، لكان أول دليل على جوار جمع التقديم في السفر. قال الزهري: سألت سالمًا هل يجمع بين الظهر والعصر في السفر؟ قال: نعم، ألا ترى إلى صلاة الناس بعرفة. وعند المالكية فيه تفصيل، وحاصله أنه إذا زالت عليه الشمس وهو نازل مريدًا الإرتحال، فإنْ نوى النزول بعد الغروب جمعهما حينئذ قبل الارتحال، وإن نواه قبل الاصفرار أخّر العصر وجوبًا، وإن نواه في الاصفرار خُيِّر بين تأديتها قبل الارتحال وتأديتها بعد النزول في الاصفرار. وقد مرّ أن الثلث الأول في العشاءين ينزل منزلة ما قبل الاصفرار، والثلثان الأخيران منزلة الاصفرار، والفجر منزلة الغروب.
قال القسطلاني: ويشترط لجمع التقديم ثلاثة شروط: تقديم الأولى على الثانية؛ لأن الوقت لها، والثانية تبع فلا تتقدم على متبوعها. وأن ينوي الجمع في الأولى. وأن يوالي بينهما؛ لأن الجمع يجعلهما كصلاة واحدة، ولأنه عليه الصلاة والسلام لما جمع بينهما بنمرة والى بينهما، وترك الرواتب، وأقام الصلاة بينهما. نعم لا يضر فصل يسير في العرف وإن جمع تأخيرًا فلا يشترط إلَاّ نيَّة التأخير للجمع في وقت الأولى ما بقي قدر ركعة، فإن أخّرها حتى فات وقت الأداء بلا نيّة للجمع عصى وقضى. وفي حديث أنس استحباب التفرقة في حال الجمع بين ما إذا كان سائرًا أو نازلًا. وقد استدل به على اختصاص الجمع بمن جدَّ به السّير، لكن وقع التصريح في حديث معاذ بن جبل في "الموطأ". ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخّر الصلاة في غزوة تبوك خرج فصلَّى الظهر والعصر جميعًا ثم دخل ثم خرج، فصلَّى المغرب والعشاء جمعًا.
قال الشافعي في "الأم": قوله: دخل ثم خرج لا يكون إلا وهو نازل، فللمسافر أن يجمع نازلًا ومسافرًا. وقال ابن عبد البر: في هذا أوضح دليل على الرد على مَنْ قال لا يجمع إلا مَنْ جدَّ به السير، وهو قاطع للالتباس. وحكى عياض أن بعضهم أوّل قوله: ثم دخل أي في طريق مسافرًا ثم خرج أي عن طريق للصلاة ثم استبعده.
قلت: وهذا وإن كان بعيدًا، فهو أولى من الأول؛ لأن الأول يجعل النازل الذي لا يريد السفر يومًا أو يومين يجمع، وهذا بعيد جدًا إذْ لا مشقة عليه حتى يجمع، ولهذا رواه مالك في "موطئه"ولم يفهم منه هذا المعنى ولا عمل به قال في "الفتح": وكأنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لبيان الجواز، وكان أكثر