الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السادس
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ.
قوله: "مَنْ اغتسل" يدخل فيه كل مَنْ يصح التقرب منه ذكر أو أُنثى أو عبد. وقوله: "غُسلَ الجنابة" بالنصب على أنه نعت لمصدر محذوف أي: غسلًا كغُسل الجنابة وهو كقوله تعالى: {مَرَّ السَّحَابِ} ويشهد بذلك رواية ابن جريج عن سمى عند عبد الرزاق "فاغتسلَ أحدُكم كما يغتسلُ من الجناَبةِ" فظاهره أن التشبيه للكيفية لا للحكم، وهو قول الأكثر. وقيل المراد غسل الجنابة حقيقة ففيه إشارة إلى الجِماع يوم الجمعة ليغتسل فيه من الجنابةِ، والحِكمة فيه أن تسكن نفسه في الرواح إلى الصلاةِ ولا تمتد عينه إلى شيء يراه، وفيه حمل المرأة أيضًا على الاغتسال ذلك اليوم، وعليه حَمَل قائل ذلك حديث أوس الثقفي قال:"سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ مَنْ غَسّل يومَ الجمعةِ واغتسلَ، ثم بكر وابتكرَ ومشى ولم يركبْ ودنا من الإِمام واستمعَ ولم يلغُ كان له بكلِّ خطوةٍ عملُ سنةٍ أجرُ صيامِها وقيامِها" أخرجه أصحاب "السنن"، وقالَ الترمذِيّ: حديث أوس حديث حسن، وقال أيضًا: معنى "غسل" وطىء امرأته قبل الخروج إلى الصلاة، يقال غسّل الرجل امرأته وغسلها مشددًا ومخففًا إذا جامعها، وفحل غسلة إذا كان كثير الضراب. قال النووي: ذهب بعض أصحابنا إلى هذا وهو ضعيف أو باطل والصواب الأول. وقد حكاه ابن قدامة عن أحمد وثبت أيضًا عن جماعة من التابعين وقال القرطبي: إنه أنسب الأقوال، فلا وجه لادعاء بطلانه وإن كان الأول أرجح، ولعله عني أنه باطل في مذهبه.
وقوله: "ثم راح" أي: ذهب زاد في "الموطأ" في "الساعة الأولى" وصحح النووي أنها من طلوع الفجر؛ لأنه أول اليوم شرعًا، لكن يلزم منه أن يكون التأهب قبل طلوع الفجر. وقد قال الشافعي: يجزىء الغُسل إذا كان بعد الفجر، وليس المراد من الساعات الفلكية الأربعة والعشرين
التي قسم عليها الليل والنهار، بل المراد ترتيب درجات السابقين على مَنْ يليهم في الفضيلة؛ لئلا يستوي فيه رجلان جاءا في طرفي ساعة؛ ولأنه لو أُريد ذلك لاختلف الأمر في اليوم الشاتي والصائف. وفي "شرح المهذب" و"مسلم" المراد الفلكية لكن بَدَنة الأول أكمل من بَدَنَة الأخير، وبَدَنَة المتوسط متوسطة، فمراتبهم متفاوتة وإن اشتركوا في البَدَنَة مثلًا كما في درجات صلاة الجماعة الكثيرة والقليلة، وحينئذٍ فمراده بساعات الفلكية اثنتا عشرة زمانية صيفًا أو شتاء، وقد روى أبو داود والنسائي وصححه الحاكم عن جابر مرفوعًا "يومُ الجمعةِ اثنتا عشرةَ ساعةً"، وهذا وإن لم يرد في حديث التبكير فيستأنس به في المراد بالساعات. وقال الماوردي: إن الرواح من طلوع الشمس موافقة لأهل الميقات ليكون ما قبل ذلك من طلوع الفجر زمان غسل وتأهب، واستشكل بأن الساعات ست لا خمس، والجمعة لا تصح في السادسة، بل في السابعة.
وأجيب بأن عند النَّسائيّ بإسناد صحيح بعد الكبش بطة، ثم دجاجة، ثم بيضة. وفي أخرى دجاجة، ثم عصفورًا، ثم بيضة، ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى الجمعة متصلًا بالزوال، وهو بعد انقضاء الساعة السادسة فيكون خروج الإمام عند انتهاء السادسة، وفي حديث وائلة عند الطبراني في الكبير مرفوعًا أن الله تعالى يبعث الملائكةَ يومَ الجمعةِ على أبواب المسجدِ يكتبونَ القومَ الأولَ والثاني والثالثَ والرابعَ والخامسَ والسادسَ، فإذا بلغوا السابعَ كانواَ بمنزلةِ من قرَّبَ العصافير". وللروياني والبغوي وجه ثالث أن التبكير من الزوال كقول مالك. وحكى الصيدلاني وجهًا رابعًا وهو أنه من ارتفاع النهار وهو وقت الهجير. وانفصل المالكية إلا قليلًا منهم وبعض الشافعية عن الإِشكال بأن المراد بالساعات الخمس لحظات لطيفة أولها زوال الشمس وآخرها قعود الخطيب على المنبر، واستدلوا على ذلك بأن الساعة تطلق على جزء من الزمان غير محدود تقول: جئت ساعة كذا. وقالوا: إن حملها على الزمانية التي يقسم النهار فيها إلى اثني عشر جزءًا يبعد إحالة الشرع عليه لاحتياجه إلى حساب ومراجعة آلات تدل عليه؛ ولأنه عليه الصلاة والسلام قال: "إِذا كانَ يومُ الجمعةِ قامَ على كلِّ بابٍ من أبوابِ المسجدِ ملائكةٌ يكتبونَ الأولَ فالأولَ فالمتهجر إلى الجمعةِ كالمُهدي بَدَنَةً" الحديث فإن قيل: قد تستعمل الهاجرة في غير موضعها فيجب العمل عليه جمعًا، فالجواب: أنه ليس إخراجها عن ظاهرها بأولى من إخراج الساعة الأولى عن ظاهرها، فإذا تساويا على ما زعمت فما أرجح؟
قلت: عمل الناس جيلًا بعد جيل لم يعرف أن أحدًا من الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- كان يأتي المسجد عند طلوع الشمس لصلاة الجمعة، ولا يمكن حمل حالهم على ترك هذه الفضيلة العظيمة، واستدلوا أيضًا بأن قوله في الحديث "ثم راح" يدل على أنه أول الذهاب إلى الجمعة من الزوال؛ لأن حقيقة الرواح من الزوال إلى آخر النهار، والغدو من أوله إلى الزوال. قال المازري: تمسك مالك بحقيقة الرواح، وتجوّز في الساعة وعكس غيره. وأنكر الأزهري على مَنْ زعم أن الرواح لا يكون إلا بعد الزوال، ونقل أن العرب تقول راح في جميع الأوقات بمعنى ذهب.
قال: وهي لغة أهل الحجاز، ونقل أبو عبيد في "الغريبين" نحوه. وفيه رد على الزين بن المنير حيث أطلق أن الرواح لا يستعمل في المضي في أول النهار بوجه، وحيث قال: إن استعمال الرواح بمعنى الغدو لم يسمع ولا ثبت ما يدل عليه. وقد قال في "الفتح": إن التعبير بالرواح ليس في شيء من طرق هذا الحديث إلا في رواية مالك هذه عن سمي وقد رواه ابن جريج عن سمي بلفظ: "غدا"، ورواه أبو سلمة عن أبي هريرة بلفظ:"المتعجلُ إلى الجُمعةِ كالمُهدي بَدَنَةً" الحديث، وصححه ابن خزيمة.
وفي حديث سمرة: "ضربَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مثلَ الجُمعةِ في التبكيرِ كناحر البَدَنَة" الحديث، أخرجه ابن ماجه. ولأبي داود عن علي مرفوعًا:"إذا كان يومُ الجُمعةِ غدتِ الشَياطينَ براياتِها إلى الأسواقِ وتغدو الملائكةُ فتجلسُ على بابِ المسجدِ فتكتَب الرجلَ مِنْ ساعةٍ والرجلَ مِنْ ساعتينِ" الحديث. قال: فدل مجموع هذه الأحاديث على أن المراد بالرواح الذهاب، ولعل النكتة في التعبير بالرواح الِإشارة إلى أن الفعل المقصود إنما يكون بعد الزوال، فيسمى الذاهب إلى الجُمعة رائحاً وإن لم يجىء وقت الرواح كما سمي المقاصد إلى مكة حاجًا.
قلت: هذه الأحاديث المذكورة ليس فيها ذكر للرواح، وإنما فيها الغدو أو التبكير، فكيف يصح قوله إن المراد بالرواح فيها الذهاب؟ واحتج بعض المالكية أيضًا بقوله في رواية الزهري: مثل المهجر؛ لأنه مشتق من التهجير وهو السير وقت الهاجرة. وأجيب بأن المراد بالتهجير هنا التبكير كما تقدم نقله عن الخليل في "المواقيت".
قلت: الذي مرّ عن الخليل في باب (الاستهام في الأذان) هو محل التهجير على ظاهره من أنه الإتيان إلى الصلاة وقت الهاجرة وهي شدة الحر نصف النهار، والذي فسر التهجير بالتبكير هو الهروي. وقال ابن المنير: يحتمل أن يكون مشتقًا من الهِجيّر بالكسر وتشديد الجيم وهو ملازمة ذكر الشيء. وقيل: هو من هجير المنزل وهو ضعيف؛ لأن مصدره الهجر لا التهجير. وقال القرطبي: الحق أن التهجير هنا من الهاجرة وهو السير في وقت الحر وهو صالح لما قبل الزوال وبعده، فلا حجة فيه لمالك. وقال التوربشتي: جعل الوقت الذي يرتفع فيه النهار ويأخذ الحر في الازدياد من الهاجرة تغليبًا بخلاف ما بعد الزوال، فإن الحرّ يأخذ في الانحطاط. ومما يدل على استعمالهم التهجير في أول النهار ما أنشده ابن الأعرابي: يهجرون تهجير النجر. واحتجوا أيضًا بأن الساعة لو لم تطل للزم تساوي الآيتين فيها، والأدلة تقتضي رجحان السابق بخلاف ما إذا قلنا إنها لحظة لطيفة، وأجابوا عن هذا بما مرّ مما قاله النووي من أن التساوي وقع في مسمى البَدَنَة والتفاوت في صفاتها، ويؤيده أن في رواية ابن عجلان تكرير كل من المتقرب به مرتين حيث قال:"كرجل قرّب بَدَنَة، وكرجل قرّب بَدَنَة" الحديث. ولا يرد على هذا أن في رواية ابن جريج "وأول الساعة وآخرها سواء"؛ لأن هذه التسوية بالنسبة إلى البَدَنة كما تقرر واحتج من كره التبكير أيضًا بأنه يستلزم تخطي الرقاب في الرجوع لمن عرضت له حاجة فخرج ثم رجع وتعقب بأنه لا حرج عليه في هذه الحالة؛
لأنه قاصد للوصول لحقه، وإنما الحرج على مَنْ تأخر عن المجيء ثم جاء فتخطى.
وقوله: "فكأنما قرَّب بَدَنَةً" أي: تصدق بها متقربًا إلى الله تعالى. وقيل: المراد أن للمبادرة في أول ساعة نظير ما لصاحب البَدَنة من الثواب ممن شرع له القربان لم يشرع لهذه الأُمة على الكيفية التي كانت للأُمم السالفة. وفي رواية ابن جريج المذكورة "فلهُ من الأجر مثلُ الجزورِ" وظاهره أن المراد أن الأجر لو تجسد لكان قدر الجزور. وقيل: ليس المراِد بالحديث إلَاّ بيان تفاوت المبادرين إلى الجُمُعة، وأن نسبة الثاني من الأول نسبة البقرة إلى البَدَنة في القيمة مثلًا، ويدل عليه أن في مرسل طاووس عند عبد الرزاق "كفضلِ صاحب الجزورِ على صاحب البقرةِ". وفي رواية الزهري الآتية في باب (الاستماع إلى الخطبة) بلفظ:"كمثل الذي يهدي بَدَنَة" فكان المراد بالقربان في رواية الباب الإِهداء إلى الكعبة. قال الطيبي: في لفظ الإِهداء إدماج بمعنى التعظيم للجمعة، وأن المبادر إليها كمن ساق الهدي، والبَدَنة تقال للبعير ذكرًا كان أو انثى، والهاء فيها للوحدة لا للتأنيث، وكذا في باقي ما ذكر. وحكى ابن التين عن مالك أنه كان يتعجب ممن يخص البَدَنَة بالأُنثى. وقال الأزهري: لا تكون إلا من الإبل، وصح ذلك عن عطاء. وأما الهدي فمن الإبل والبقر والغنم هذا لفظه.
وحكى النووي عنه قال: البَدَنَة تكون من الإبل والبقر والغنم، وكأنه خطأ نشأ عن سقط. وفي "الصحاح" البَدَنة ناقة أو بقرة تنحر بمكة سميت بذلك؛ لأنهم كانوا يسمنونها، والمراد بالبَدَنَة هنا الناقة بلا خلاف، واستدل به على أن البَدَنَة تختص بالإبل؛ لأنها قوبلت بالبقرة عند الإطلاق، وقسم الشيء لا يكون قسيمه. وقال إمام الحرمين: البَدَنَة من الإبل، ثم الشرع قد يقيم مقامها البقرة وسبعًا من الغنم، وتظهر ثمرة هذا فيما إذا قال: لله عليّ بدنة، وفيه خلاف الأصح أنه يتعيّن الإبل إن وجدت، وإلا فالبقرة، ثم سبع شياه. وقيل: يتعيّن الإبل مطلقًا، وقيل: يتخير.
وقوله: "فكأنما قرّب دجاجة" بتثليث الدال. وعن محمد بن حبيب أنها بالفتح من الحيوان وبالكسر من الناس، واستشكل التعبير في الدجاجة والبيضة بقوله في رواية الأزهري "كالذي يهدي"؛ إن الهدي لا يكون منهما، وأجاب عياض تبعًا لابن بطال بأنه لما عطفه على ما قبله أعطاه حكمه في اللفظ فيكون من الإتباع: متقلدًا سيفًا ورمحًا. وتعقبه ابن المنير بأن شرط الإتباع لا يصرح باللفظ في الثاني فلا يسوغ أن يقال: متقلدًا سيفًا ومتقلدًا رمحًا، والذي يظهر أنه من باب المشاكلة، وإلى ذلك أشار ابن العربي بقوله: هو من باب تسمية الشيء باسم قرينه. وقال ابن دقيق العيد: قوله: "قرّب بيضة" وفي الرواية الأخرى كالذي يهدي يدل على أن المراد بالتقريب الهدي وينشأ منه أن الهدي يطلق على مثل هذا حتى لو التزم هديًا يكفيه ذلك أولًا. وهو الصحيح عند الشافعية وكذا عند الحنفية والحنابلة. قلت: وكذا المالكية، وهذا ينبني على أن النذر هل يسلك به مسلك جائز الشرع أو واجبه، فعلى الأول يكفي أقل ما يتقرب به، وعلى الثاني يحمل على أقل ما يتقرب به من ذلك الجنس، ويقوي الصحيح أيضًا أن المراد بالهدي هنا التصدق كما يدل عليه
لفظ التقرب، وهذا يجاب به عن الإشكال المتقدم فيكون المراد بالتقرب والهدي التصدق، والتصدق بالدجاجة والبيضة جائز.
وقوله: "حضرتِ الملائكةُ يستمعونَ الذكرَ" استنبط منه الماوردي أن التبكير لا يستحب للإمام قال: ويدخل إلى المسجد من أقرب أبوابه إلى المنبر وما قاله غير ظاهر لإِمكان أن يجمع الأمرين بالتبكير، ولا يخرج من المكان المعد له في الجامع إلا إذا حضر الوقت أو يحمل على مَنْ ليس له مكان معد وزاد في رواية الزهري الآتية "طووا صحفَهم". ولمسلم من طريقه "فإذا جلسَ الإِمامُ طووا الصحفَ، وجاؤوا يستمعون الذكر". وكان ابتداء طي الصحف عند ابتداء خروج الإِمام وانتهاؤه بجلوسه على المنبر وهو أول سماعهم للذكر، والمراد به ما في الخطبة من المواعظ وغيرها، وأول حديث الزهري إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول، ونحوه في رواية ابن عجلان عن سمي عند النسائي، وفي رواية العلاء عن أبي هريرة عند ابن خزيمة "على كلِّ بابٍ من أبوابِ المسجدِ ملكانِ يكتبانِ الأولَ فالأولَ"، فكان المراد بقوله في رواية الزهري:"على باب المسجد" جنس الباب، ويكون من مقابلة المجموع بالمجموع، فلا حجة فيه لمن أجاز التعبير عن الاثنين بلفظ الجمع. وأخرج أبو نعيم في "الحلية" عن ابن عمر مرفوعًا صفة الصحف المذكورة بلفظ "إذا كانَ يومُ الجمعةِ بعثَ الله ملائكةً بصحفٍ من نورٍ وأقلامٍ من نورٍ" الحديث، وهو دال على أن الملائكة المذكورين غير الحفظة. والمراد "بطي الصحف" طي صحف الفضائل المتعلقة بالمبادرة إلى الجمعة دون غيرها من سماع الخطبة وإدراك الصلاة والذكر والدعاء والخشوع ونحو ذلك، فإنه يكتبه الحافظان قطعًا.
وفي رواية ابن عُيينة عن الزهري في آخر حديثه المشار إليه عند ابن ماجه "فمَنْ جاءَ بعدَ ذلكَ فإنما يجيِءُ لحقّ الصلاةِ". وفي رواية ابن جريج عن سمي من الزيادة في آخره "ثم إذا استمعَ وأنصتَ غُفَر لهُ ماَ بينَ الخطبتيْنِ وزيادة ثلاثة أيام". وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند ابن خزيمة "فيقول بعضُ الملائكةِ لبعضٍ ما حبسَ فلانًا فتقولُ اللَّهُمَّ إن كانَ ضالًا فاهدهِ وإن كانَ فقيرًا فأغنْهُ، وإن كان مريضًا فعافِهِ".
وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم: الحض على الاغتسال يوم الجمعة وفضله، وفضل التبكير إليها أو التهجير عند المالكية، وإن الفضل المذكور إنما يحصل لمن جمعها وعليه يحمل ما أطلق في باقي الروايات من ترتب الفضل على التبكير من غير تقييد بالغُسل. وفيه أن مراتب الناس في الفضل بحسب أعمالهم، وأن القليل من الصدقة غير محتقر في الشرع، وأن التقرب بالإبل أفضل من التقرب بالبقر وهو بالاتفاق في الهدي. واختلف في الضحايا والجمهور على أنها كذلك خلافًا للمالكية القائلين بأن الغنم أفضل في الضحايا. قال الزين بن المنير: فرّق مالك بين التقربين باختلاف المقصودين؛ لأن أصل مشروعية الأضحية التذكير بقصة الذبيح، وهو قد فدي بالغنم والمقصود بالهدي التوسعة على المساكين فناسب البُدْنَ. وأيضًا المقصود من الضحية طيب