الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السادس عشر
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ هُرْمُزَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ {الم (1) تَنْزِيلُ} السَّجْدَةَ و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} .
قوله: "حدّثنا أبو نعيم" وفي نسخة من رواية كريمة حدّثنا محمد بن يوسف أي: الفريابي وذكرا في بعض النسخ جميعًا.
وقوله: {الم تَنْزِيلُ} أي: بضم اللام على الحكاية زاد في رواية كريمة "السجدة" وهو بالنصب.
وقوله: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} زاد الأصيلي: {حِينٌ مِنَ الدَّهْر} والمراد أن يقرأ في كل ركعة بسورة كما بينه مسلم ولفظه: "الم تنزيل في الركعة الأولى وفي الثانية هل أتى على الإنسان" وفيه دليل على استحباب قراءة هاتين السورتين في هذه الصلاة من هذا اليوم لما تشعر الصيغة به من مواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك أو إكثاره منه، بل قد ورد عن ابن مسعود فيما أخرجه الطبراني التصريح بمداومته صلى الله عليه وسلم على ذلك. ولفظه:"يديم ذلك" لكن صوب أبو حاتم إرساله والصحيح أن كان لا تقتضي المداومة بدليل ما رواه مسلم يقرأ في العيدين وفي الجمعة: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} الحديث. وروى أيضًا عن الضحاك بن قيس أنه سأل النعمان بن بشير ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ به في يوم الجمعة؟ قال: سورة الجمعة، و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} .
وروى الطحاوي عن أبي هريرة عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ في الجمعة بسورة الجمعة {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} فهذه الأحاديث فيها لفظة كان ولم تدل على المداومة، بل كان عليه الصلاة والسلام قرأ بهذا مرة وبهذا مرة، فحكى عنه كل فريق ما حضره. ففيه دليل على أن لا توقيت للقراءة في ذلك، وأن للإِمام أن يقرأ في ذلك مع فاتحة الكتاب أي القرآن شاء؛ ولأجل أنها لا تقتضي المداومة.
قال ابن دقيق العيد: ليس في الحديث ما يقتضي فعل ذلك دائمًا اقتضاء قويًا. قيل: إن الحكمة في قراءة هاتين السورتين الإشارة إلى ما فيهما من ذكر خلق آدم وأحوال يوم القيامة؛ لأن ذلك كان وسيقع يوم الجمعة. وحكى الباجي أبو الوليد الطعن في سعد بن إبراهيم لروايته لهذا
الحديث، وأن مالكًا امتنع من الرواية عنه لأجله، وأن الناس تركوا العمل به لاسيما أهل المدينة، لكن سعد لم ينفرد به مطلقًا. فقد أخرجه مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله. وكذا ابن ماجه والطبراني عن ابن مسعود وابن ماجه عن سعد بن أبي وقاص والطبراني في "الأوسط" عن علي وقوله:"إن الناس تركوا العمل به" غير صحيح؛ لأن أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين قد قالوا به، كما نقله ابن المنذر وغيره. ومشهور مذهب مالك أن تعمد قراءة سورة فيها (سجدة) في الفريضة أو الخطبة مكروه سواء (ألم السجدة) أو غيرها؛ لأنه إن لم يسجد دخل في الوعيد في قوله تعالى:{وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} وإن سجد زاد في أعداد سجودها. وإذا تعمد قراءتها سجدها إن كان في الفريضة دون الخطبة لإِخلاله بنظامه، وهل تبطل الخطبة بالسجود؟ والظاهر عدم البطلان ويسجد في الفريضة ولو في وقت نهي ما لم يتعمد قراءتها عالمًا أنه وقت نهي فلا يسجد والصحيح في علة النهي عند المالكية كونها ليس عليها عمل أهل المدينة.
قال ابن العربي: وهو أمر لم يعلم بالمدينة، وقيل النهي عنها خشية التخليط على المصلين، ومن ثم فرّق بعضهم بين الجهرية والسرية؛ لأن الجهرية يؤمن معها التخليط، لكن صح من حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قرأ سورة فيها (سجدة) في صلاة الظهر، فسجد بهم فيها أخرجه أبو داود والحاكم، فبطلت التفرقة.
ومنهم مَنْ علّل الكراهة بخشية اعتقاد العوام أنها فرض، قال ابن دقيق العيد: أما القول بالكراهة مطلقًا، فالحديث يأباه لكن إذا انتهى الحال إلى وقوع هذه المفسدة، فينبغي أن تترك أحيانًا لتندفع، فإن المستحب قد يترك لدفع المفسدة المتوقعة وهو يحصل بالترك في بعض الأوقات، وإلى ذلك أشار ابن العربي بقوله: ينبغي أن يفعل ذلك في الأغلب ويقطع أحيانًا؛ لئلا تظنه العامة سُنة. ومذهب الكوفيين كراهة قراءة شيء من القرآن موقتة لشيء من الصلوات، وأن يقرأ سورة (السجدة) و (هل أتى) في الفجر في كل جمعة.
وقال الطحاوي: معناه إذا رآه حتمًا واجبًا لا يجزىء غيره أو رأى القراءة بغيرها مكروهة. أما لو قرأها في تلك الصلاة تبركًا أو تأسيًا بالنبي عليه الصلاة والسلام أو لأجل التيسير، فلا كراهة. وفي "المحيط" بشرط أن يقرأ غير ذلك أحيانًا؛ لئلا يظن الجاهل أنه لا يجوز غيره، وهل يقرأ فيها (سجدة) غير الم منع منه ابن عبد السلام. وقال: إنه مبطل للصلاة، وقال النووي في "زيادات الروضة": لم أرَ فيه كلامًا لأصحابنا، وقياس مذهبنا أنه يكره في الصلاة إذا قصده ومقتضاه عدم البطلان. وفي "المهمات" مقتضى كلام القاضي الحسين الجواز.
وفي "فوائد المهذب" للفارقي: لا تستحب قراءة (سجدة) غير تنزيل، فإن ضاق الوقت عن قراءتها قرأ بما أمكن منها، ولو بآية (السجدة) منها، ووافقه ابن أبي عصرون في كتاب "الانتصار".
وعند ابن أبي شيبة بإسناد قوي عن إبراهيم النخعي أنه قال: يستحب أن يقرأ في صبح الجمعة