الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب مَنْ قرأ السجدة ولم يسجد
الحديث السادس
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رضي الله عنه فَزَعَمَ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالنَّجْمِ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا.
احتج بهذا الحديث جمهور المالكية، وأبو ثور، ومن مرّ عند الحديث السابق القائلون أن النجم لا سجود فيها، وجعلوه دالاً على نسخ السجود الواقع بمكة في والنجم؛ لأن هذا مدني. وحديث السجود مكي. وما مرَّ عند الترجمة من الأحاديث المذكور فيها السجود في سورة النجم لا يعارض هذا الحديث، لصحته عنها. وأجاب عنه القائلون بالسجود فيها: بأن ترك السجود فيها في هذه الحالة لا يدل على تركه مطلقًا؛ لاحتمال أن يكون السبب في الترك إذ ذاك إما لكونه كان بلا وضوء، أو لكون الوقت وقت كراهة، أو لكون القارىء كأن لم يسجد كما يأتي، أو ترك حينئذٍ لبيان الجواز. وهذا أرجح الاحتمالات، وبه جزم الشافعي؛ لأنه لو كان واجبًا لأمرة بالسجود ولو بعد ذلك. واتفق ابن أبي ذئب ويزيد بن خصيفة على هذا الإِسناد، على ابن قسيط، وخالفهما أبو صخرٍ فرواه عن ابن قسيط عن خارجة بن زيد عن أبيه. أخرجه أبو داود والطبراني، فإن كان محفوظًا حمل على أنَّ لابن قسيط فيه شيخين، وزاد أبو صخر في روايته، وصليت خلف عمر بن عبد العزيز، وأبي بكر بن حزم، فلم يسجدا فيها.
وقوله: "أنه سأل زيد بن ثابت" حذف المسؤول عنه ظاهر السياق يوهم أن المسؤول عنه السجود في النجم، وليس كذلك.
وقد بينه مسلم عن علي بن حجر وغيره عن إسماعيل بن جعفر بهذا الإِسناد فقال: سألت زيد بن ثابت عن القراءة مع الإِمام فقال: لا قراءة مع الِإمام في شيء، وزعم أنه قرأ النجم. الحديث. قال في "الفتح": فحذف المصنف الموقوف؛ لأنه ليس من غرضه في هذا المكان، ولأنه لا يخالف زيد بن ثابت في ترك القراءة خلف الإمام، وفاقًا لمن أوجبها من كبار الصحابة، تبعًا للحديث الصحيح الدال على ذلك. وفي هذا الكلام رد؛ لأن الظاهر أن المسؤول عنه السجود في النجم؛ لأن حسن تركيب الكلام أن يكون بعضه ملتئمًا بالبعض، ورواية البخاري هكذا تقتضي ذلك أو رواية عن قسيط عن عطاء بن يسار أنه أخبره أنه سأل زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه عن
القراءة مع الإِمام فقال: لا قراءة مع الإمام في شيء وزعم أنه قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم والنجم إذا هوى فلم يسجد ففي مسلم إجابة زيد بن ثابت عمّا سأله عنه عطاء بن يسار وأفاد بفائدة أخرى زائدة على ما سأله فرواية البخاري إما وقعت مختصرة أو كان سؤال عطاء ابتداء عن سجدة النجم فأجاب عن ذلك مقتصرًا عليه وكلا الوجهين جائزان وأما ما قاله من كونه حذف الموقوف لكونه ليس من غرضه في هذا المكان فبقيد لأنه ليس من عادة البخاري التصرف في متن الحديث بالزيادة والنقصان لأجل غرضه أو قوله، فزعم أراد أخبر، والزعم يطلق على المحقق قليلًا كهذا وعلى المشكوك كثيرًا، وقد تكرر ذلك، ومن شواهده قول الشاعر:
على الله أرزاق العباد كما زعم
ويحتمل أن يكون زعم في الشعر، بمعنى ضمن، ومنه الزعيم غارم أي: الضامن.
قلت: هذا الحديث يمكن عندي أن يكون هو دليل المالكية في اشتراطهم كون المستمع لا بد أن يكون قاصدًا التعليم باستماعه من القارىء. أمّا القرآن وأحكامه من ادغام وإظهار ونحوهما من التجويد. والشعبي عليه الصلاة والسلام معلّم لزيد، وعندهم قولان في المعلم: هل يسجد أم لا؟ والمشهور عندهم أنه يسجد عند أول مرة، ويكون هذا الحديث هو منشأ الخلاف مع ما يعارضه من الأحاديث. ويشترط عند المالكية في سجود التلاوة أن يكون الساجد متلبسًا بشرط الصلاة، من طهارة، وستر عورة واستقبال. ويشترط في سجود السامع له أن يكون مستمعًا لا سامعًا من غير استماع، وأن يكون القارىء صالحًا للإِمامة في الجملة، بأن يكون ذَكرًا بالغًا محققًا عاقلًا، فلا يسجد مستمع قراءة أضدادهم، وأن لا يكون القارىء قرأ ليسمع الناس حسن قراءته، وإلا فلا يسجد المستمع له، لما دخل قراءته من الرياء، فلم يكن أهلا للإقتداء به. وقد مرَّ قريبًا أن المستمع لابد أن يكون قاصدًا التعليم، وإذا حصلت الشروط سجد المستمع، ولو ترك القارىء السجود على المشهور؛ لأن تركه لا يسقط مطلوبية الآخر به. وهذا في غير الصلاة، وأما فيها فيتجه على تركه بلا خلاف، وتبطل صلاته بفعلها دون إمامة دون العكس، وقولي سابقًا في الجملة: ليدخل ما إذا كان القارىء غير متوضىء فإن مستمعه يسجد على قول، وقيل لا يسجد وهو المعتمد وليدخل سجود مستمع غير عاجز من متوضىء، عاجز عن ركن، ومستمع مكروه الإِمامة، وكذا من فاسق بجارحة. على المعتمد. وشهر بعض المالكية أن القارىء أيضًا إذا كان قاصدًا إسماع حسن صوته للناس لا يسجد، كالمستمع. وتأتي زيادة من غير المالكية في باب مَنْ لم يجد موضعًا للسجود، واستدل بعض العلماء بهذا الحديث على أن المستمع لا يسجد إلَاّ إذا سجد القارىء لآية السجود. وهو قول عند المالكية، وبه قال أحمد وإليه ذهب القفال.
وقال الشيخ أبو حامد: والبغداديون يسجد المستمع وإن لم يسجد القارىء. وهو ما مرّ عن المالكية، واستدل به البيهقي وغيره على أن السامع لا يسجد ما لم يكون مستمعًا قال: وأصح الوجهين واختاره إمام الحرمين. وهو قول المالكية كما مرَّ، والحنابلة. وقال الشافعي في مختصر
البويطي لا أؤكده عليه كما أؤكده على المستمع. وإن سجد فحسن. ومن تعليقات البخاري قال عثمان: إنما السجود على مَنْ استمع. ومذهب أبي حنيفة وجوبه على السامع والمستمع والقارىء، ولا يسقط عن أحدهما بترك الآخر، وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن عمر أنه قال: السجدة على مَنْ سمعها، واحتج بهذا الحديث مَنْ قال بعدم وجوب السجدة، وهو الشافعي وأحمد وإسحاق وداود والأوزاعي والليث. فهي عند هؤلاء من السنن الموكدة. واستدلوا على تأكيدها بحديث ابن عمر عند أبي داود والحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ علينا القرآن فإذا مرّ بالسجدة كبّر فسجد وسجدنا معه. وعند المالكية فيها خلاف هل هي سنة أو فضيلة؟ قولان مشهوران. واحتج القائلون بعدم الوجوب أيضًا بحديث عمر الآتي إن الله لم يفرض علينا السجود إلاّ أن نشاء، فهذا ينفي الوجوب. وقد قال عمر هذا القول والصحابة حاضرون والإجماع السكوتي حجة. وأجاب بعض الحنفية القائلين بوجوله على ما يأتي قريبًا عن قوله: لم يفرض علينا بأنّ نفي الفرض لا يستلزم نفي الوجوب على قاعدتهم في التفرقة بين الفرض والواجب. وتعقب بأنه اصطلاح لهم حادث، وما كان الصحابة يفرقون بينهما، ويغني عن هذا قول عمر: ومن لم يسجد فلا إثم عليه. واستدل بقوله: إلاّ أن نشاء، على أن المرء غير في السجود، فيكون ليس بواجب. وأجاب من أوجبه بأن المعنى إلا أنْ نشاء قراءتها، فيجب ولا يخفى بعده، ويرده تصريح عمر بقوله: ومن لم يسجد فلا إثم عليه، فإن انتفاء الإثم عمن ترك الفعل اختيارًا يدل على عدم وجوبه، واحتجوا أيضًا بحديث الأعرابي هل عليّ غيرها قال:"لا إلَاّ أن تطوع" أخرجه الشيخان. وبحديث سلمان رضي الله تعالى عنه أنه دخل المسجد وفيه قوم يقرؤون فقرؤوا السجدة فسجدوا فقال له صاحبه: يا أبا عبد الله لولا أتينا هؤلاء القوم، فقال: ما لهذا غدونا. رواه ابن أبي شيبة، ويأتي تعليقًا عند البخاري قريبًا.
ومن الأدلة على عدم وجولها أيضًا، ما أشار إليه الطحاوي من أن الآيات التي في سجود التلاوة منها ما هو بصيغة الخبر، ومنها ما هو بصيغة الأمر. وقد وقع الخلاف في التي بصيغة الأمر هل فيها سجود أم لا؟ وهي ثانية الحج وخاتمة النجم واقرأ. فلو كان سجود التلاوة واجبًا لكان ما ورد بصيغة الأمر أولى أن يتفق على السجود فيه مما ورد بصيغة الخبر. وحمل هؤلاء الأمر في قوله: اسجدوا على الندب، وعلى أن المراد به سجود الصلاة أو في الصلاة المكتوبة على الوجوب وفي سجود التلاوة على الندب على قاعدة الشافعي ومَنْ وافقه في حمل المشترك على معنييه.
وذهب أبو حنيفة إلى وجوبها على التالي والسامع سواءً قصد سماع القرآن أو لم يقصد، واستدل صاحب الهداية على الوجوب بقوله عليه الصلاة والسلام:"السجدة على مَنْ سمعها السجدة على مَنْ تلاها". ثم قال كلمة على للإيجاب. والحديث غير مقيد بالقصد، وهذا غريب لم يثبت، واستدلوا بالآيات:{فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} ، {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} . فقالوا الذم لا يتعلق إلا بترك واجب، والأمر في الآيتين للوجوب. وقد مرّ قريبًا الجواب عن هذا. وروى ابن أبي شيبة عن إبراهيم ونافع وسعيد بن