الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس عشر
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ وَالأَعْمَشُ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: أَتَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ إِنَّ قُرَيْشًا أَبْطَئُوا عَنِ الإِسْلَامِ، فَدَعَا عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَتَّى هَلَكُوا فِيهَا وَأَكَلُوا الْمَيْتَةَ وَالْعِظَامَ، فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، جِئْتَ تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِنَّ قَوْمَكَ هَلَكُوا، فَادْعُ اللَّهَ. فَقَرَأَ {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} الآية ثُمَّ عَادُوا إِلَى كُفْرِهِمْ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} يَوْمَ بَدْرٍ.
قوله: "قال: أتيت ابن مسعود" قد مرّ عند هذا الحديث في أول الاستسقاء أن في تفسير سورة (الروم) بينما رجل يحدث في كندة الخ، ومرَّ الكلام عليه هناك، ومرَّ الكلام على ما قيل في (الدخان) هناك.
وقوله: "فدعا عليهم" قد مرّ عند الحديث المذكور صفة ما دعا به عليهم وهو "اللَّهُمَّ سبعًا كسبعِ يُوسُفَ" وهو منصوب بفعل تقديره أسألك أو سلط عليهم ويأتي في تفسير سورة (يوسف) بلفظ "اللَّهُمَّ اكفنيهم بسبع كسبع يُوسُفَ". وفي سورة (الدخان)"اللَّهُمَّ أعني عليهم إلى آخره"، ومرّ عند الحديث المذكور ابتداء دعائه عليه الصلاة والسلام عليهم.
قوله: "فجاء أبو سفيان" قد مرّ عند حديث ابن عمر في تمثله بشعر أبي طالب ما قيل في وقت مجيء أبي سفيان إليه صلى الله عليه وسلم.
وقوله: "تأمر بصلة الرحم" أي والذين هلكوا بدعائك من ذوي رحمك فينبغي أن تصل رحمك بالدعاء لهم، ولم يقع في هذا السياق التصريح بأنه دعا لهم وسيأتي هذا الحديث في تفسير سورة (ص) بلفظ "فكشف عنهم ثم عادوا". وفي سورة (الدخان) من وجه آخر بلفظ "فاستسقى لهم فسقوا" ونحوه في رواية أسباط المعلقة.
رجاله سبعة:
وفيه ذكر أبي سفيان وقد مرّ الجميع: مرّ محمد بن كثير في الثاني والثلاثين من "العلم"، ومرَّ منصور في الثاني عشر منه، ومرّ الأعمش في الخاص والعشرين من "الإيمان"، ومرَّ سفيان ومسروق في السابع والعشرين منه، ومرّ ابن مسعود أوله قبل ذكر حديث منه، ومرَّ أبو الضحى في
الخامس من كتاب "الصلاة"، ومرّ أبو سفيان في السابع من "بدء الوحي".
ثم قال: قال وزادَ أسباطٌ عن منصور فدعا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فسُقُوا الغيثَ فأطبقَتْ عليهم سبعًا، وشكا الناسُ كثرة المطر. فقال: اللَّهُمَّ حوالينا ولا علينا فانحدرت السحابةُ عن رأسِه فسُقوا الناسُ حولهم".
قوله: "قال" أي البخاري، ولابن عساكر "قال أبو عبد الله"، وسقط ذلك كله لأبي ذر واقتصر على قوله:"وزاد أسباط" وأسباط هو ابن نصر، ووهم من زعم أنه أسباط بن محمد ويأتي تعريفهما قريبًا في السند.
وقوله: "عن منصور" يعني بإسناده المذكور قبله إلى ابن مسعود، وقد وصله الجوزقي والبيهقي عن علي بن ثابت عن أسباط بالسند المذكور عن ابن مسعود قال:"لما رأى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنَ الناس إدبارًا" فذكر نحو الذي قبله، وزاد "فجاء أبو سفيانَ وناسٌ من أهل مكةَ فقالوا: يا محمدُ إنّكَ تزَعمُ أنّكَ بُعثت رحمةً، وإنّ قومَكَ قد هلَكُوا فادعُ اللهَ لهم، فدعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فسُقوا الغيث" الحديث. وأشاروا بقولهم:"بعثت رحمة" إلى قوله تعالى: {وَمَا أرْسَلْناكَ إلَاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} .
وقوله: "فسقوا الناس حولهم" كذا في جميع الروايات في "الصحيح" بضم السين والقاف وهو على لغة بني الحارث، وفي رواية البيهقي المذكورة:"فأسقي الناس حولَهم". وزاد بعد هذا فقال؛ يعني ابن مسعود لقد مرّت آية (الدخان) وهو الجوع الخ، وتعقب الداودي وغيره هذه الزيادة ونسبوا أسباط بن نصر إلى الغلط في قوله:"وشكا الناس كثرة المطر" الخ، وزعموا أنه أدخل حديثًا في حديث وأن الحديث الذي فيه شكوى كثرة المطر.
وقوله: "اللهم حوالينا ولا علينا" لم يكن في قصة قريش وإنما هو في القصة التي رواها أنس، وهذا التعقب مردود بأنه لا مانع من أن يقع ذلك مرتين والدليل على أن أسباط بن نصر لم يغلط ما أخرجه البيهقي في الدلائل عن شرحبيل بن السمط عن كعب بن مرة أو مرة بن كعب قال: دعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على مضرَ فأتاهُ أبو سفيانَ فقال ادعُ اللهَ لقومِكَ فإنَّهم قد هَلكُوا.
ورواه أحمد وابن ماجه عن الأعمش عن عمر بن مرة عن كعب بن مرة، ولم يشك فأبهم أبا سفيان، قال:"جاءَهُ رجلٌ فقال: استسق اللهِ لمضرَ، فقال إنَّكَ لجريء ألمضر. قال: يا رسولَ الله استنصرت الله فنصركَ، ودعوتَ اللهَ فأجابَكَ فرفعَ يديهِ فقال: اللَّهُمَّ اسقنا غيثًا مغيثًا مريعًا مريئًا طبقًا عاجلًا غيرَ رائثٍ نافعًا غيرَ ضارٍ قال: فأجيبوا فما لبثوا أن أتوه فشكوا إليه كثرةَ المطر فقالوا: قد تهدمتِ البيوت فقال: اللَّهُمَّ حوالينا ولا علينا فجعلَ السحابُ ينقطعُ يمينًا وشمالًا". فظهر بذلك أن هذا الرجل المبهم المقول له إنك لجريء هو أبو سفيان، لكن الظاهر أن فاعل "قال: يا رسول الله استنصرت الله" الخ هو كعب بن مرة راوي هذا الخبر؛ لما أخرجه أحمد أيضًا والحاكم عن شعبة عن عمرو بن مرة بالإسناد إلى كعب قال: "دعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على مضرَ فأتيتهُ فقلتُ: يا رسولَ الله
إن اللهَ قد نصركَ وأعطاكَ واستجابَ لكَ وإنَّ قومَكَ قد هلَكُوا" الحديث.
فعلى هذا كأن أبا سفيان وكعبًا حضرا جميعًا فكلمه أبو سفيان بشيء وكعب بشيء، فدل ذلك على اتحاد قصتهما، وقد ثبت في هذه ما ثبت في تلك من قوله:"إنك لجريء" ومن قوله: "فقال: اللهم حوالينا ولا علينا" وغير ذلك، وظهر بذلك أن أسباط بن نصر لم يغلط في الزيادة المذكورة ولم ينتقل من حديث إلى حديث وسياق كعب بن مرة يشعر بأن ذلك وقع في المدينة، لقوله:"استنصرت الله فنصرك"؛ لأن كلًا منهما كان بالمدينة بعد الهجرة، لكن لا يلزم من ذلك اتحاد هذه القصة مع قصة أنس بن مالك بل قصة أنس واقعة أخرى؛ لأن في رواية أنس "فلم يزل على المنبر حتى مطروا" وفي هذه فما كان إلا جمعة أو نحوها حتى مطروا، والسائل في هذه غير السائل في تلك فهما قصتان وفي كل منهما طلب الدعاء بالاستسقاء ثم طلب الدعاء بالاستصحاء وإن ثبت أن كعب بن مرة أسلم قبل الهجرة حمل قوله:"استنصرت الله فنصرك" على النصر بإجابة دعائه عليهم، وزال الإشكال المتقدم.
ومنصور مرّ الآن ذكر محله وأسباط قيل إنه أسباط بن نصر، وقيل أسباط بن محمد وعلى كل حال لابد من تعريف الاثنين الأول، والصحيح أنه هو المراد عند البخاري أسباط بن نصر الهمداني أبو يوسف أو أبو نصر.
ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال البخاري في "تاريخه الأوسط": صدوق، وقال ابن معين مرة: ثقة، وقال مرة: ليس بشيء، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال موسى بن هارون: لم يكن به بأس. وقال أبو حاتم سمعت أبا نعيم يضعفه علق له البخاري حديثًا في الاستسقاء لا غير.
وقال الساجي في الضعفاء ،وروى أحاديث لا يتابع عليها روى عن سِمَاك بن حرب ومنصور بن المعتمر وإسماعيل السدي وغيرهم، وروى عنه عمرو بن حماد القناد وأبو غسان النهدي ويونس بن بكير وغيرهم.
الثاني: أسباط بن محمد بن عبد الرحمن بن خالد بن ميسرة القرشي مولاهم أبو محمد قال محمد بن عبد الله بن عمار، قال لنا وكيع: اسمعوا منه فسمعنا منه وكان حديثه ثلاثة آلاف. وقال ابن معين: ثقة، وقال مرة: ليس به بأس وكان يخطىء عن سفيان، وقال أبو حاتم: صالح.
وقال يعقوب بن شيبة: كوفي ثقة صدوق، وقال النسائي والعجلي: ليس به بأس، وقال ابن سعد: كان ثقة صدوقًا إلا أن فيه بعض الضعف.
وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال البرقي عن ابن معين: الكوفيون يضعفونه وهو عندنا ثبت فيما يروي عن مطرف والشيباني، وقد سمعت أنا منه قال في المقدمة له في "صحيح البخاري" حديث واحد في تفسير قوله تعالى:{لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} في سورة (النساء).
روى عن الأعمش ومطرف بن طريف والثوري وغيرهم، وروى عنه أحمد بن حنبل وابنه
عبيد بن أسباط وابن أبي شيبة وابن نمير وغيرهم.
مات بالكوفة في المحرم سنة مائتين، وقيل في أيام أبي السرايا سنة تسع وتسعين ومئة وولد سنة خمس ومائة. ثم قال المصنف: