الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع عشر
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ زُبَيْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ. فَقَامَ خَالِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أُصَلِّيَ وَعِنْدِى جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ. قَالَ: اجْعَلْهَا مَكَانَهَا أَوْ قَالَ: اذْبَحْهَا وَلَنْ تَجْزِيَ جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ.
مطابقة هذا الحديث للترجمة من جهة قوله: "إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلِّي" فإنه قال على أنه لا ينبغي الاشتغال فى يوم العيد بشيء غير التأهب للصلاة والخروج إليها، ومن لازمه أن لا يفعل قبلها شيء غيرها فاقتضى ذلك التبكير إليها.
وهذا الحديث قد مرّ في باب الأكل يوم النحر، ومرَّ الكلام عليه هناك والاختلاف في متنيهما قليل، ففي حديث هذا الباب "ومنْ ذبح" وهناك "ومن نحر" والفرق بينهما أن المشهور أن النحر في الإبل والذبح في غيرها، وقالوا النحر في اللبب مثل الذبح في الحلق وهنا أطلق النحر على الذبح باعتبار أن كلاً منهما إنهار الدم.
رجاله خمسة:
وفيه ذكر أبي بردة، وقد مرّ الجميع: مرّ سليمان بن حرب في الرابع عشر من "الإيمان"، ومرَّ شعبة والشعبي في الثالث منه، ومرّ زبيد في الحادي والأربعين منه، والبراء في الثالث والثلاثين منه، ومرّ أبو بردة في السادس من هذا الكتاب. ثم قال المصنف:
باب فضل العمل في أيام التشريق
أيام التشريق عند أهل اللغة والفقه هي ما بعد يوم النحر، واختلف هل هي ثلاثة أو يومان، لكن ما ذكروه من سبب تسميتها بذلك يقتضي دخول يوم العيد فيها، فقد ذكروا قولين في سبب تسميتها بذلك:
قيل لأنهم كانوا يشرقون فيها لحوم الأضاحي يقددونها ويبرزونها للشمس.
وقيل لأنها كلها أيام تشريق لصلاة يوم النحر، فصارت تبعًا ليوم النحر والمعنى أن أيام التشريق سميت بذلك؛ لأن صلاة العيد إنما تصلى بعد أن تشرق الشمس.
وقال ابن السكيت: هو من قول الجاهلية أشْرِقْ ثَبِير كيما نُغير ثبير بوزن أمير جبل (بمنى) أي أدخل أيها الجبل في الشروق كي ما نغير، أي ندفع فننحر. ولعلهم أخرجوا يوم العيد منها لشهرته بلقب يخصه وهو يوم العيد، وإلا فهي في الحقيقة تبع له في التسمية كما تبين من كلامهم، ومن ذلك حديث علي "لا جمعة ولا صلاة عيد". قال وكان أبو حنيفة يذهب بالتشريق في هذا إلى التكبير في دبر الصلاة يقول: لا تكبير إلا على أهل الأمصار. قال: وهذا لم نجد أحدًا يعرفه ولا وافقه عليه صاحباه ولا غيرهما. ومن ذلك حديث من ذبح قبل التشريق أي قبل صلاة العيد "فَلْيعِدْ" رواه أبو عبيد من مرسل الشعبي، ورجاله ثقات.
وهذا كله يدل على أن يوم العيد من أيام التشريق. ثم قال: وقال ابن عباس: "ويذكروا اسم الله في أيام معلومات أيام العشر" والأيام المعدودات أيام التشريق. كذا لأبي ذر عن الكشميهني بوفاق التلاوة، وفي رواية كريمة وشبويه وقال ابن عباس:"واذكروا الله" إلى آخره وللحموي والمستملي "ويذكروا الله في أيام معدودات" واعترض على الروايتين الأخيرتين بأن التلاوة "ويذكروا اسم الله في أيام معلومات" أو واذكروا الله في أيام معدودات.
وأجيب بأنه لم يقصد التلاوة، وإنما حكى كلام ابن عباس وابن عباس أراد تفسير المعلومات والمعدودات. وقد وصله عبد بن حميد عن عمرو بن دينار عنه وفيه الأيام المعدودات أيام التشريق والأيام المعلومات أيام العشر، وروى ابن مردويه عن ابن عباس قال: الأيام المعلومات التي قبل يوم التروية، ويوم التروية ويوم عرفة، والمعدودات أيام التشريق وإسناده صحيح وظاهره إدخال يوم العيد في أيام التشريق.
وقد روى ابن أبي شيبة من وجه آخر عن ابن عباس أن المعلومات يوم النحر وثلاثة أيام بعده ورجح الطحاوي هذا لقوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} فإنه مشعر بأن المراد أيام النحر وهذا لا يمنع تسمية أيام العشر معلومات ولا أيام التشريق معدودات، بل تسمية أيام التشريق معدودات متفق عليه لقوله تعالى:{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} .
وقد قيل إنها إنما سميت معدودات؛ لأنها إذا زيد عليها شيء عد ذلك حصرًا أي في حكم حصر العدد. وعند مالك المعلومات أيام النحر، والأيام المعدودات أيام (مني) وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر، فيوم العيد معلوم غير معدود واليوم الرابع معدود غير معلوم، وهذا هو قول علي وابن عمر، وبهذا قال أبو يوسف ومحمد قيل سميت معدودات لقلتهن، ومعلومات لجزم الناس على علمها؛ لأجل فعل المناسك في الحج.
وعند أبي حنيفة الأيام المعلومات العشر والمعدودات أيام التشريق، وهي ثلاثه أيام بعد يوم النحر.
وقد مرّ ابن عباس في الخامس من "بدء الوحي". ثم قال: وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبّران ويكبّر الناس بتكبيرهما.
وقال الطحاوي: كان مشايخنا يقولون بذلك أي بالتكبير في أيام العشر. وقد اعترض على البخاري في ذكر هذا الأثر في ترجمة العمل في أيام التشريق.
وأجاب الكرماني بأن عادته أن يضيف إلى الترجمة ما له بها أدنى ملابسة استطرادًا، والذي يظهر أنه أراد تساوي أيام التشريق بأيام العشر لجامع ما بينهما مما يقع فيها من أعمال الحج، ويدل على ذلك أن أثر أبي هريرة وابن عمر صريح في أيام العشر، والذي بعده في أيام التشريق، وهذا الأثر قال فى"الفتح" لم أره موصولًا عنهما.
وقد ذكره البيهقي أيضًا معلقًا عنهما، وكذا البغوي وابن عمر مرّ في أول كتاب "الإِيمان" قبل ذكر حديث منه، ومرّ أبو هريرة في الثاني منه.
ثم قال: وكبّر محمد بن علي خلف النافلة ولفظ أبي وهنه فريق عند الدارقطني قال رأيت أبا جعفر محمد بن علي يكبر بمنى في أيام التشريق خلف النوافل. وفي سياق هذا الأثر تعقب على الكرماني حيث جعله يتعلق بتكبير أيام العشر كالذي قبله. قال ابن التين: لم يتابع محمدًا على هذا أحد كذا قال والخلاف ثابت عند المالكية والشافعية هل يختص التكبير الذي بعد الصلاة في العيد بالفرائض أو يعم.
واختلف الترجيح عند الشافعية، والراجح عند المالكية الاختصاص. ويأتي استيفاء الكلام على هذا في الباب بعد هذا، وهذا الأثر وصله الدارقطني في "المؤتلف". ومرّ محمد بن علي الباقر في الأربعين من "الوضوء" في باب (من لم يرَ الوضوء إلا من المخرجين).