الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرٌو أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَسَدِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ، فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ، وَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ: مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام فَقَالَ: دَعْهُمَا. فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا. وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ، فَإِمَّا سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَإِمَّا قَالَ: تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ؟. فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ خَدِّي عَلَى خَدِّهِ، وَهُوَ يَقُولُ: دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ. حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ قَالَ: حَسْبُكِ؟. قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَاذْهَبِي".
قوله: "دخل علي رسول الله" الخ زاد في رواية الزهري عن عروة في أيام مني، وسيأتي بعد نحو ثلاثة وعشرين بابًا. وقوله:"جاريتان" تثنية جارية والجارية في النساء كالغلام في الرجال، ويقال على من دون البلوغ منهما وزاد في الباب الذي بعده من جواري الأنصار.
وللطبراني عن أم سلمة أن إحداهما كانت لحسان بن ثابت، وفي الأربعين للسلمي أنهما كانتا لعبد الله بن سلام.
وفي العيدين لأبي الدنيا عن فليح عن هشام بن عروة "وحمامة وصاحبتها تغنيان" وإسناده صحيح ويأتي في السند زيادة لهذا. وقوله: "تغنيان" جملة في محل الرفع على أنها صفة لجاريتين. زاد في رواية الزهري تدففان بفاءين أي: تضربان بالدف ولمسلم في رواية هشام تغنيان بدف.
وللنسائي "بدفين" والدف بضم الدال على الأشهر، وقد تفتح ويقال له الكِرْبال بكسر الكاف وهو الذي لا جلاجل فيه فإن كانت فيه فهو المِزْهَر.
وفي حديث الباب الذي بعده بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث أي: قال بعضهم لبعض من فخر أو هجاء وللمصنف في الهجرة بما تعازفت بمهملة وزاي وفاء من العزف وهو الصوت الذي له دوي.
وفي رواية تقاذفت بقاف بدل العين وذال معجمة بدل الزاي وهو من القذف وهو هجاء بعضهم لبعض.
وقوله: "بغناء بعاث" بكسر الغين المعجمة وبالمد، قال الجوهري: الغناء بالكسر من السماع وبالفتح النفع وبُعاث بضم الموحدة وبعدها مهملة وآخره مثلثة.
قال عياض ومن تبعه: أعجمها أبو عبيد وحده. وقال ابن الأثير أعجمها الخليل وحده. وجزم أبو موسى بأنه تصحيف، وتبعه صاحب "النهاية". ولأحمد عن هشام يذكر أن يوم بعاث يوم قتل فيه صناديد الأوس والخزرج.
وقال البكري هو موضع من المدينة على ليلتين.
وقال أبو موسى وصاحب النهاية هو حصن للأوس. وفي كتاب أبي الفرج الأصفهاني هو موضع في دار بني قريظة فيه أموال لهم، وكان موضع الوقعة في مزرعة لهم هناك ولا منافاة بين القولين، والأشهر فيه ترك الصرف.
وقال الخطابي: يوم بعاث يوم مشهور من أيام العرب كانت فيه مقتلة عظيمة للأوس على الخزرج وبقيت الحرب قائمة مائة وعشرين سنة إلى الإِسلام على ما ذكر ابن إسحاق، وتبعه غيره من شراح "الصحيحين". قال في "الفتح": وفيه نظر لإيهامه أن الحرب التي وقعت يوم بعاث دامت هذه المدة، وليس كذلك لما يأتي في أوائل الهجرة عن عائشة قالت:"كانَ يومُ بعاثَ يومًا قدمهُ اللهُ لرسولِه فقدمَ المدينةَ وقد افترقَ ملؤهم وقتلتْ سراتُهم". وكذا ذكره ابن إسحاق وغيره من أصحاب الأخبار. وقد روى ابن سعد بأسانيده أن النفر الستة أو الثمانية الذين لقوا النبي عليه الصلاة والسلام (بمِنى) أول من لقيه من الأنصار، وكانوا قد قدموا إلى مكة ليحالفوا قريشًا كان في جملة ما قالوه له لما دعاهم إلى الإِسلام والنصر له أعلم إنما كانت وقعة بعاث عام الأول فموعدك الموسم القابل، فقدموا في السنة التي تليها فبايعوه وهي البيعة الأولى، ثم قدموا الثانية فبايعوه وهم سبعون نفسًا، وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم في أوائل السنة التي تليها، فدل ذلك على أن وقعة بعاث كانت قبل الهجرة بثلاث سنين وهو المعتمد، وهو أصح من قول ابن عبد البر في ترجمة زيد بن ثابت من "الاستيعاب" أنه كان يوم بعاث ابن ست سنين وحين قدم النبي عليه الصلاة والسلام كان ابن إحدى عشرة. فيكون يوم بعاث قبل الهجرة بخمس سنين.
نعم، دامت الحرب بين الحيين: الأوس، والخزرج المدة التي ذكرها في أيام كثيرة شهيرة، وكان أولها فيما ذكره ابن إسحاق وهشام بن الكلبي وغيرهما أن الأوس والخزرج لما نزلوا المدينة وجدوا اليهود مستوطنين لها فحالفوهم وكانوا تحت قهرهم، ثم غلبوا اليهود في قصة طويلة بمساعدة أبي جبيلة ملك غسان، فلم يزالوا على اتفاق بينهم حتى كانت أول حرب وقعت بينهم حرب (سُمَير) بالمهملة مصغر بسبب رجل يقال له كعب من بني ثعلبة نزل على مالك بن عجلان الخزرجي فحالفه فقتله رجل من الأوس يقال له سمير، فكان ذلك سبب الحرب بين الحيين. ثم كانت بينهم وقائع من أشهرها يوم (السرارة) بمهملات ويوم (فارع) بفاء ومهملة، ويوم (الفجار)
الأول والثاني، وحرب (حصين بن الأسلت)، وحرب (حاطب بن قيس) إلى أن كان آخر ذلك يوم (بعاث) وكان رئيس الأوس فيه حُضَير والد أُسَيد، وكان يقال له حضير الكتائب وجرح يومئذ ثم مات بعد مدة من جراحته، وكان رئيس الخزرج عمرو بن النعمان، وجاءه سهم في القتال فصرعه فهزموا بعد أن كانوا قد استظهروا.
ولحسان وغيره من الخزرج وكذا لقيس بن الحطيم وغيره من الأوس في ذلك أشعار كثيرة مشهورة في دواوينهم.
وقوله: "فاضطجع على الفراش" في رواية الزهري المذكورة أنه "تغَشَّى بثوبه". وعند مسلم "تسجّى" أي التف بثوبه.
وقوله: "وجاء أبو بكر" في رواية هشام بن عروة في الباب الذي بعده "دخل على أبو بكر" وكأنه جاء زائرًا لها بعد أن دخل النبي صلى الله عليه وسلم بيته.
وقوله: "فانتهرني" في رواية الزهري "فانتهرهما" أي: الجاريتين، ويجمع بأنه شرك بينهن في الانتهار والزجر، أما عائشة فلتقريرها وأما الجاريتان فلفعلهما.
وقوله: "مِزمارة الشيطان" بكسر الميم يعني الغناء أو الدف، لأن المزمارة والمزمار مشتق من الزمير وهو الصوت الذي له الصفير، ويطلق على الصوت الحسن وعلى الغناء، وسميت به الآلة المعروفة التي يزمر بها. وإضافتها إلى الشيطان من جهة أنها ملهى فقد تشغل القلب عن الذكر.
وفي رواية حماد بن سلمة عند أحمد "فقال: يا عباد الله أبمزمور الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال القرطبي المزمور الصوت ونسبته إلى الشيطان ذم على ما ظهر لأبي بكر. وضبطه عياض بضم الميم، وحكى فتحها.
وقوله: "فأقبل عليه" في رواية الزهري "فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه". وفي رواية فليح "فكشف عن رأسه"، وقد مرّ أنه كان ملتفًا.
وقوله: زاد في رواية هشام "يا أبا بكر إن لكل قوم عيدًا، وهذا عيدنا" ففيه تعليل الأمر بتركهما وإيضاح خلاف ما ظنه الصديق من أنهما فعلتا ذلك بغير علمه عليه الصلاة والسلام؛ لكونه دخل فوجده مغطى بثوبه فظنه نائمًا، فتوجه له الإنكار على ابنته من هذه الأوجه مستصحبا لما تقرر عنده من منع الغناء واللهو فبادر إلى إنكار ذلك قيامًا عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك مستندًا إلى ما ظهر له، فأوضح له النبي صلى الله عليه وسلم الحال وعرفه الحكم مقرونًا ببيان الحكمة بأنه يوم عيد أي: يوم سرور شرعي، فلا ينكر فيه مثل هذا، كما لا ينكر في الأعراس، وبهذا يرتفع الإشكال عن من قال كيف ساغ للصديق إنكار شيء أقره النبي صلى الله عليه وسلم وتكلف جوابًا لا يخفى تعسفه؟
وقوله: "لكل قوم" أي: من الطوائف.
وقوله: "عيد" أي: كالنيروز والمهرجان. وفي النسائي وابن حبان بإسناد صحيح عن أنس "قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: قد أبدلكم الله تعالى بهما خيرًا منهما يوم الفطر والأضحى".
واستنبط منه كراهة الفرح في أعياد المشركين والتشبه بهم، وبالغ الشيخ أبو حفص الكبير النسفي من الحنفية فقال من أهدى فيه بيضة إلى مشرك تعظيمًا لليوم فقد كفر بالله تعالى، واستدل جماعة من الصوفية بحديث الباب على إباحة الغناء وسماعه بآلة وبغير آلة، ويكفي في رد ذلك تصريح عائشة في الحديث الذي في الباب بعده بقولها "وليستا بمغنيتين" فنفت عنهما عن طريق المعنى ما أثبته لهما باللفظ؛ لأن الغناء يطلق على رفع الصوت وعلى الترنم الذي تسميه العرب (النَصْب) بفتح النون وسكون المهملة، وعلى (الحداء) ولا يسمى فاعله مغنياً، وإنما يسمى بذلك من ينشد بتمطيط وتكسير وتهييج وتشويق بما فيه تعريض بالفواحش أو تصريح. قال القرطبي قولها "ليستا بمغنيتين" أي: ليستا ممن يعرف الغناء كما يعرفه المغنيات المعروفات بذلك، وهذا منها تحرز عن الغناء المعتاد عند المشتهرين به وهو الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن، وهذا النوع إذا كان في شعر فيه وصف محاسن النساء والخمر وغيرهما من الأمور المحرمة لا يختلف في تحريمه. قال: وأما ما ابتدعته الصوفية من ذلك، فمن قبيل ما لا يختلف في تحريمه، لكن النفوس الشهوانية غلبت على كثير ممن ينسب إلى الخير حتى لقد ظهرت من كثير منهم فعلات المجانين والصبيان حتى رقصوا بحركات متطابقة وتقطيعات متلاحقة، وانتهى التواقح بقوم منهم إلى أن جعلوها من باب القرب وصالح الأعمال وأن ذلك يثمر سني الأحوال، وهذا على التحقيق من آثار الزندقة وقول أهل الخرقة وينبغي أن يعكس مرادهم، ويقرأ سيّء عوض النون الخفيفة المكسورة بغير همز بمثناة تحتانية مكسورة ثقيلة مهموزًا.
وأما ما يسلم من المحرمات، فيجوز القليل منه في الأعياد والأعراس.
قال الماوردي: اختلف العلماء فيه فأباحه قوم مطلقًا، ومنعه قوم مطلقًا، وكرهه مالك والشافعي في أصح القولين، ونقل عن أبي حنيفة المنع، وكذا أكثر الحنابلة ونقل ابن طاهر في كتاب "السماع" الجواز عن كثير من الصحابة، لكن لم يثبت من ذلك شيء إلا في النَصْب المشار إليه أولًا وهو ضرب من النشيد بصوت فيه تمطيط.
قال ابن عبد البر: الغناء الممنوع ما فيه تمطيط وإفساد لوزن الشعر طلبًا للضرب، وخروجًا من مذاهب العرب، وإنما وردت الرخصة في الضرب الأول دون ألحان العجم.
قال الماوردي: هو الذي لم يزل أهل الحجاز يرخصون فيه من غير نكير إلا في حالتين: أن يكثر منه جدًا، أو أن يصحبه ما يمنعه منه. واحتج من أباحه بأن فيه ترويحًا للنفس، فإن فعله ليقوى على الطاعة فهو مطيع أو على المعصية فهو عاص، وإلا فهو مثل التنزه في البستان والتفرج على المارة.
وأطنب الغزالي في الاستدلال، ومحصله أن الحداء بالرجز والشعر لم يزل يفعل بالحضرة النبوية وربما التمس ذلك، وليس هو إلا أشعار توزن بأصوات طيبة وألحان موزونة، وكذلك الغناء أشعار موزونة تؤدى بأصوات مستلذة وألحان موزونة.
وقال الحليمي ما تعين طريقًا للدواء أو شهد به طبيب عدل عارف جاز، ونظم بعض علماء المالكية هذا الفرع فقال:
الفكر في المسائل الصعاب
…
يورث داء في الجسوم رابي
دواؤه سماع صوت يحسن
…
وذاك في المواق حكم بيّن
ولا يلزم من إباحة الضرب بالدف في العرس ونحوه إباحة غيره من الآلات كالعود ونحوه، وقد حكى قوم الإجماع على تحريم الآلات، وحكى بعضهم عكسه. وفي "العيني" قال بعض مشايخنا: مجرد الغناء والاستماع إليه معصية حتى قالوا استماع القرآن بالألحان معصية والتالي والسامع آثمان. واستدلوا في ذلك بقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} جاء في التفسير أن المراد به الغناء.
وفي "فردوس الأخبار" عن جابر رضي الله تعالى عنه أنه قال: احذروا الغناء فإنه من قبل الشيطان إبليس، وهو شرك عند الله لا يغني إلا الشيطان، وقد كرهه في غير العرس مثل المرأة في منزلها والصوت قال لا كراهة وأما الذي يجيء منه اللعب الفاحش والغناء فإني أكرهه، وقد أشبعت الكلام على الغناء بما لا مزيد عليه في كتابي "تصوف السعادة والفلاح"، وأما التفافه عليه الصلاة السلام بثوبه ففية إعراض عن ذلك؛ لكون مقامه يقتضي أن يرتفع عن الإصغاء إلى ذلك، لكن عدم إنكاره قال على تسويغ مثل ذلك على الوجه الذي أقره إذ لا يقر على باطل، والأصل التنزه عن اللعب واللهو فيقتصر على ما ورد فيه النص وقتًا وكيفية تقليلًا لمخالفة الأصل، وقوله:"غمزتهما" جواب "لما"، والغمز بمعنى الإشارة بالعين والحاجب أو اليد والرمز كذلك.
في الحديث مشروعية التوسعة على العيال في أيام الأعياد بأنواع ما يحصل لهم:
بسط النفس، وترويح البدن من كلف العبادة. وأن الإعراض عن ذلك أولى.
وفيه أن إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين.
وفيه جواز دخول الرجل على ابنته وهي عند زوجها إذا كان له بذلك عادة، وتأديب الأب بحضرة الزوج وإن تركه الزوج إذ التأديب وظيفة الآباء، والعطف مشروع من الأزواج للنساء.
وفيه الرفق بالمرأة واستجلاب مودتها، وأن مواضع أهل الخير تنزه عن اللهو واللغو وإن لم يكن فيه إثم إلا بإذنهم.
وفيه أن التلميذ إذا رأى عند شيخه ما يستكره مثله بادر إلى إنكاره، ولا يكون في ذلك افتيات