الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ كُرَيْبٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ، وَهْىَ خَالَتُهُ، فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ وِسَادَةٍ، وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا، فَنَامَ حَتَّى انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ، فَاسْتَيْقَظَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ، فَتَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي فَصَنَعْتُ مِثْلَهُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي، وَأَخَذَ بِأُذُنِي يَفْتِلُهَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ، خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ.
هذا الحديث قد تقدم للبخاري في مواضع في "العلم" و"الطهارة" و"المساجد" و"الإمامة"، وتقدم شرحه مستوفى في باب (السمر في العلم) من كتاب "العلم"، وفي باب (تخفيف الوضوء) وباب (قراءة القرآن بعد الحدث) وغيره من كتاب "الوضوء"، وأذكر هنا ما لم يذكر من مباحثه فيما مضى.
وقوله: "إنه بات عند ميمونة" زاد شريك بن أبي نمر عن كريب عند مسلم "فرقبت رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلّي. زاد أبو عوانة في "صحيحه" من هذا الوجه "بالليل". ولمسلم عن عطاء عن ابن عباس قال: "بعثني العباس إلى النبي صلى الله عليه وسلم" زاد النسائي عن حبيب بن أبي ثابت عن كريب "في إبلٍ أعطاهُ إياها من الصدقةِ". ولأبي عوانة عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه "أن العباس بعثه إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم في حاجة، قال: فوجدته جالسًا في المسجد فلم استطعْ أنْ أُكلمهُ، فلما صلى المغربَ قامَ فركعَ حتى أُذِّنَ بصلاةِ العشاءِ".
ولابن خزيمة عن طلحة بن نافع عنه "كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وعدَ العباسَ ذودًا من الإبل فبعثني إليه بعدَ العشاء وكان في بيت ميمونة".
ولمحمد بن نصر عن محمد بن الوليد عن كريب من الزيادة "فقال لي: يا بنيّ بتْ الليلةَ عندنا" وفي رواية حبيب المذكورة "فقلت: لا أنامُ حتى انظر ما يصنعَ في صلاة الليل".
ولمسلم عن الضحاك بن عثمان بن مخرمة "فقلت لميمونة إذا قامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فأيقظيني وكان
عزمَ في نفسه على السهر ليطَّلعَ على الكيفية التي أرادها ثم خشيَ أن يغلبَة النومُ فوصَّى ميمونةَ أن توقظهُ.
وقوله: "في عَرْض وسادة" في رواية محمد بن نصر المذكورة "وسادة من أدم حشوها ليف". وفي رواية طلحة بن نافع المذكورة "ثم دخل على امرأتِه في فراشِها وزاد أنها كانت ليلتئذٍ حائضًا". وفي رواية شريك عن كريب في التفسير "فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة". وقد سبقت الإشارة إليه في كتاب "العلم" في باب (السمر في العلم) وتقدم الكلام على الاضطجاع والعرض ومسح النوم والعشر الآيات في باب (قراءة القرآن بعد الحدث) وكذا على الشن.
وقوله: "حتى انتصف الليل أو قريبًا منه" جزم شريك بن أبي نمر في روايته المذكورة "بثلث الليل الأخير" ويجمع بينهما بأن الاستيقاظ وقع مرتين ففي الأولى "نظر إلى السماء ثم تلا الآيات ثم عاد إلى مضجعه فنام". وفي الثانية "أعاد ذلك ثم توضأ وصَلّى". وقد بيَن ذلك محمد بن نصر في روايته المذكورة.
وفي رواية الثوري عن سلمة بن كهيل عن كريب في "الصحيحين": "فقام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من الليل فأتى حاجَتَه ثم غسلَ وَجهَهُ ويديه ثم نامَ ثم قامَ فأتى القربة" الحديث.
وفي رواية سعيد عن مسروق عن سلمة عن مسلم "ثم قامَ قومة أخرى"، وعنده من رواية شعبة عن سلمة "فبال" بدل "فأتى حاجته". وقوله:"ثم قام إلى شن" زاد محمد بن الوليد "ثم استفرغ من الشن في إناء ثم توضأ".
وقوله: "فاحسنَ الوضوء" في رواية محمد بن الوليد وطلحة بن نافع جميعًا "ثم أسبغَ الوضوءَ". وفي رواية عمرو بن دينار عن كريب "فتوضأ وضوءًا خفيفًا"، وقد تقدمت في باب (تخفيف الوضوء) ويجمع بين هاتين الروايتين برواية الثوري فإن لفظه "فتوضأ وضوءاً بين وضؤين لم يكثر وقد أبلغ" ولمسلم عن مخرمة "فأسبغَ الوضوءَ ولم يمسَّ من الماءِ إلا قليلًا". وزاد فيها "فتسوَّكَ" وكذا لشريك عن كريب "فاستنَّ" كما تقدمت الإشارة إليه قبل كتاب "الغسل".
وقوله: "ثم قامَ يصلّي" في رواية محمد بن الوليد "ثم أخذَ بُردًا له حضرميًا فتوشحة ثم دخلَ البيتَ فقامَ يصلّي".
وقوله: "فصنعتُ مثلَهُ" يقتضي أنه صنع جميع ما ذكر من القول والنظر والوضوء والسواك والتوشح، ويحتمل أن يحمل على الأغلب. وزاد سلمة عن كريب في "الدعوات" في أوله "فقمتُ فتمطيتُ كراهيةَ أن يرى أني كنتُ أرقبُه" وكأنه خشي أن يترك بعض عمله لما جرى من عادته صلى الله عليه وسلم أنه كان يترك بعض العمل خشية أن يفرض على أمته.
وقوله: "وقمتُ إلى جنبهِ" تقدم الكلام عليه مستوفى في أبواب الإمامة.
وقوله: "وأخذ بأذني" زاد محمد بن الوليد في روايته "فعرفتُ أنه إنما صنع ذلك ليؤنسني بيدهِ في ظلمة الليل". وفي رواية الضحاك بن عثمان "فجعلتُ إذا أغفيتُ أخذ بشحمة أذني" وفي هذا رد على من زعم أن أخذ الأذن إنما كان في حالة إدارته له من اليسار إلى اليمين متمسكًا برواية سلمة بن كهيل الآتية في التفسير حيث "قال: فأخذ بأذني فأدارني عن يمينه" لكن لا يلزم من إدارته على هذه الضفة أن لا يعود إلى مسك أذنه لما ذكره من تأنيسه وإيقاظه؛ لأن حاله كانت تقتضي ذلك لصغر سنه.
وقوله: "فصلّى ركعتين ثم ركعتين" الخ كذا في هذه الرواية" وظاهره أنه فصل بين كل ركعتين، ووقع التصريح بذلك في رواية طلحة بن نافع حيث قال فيها "يسلِّمُ مِنْ كلِّ ركعتين". ولمسلم عن علي بن عبد الله بن عباس التصريح بذكر الركعتين ست مرات.
ثم قال: "ثم أوتر" ومقتضاه أنه صلّى ثلاث عشرة ركعة، وصرح بذلك في رواية سلمة الآتية في "الدعوات" حيث قال:"فتتامت". ولمسلم "فتكاملتْ صلاتُه ثلاثَ عشرةَ ركعة" وفي رواية محمد بن الوليد المذكورة مثله وزاد وركعتين بعد طلوع الفجر قبل صلاة الصبح، وهي موافقة لرواية الباب، لأنه قال بعد قوله:"ثم أوترَ فقامَ فصلَّى ركعتين" فاتفق هؤلاء على الثلاث عشرة، وصرح بعضهم بأن ركعتي الفجر من غيرهما، لكن رواية شريك بن أبي نمر الآتية في التفسير عن كريب تخالف ذلك ولفظه:"فصلّى إحدى عشرة ركعة ثم أذَّنَ بلالٌ فصلّى ركعتين ثم خرجَ" فهذا ما في رواية كريب من الاختلاف. وقد عرف أن الأكثر خالفوا شريكًا فيها وروايتهم مقدمة على روايته لما معهم من الزيادة؟ ولكونهم أحفظ منه، وقد حمل بعضهم هذه الزيادة على سنة العشاء ولا يخفى بعده ولاسيما في رواية مخرمة في حديث الباب إلا إن حمل على أنه أخر سنة العشاء حتى استيقظ لكن يعكر عليه رواية المنهال الآتية قريبًا. وقد اختلف على سعيد بن جبير أيضًا ففي التفسير عن شعبة عن الحكم عنه "فصلى أربع ركعاتٍ ثم نامَ ثم صلى خمسَ ركعاتٍ".
وقد حمل محمد بن نصر هذه الأربعة على أنها سنة العشاء، لكونها وقعت قبل النوم، لكن يعكر عليه ما رواه هو عن المنهال بن عمرو عن علي بن عبد الله بن عباس فإن فيه "فصلى العشاءَ ثم صلّى بعدَه أربعَ ركعاتٍ حتى لم يبق في المسجدِ غيرهُ ثم انصرف" فإنه يقتضي أن يكون صلّى الأربع في المسجد لا في البيت. ورواية سعيد بن جبير أيضًا تقتضي الاقتصار على خمس ركعات بعد النوم، وفيه نظر، وقد رواها أبو داود من وجه آخر عن الحكم وفيه "فيصلي سبعًا أو خمسًا أوتَر بهن لم يسلِّمْ إلا في آخرهن".
وقد ظهر من رواية أخرى عن سعيد بن جبير ما يرفع هذا الإشكال ويوضح أن رواية الحاكم وقع فيها تقصير، فعند النسائي عن يحيى بن عباد عن سعيد بن جبير "فصلّى ركعتين ركعتين حتى صلّى ثمانِ ركعاتٍ ثم أوتَر بخمس لم يجلس بينهن". فبهذا يجمع بين رواية سعيد ورواية كريب.
وأما ما في روايتهما من الفصل والوصل، فرواية سعيد صريحة في الوصل ورواية كريب محتملة، فتحمل على رواية سعيد.
وأما قوله في رواية طلحة بن نافع "يسلم من كل ركعتين" فيحتمل تخصصه بالثمان فيوافق رواية سعيد ويؤيده رواية يحيى بن الجزار الآتية، وليس في شيء من طرق حديث ابن عباس مما يخالف ذلك؛ لأن أكثر الرواة عنه لم يذكروا عددًا ومن ذكر منهم عددًا لم يزد على ثلاث عشرة، ولم ينقص عن إحدى عشرة إلا أن في رواية علي بن عبد الله بن عباس عند مسلم ما يخالفه فإن فيه "فصلّى ركعتين أطالَ فيهما ثم انصرف فنامَ حتى نفخَ ففعلَ ذلكَ ثلاثَ مراتٍ بست ركعاتٍ كلُّ ذلك يستاكُ ويتوضأ ويقرأ هؤلاءِ الآيات يعني آخر آل عمران ثم أوترَ بثلاثٍ فأذَّنَ المؤذن فخرجَ إلى الصلاة".
فزاد على الرواية تكرير الوضوء وما معه ونقص عنه ركعتين أو أربعًا، ولم يذكر ركعتي الفجر أيضًا ولعل ذلك من الراوي عنه حبيب بن أبي ثابت فإن فيه مقالًا، وقد اختلف عليه فيه في إسناده ومتنه اختلافًا تقدم ذكر بعضه، ويحتمل أن يكون لم يذكر الأربع الأول كما لم يذكر حكم الثمان كما مرّ، وأما سنة الفجر فقد ثبت ذكرها من طريق أخرى عن علي بن عبد الله عند أبي داود، والحاصل أن قصة مبيت ابن عباس يغلب على الظن عدم تعددها؛ فلهذا ينبغي الاعتناء بالجمع بين مختلف الروايات فيها، ولا شك بأن الأخذ بما اتفق عليه الأكثر والأحفظ أولى مما خالفهم فيه من هو دونهم ولاسيما إن زاد أو نقص والمحقق من عدد صلاته في تلك الليلة إحدى عشرة ركعة.
وأما رواية ثلاث عشرة فيحتمل أن يكون منها سُنَّة العشاء، ويوافق سُنَّة العشاءِ ويوافق ذلك رواية أبي جمرة عن ابن عباس الآتية في صلاة الليل بلفظ "كانت صلاةُ النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثَ عشرةَ يعني بالليل، ولم يبين هل سُنة الفجر منها أم لا، وبيّنها يحيى بن الجزار عن ابن عباس عند النسائي بلفظ: "كان يصلِّي ثمانِ ركعاتٍ ويوترُ بثلاثٍ ويصلّي ركعتين قبل صلاةِ الصبح"، ولا يعكر على هذا الجمع إلا ظاهر سياق الباب، فيمكن أن يحمل قوله: "صلّى ركعتين ثم ركعتين" أي: قبل أن ينام ويكون منها سُنة العشاء.
وقوله: "ثم ركعتين بعد أن قام" وسيأتي نحو هذا الجمع في حديث عائشة في أبواب صلاة الليل -إن شاء الله تعالى- وجمع الكرماني بين ما اختلف من روايات قصة ابن عباس هذه باحتمال أن يكون بعض رواته ذكر القدر الذي اقتدى ابن عباس به فيه، وفصله عما لم يقتدِ به فيه وبعضهم ذكر الجميع مجملًا.
وقوله: "ثم اضطجعَ حتى جاءَه المؤذّن فقام فصلَّى ركعتين" المؤذن هو بلال كما مرّ وسيأتي قبيل أبواب التطوع ما قيل في الاضطجاع هل كان قبل ركعتي الفجر أو بعدهما.
وقوله: "ثم خرج فصلّى الصُّبح" أي بالجماعة. وزاد سلمة بن كهيل عن كريب كما يأتي في