الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الأول
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَأَلْتُهُ هَلْ صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعْنِى صَلَاةَ الْخَوْفِ؟ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: "غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قِبَلَ نَجْدٍ، فَوَازَيْنَا الْعَدُوَّ فَصَافَفْنَاهُمْ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي لَنَا، فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ تُصَلِّي، وَأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْعَدُوِّ فَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَنْ مَعَهُ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا مَكَانَ الطَّائِفَةِ الَّتِى لَمْ تُصَلِّ فَجَاءُوا فَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِهِمْ رَكْعَةً، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ.
قوله: "قال سألته" أي: قال شعيب: سألته أي: الزهري بإثبات "قال" كما في بعض النسخ فأثبت قال ظنًا أنها حذفت خطأ على العبادة وهو محتمل، ويكون حذف فاعل قال لا أن الزهري هو الذي قال والمتجه حذفها، وتكون الجملة حالية أي: أخبرني الزهري حال سؤالي إياه. وأخرجه السراج عن أبي اليمان شيخ البخاري فيه ولفظه "سألته هل صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف أم لا؟ وكيف صلاّها إن كان صلاها؟ وفي أي مغازيه كان ذلك؟ " فأفاد بيان المسؤول عنه وهو صلاة الخوف.
وقوله: "قِبَل نجد" بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة (نجد) و (نجد) كل ما ارتفع من بلاد العرب من (تهامة) إلى (العراق) وكانت الغزوة ذات الرقاع، وأول ما صليت صلاة الخوف فيها سنة أربع أو خمس أو ست أو سبع، وقول الغزالي في "الوسيط" وتبعه عليه الرافعي أن غزوة ذات الرقاع آخر الغزوات غير صحيح، وقد أنكر عليه ابن الصلاح في "مشكل الوسيط" وقال: ليست آخرها ولا من أواخرها وإنما آخر غزواته تبوك وإن أراد أنها آخر غزوة صلّى فيها صلاة الخوف فليس بصحيح أيضًا، فقد صلّى معه صلاة الخوف أبو بكرة وإنما نزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الطائف تدلى ببكرة فكنى بها، وليس بعد غزوة الطائف إلا غزوة تبوك؛ ولهذا قال ابن حزم: إن صفة صلاة الخوف في حديث أبي بكرة أفضل صلاة الخوف؛ لأنها آخر فعل النبي صلى الله عليه وسلم لها.
وقوله: "فوازينا" بالزاي أي قابلنا. قال صاحب "الصحاح" يقال آزيت بهمزة ممدودة لا بالواو، والذي يظهر أن أصله الهمزة فقلبت واوًا.
وقوله: "فصاففناهم" في رواية المستملي والسرخسي "فصاففنا لهم" ويروى "فصففناهم".
وقوله: "فصلى لنا" أي: لأجلنا أو بنا.
وقوله: "ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصلِّ" أي: فقاموا في مكانهم، وصرح به في رواية بقية عند النسائي ولمالك في "الموطأ" عن ابن عمر "ثم استأخروا مكان الذين لم يصلّوا ولا يسلمون".
وقوله: "ركع وسجد سجدتين" زاد عبد الرزاق عن الزهري "مثل نصف صلاة الصبح". وفي قوله: "مثل نصف صلاة الصبح" إشارة إلى أن الصلاة المذكورة كانت غير الصبح، فعلى هذا فهي رباعية ويأتي في "المغازي" ما يدل على أنها كانت العصر، وفيه دليل على أن الركعة المقضية لابد فيها من القراءة لكل من الطائفتين خلافًا لمن أجاز للثانية ترك القراءة.
وقوله: "فقام كل واحد فركع لنفسه" لم تختلف الطرق عن ابن عمر في هذا، وظاهره أنهم أتموا لأنفسهم في حالة واحدة، ويحتمل أنهم أتموا على التعاقب وهو الراجح من حيث المعنى، وإلا فيستلزم تضييع الحراسة المطلوبة وإفراد الإمام وحده. ويرجحه ما رواه أبو داود عن ابن مسعود ولفظه:"ثم سلم فقام هؤلاء -أي: الطائفة الثانية- فقضوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا ثم ذهبوا ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا" وظاهره أن الطائفة الثانية والت بين ركعتيها ثم أتمت الطائفة الأولى بعدها.
وفي الرافعي تبعًا لغيره من كتب الفقه أن في حديث ابن عمر هذا أن الطائفة الثانية تأخرت وجاءت الأولى فأتموا ركعة، ثم تأخروا وعادت الطائفة الثانية فأتموا.
قال في "الفتح": ولم أقف على ذلك في شيء من الطرق.
وأخذ أبو حنيفة بحديث الباب وحديث ابن مسعود. وأخذ مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور بحديث صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة المروي عند مسلم والترمذي وعند المصنف في "المغازي" عن صالح بن خوات عمن شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف، وفسر المبهم بأبيه خوات. وسهل بن أبي حثمة ولفظه:"أن طائفة صفت معه، وطائفة وجاه العدو، فصلى بالتي كانت معه ثم ثبت قائمًا وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلّى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالسًا فأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم" أي: بالطائفة الثانية بعد التشهد.
قال مالك: هذا أحسن ما سمعت في صلاة الخوف، لكنه خالف في قوله: ثم ثبت جالسًا، فمشهور مذهبه أنه يسلم ولا يتحرى إتمامهم كما في حكم المسبوق، وإنما اختاروا هذه الكيفية لسلامتها من كثرة المخالفة؛ ولأنها أحوط لأمر الحرب، فإنها أخف على الفريقين. واستدل بقوله طائفة على أنه لا يشترط تساوي الفريقين في العدد، لكن لابد أن تكون التي تحرس تحصل الثقة
بها في ذلك، والطائفة تطلق على الكثير والقليل حتى على الواحد، فلو كانوا ثلاثة ووقع لهم الخوف جاز لأحدهم أن يصلّي بواحد ويحرس واحد ثم يصلّي الآخر وهو أقل ما يتصور في صلاة الخوف جماعة على القول بأقل الجماعة مطلقًا، لكن قال الشافعي: أكره أن تكون كل طائفة أقل من ثلاثة؛ لأنه أعاد عليهم ضمير الجمع في قوله: {أسْلِحَتَهُمْ} وأقله ثلاثة، فأقل الطائفة هنا ثلاثة، وهذا النوع بكيفيتها حيث يكون العدو في غير القبلة أو فيها لكن حال دونهم حائل يمنع رؤيتهم لو هجموا.
قال القسطلاني: ويجوز للإِمام أن يصلِّي مرتين كل مرة بفرقة فتكون الثانية له نافلة، وهذه صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ببطن نخل رواها الشيخان، لكن الأولى أفضل من هذه؛ لأنها أعدل بين الطائفتين ولسلامتها عما في هذه من اقتداء المفترض بالمتنفل فيه.
قلت: هذه على مذهبه، وأما على مذهبنا معاشر المالكية فصلاة المفترض بالمتنفل باطلة. قال: وتتأتى في تلك أي: الصلاة الأولى صلاة الجمعة بشرط أن يخطب بجميعهم ثم يفرقهم فرقتين أو يخطب بفرقة ثم يجعل منها مع كل من الفرقتين أربعين، فلو خطب بفرقه وصلّى بأخرى لم يجز، وكذا لو نقصت الفرقة الأولى عن الأربعين وإن نقصت الثانية فطريقان أصحهما لا يضر للحاجة والمسامحة في صلاة الخوف، ذكره في "المجموع".
وأما إن كانوا في جهة القبلة فيأتي قريبًا في باب (يحرس بعضهم بعضًا) إن شاء الله تعالى، وإن كانت الصلاة رباعية وهم في الحضر أو في السفر وأتموا صلّى بكل فرقة ركعتين وتشهد بهما، وانتظر الثانية في جلوس التشهد أو قيام الثالثة وهو أفضل؛ لأنه محل التطويل بخلاف جلوس التشهد الأول وإن كانت مغربًا صلّى بفرقة ركعتين وبالثانية ركعة وهو أفضل من عكسه لسلامته من التطويل في عكسه بزيادة تشهد في أول الثانية وينتظر الثانية في الركعة الثالثة أي في القيام لها. وهذا كله إذا لم يشتد الخوف، أما إذا اشتد الخوف فيأتي حكمه في الباب التالي إن شاء الله تعالى.
واستدل به على عظم الجماعة، بل على ترجيح القول بوجوبها لارتكاب أمور كثيرة لا تغتفر في غيرها، ولو صلّى كل امرىء منفردًا لم يقع الاحتياج إلى معظم ذلك، وقد وردت في كيفية صلاة الخوف صفات كثيرة، ورجح ابن عبد البر الكيفية الواردة في حديث ابن عمر هذا على غيرها لقوة الإِسناد ولموافقة الأصول في أن المأموم لا يتم صلاته قبل سلام إمامه.
وعن أحمد قال: ثبت في صلاة الخوف ستة أحاديث أو سبعة أيها فعل المرء جاز، ومال إلى ترجيح حديث سهل بن أبي حثمة المار قريبًا، ولم يختر إسحاق شيئًا على شيء وبه قال الطبري وغير واحد منهم ابن المنذر، وسرد ثمانية أوجه وكذا ابن حبان في "صحيحه" وزاد تاسعًا. وقال ابن حزم: صح فيها أربعة عشر وجهاً وبينها في جزء مفرد.
وقال ابن العربي في القبس: جاءت فيها روايات كثيرة أصحها ستة عشر رواية مختلفة، ولم