الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبةَ يومَ الجمعةِ وأخرَ الصلاةَ فكان أحدٌ لا يخرجُ لرعافٍ أو حدثٍ بعدَ النهي حتى يستأذنَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يشيرُ إليه بإصبعهِ التي تلي الإبهامَ فيأذن له صلى الله عليه وسلم ثم يشيرُ إليه بيدهِ".
قال السهيلي هذا وإن لم ينقل من وجه ثابت، فالظن الجميل بالصحابة يوجب أن يكون صحيحًا، وقال عياض: قد أنكر بعضهم كونه صلى الله عليه وسلم خطب قط بعد صلاة الجمعة.
وفي هذا الحديث غير ما تقدم أن الخطبة تكون عن قيام كما مرّ، وأنها مشترطة في الجمعة حكاه القرطبي واستبعده، وأن البيع وقت الجمعة ينعقد ترجم عليه سعيد بن منصور وكأنه أخذه من كونه صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بفسخ ما تبايعوا فيه من العير المذكورة ولا يخفى ما فيه.
رجاله خمسة:
قد مرّوا، وفيه إلَاّ اثنا عشر رجلًا بالإبهام. مرّ معاوية بن عمرو في الثاني والسبعين من "الجماعة"، ومرَّ زائدة بن قدامة في الثاني والعشرين من "الغسل"، ومرّ حصين في الثالث والسبعين من "مواقيت الصلاة"، ومرَّ سالم بن أبي الجعد في السابع من "الوضوء"، ومرّ جابر في الرابع من "بدء الوحي".
والاثنا عشر التي بقيت مع النبي صلى الله عليه وسلم اختلف في تسميتهم فحكى السهيلي أنهم العشرة المبشرة، وبلال وابن مسعود.
وفي رواية عمار بدل ابن مسعود.
وفي رواية عند "مسلم" أن جابرًا قال: أنا فيهم.
وله في رواية فيهم أبو بكر وعمر.
وفي "تفسير إسماعيل" بن أبي زياد الشامي أن سالمًا مولى أبي حذيفة منهم، وعند العقيلي أن منهم الخلفاء الأربعة وابن مسعود وأناسًا من الأنصار.
هذا حاصل ما قيل في تسميتهم وجميع المسمين قد مرّ تعريفهم إلا ثلاثة من العشرة وهم أبو عبيدة وعبد الرحمن وسعيد، فالسبعة المارة من العشرة: مرّ أبو بكر بعد الحادي والسبعين من "الوضوء" في باب (من لم يتوضأ من لحم الشاة)، ومرّ عمر في الأول من "بدء الوحي"، ومرّ عثمان في تعليق بعد الخامس من "العلم"، وعلي في السابع والأربعين منه، والزبير في الثامن والأربعين منه، وطلحة في التاسع والثلاثين من "الإيمان"، وسعد في العشرين منه، وعمار في تعليق بعد العشرين منه، وابن مسعود في أوله قبل ذكر حديث منه، وجابر مرَّ هنا، وبلال في التاسع والثلاثين من "العلم"، وسالم مولى أبي حذيفة في الخامس والأربعين من "الجماعة والإمامة".
هذا ما مرّ وها أنا أذكر تعريف الثلاثة الباقية من العشرة المبشرة الأُول:
أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب، ويقال وهيب بن ضبة بن الحارث بن
فهو القرشي الفهري أبو عبيدة بن الجراح مشهور بكنيته والنسبة إلى جده، ومنهم من لم يذكر بين عامر والجراح عبد الله، والأكثر على إثباته.
وأمه أميمة بنت غنم بن جابر بن عبد العزى بن عامر بن عميرة، أحد العشرة السابقين إلى الإِسلام. هاجر الهجرتين، وشهد بدرًا وما بعدها، كان إسلامه هو وعثمان بن مظعون وعبيدة بن الجون بن المطلب وعبد الرحمن بن عوف وأبو سلمة بن عبد الأسد في ساعة واحدة قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم (دار الأرقم).
وقال الزبير كان أبو عبيدة هو الذي انتزع الحلقتين اللتين دخلتا في وجه النبي صلى الله عليه وسلم من المغفر يوم (أُحد) فانتزعت ثنيتاه فحسنتا فاه.
فيقال إنه ما رؤي أهتم قط أحسن من هتم أبي عبيدة. وكان أبو عبيدة يدعى في الصحابة القوي الأمين لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل نجران "لأُرسلنَّ معهم القوي الأمين"، ولقوله عليه الصلاة والسلام كما في "الصحيحين":"لكلِّ أمَّة أمين وأمين أُمتي هذه أبو عبيدة".
وأخرج أحمد عن أنس "أن أهل اليمن لما وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: أبعث معنا رجلًا يعلمنا السُّنَّةَ والِإسلام فأخذَ بيدِ أبي عبيدةَ بن الجراحِ وقال: هذا أمينُ هذهِ الأمَّةِ".
وقال فيه أبو بكر الصديق يوم السقيفة: قد رضيت لكم أحد الرجلين فبايعوا أيهما شئتم عمر وأبا عبيدة.
وأخرج ابن أبي شيبة أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال ما مِنْ أصحابي أحدٌ إلا لو شئتُ وجدتُ عليه إلا أبا عبيدة". وفي رواية "إلا لو شئتُ لأخذتُ عليه في خلقهِ ليسَ أبا عبيدة".
وقد قتل أباه يوم بدر ونزل فيه {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية.
فقد خرج الطبراني بسند جيد قال: جعل والد أبي عبيدة يتصدى لأبي عبيدة يوم بدر فيحيد عنه، فلما أكثر قَصَده فقتله فنزلت.
وذكر عنه جابر في "الصحيح" قوله للجيش الذين أكلوا من العنبر: "نحن رسل رسول الله وفي سبيل الله فكلوا آخى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بينه وبينَ سعدِ بنِ معاذٍ، وهو الذي قال لعمرَ أتفرُّ من قدرِ اللهِ؟ فقال عمر: لو غيرُكَ قالها يا أبا عبيدة، نعم نفرُّ من قضاء إلى قدر الله تعالى". وذلك دال على جلالة أبي عبيدة عند عمر.
وقال أبو يعلى عن عبد الله بن شقيق: "سألت عائشةَ مَنْ كان أحبَّ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قالت: أبو بكرٍ ثم عمرُ ثم أبو عبيدة بن الجراح".
وأخرجه أحمد بلفظ: "من كان أحبَّ إليه؟ قالت: أبو بكر، قلت: ثم مَنْ؟ قالت: عمر.
قلت: ثم مَنْ؟ قالت: أبو عبيدة".
وأخرج الطبراني عن عبد الله بن عمرو "قال: ثلاثةٌ من قريشٍ أصبحُ الناسِ وجوهًا وأحسنُهم خلقًا وأشدُّهم حياءً: أبو بكرٍ وعثمانُ وأبو عبيدةَ". وسنده ابن ربيعة.
وفي "مغازي موسى بن عقبة": "أمّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم عمرو بنَ العاصِ في غزوة ذاتِ السلاسلِ وهي مِنْ مشارفِ الشام في بَليّ ونحوهم من قضاعة، فخشيَ عمرو فبعثَ يستمدُّ فندبَ النبي صلى الله عليه وسلم الناسَ من المهاجريَنَ الأولينَ فانتدبَ أبو بكرٍ وعمرُ في آخرين، فأَمَّرَ عليهم أبا عبيدة بن الجراح مددًا لعمرو بن العاص، فلما قدموا عليه قال: أنا أميرُكم، فقال المهاجرون: بل أنت أميرُ أصحابكَ، وأبو عبيدة أمير المهاجرينَ. فقال عمرو إنما أنتم مددي فلما رأى ذلك أبو عبيدة وكان حسن الخلق متبعًا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده قال: تعلم يا عمرو أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال لي: إذا قدمت إلى صاحبكَ فتطَاوعا وإنّك إنْ عصيتني أطعتُك".
وفي فوائد ابن أخي سُمَيٍّ بسند صحيح أن المغيرة قال لأبي عبيدة "إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أمَّرَكَ علينا وأن ابنَ النابغةِ يعني عمرو بنَ العاص ليس لك معه أمرٌ، فقال أبو عبيدة: إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أمَرنا أن نطّاوعَ فأنا أطيعه لقوله عليه الصلاة والسلام".
وأخرج ابن سعيد بسند حسن أن معاذ بن جبل بلغه أن بعض أهل الشام استعجز أبا عبيدة أيام حصار الشام، ورجح خالد بن الوليد فغضب معاذ وقال أفبأبي عبيدة يظن، والله إنه لمن خيرة من يمشي على الأرض". ولابن المبارك في كتاب "الزهد" قدم عمر الشام فتلقاه أمراء الأجناد، فقال اين أخي أبو عبيدة؟ فقالوا الآن يأتي فجاء على ناقة مخطومة بحبل فسلم عليه وساءله حتى أتى منزله، فلم ير فيه شيئًا إلا سيفه وترسه ورحله فقال له عمر: لو اتخذت متاعًا فقال: يا أمير المؤمنين، إن هذا يبلغنا المقيل.
وأخرج يعقوب بن سفيان أن أبا عبيدة كان يسير في الركب فيقول: ألا ربّ مبيض لثيابه، وهو مدنس لدينه ألا ربّ مكرم لنفسه، وهو مهين لها غدًا ادفعوا السيئات القديمات بالحسنات الحادثات.
وأخرج ابن أبي الدنيا بسند جيد، قال كان أبو عبيدة أميرًا على الشام فخطب فقال: والله ما منكم أحد يفضلني بتقى إلَاّ وَدِدت أني في مِسْلاخه.
وأخرج الحاكم قال: لما طُعن أبو عبيدة قال: يا معاذ صلّ بالناس، فصلى، ثم مات أبو عبيدة، فخطب معاذ فقال في خطبته: وإنكم فُجعتم برجل ما أزعم، والله إنني رأيت من عباد الله قط أقل حقدًا، ولا أبر صدرًا، ولا أبعد غائلة، ولا أشد حياء للعاقبة، ولا أنصح للعامة منه فترحموا عليه.
وأخرج ابن أبي شيبة قال: لما بعث عمر أبا عبيدة على الشام وعزل خالد بن الوليد قال خالد:
بعث عليكم أمين هذه الأمة، فقال أبو عبيدة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: خالدٌ سيفٌ مِنْ سيوفِ اللهِ ونعمَ فتى العشيرةِ".
وذكر خليفة عن ابن سيرين قال: لما ولي عمر عزل خالدًا وولى أبا عبيدة حين فتح الشام يزيد بن أبي سفيان على فلسطين، وشرحبيل بن حسنة على الأردن، وخالد بن الوليد على دمشق، وحبيب بن مسلمة على حمص، ثم عزله وولى عبد الله بن قرط، ثم وقع طاعون عَمَوَاس فمات أبو عبيدة، واستخلف معاذًا فمات معاذ، واستخلف يزيد بن أبي سفيان فمات يزيد، واستخلف أخاه معاوية فأقره عمر وكان موت أبي عبيدة ومعاذ ويزيد في طاعون عمواس بأرض الأردن وفلسطين سنة ثمان عشرة، مات فيه نحو خمسة وعشرين ألفًا، ويقال: إن عمواس قرية بين الرملة والمقدس، وقيل إن ذلك كان لقولهم عم واس ذكره الأصمعي. وكان عمر أبي عبيدة يوم مات ثمانيًا وخمسين سنة. وقيل عاش إحدى وأربعين سنة. وكان أوصى أن يدفن حيث قضى وذلك بفِحْل من أرض الأردن، وقيل: إن قبره ببيسان.
وأخرج ابن سعد في وصفه قال: كان رجلًا نحيفًا معروق الوجه خفيف اللحية طوالًا أجنا أثرم، وقيل إنه كان يخضب بالحناء والكتم، له أربعة عشر حديثًا انفرد له مسلم بحديث.
الثاني: عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري يكنى أبا محمد كان اسمه عبد عمرو، وقيل عبد الكعبة فغيره صلى الله عليه وسلم وسمّاه عبد الرحمن.
أمه الشفا، وقيل صفية بنت عوف بن عبد الحارث بن زهرة.
ولد بعد الفيل بعشر سنين، وأسلم قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم (دار الأرقم).
هاجر الهجرتين، وشهد بدرًا وسائر المشاهد.
أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، واحد الستة أصحاب الشورى الذين أخبر عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وهو عنهم راض، وأسند رفقته أمرهم إليه حتى بايع عثمان، ثبت ذلك في "الصحيح".
وروى ابن عمر بسند ابن عبد البر أن عبد الرحمن بن عوف قال لأصحاب الشورى: هل لكم أن اختار لكم وأنتهي منها، فقال علي: أنا ممن رضي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أنت أمين في أهل السماء أمين في أهل الأرض.
وروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "عبدُ الرحمنِ سيدٌ من ساداتِ المسلمينَ".
وأخرج علي بن حرب في فوائده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الذي يحافظُ على أزواجي من بعدي هو الصادق البارُ فكانَ عبد الرحمن يخرج بهنَّ ويحجُّ معهنَّ ويجعلُ على هوادجهنَّ الطيالسةَ، وينزلُ بهنَّ في الشعبِ الذي ليس لهَ منفذٌ".
وأخرج الترمذي وابن السراج في "تاريخه" عن نوفل بن إياس قال: كان عبد الرحمن لنا جليسًا
ونعم الجليس، فانقلب بنا ذات يوم إلى منزله فدخل فاغتسل ثم خرج، فإذا بقصعة فيها خبز ولحم ثم بكى، فقلنا ما يبكيك يا أبا محمد؟ قال مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يشبع هو وأهله من خبز الشعير ولا أرانا أخذنا لما هو خير لنا.
وأخرج ابن المبارك عن الزهري قال: تصدق عبد الرحمن بن عوف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشطر ماله، ثم تصدق بعد بأربعين ألف دينار، ثم حمل على خمسمائة فرس وخمسمائة راحلة وكان أكثر ماله من التجارة وكان تاجرًا مجدودًا.
وأخرج أبو نعيم في "الحلية" أن عبد الرحمن بن عوف أعتق ثلاثين ألف نسمة، ومن وجه آخر عن حفص بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، قال: كان عبد الرحمن حرم الخمر في الجاهلية.
وذكر البخاري في "تاريخه" أن عبد الرحمن أوصى لكل من شهد بدرًا بأربعمائة دينار فكانوا مائة رجل.
آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع كما في "الصحيح" من حديث أنس. وبعثه عليه الصلاة والسلام إلى دومة الجندل إلى كلب وعممه بيده وأسدلها بين كتفيه وقال: سر "بسم الله" وأوصاه بوصايا لأمراء سراياه، ثم قال له: إن فتح الله عليك فتزوج بنت ملكهم الأصْبَغ بن ثعلبة الكلبي، ففتح عليه فتزوجها وهي تُمَاضِر أم ابنه أبي سلمة.
وأخرج أحمد في "مسنده" عن أنس قال كان بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن كلام فقال خالد: تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعوا لي أصحابي الحديث.
وروى الزهري أن عبد الرحمن أغمي عليه فصاحت امرأته، فلما أفاق قال أتاني رجلان فقالا انطلق نحاججك إلى العزيز الأمير فلقيهما رجل فقال لا تنطلقا به، فإنه ممن سبقت له السعادة في بطن أمه.
وأخرج ابن المبارك في "الزهد" قال: كان عبد الرحمن يصلي قبل الظهر صلاة طويلة، فإذا سمع الأذان شد عليه ثيابه وخرج، وهو الذي رجع عمر بحديثه عن سَرْغ ولم يدخل الشام من أجل الطاعون. وحديثه في "الصحيحين" بتمامه: ورجع عمر إليه في أخذ الجزية من المجوس رواه البخاري.
"وصلى رسولُ اللهِ خلفهُ في سفرةٍ سافرها ركعةً "من صلاةِ الصبحِ" أخرجه البخاري عن المغيرة بن شعبة.
وذكر خليفة بسند قوي عن ابن عمر قال: استخلف عمر عبد الرحمن بن عوف على الحج سنة ولي الخلافة، ثم حج عمر بقية عمره.
جُرح يوم (أُحد) إحدى وعشرين جراحة. وروى ابن عبد البر بسنده عن شقيق عن أم سلمة
قالت: دخل عليها عبد الرحمن بن عوف فقال: يا أمه، قد خشيت أن يهلكني كثرة مالي أنا أكثر قريش كلهم مالًا، قالت يا بني: تصدق، فإني سمعت رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول إن مِنْ أصحابي من لا يلقاني بعد أن أفارقَهُ. فلقي عمر فأخبره بما قالت أم سلمة، فجاء عمر فدخل عليها فقال: بالله منهم أنا؟ قالت: لا ولن أبرىء أحدًا بعدك. ولما حضرته الوفاة بكى بكاء شديدًا فسئل عن بكائه فقال: إن مصعب بن عمير كان خيرًا مني توفي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن له ما يكفن به، وأن حمزة بن عبد المطلب كان خيرًا مني لم نجد له كفنًا، وإني أخشى أن أكون ممن عجلت له طيباته في حياته الدنيا، وأخاف أن أحبس عن أصحابي بكثرة المال".
وكان عبد الرحمن أبيض أعين أهدب أقنى طويل النابين الأعليين، له جمة، ضخم الكفين غليظ الأصابع رقيق البشرة، حسن الوجه لا يغير لحيته ولا رأسه، جرح في رجله يوم (أُحد) فكان أعرج.
روى قبيصة عن جابر قال: دخلت على عمر وعلى يمينه رجل كأنه قُلْب فضة وهو عبد الرحمن بن عوف. له نحو عشرين ولدًا بين ذكر وأنثى.
مات سنة اثنتين وثلاثين وقيل سنة ثلاث، وعاش اثنين وسبعين سنة أو خمسًا أو ثمانيًا، ودفن بالبقيع، وصلّى عليه عثمان، وقيل الزبير بن العوام خلف ألف بعير وثلاثة آلاف شاة ومائة فرس ترعى بالبقيع وكان يزرع بالجرف على عشرين ناضحًا، فكان يدخر من ذلك قوت أهله سنة صولحت امرأته التي طلقها في مرضه عن ثلث الثمن أو ربعه بثلاثة وثمانين ألفًا. وأوصى لنساء النبي صلى الله عليه وسلم بحديقة قومت بأربعمائة ألف.
له خمسة وستون حديثًا اتفقا على حديثين، وانفرد البخاري بخمسة.
الثالث: سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى العدوي أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأمه فاطمة بنت بعجة بن مليح الحزاعية، كان من السابقين إلى الإِسلام، أسلم قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم (دار الأرقم) وهاجر، وشهد (أُحدًا) وما بعدها من المشاهد، ولم يشهد بدرًا؛ لأنه كان غائبًا بالشام. وضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره في أهل بدر.
وقال الواقدي "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث قبل أن يخرج من المدينة إلى بدر طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد إلى طريق الشام يتجسسان الأخبار، ثم رجعا إلى المدينة فقدماها يوم وقعة بدر، فضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهميهما وأجرهما". وقيل إنه شهد بدرًا. كان إسلامه قديمًا قبل عمر، وكان إسلام عمر عنده في بيته؛ لأنه زوج فاطمة. قال سعيد بن حبيب كان مقام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وسعد وسعيد والزبير وعبد الرحمن بن عوف مع النبي صلى الله عليه وسلم واحدًا كان أمامه في القتال وخلفه في الصلاة أخرجه البخاري ومسلم.
وقصته مع أروى بنت أنيس إجابة دعائه مشهورة، وذلك أنها قالت: إنه ظلمها وبنى ضفيرة