الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: "كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَأَى مِنَ النَّاسِ إِدْبَارًا قَالَ: اللَّهُمَّ سَبْعٌ كَسَبْعِ يُوسُفَ. فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَكَلُوا الْجُلُودَ وَالْمَيْتَةَ وَالْجِيَفَ، وَيَنْظُرَ أَحَدُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى الدُّخَانَ مِنَ الْجُوعِ، فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ تَأْمُرُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَبِصِلَةِ الرَّحِمِ وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا، فَادْعُ اللَّهَ لَهُمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} إِلَى قَوْلِهِ {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} فَالْبَطْشَةُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ مَضَتِ الدُّخَانُ وَالْبَطْشَةُ وَاللِّزَامُ وَآيَةُ الرُّومِ".
قوله: "لما رأى من الناس إدبارًا" أي: عن الإِسلام وسيأتي في تفسير (سورة الدخان) أن قريشًا لما استعصوا على النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: "فأخذتهم سَنَةٌ" أي: بفتح المهملة بعدها نون خفيفة.
وقوله: "حصَّت" بفتح الحاء والصاد المهملتين أي استأصلت النبات حتى خلت الأرض منه، يقال سنة حصاء أي جرداء لا غيث فيها. وقوله:"حتى أكلنا الجلود والميتة والجيف" وفي رواية حتى "أكلوا العظام والجلود" وفي جمهور الروايات الميتة بفتح الميم وبالتحتانية ثم المثناة وضبطها بعضهم بنون مكسورة ثم تحتانية ساكنة وهمزة وهو الجلد أول ما يدبغ، والأول أشهر.
وقوله: "وينظر أحدكم إلى السماء فيرى الدخان من الجوع"، وفي رواية فكان يرى بينه وبين السماء مثل الدخان من الجوع، وفي رواية "وجعل يخرج من الأرض كهيئة الدخان" ولا تدافع بين الروايات؛ لأنه يحمل على أنه كان مبدؤه من الأرض ومنتهاه ما بين السماء والأرض ولا معارضة بين قوله:"يخرج من الأرض" وبين قوله: "كهيئة الدخان" لاحتمال وجود الأمرين بأن يخرج من الأرض بخار كهيئة الدخان من شدة حرارة الأرض ووهجها من عدم الغيث، وكانوا يرون بينهم وبين السماء مثل الدخان من فرط حرارة الجوع أو الذي كان يخرج من الأرض بحسب تخيلهم ذلك من غشاوة أبصارهم من فرط الجوع أو لفظ من الجوع صفة الدخان أي يرون مثل الدخان الكائن من الجوع.
وقوله: "حتى أكلنا" في رواية المستملي والحموي "حتى أكلوا" وهو الوجه، وكذا قوله:"ينظر أحدكم" عند الأكثر "ينظر أحدهم" وهو الصواب.
وقوله: "وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم" وفي الرواية الآتية في سورة الدخان "استسق الله لمضر فإنها قد هلكت" ولا منافاة بين الروايتين؛ لأن مضر أيضًا قومه، وعلى الرواية الآتية إنما قال لمضر؛ لأن غالبهم كان بالقرب من مياه الحجاز، وكان الدعاء بالقحط على قريش وهم سكان مكة فسرى القحط إلى من حولهم فحسن أن يطلب الدعاء لهم، ولعل السائل عدل عن التعبير بقريش لئلا يذكرهم فيذكر بحرمهم فقال لمضر ليندرجوا فيهم ويشير أيضًا إلى أن غير المدعو عليهم قد هلكوا بجريرتهم، وفي الرواية الآتية فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"لمضر، إنك لجريء" أي: أتأمرني أن أستسقي لمضر مع ما هم عليه من المعصية والإشراك، فاللام في قوله:"لمضر" متعلقة بمحذوف كما قرر لك، وجعله الكرماني متعلقًا بقوله فقال:"وقال لمضر" أي: لأبي سفيان فإنه كان كبيرهم في ذلك الوقت هو كان الآتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم المستدعي منه الاستسقاء والعرب يضيفون الأمر إلى القبيلة، والأمر في الواقع مضاف إلى واحد منهم تقول قتلت قريش فلانًا ويريدون شخصًا منهم.
وأفاد الدمياطي أن ابتداء دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على قريش بما مرّ كان عقب طرحهم على ظهره سلى الجزور الذي تقدمت قصته في "الطهارة" وكان ذلك (بمكة) قبل الهجرة، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم عليهم بذلك بعدها (بالمدينة) كما، في حديث أبي هريرة الذي هنا. ولا يلزم من ذلك اتحاد هذه القصص إذ لا مانع أن يدعو بذلك عليهم مرارًا.
وقوله: "فقد مضت الدخان والبطشة والفزام وآية الروم" وقد جاء في سورة الروم من وجه آخر عن الأعمش ولفظه "عن مسروف قال: بينما رجلٌ يحدث في كندةَ فقال: يجيء دُخانٌ يومَ القيامةِ فيأخذُ بأسماع المنافقينَ وأبصارِهم ويأخذُ المؤمنَ كهيئةِ الزكام ففزعنا فأتيتُ ابنَ مسعودٍ وكانَ متكئًا فغضبَ فجَلسَ فقالَ: مَنْ علمَ فليقلْ ومنْ لم يعلم فليقلْ الله أعْلم". وهذا الذي أنكره ابن مسعود قد جاء عن علي فأخرج عبد الرزاف وابن أبي حاتم عنه "قال: آيةُ الدخانِ لم تمض بعدُ يأخذُ المؤمنَ كهيئةِ الزكام وينفخ الكافر حتى ينفد". ثم أخرج عبد الرزاق عن ابن أبي مليكة قال: "دخلتُ على ابن عباسٍ يوماً فقال لي: لم أنمْ البارحةَ حتىِ أصبحتُ قالوا: طلعَ الكوكبُ ذو الذنبِ فخشينا الدخانَ قد خرجَ" وهذا يخشى أن يكون تصحيفًا، وإنما هو الدجال بالجيم الثقيلة واللام ويؤيد كون آية الدخان لم تمض ما أخرجه مسلم عن أبي شريحة رفعه "لا تقومُ الساعةُ حتى تروا عشرَ آياتٍ: طلوع الشمسِ من مغربها، والدخانَ والدابةَ" الحديث.
وروى الطبري عن ربعي عن حذيفة مرفوعًا في خروج الآيات والدخان قال حذيفة: يا رسول اللهِ وما الدخانُ فتلا هذه الآية، قال أما المؤمنُ فيصيبُهُ منهُ كهيئةِ الزكمةِ وأما الكافرُ فيخرجُ من منخريهِ وأذنيهِ ودبرهِ" وإسناده ضعيف.
وروى ابن أبي حاتم عن أبي سعيد نحوه وإسناده ضعيف أيضاً، وأخرجه مرفوعًا بإسناد أصلح منه، وللطبري عن أبي مالك الأشعري رفعه: "إنّ ربَّكم أنذرَكم ثلاثًا: الدخانَ يأخذُ المؤمنَ