الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صلاة الطالب والمطلوب راكبًا وإيماء
كذا للأكثر، وفي رواية الحموي وقائمًا قال ابن المنذر: كل من أحفظ عنه من أهل العلم يقول: إن المطلوب يصلي على دابته يومىء إيماء، وإن كان طالبًا نزل فصلى على الأرض.
قال الشافعي: إلا أن ينقطع عن أصحابه فيخاف عود المطلوب عليه فيجزئه ذلك، وعرف بهذا أن الطالب فيه التفصيل بخلاف المطلوب، ووجه الفرق أن شدة الخوف في المطلوب ظاهرة لتحقق السبب المقتضي لها.
وأما الطالب، فلا يخاف استيلاء العدو عليه وإنما يخاف أن يفوته العدو وما نقله ابن المنذر متعقب بكلام الأوزاعي فإنه قيده بخوف الفوت، ولم يستثن طالبًا من مطلوب.
وذكر أبو إسحاق الفزاري في كتاب "السير" عن الأوزاعي قال: إذا خاف الطالبون إن نزلوا بالأرض فوت العدو صلّوا حيث وجهوا على كل حال؛ لأن الحديث جاء أن النصر لا يرفع ما دام الطلب.
قلت: مشهور مذهب مالك أنهم يصلّون إيماء ولو كانوا طالبين قالوا؛ لأن أمرهم إلى أن مع عدوهم لم ينقص ولا يأمنوا رجوعهم فهم خائفون فوت العدو، ولحصول الخوف في المستقبل.
وقال ابن عبد الحكم: إن كانوا طالبين لا يصلّون إلا بالأرض صلاة أمن وفاقًا للأئمة الثلاثة.
ثم قال: وقال الوليد ذكرت للأوزاعي صلاة شرحبيل بن السمط وأصحابه على ظهر الدابة فقال كذلك الأمر عندنا إذا تخوف الفوت. واحتج الوليد بقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يُصَلِّيَنَّ أحدٌ العصرَ إلا في بني قريظة".
قوله: "شُرَحْبيل بن السَّمِط" بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون الحاء المهملة وكسر الموحدة، والسمط بوزن كتف، ويأتي تعريف شرحبيل قريبًا في السند.
وقوله: "فقال" أي الأوزاعي ولابن عساكر "قال".
كذلك الأمر: أي أداء الصلاة على ظهر الدابة بالإِيماء هو الشأن والحكم.
وقوله: "إذا تَخوف الفوت" بفتح أول تخوف مبنيًا للفاعل، والفوت نصب على المفعولية وضبط بالبناء للمفعول، ورفع الفوت نائبًا عن الفاعل، وزاد المستملي في الوقت وفي رواية الطبري وابن عبد البر عن الأوزاعي قال:"قال شُرَحْبيل بن السمط لأصحابه لا تصلّوا الصبح إلا على ظهر فنزل الأشتر النخعي فصلّى على الأرض. فقال شرحبيل: مخالف الله به".
وأخرجه ابن أبي شيبة عن رجاء بن حيوة قال: "كان ثابت بن السمط في خوف فحضرت الصلاة، فصلوا ركبانًا فنزل الأشتر فقال: مخالف خولف به فلعل ثابتًا كان مع أخيه شرحبيل في ذلك الوجه".
وقد احتج الوليد لمذهب الأوزاعي في مسألة الطالب بهذه القصة، ووجه الاستدلال من القصة بطريق الأولوية؛ لأن الذين أخروا الصلاة حتى وصلوا إلى بني قريظة لم يُعنفوا مع كونهم فوتوا الوقت، فصلاة من لا يفوت الوقت بالإيماء أو كيف ما يمكن أولى من تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها؟
وقال ابن بطال: لو وجد في بعض طرق الحديث أن الذين صلوا في الطريق صلوا ركبانًا، لكان بينا في الاستدلال فإن لم يوجد ذلك فذكر ما حاصله أن وجه الاستدلال يكون بالقياس، فكما ساغ لأولئك أن يؤخروا الصلاة عن وقتها المفترض كذلك يسوغ للطالب ترك إتمام الأركان والانتقال إلى الإيماء.
قال ابن المنير: والأبين عندي أن وجه الاستدلال من جهة أن الاستعجال المأمور به يقتضي ترك الصلاة أصلًا كما جرى لبعضهم أو الصلاة على الدواب كما وقع للآخرين؛ لأن النزول ينافي مقصود الجد الأصول، فالأولون بنوا على أن النزول معصية لمعارضته للأمر الخاص بالإسراع، وكان تأخيرهم لها لوجود المعارض. والأخرون جمعوا بين دليلي وجوب الإسراع ووجوب الصلاة في وقتها فصلوا ركبانًا. فلو فرضنا أنهم نزلوا، لكان ذلك مضادًا للأمر بالإسراع وهو لا يظن بهم لما فيه من المخالفة وهذا الذي حاوله ابن المنير، قد أشار له ابن بطال بقوله السابق: لو وجد في بعض طرق الحديث الخ، فلم يستحسن الجزم في النقل بالاحتمال.
وأما قوله: "لا تظن بهم المخالفة" فمعترض بمثله بأن يقال لا تظن بهم المخالفة بتغيير هيئة الصلاة من غير توقيف والوجه الأول أولى.
وقد أخرج أبو داود في صلاة الطالب حديث عبد الله بن أنيس "إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى سفيان الهذلي قال فرأيته وحضرت العصر فخشيت فوتها فانطلقت أمشي وأنا أصلي أومىء إيماء" وإسناده حسن.
وهذا التعليق ذكر هكذا الوليد في كتاب "السير" له، ورواه الطبراني وابن عبد البر من وجه آخر عن الأوزاعي.
رجاله ثلاثة:
مرّ الوليد بن مسلم في السادس والثلاثين من "مواقيت الصلاة"، ومرَّ الأوزاعي في العشرين من "العلم":
والثالث: شُرَحْبيلِ بن السَمط على وزن كتف، وقيل بكسر السين وسكون الميم ابن الأسود بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكرمين بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن كندة الكندي أبو يزيد، ويقال أبو السمط الشامي مختلف في صحبته. قال ابن سعد: جاهلي إسلامي وقد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وشهد القادسية وافتتح حمص وقسمها منازل، وجزم البخاري في تاريخه بأن له صحبة.
وذكره ابن حبان في الصحابة وقال: كان عاملًا على حمص، ومات بها ثم أعاده في ثقات التابعين.
وقال الحاكم: أبو أحمد له صحبة. وذكره ابن السكن وابن زبر في الصحابة، وذكره خليفة أنه كان عاملًا لمعاوية على حمص نحوًا من عشرين سنة.
وقال ابن عبد البر: شهد صفين مع معاوية، وله بها أثر عظيم، وثقه النسائي.
قال البغوي: ذكر في الصحابة ولم يذكر له حديث أسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر له سيف بسنده أن سعد بن أبي وقاص استعمل شرحبيل بن السمط وكان شابًا وكان قاتل في الردة، وغلب الأشعث على الشرف، وكان أبوه قدم الشام مع أبي عبيدة، وشهد اليرموك، وكان شرحبيل من فرسان القادسية روى عن عمر وسلمان وعبادة بن الصامت وغيرهم. وروى عنه جبير بن نفسير وسالم بن أبي الجعد ومحكول وغيرهم.
له في "البخاري" ذكر في "صلاة الخوف" في هذا الأثر المعلق. قال أبو داود: مات بصفين. وقال يزيد بن عبد ربه: مات سنة أربعين. وقال غيره سنة اثنتين وأربعين. وقال صاحب "تاريخ حمص" سنة ست وثلاثين. قال في "الإصابة" وهذا غلط فإنه ثبت أنه شهد صفين وكانت سنة سبع وثلاثين، وفي ذلك يقول النجاشي الشاعر يخاطبه:
شرحبيل ماللدين فارقت أمرنا
…
ولكن لبغض المالكي جرير
يعني جرير بن عبد الله البجلي كان الذي بينه وبين شرحبيل متباعدًا.