الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب السواك يوم الجمعة
ثم قال: وقال أبو سعيد عن "النبي صلى الله عليه وسلم يستنُّ" أي: يدلك أسنانه بالسواك، وهذا التعليق طرف من حديث وصله البخاري في باب (الطيب للجمعة) وأبو سعيد مرّ في الثاني عشر من الإِيمان.
الحديث الثاني عشر
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ.
مطابقة هذا الحديث للترجمة من جهة اندراج الجمعة في عموم قوله "كل". وقال الزين بن المنير: لما خص الجمعة بطلب تحسين الظاهر من الغسل والتنظيف والتطيب ناسب ذلك تطييب الفم الذي هو محل الذكر والمناجاة وإزالة ما يضر الملائكة وبني آدم.
وقوله: "أو لولا أن أشق على الناس" هو شك من الراوي وليس هذا اللفظ في شيء من الرواية، عن مالك ولا غيره. وأخرجه الدارقطني في "الموطئات" بهذا الإسناد بلفظ:"أو على الناس" لم يعد قوله: "لولا أن أشق" ورواه أكثر رواة "الموطأ" بلفظ: "المؤمنين" بدل أُمتي. ورواية يحيى بن يحيى الليثي بلفظ "على أُمتي" دون شك و"لولا" كلمة لربط امتناع الثانية لوجود الأولى نحو لولا زيد لأكرمتك أي: لولا زيد موجود، والمعنى هاهنا لولا مخافة أن أشق لأمرتهم أمر إيجاب، وإلا لانعكس معناها إذ الممتنع المشقة والموجود الأمر.
وقال البيضاوي: "لولا" كلمة تدل على انتفاء الشيء لثبوت غيره، والحق أنها مركبة من (لو) الدالة على انتفاء الشيء لانتفاء غيره و (لا) النافية، فدل الحديث على انتفاء الأمر لثبوت المشقة؛ لأن انتفاء الأمر ثبوت، فيكون الأمر منفيًا لثبوت المشقة.
وقوله: "أن أشق" كلمة (أن) مصدرية وهي في محل الرفع على الابتداء، وخبره واجب الحذف والتقدير (لولا المشقة موجودة لأمرتهم).
وقوله: "لأمرتهم بالسواك" أي: استعمال السواك؛ لأن السواك هو الآلة وقد قيل إنه يطلق على الفعل أيضًا فعلى هذا لا تقدير، والسواك مذكر على الصحيح وحكى في المحكم تأنيثه، وأنكر ذلك الأزهري وقوله:"مع كل صلاة" ليست في روايات "الموطأ" إلا عن معن بن عيسى، لكن
بلفظ عند كل صلاة، وكذا النسائي عن قتيبة عن مالك وكذا رواه مسلم عن أبي الزناد، وخالفه سعيد بن أبي هلال عن الأعرج فقال:"مع الوضوء" بدل الصلاة أخرجه أحمد.
والتوفيق بين الروايتين بأن السواك الواقع عند الوضوء واقع للصلاة؛ لأن الوضوء شرع لها وفيه دليل على أن الأمر للوجوب من وجهين.
أحدهما: أنه نفى الأمر مع ثبوت الندبية ولو كان للندب لما جاز النفي.
ثانيهما: أنه جعل الأمر مشقة عليهم وذلك إنما يتحقق إذا كان الأمر للوجوب إذ الندب لا مشقة فيه؛ لأنه جائز الترك. وقال أبو إسحاق: في هذا الحديث دليل على أن الاستدعاء على جهة ليس بأمر حقيقة؛ لأن السواك عند كل صلاة مندوب إليه، وقد أخبر الشارع أنه لم يأمر به، ويؤكده قوله في رواية سعيد المقبري عن أبي هريرة عند النسائي بلفظ:"لفرضت عليهم" بدل لأمرتهم.
وقال الشافعي: فيه دليل على أن السواك ليس بواجب؛ لأنه لو كان واجبًا لأمرهم به شق عليه أو لم يشق، وإلى القول بعدم وجوبه صار أكثر أهل العلم بل ادّعى بعضهم فيه الإِجماع، لكن حكى أبو حامد والماوردي عن إسحاق بن راهويه أنه قال: هو واجب لكل صلاة فمن تركه عامدًا بطلت صلاته. وعن داود أنه قال: واجب لكن ليس شرطًا، واحتج مَنْ قال بوجوبه بورود الأمر به، فعند ابن ماجه عن أبي أمامة مرفوعًا "تَسَوَّكُوا".
ولأحمد نحوه عن العباس. وفي "الموطأ" في أثناء حديث "عليكم بالسواك" ولا يثبت شيء منها، وعلى تقدير الصحة فالمنفي في حديث الباب الأمر به مقيدًا بكل صلاة لا مطلق الأمر، ولا يلزم من نفي المقيد نفي المطلق، ولا من ثبوت المطلق التكرار كما يأتي، واستدل بقوله كل صلاة على استحبابه للفرائض والنوافل، ويحتمل أن يكون المراد الصلوات المكتوبة، وما ضاهاها من النوافل التي ليست تبعًا لغيرها كصلاة العيد، وهذا اختيار أبي شامة ويتأيد بقوله في حديث أُم حبيبة عند أحمد بلفظ:"لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة كما يتوضؤون". وله عن أبي هريرة بلفظ: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء ومع كل وضوء بسواك" فسوّى بينهما. وكما أن الوضوء لا يندب للراتبة التي بعد الفريضة إلا أن طال الفصل مثلًا فكذلك السواك. ويمكن أن يفرق بينهما بأن الوضوء أشق من السواك.
ويتأيد بما رواه ابن ماجه عن ابن عباس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي ركعتين ثم ينصرف فيستاك" وإسناده صحيح، لكنه مختصر من حديث طويل أورده أبو داود. وبيّن فيه أنه تخلل بين الانصراف والسواك نوم، وأصل الحديث في "مسلم" أيضًا مبيتًا واستدل به على أن الأمر يقتضي التكرار؛ لأن الحديث دلّ على كون المشقة هي المانعة من الأمر بالسواك ولا مشقة في وجوبه مرة، وإنما المشقة في وجوب التكرار.
وفي هذا البحث نظر؛ لأن التكرار لم يؤخذ هنا من مجرد الأمر وإنما أخذ من تقييده بكل