الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الساعة التي في يوم الجمعة
أي التي يجاب فيها الدعاء.
الحديث الثامن والخمسون
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهْوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلَاّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ. وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا.
قوله "عن أبي الزناد" كذا رواه أصحاب مالك في "الموطأ"، ولهم فيه إسناد آخر إلى أبي هريرة وفيه قصة له مع عبد الله بن سلام.
وقوله "فيه ساعة" كذا فيه مبهمة وعينت في أحاديث أخر كما سيأتي. وقوله "لا يوافقها" أي: يصادفها، وهو أعم من أن يقصد لها أو يتفق له وقوع الدعاء فيها. وقوله "وهو قائم يصلي يسأل الله" هي صفات لمسلم أعربت حالًا، ويحتمل أن يكون يصلي حالًا منه لاتصافه بقائم. ويسأل حال مترادفة أو متداخلة، وأفاد ابن عبد البر أن قوله "وهو قائم" سقط من رواية أبي مصعب وابن أبي أويس ومطرف والتنيسي وقتيبة وأثبتها الباقون. قال: وهي زيادة محفوظة عن أبي الزناد من رواية مالك وورقاء وغيرهما عنه.
وحكى أبو محمد بن السيد عن محمد بن وضاح أنه كان يأمر بحذفها من الحديث، وكان السبب في ذلك أنه يشكل على أصح الأحاديث الواردة في تعيين هذه الساعة وهما حديثان:
أحدهما: حديث مخرمة بن بكير عن أبيه عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه مرفوعًا "أنها ما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن يقضي الصلاة" رواه مسلم وأبو داود.
والثاني: قول عبد الله بن سلام المروي عند مالك وأبي داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة وابن حبّان من حديث أبي هريرة أنه قال لعبد الله بن سلام: أخبرني ولا تضنَّ عليّ فقال عبد الله بن سلام: هي آخر ساعة في يوم الجمعة. قال أبو هريرة: فقلت: كيف تكون آخرَ ساعةٍ في يوم الجمُعة وقد قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لا يصادفها عبدٌ مسلمٌ وهو يصلي فيها؟ فقال عبدُ الله بن سلامٍ ألمْ يقلْ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ جَلَس مجلسًا ينتظرُ الصلاةَ فهو في صلاة حتى يصلي، فلو كان قوله وهو قائم ثابتًا عند أبي هريرة لاحتج عليه به، لكنه سلم له الجواب وارتضاه وصار يفتي به بعده. وأما إشكاله على الحديث الأول فمن جهة أنه يتناول حال الخطبة كله وليست صلاة عل الحقيقة وقد أجيب عن هذا الإشكال يحمل الصلاة على الدعاء أو الانتظار وبحمل القيام على الملازمة والمواظبة، ويؤيد
ذلك أن حال القيام في الصلاة غير حال السجود والركوع والتشهد مع أن السجود مظنة إجابة الدعاء، فلو كان المراد بالقيام حقيقته لأخرجه فدل على أن المراد فجاز القيام وهو المواظبة ونحوها، ومنه قوله تعالى {إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} فعلى هذا يكون التعبير عن المصلي بالقائم من باب التعبير عن الكل بالجزء.
والنكتة فيه أنه أشهر أحوال الصلاة، واختلف السلف في أي القولين المذكورين أرجح فروى البيهقي أن مسلمًا قال: حديث أبي موسى أجود شيء في هذا الباب وأصحه، وبذلك قال البيهقي وابن العربي وجماعة، وقال القرطبي: هو نص في موضع الخلاف، فلا يلتفت إلى غيره. وقال النووي "هو الصحيح وجزم في "الروضة" بأنه الصواب، ورجحه أيضًا بكونه مرفوعًا صريحًا، وفي أحد "الصحيحين".
وذهب آخرون إلى ترجيح قول عبد الله بن سلام، فحكى الترمذي عن أحمد أنه قال أكثر الأحاديث على ذلك، وقال ابن عبد البر: إنه أثبت شيء في هذا الباب.
وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن ناسًا من الصحابة اجتمعوا فتذاكروا ساعة الجمعة، ثم افترقوا فلم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة، ورجحه كثير من الأئمة كأحمد وإسحاق، ومن المالكية الطرطوشي.
وكان ابن الزملكاني شيخ الشافعية في وقته يختاره ويحكيه عن نص الشافعي ميلًا إلى أن هذه رحمة من الله تعالى للقائمين بحق هذا اليوم فأوان إرسالها عند الفراغ من تمام العمل، وأجابوا عن كونه ليس في أحد "الصحيحين" بأن الترجيح بما في "الصحيحين" أو أحدهما إنما هو حيث لا يكون مما انتقده الحفاظ كحديث أبي موسى هذا، فإنه أعل بالانقطاع والاضطراب أما الانقطاع؛ فلأنّ مخرمة بن بكير لم يسمع من أبيه كما قاله أحمد عن مخرمة نفسه. وكذا قال سعيد بن أبي مريم وزاد "إنما هي كتب كانت عندنا". ولا يقال مسلم يكتفي في المعنعن بإمكان اللقاء مع المعاصرة وهو كذلك هنا؛ لأنا نقول وجود التصريح من مَخْرمة بأنه لم يسمع من أبيه كاف في دعوى الانقطاع.
وأما الاضطراب فقد رواه أبو إسحاق وواصل الأحدب ومعاوية بن قرة وغيرهم عن أبي بردة من قوله وهؤلاء كوفيون وأبو بردة كوفي فهم أعلم بحديثه من بكير المدني وهم عدد وهو واحد، وأيضًا فلو كان عند أبي بردة مرفوعًا لم يفت فيه برأيه بخلاف المرفوع كما يأتي عنه في القول الثاني والعشرين وفي الثالث والثلاثين؛ ولهذا جزم الدارقطني بأن الموقوف هو الصواب الهدى مسلكًا آخر فاختار أن ساعة الإجابة منحصرة في أحد الوقتين المذكورين، وأن أحدهما لا يعارض الآخر لاحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم دل على أحدهما في وقت وعلى الآخر في وقت، أو هذا كقول ابن عبد البر الذي ينبغي الاجتهاد في الدعاء في الوقتين المذكورين. وسبق إلى نحو ذلك الإمام أحمد وهو أولى
في طريق الجمع.
قال المحب الطبري: أصح الأحاديث فيها حديث أبي موسى وأشهر الأقوال فيها قول عبد الله بن سلام وما عداهما إما موافق لهما أو لأحدهما أو ضعيف الإِسناد أو موقوف استند قائله إلى اجتهاد دون توقيف، ولا يعارضهما حديث أبي سعيد الآتي في كونه عليه الصلاة والسلام أنسيها بعد أن علمها لاحتمال أن يكونا سمعا ذلك منه قبل أن أنسي قاله البيهقي وغيره، ويأتي ما فيها من الأقوال.
وقوله "يسأل الله شيئاً" أي مما يليق أن يدعو به المسلم، ويسأل ربه تعالى.
وفي رواية سلمة بن علقمة عن ابن سيرين عن أبي هريرة عند المصنف في الطلاق، ولمسلم عن أبي هريرة مثله، وعند ابن ماجه عن أبي لبابة "ما لم يسأل حرامًا".
وعند أحمد عن سعد بن عبادة "ما لم يسأل إثمًا أو قطيعةَ رحمٍ" وهو نحو الأول، وقطيعة الرحم من جملة الإثم وهو من عطف الخاص على العام للاهتمام به.
وقوله "وأشار بيده" كذا هنا بإبهام الفاعل. وفي رواية مصعب عن مالك "وأشارَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم".
وفي رواية سلمة بن علقمة المشار إليها "ووضع أنملته على بطن الوسطى أو الخنصر قلنا يزهدها".
وبيّن أبو مسلم الكجي أن الذي وضع هو بشر بن المفضَّل رواية عن سلمة بن علقمة، وكأنه فسر الإشارة بذلك وأنها ساعة لطيفة تنتقل ما بين وسط النهار إلى قرب آخره، وبهذا يحصل الجمع بينه وبين قوله يزهدها أي يقللها.
ولمسلم عن محمد بن زياد عن أبي هريرة "وهي ساعة خفيفة".
وللطبراني في "الأوسط" عن أنس "وهي قدر هذا يعني قبضة". قال الزين بن المنير: الإشارة لتقليلها هو للترغيب فيها والحض عليها ليسارة وقتها وغزارة فضلها، واستشكل حصول الإجابة لكل داع بشرطه المتقدم مع اختلاف الزمان باختلاف البلاد والمصلي، فيتقدم بعض على بعض وساعة الإجابة متعلقة فكيف يتفق مع الاختلاف؟
وأجيب باحتمال أن تكون ساعة الإجابة متعلقة بفعل كل فصل قبل نظيره في ساعة الكراهة، ولعل هذا فائدة جعل الوقت الممتد مظنة لها وإن كانت هي خفيفة، ويحتمل أن يكون عبر بالوقت عن الفعل فيكون التقدير وقت وقوع الخطبة أو الصلاة ونحو ذلك.
واختلف أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم هل باقية أو رفعت وعلى البقاء هل هي في كل جمعة أو في جمعة واحدة من كل سنة؟ وعلى الأول هل هي وقت من اليوم معين أو مبهم؟ وعلى
التعيين هل تستوعب الوقت أو تبهم فيه؟ وعلى الإبهام ما ابتداؤه وما انتهاؤه؟ وعلى كل ذلك، هل تستمر أو تنتقل؟ وعلى الانتقال، هل تستغرق اليوم أو بعضه؟ وها أنا أذكر ما روى فيها من الأقوال مع أدلتها والجمع بينهما والترجيح.
الأول أنها رفعت حكاه ابن عبد البر عن قوم وزيفه. وقال عياض: رده السلف على قائله.
وروى عبد الرزاق عن عبد الله بن نخس مولى معاوية قال: "قلت لأبي هريرة: إنهم زعموا أن الساعة التي في يوم الجمعة يستجاب فيها الدعاء رفعت، فقال كذب من قال ذلك، فقلت: هي في كل جمعة؟ قال: نعم"، إسناده قوي قال: صاحب "الهدى": إن أراد قائله إنها كانت معلومة فرفع علمها عن الأمة فصارت مبهمة، احتمل، وإن أراد حقيقتها فهو مردود على قائله.
قلت: هذا الاحتمال بعيد لا فائدة فيه؛ لأن الكلام في رفعها من أصلها والذي قاله راجع إلى كونها مبهمة.
القول الثاني: إنها موجودة لكن في جمعة واحدة من كل سنة قاله كعب الأحبار لأبي هريرة، ورده عليه فرجع لما راجع التوراة إليه رواه مالك وأصحاب "السنن".
الثالث: إنها مخفية في جميع اليوم كما أخفيت ليلة القدر في العشر، والاسم الأعظم، والرجل الصالح حتى تتوفر الدواعي على مراقبة ذلك اليوم، وقد روي "أنّ لربِّكم في أيام دهرِكم نفحات، ألا فتعرضوا لها" ويوم الجمعة من جملة تلك الأيام فينبغي أن يكون العبد في جميع نهَاره متعرضًا لها بإحضار القلب وملازمة الذكر والدعاء والنزوع عن وساوس الدنيا، فعساه يحظى بشيء من تلك النفحات.
روى ابن خزيمة والحاكم عن أبي سلمة سألت أبا سعيد عن ساعة الجمعة فقال: سألتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عنها فقال: قد أُعْلِمْتُها ثم أُنْسِيتها لما أُنْسِيتُ ليلةَ القدر".
وروى عبد الرزاق عن معمر أنه سأل الزهري فقال: لم أسمع فيها بشيء إلا أن كعبًا كان يقول: إن إنسانًا قسم جمعة في جمع لأتى على تلك الساعة.
قال ابن المنذر معناه أنه يبدأ فيدعو في جمعة من أول النهار إلى وقت معلوم، ثم في جمعة أخرى يبتدىء من ذلك الوقت إلى وقت آخر حتى يأتي على آخر النهار. قال: وروينا عن ابن عمر أنه قال: "إن طلب الحاجة في يوم ليسير" قال معناه إنه ينبغي المداومة على الدعاء يوم الجمعة كله ليمر بالوقت الذي يستجاب فيه الدعاء، والذي قاله ابن عمر يصلح لمن يقوى عليه، وإلا فالذي قاله كعب سهل على كل أحد وقضية ذلك أنهما كانا يريان أنها غير معينة، وهو قضية كلام جمع من العلماء كالرافعي وصاحب "المغني" وغيرهما حيث قالوا: يستحب أن يكثر من الدعاء يوم الجمعة رجاء أن يصادف ساعة الإجابة، ومن حجة هذا القول تشبيهها بليلة القدر والاسم الأعظم في الأسماء الحسنى، والحكمة في ذلك بعث العباد على الاجتهاد في الطلب واستيعاب الوقت
بالعبادة بخلاف ما لو تحقق الأمر في شيء من ذلك لكان مقتضيًا للاقتصار عليه وإهمال ما عداه.
الرابع: أنها تنتقل في يوم الجمعة ولا تلزم ساعة معينة لا ظاهرة ولا مخفية. قال الغزالي: وهذا أشبه الأقوال، وذكره الأثرم احتمالًا، وجزم به ابن عساكر وغيره. وقال المحب الطبري: إنه الأظهر.
وعلى هذا، لا يتأتى ما قاله كعب في الجزم بتحصيلها.
الخامس: إذا أذن المؤذن لصلاة الغداة، ذكره أبو الفضل الحافظ في شرح الترمذي وسراح الدين بن الملقن في "شرح البخاري" ونسباه لتخريج ابن أبي شيبة عن عائشة، وقد رواه الروياني في "مسنده" عنها فأطلق الصلاة ولم يقيدها، ورواه ابن المنذر فقيدها "بصلاة الجمعة".
السادس: من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس رواه ابن عساكر عن مجاهد عن أبي هريرة، وحكاه القاضي أبو الطيب الطبري وأبو نصر بن الصباغ وعياض والقرطبي وغيرهم.
وعبارة بعضهم ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس.
السابع: مثله، وزاد ومن العصر إلى الغروب رواه سعيد بن منصور عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن أبي هريرة تابعه فضيل بن عياض عن ليث عند ابن المنذر وليث ضعيف.
الثامن: مثله، وزاد وما بين أن ينزل الإمام من المنبر إلى أن يكبر. رواه حميد بن زنجويه في "الترغيب" له عن أبي هريرة:"قال التمسوا الساعة التي يجاب فيها الدعاء يوم الجمعة في هذه الأوقات الثلاثة" فذكرها.
التاسع: أنها أول ساعة بعد طلوع الشمس حكاه الجبلي في "شرح التنبيه"، وتبعه المحب الطبري في شرحه.
العاشر: عند طلوع الشمس حكاه الغزالي في "الإحياء". وعبر عنه الزين بن المنير بقوله: "هي ما بين أن ترتفع الشمس شبرًا إلى ذراع". وعزاه لأبي ذر.
الحادي عشر: أنها في آخر الساعة الثالثة من النهار، حكاه صاحب "المغني"، وهو في "مسند الإمام أحمد" عن علي بن طلحة عن أبي هريرة مرفوعًا "يوم الجمعة فيه طبعت طينة آدم وفي آخر ثلاث ساعات منه ساعة من دعا الله فيها استجيب له".
وفي إسناده فَرَج بن فضالة ضعيف وعلي لم يسمع من أبي هريرة، قال المحب الطبري:"قوله في آخر ثلاث ساعات" يحتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون المراد الساعة الأخيرة من الثلاثة الأُول
ثانيهما: أن يكون المراد أن في آخر كل ساعة من الثلاثة ساعة إجابة، فيكون فيه تجوّز لإطلاق الساعة على بعض الساعة.
الثاني عشر: من الزوال إلى أن يصير الظل نصف ذراع حكاه المحب الطبري في "الأحكام" وقبله الزكي المنذري.
الثالث عشر: مثله، لكن قال: إلى أن يصير الظل ذراعًا حكاه عياض والقرطبي والنووي.
الرابع عشر: بعد زوال الشمس بشبر إلى ذراع. رواه ابن المنذر وابن عبد البر بإسناد قوي عن أبي ذر أن امرأته سألته عنه فقال ذلك، ولعله مأخذ القولين اللذين قبله.
الخامس عشر: إذا زالت الشمس، حكاه ابن المنذر عن أبي العالية، وورد نحوه في أثناء حديث عن علي.
وروى عبد الرزاق عن الحسن أنه كان يتحراها عند زوال الشمس بسبب قصة وقعت لبعض أصحابه في ذلك.
وروى ابن عساكر عن قتادة قال: كانوا يرون الساعة المستجاب فيها الدعاء إذا زالت الشمس وكان مأخذهم في ذلك أنها وقت اجتماع الملائكة، وابتداء دخول وقت الجمعة وابتداء الأذان ونحو ذلك.
السادس عشر: إذا أذن المؤذن لصلاة الجمعة، رواه ابن المنذر عن عائشة قالت:"يومُ الجمعَة مثلُ يوم عرفةَ تُفتحُ فيه أبوابُ السماءِ، وفيه ساعةٌ لا يسألُ اللهَ فيها العبدُ شيئاً إلا أعطاهُ قيل: أي ساعةٍ؟ قالت إذا أذّنَ المؤذنُ لصلاةِ الجمعة" وهذا يغاير الذي قبله من حيث إن الأذان قد يتأخر عن الزوال.
وقال الزين بن المنير: ويتعين حمله على الأذان الذي بين يدي الخطيب.
السابع عشر: من الزوال إلى أن يدخل الرجل في الصلاة، حكاه ابن المنذر عن أبي السوار العدوي، وحكاه ابن الصباغ بلفظ إلى أن يدخل الإمام.
الثامن عشر: من الزوال إلى خروج الإمام، حكاه القاضي أبو الطيب الطبري.
التاسع عشر: من الزوال إلى غروب الشمس، حكاه العباس أحمد بن علي بن كشاسب الدزماري بزاي ساكنة وقبل ياء النسب راء مهملة في نكته على التنبيه عن الحسن وهو في عصر ابن الصلاح.
العشرون: ما بين خروج الإمام إلى أن تقام الصلاة، رواه ابن المنذر عن الحسن.
الحادي والعشرون: عند خروج الإمام، رواه حميد بن زنجويه في كتاب "الترغيب" عن الحسن أن رجلًا مرت به وهو ينعس في ذلك الوقت.
الثاني والعشرون: ما بين خروج الإمام إلى أن تنقضي الصلاة، رواه ابن جرير عن الشعبي قوله، وعن أبي بردة عن أبي موسى قوله وفيه أن ابن عمر استصوب ذلك.
الثالث والعشرون: ما بين أن يحرم البيع إلى أن يحل، رواه سعيد بن منصور وابن المنذر عن الشعبي قوله أيضًا. قال الزين بن المنير: وجهه أنه أخص أحكام الجمعة؛ لأن العقد باطل عند الأكثر، فلو اتفق ذلك في غير هذه الساعة بحيث ضاق الوقت فتشاغل اثنان بعقد البيع فخرج وفاتت تلك الصلاة لأثما ولم يبطل البيع.
الرابع والعشرون: ما بين الأذان إلى انقضاء الصلاة، رواه حميد بن زنجويه عن ابن عباس وحكاه البغوي في "شرح السنة" عنه.
الخامس والعشرون: ما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن تنقضي الصلاة، رواه مسلم وأبو داود من حديث أبي موسى عن مخرمة بن بكير، قد مرّ ما فيه وهو يمكن أن يتخذ من القولين اللذين قبله.
السادس والعشرون: عند التأذين وعند تذكير الإِمام وعند الإِقامة، رواه حميد بن زنجويه عن عوف بن مالك الأشجعي الصحابي.
السابع والعشرون: مثله، لكن قال إذا أذن وإذا رقيَ المنبر وإذا أقيمت الصلاة، رواه ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أبي أمامة الصحابي قوله، قال الزين بن المنير: ما ورد عند الأذان من إجابة الدعاء فيتأكد يوم الجمعة، وكذلك الإقامة وأما زمان جلوس الإمام على المنبر، فلأنه وقت اجتماع الذكر والابتداء في المقصود من الجمعة.
الثامن والعشرون: من حين يفتتح الإمام الخطبة حتى تفرغ، رواه ابن عبد البر عن ابن عمر مرفوعًا وإسناده ضعيف.
التاسع والعشرون: إذا بلغ الخطيب المنبر وأخذ في الخطبة، حكاه الغزالي في "الإحياء".
الثلاثون: عند الجلوس بين الخطبتين، حكاه الطيبي عن بعض شراح المصابيح.
الحادي والثلاثون: أنها عند نزول الإِمام من المنبر، رواه ابن أبي شيبة وحميد بن زنجويه وابن جرير وابن المنذر بإسناد صحيح عن أبي بردة قوله، وحكاه الغزالي قولًا بلفظه: إذا قام الناس إلى الصلاة.
الثاني والثلاثون: حين تقام الصلاة حتى يقوم الإِمام في مقامه، حكاه ابن المنذر عن الحسن أيضًا، وحكى الطبري من حديث ميمونة بنت سعد نحوه مرفوعًا بإسناد ضعيف.
الثالث والثلاثون: من إقامة الصف إلى تمام الصلاة، رواه الترمذي وابن ماجه مرفوعًا، وفيه "قالوا أية ساعة يا رسولَ اللهِ؟ قال حينَ تُقامُ الصلاةُ إلى الانصرافِ" وقد ضعف كثير رواية هذا الحديث؛ لكونه عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، ورواه البيهقي في الشعب من هذا الوجه بلفظ ما بين أن ينزل الإمام من المنبر إلى أن تنقضي الصلاة، ورواه ابن أبي شيبة عن مغيرة عن واصل الأحدب عن أبي بردة قوله. وإسناده قوي إليه وفيه أن ابن عمر استحسن ذلك منه وبرك عليه
ومسح على رأسه، وروى ابن جرير وسعيد بن منصور عن ابن سيرين مثله.
الرابع والثلاثون: هي الساعة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيها الجمعة، رواه ابن عساكر بإسناد صحيح عن ابن سيرين، وهذا يغاير الذي قبله من جهة إطلاق ذاك وتقييد هذا، وكأنه أخذه من جهة أن صلاة الجمعة أفضل صلوات ذلك اليوم، وأن الوقت الذي يصلي فيه النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الأوقات. وأن جميع ما تقدم من الأذان والخطبة وغيرهما وسائل، وصلاة الجمعة هي المقصودة بالذات، ويؤيده ورود الأمر في القرِآن بتكثير الذكر حال القتال. وذلك في قوله تعالى:{إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وفي قوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} إلى أن ختم الآية بقوله تعالى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} . وليس المراد إيقاع الذكر بعد الانتشار وإن عطف عليه، وإنما المراد تكثير الذكر المشار إليه أول الآية.
الخامس والثلاثون: من صلاة العصر إلى غروب الشمس، رواه ابن جرير عن ابن عباس موقوفًا وعن أبي سعيد مرفوعًا بلفظ:"فالتمسوها بعد العصر"، وذكر ابن عبد البر أن قوله "فالتمسوها" إلى آخره مدرج في الخبر من قول أبي سلمة، ورواه ابن منده من هذا الوجه أغفل ما يكون الناس، ورواه أبو نعيم في "الحلية" عن عون بن عبد الله بن عتبة عن أخيه عبيد الله كقول ابن عباس. ورواه الترمذي عن أنس مرفوعًا بلفظ "بعد العصر إلى غيبوبة الشمس" وإسناده ضعيف.
السادس والثلاثون: في صلاة العصر، رواه عبد الرزاق عن يحيى بن إسحاق بن أبي طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا وفيه قصة.
السابع والثلاثون: بعد العصر إلى آخر وقت الاختيار، حكاه الغزالي في الإحياء".
الثامن والثلاثون: بعد العصر كما مرّ عن أبي سعيد مطلقًا، ورواه ابن عساكر عن أبي هريرة وأبي سعيد مرفوعًا بلفظ: وهي بعد العصر، وروى عبد الرزاق عن ابن طاووس عن أبيه أنه كان يتحراها بعد العصر، وعن ابن جريج عن بعض أهل العلم قال: لا أعلمه إلا عن ابن عباس مثله، فقيل له لا صلاة بعد العصر فقال: بلى لكن من كان في مصلاه لم يقم منه فهو في صلاة.
التاسع والثلاثون: من وسط النهار إلى قرب آخر النهار كما مرّ أول الباب عن سلمة بن علقمة.
الأربعون: من حين تصفر الشمس إلى أن تغيب، رواه عبد الرزاق عن طاووس قوله وهو قريب من الذي بعده.
الحادي والأربعون: آخر ساعة بعد العصر، رواه أبو داود والنسائي والحاكم بإسناد حسن عن أبي سلمة عن جابر مرفوعًا في أوله أن النهار اثنتا عشر ساعة، ورواه مالك وأصحاب "السنن" فيما مرّ أول الباب عن أبي هريرة عن عبد الله بن سلام من قوله وفيه مناظرة أبي هريرة له، ورواه ابن جرير عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا، ولم يذكر عبد الله بن سلام قوله ولا القصة
وعن ابن أبي ذيب عن أبي هريرة عن كعب الأحبار قوله: وروى ابن أبي خيثمة عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة وأبي هريرة وأبي سعيد، فذكر الحديث وفيه قال أبو سلمة: فلقيت عبد الله بن سلام فذكرت له ذلك، فلم يعرض بذكر النبي صلى الله عليه وسلم بل قال: النهار ثنتا عشر ساعة وإنها لفي آخر ساعة من النهار ولابن خزيمة عن أبي سلمة عن عبد الله بن سلام قال: "قلتُ ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ إنا لنجدُ في كتاب اللهِ أن في الجُمعة ساعة" قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أو بعضَ ساعةٍ. قلتُ: نعم أو بعضَ ساعةٍ" الحديث وفيه "قلت أي ساعة" فذكر الحديث، وهذا يحتمل أن يكون القائل، قلت عبد الله بن سلام فيكون مرفوعًا أو يكون أبا سلمة فيكون موقوفًا وهو الأرجح لتصريحه في رواية يحيى بن أبي كثير بأن عبد الله بن سلام لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الجواب.
الثاني والأربعون: من حين يغيب نصف قرص الشمس أو من حين تدلي الشمس للغروب إلى أن يتكامل غروبها، رواه الطبراني في "الأوسط" والدارقطني في "العلل"، والبيهقي في "الشعب" و"فضائل الأوقات" عن زيد بن علي بن الحسين بن علي حدثتني مرجانة مولاة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: حدثتني فاطمة عليها السلام عن أبيها فذكر الحديث، وفيه "قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: أي ساعةٍ هي قال: إذا تدلّى نصفُ الشمس للغروب فكانت فاطمةُ إذا كان يومُ الجمعةِ أرسلت غلامًا لها يُقال له زيدٌ ينظرُ لها الشمسَ فإذا أخبرها أنها تدلتْ أقبلتْ على الدعاءِ إلى أن تغيبَ " في إسناده اختلاف على زيدٌ بن علي، وفي بعض رواته من لا يعرف حاله، وأخرجه إسحاق بن راهويه عن زيد بن علي عن فاطمة لم يذكر فيه مرجانة وقال فيه: "إذا تدلت الشمس للغروب"، وقال فيه "تقول لغلام يقال له: أربد اصعد على الظربِ فإذا تدلتِ الشمسُ للغروبِ فأخبرني" والباقي نحوه، وفي آخره ثم تصلي المغرب.
الثالث والأربعون: ما استنبطه الجزري وذكره في "حصن الحصين" في الأدعية لما ذكر الاختلاف في ساعة الجمعة، واقتصر على ثمانية أقوال مما تقدم، ثم قال ما نصه والذي اعتقده أنها وقت قراءة الإمام الفاتحة في صلاة الجمعة إلى أن يقول: آمين جمعًا بين الأحاديث التي صحت كذا قال: ويخدش فيه بأنه يفوت على الداعي حينئذ الإنصات لقراءة الإمام.
هذا ما وقفت عليه من الأقوال في ساعة الجمعة مع ذكر أدلتها وبيان حالها في الصحة والضعف والرفع والوقف والإشارة إلى مأخذ بعضها، وليست كلها متغايرة من كل وجه بل كثير منها يمكن أن يتحد مع غيره. قال الزين بن المنير يحسن جمع الأقوال، وكان قد ذكر مما تقدم عشرة أقوال فتكون ساعة الإجابة منها لا بعينها، فيصادفها من اجتهد في الدعاء في جميعها، وليس المراد من أكثرها أنها تستوعب جميع الوقت الذي عين، بل المعنى أنها تكون في أثنائه لقوله فيما مرّ "يقللها". وقوله "وهي ساعة خفيفة" وفائدة ذكر الوقت أنها تنتقل فيه فيكون ابتداء مظنتها ابتداء الخطبة مثلًا، وانتهاؤه انتهاء الصلاة، وكأن كثيراً من القائلين عيّن ما اتفق له وقوعها فيه من ساعة في أثناء وقت من الأوقات المذكورة، فبهذا التقرير يقل الانتشار جدًا.