الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثامن عشر
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: كُلُّكُمْ رَاعٍ. وَزَادَ اللَّيْثُ قَالَ يُونُسُ: كَتَبَ رُزَيْقُ بْنُ حُكَيْمٍ إِلَى ابْنِ شِهَابٍ وَأَنَا مَعَهُ يَوْمَئِذٍ بِوَادِي الْقُرَى هَلْ تَرَى أَنْ أُجَمِّعَ. وَرُزَيْقٌ عَامِلٌ عَلَى أَرْضٍ يَعْمَلُهَا، وَفِيهَا جَمَاعَةٌ مِنَ السُّودَانِ وَغَيْرِهِمْ، وَرُزَيْقٌ يَوْمَئِذٍ عَلَى أَيْلَةَ، فَكَتَبَ ابْنُ شِهَابٍ وَأَنَا أَسْمَعُ يَأْمُرُهُ أَنْ يُجَمِّعَ، يُخْبِرُهُ أَنَّ سَالِمًا حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ.
وجه الاحتجاج بالحديث ومطابقته للترجمة من قوله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ"، فإنه دال على أنَّ على مَنْ كان أميرًا إقامة الأحكام الشرعية والجمعة منها، وكان رزيق عاملًا على الطائفة التي ذكرها، وكان عليه أن يراعي حقوقهم، ومن جملتها إقامة الجمعة وقوله:"كلكم راعٍ"، في الرواية الآتية في الأحكام"ألا كلَّكم راعٍ" و (ألا) بتخفيف اللام حرف استفتاح، وسقطت من رواية سالم هنا ورواية نافع، والراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما اؤتمن على حفظه، فهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه، فإن وفي بما عليه من الرعاية حصل له الحظ الأوفر والجزاء الأكبر، وإن كان غير ذلك طالبه كل أحد من رعيته بحقه.
وقوله: "وزاد الليث" فيه إشارة إلى أن رواية الليث متفقة مع ابن المبارك إلا في القصة، فإنها مختصة برواية الليث، ورواية الليث معلقة، وقد وصلها الذهلي عن أبي صالح كاتب الليث عنه، وقد ساق المصنف رواية ابن المبارك بهذا الإِسناد في كتاب "الوصايا" فلم يخالف رواية الليث إلا في إعادة قوله في آخره "وكُلُّكم راعٍ".
وقوله: "وكتب رزيق بن حكيم" يأتي ضبطه في السند. وقوله: "وأنا معه" جملة اسمية وقعت
حالًا. وقوله: "بوادي القرى" هو من أعمال المدينة. وقال ابن السمعاني: وادي القرى مدينة بالحجاز مما يلي الشام، وفتحها النبي صلى الله عليه وسلم في جمادى الآخرة سنة سبع من الهجرة منصرفه من خيبر بعد أن امتنع أهلها وقاتلوا. وذكر بعضهم أنه عليه الصلاة والسلام قاتل فيها، ولما فتحها عنوة قسّم أموالها وترك الأرض والنخل في أيدي اليهود على مثل ما عامل عليه أهل خيبر، وأقام عليها أربع ليال.
وقوله: "أن أجمع" أي: أصلي بمن معي الجمعة. وقوله: "على أرض يعملها" أي: يزرع فيها. وقوله: "ورزيق يومئذ على أيلة" بفتح الهمزة وسكون التحتانية بعدها لام بلدة معروفة في طريق الشام بين المدينة ومصر على ساحل (القلزم) كانت مدينة كبيرة ذات قلعة، وهي الآن خراب يمرّ بها الحاج من مصر فتكون شماليهم، ويمرّ بها الحاج من غزة فتكون أمامهم، ويجلبون إليها إلمبرة من الكرك والشوبك وغيرهما يتلقون بها الحاج ذهابًا وإيابًا وإليها تنسب العقبة المشهورة عند المصريين، وبينها وبين المدينة النبوية نحو الشهر يسير الأثقال إن اقتصروا كل يوم على مرحلة، وإلا فدون ذلك وهي من (مصر) على أكثر من النصف من ذلك.
وقال البكري: سميت (بأيلة) بنت مدين بن إبراهيم عليه الصلاة والسلام وقد روي أن (أيلة) هى القرية التي كانت حاضرة البحر، وقد ورد صاحب أيلة على النبي صلى الله عليه وسلم (بتبوك) وأعطاه الجزية. وكان رزيق أميرًا عليها من قِبَل عمر بن عبد العزيز والذي يظهر أن الأرض التي كان يزرعها من أعمال (أيلة) ولم يسأل عن (أيلة) نفسها؛ لأنها كانت مدينة عظيمة ذات قلعة كما مرّ.
وقوله: "فكتب ابن شهاب" فيه تجوز كأن ابن شهاب أملاه على كاتبه فسمعه يونس منه، ويحتمل أن يكون الزهري كتبه بخطه وقرأه بلفظه، فيكون فيه حذف تقديره (فكتب ابن شهاب وقرأه وأنا أسمع).
وقوله: "وأنا أسمع" هو قول يونس والجملة حالية، وقوله:"يأمره" حالية أخرى. وقوله: "يخبره" حال من فاعل يأمره، والمكتوب هو الحديث والمسموع المأمور به قاله الكرماني والذي يظهر أن المكتوب هو عين المسموع، وهو الأمر والحديث معًا.
وقوله: "الإِمام راعٍ" في رواية "الأحكام" في العتق فالأمير بدل الإِمام، وكذا في رواية موسى بن عقبة في النكاح، ولم يقل على الناس. وقوله:"ومسؤول عن رعيته" أي: بحذف هو وهي مقدرة وكذا في أكثر الروايات، وثبتت في "الأحكام" والاستقراض.
وقوله: "والرجل راعٍ في أهله" وفي رواية الأحكام: "والرجل راعٍ على أهلِ بيتهِ".
وقوله: "والمرأة راعية في بيت زوجها" وفي رواية "الأحكام": والمرأة راعية على أهلِ بيتِ زوجها وولدِهِ"، وفي رواية عبيد الله بن عمر "على بيتِ بعلِها".
وقوله: "والخادم راعٍ في مالِ سيِّده" وفي رواية الأحكام: "وعبدُ الرجلِ راعٍ على مالِ سيدِه"
وفي رواية عبيد الله "والعبد" بدل الخادم. قال الخطابي: اشتركوا أي: الإِمام والرجل ومن ذكر في التسمية أي: في الوصف بالراعي ومعانيهم مختلفة، فرعاية الإِمام الأعظم حياطة الشريعة بإقامة الحدود والعدل في الحكم. ورعاية الرجل أهله سياسته لأمرهم وإيصالهم حقوقهم. ورعاية المرأة تدبير أمر البيت والأولاد والخدم والنصيحة للزوج في كل ذلك. ورعاية الخادم حفظ ما تحت يده والقيام بما يجب عليه من خدمته.
وقوله: "قال وحسبت أن قد قال" جزم الكرماني بأن فاعل قال هنا هو يونس وفيه نظر، والظاهر أن فاعله سالم بن عبد الله الراوي. وكلمة (أن) مخففة من المثقلة والتقدير (وحسبت أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: والرجلُ راعٍ في مال أبيه). إلخ.
وقوله: "وكلُّكم راعٍ ومسؤولٌ عن رعيتهِ" وفي رواية الأحكام: "ألا فكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِهِ". وفي رواية أيوب في "النكاح" مثله وفي الاستقراض "فكلُّكم" ومثله في رواية نافع.
قال الطيبي في هذا الحديث: إن الراعي ليس مطلوبًا لذاته، وإنما أقيم لحفظ ما استرعاه المالك فينبغي أن لا يتصرف إلا بما أذن الشارع فيه، وهو تمثيل ليس في الباب ألطف ولا أجمع ولا أبلغ منه، فإنه أجمل أولًا ثم فصّل، وأتى بحرف التنبيه مكررًا. قال:(والفاء) في قوله: "ألا فكلُّكم" جواب شرط محذوف. وختم بما يشبه الفذلكة إشارة إلى استيفاء التفصيل. وقال غيره دخل في العموم المنفرد الذي لا زوج له ولا خادم ولا ولد، فإنه يصدق عليه أنه راع على جوارحه حتى يعمل المأمورات ويجتنب المنهيات فعلًا ونطقًا واعتقادًا، فجوارحه وقواه وحواسه رعيته ولا يلزم من اتصافه بكونه راعيًا أن لا يكون مرعيًا باعتبار آخر.
وجاء في حديث أنس مثل حديث ابن عمر وزاد في آخره فأعدوا للمسألة جوابًا قالوا: وما جوابها؟ قال: أعمال البر أخرجه ابن عدي والطبراني في "الأوسط" بسند حسن، وله عن أبي هريرة "ما من راعٍ إلا يسأل يوم القيامة أقام أمر الله أم ضيعه؟ ".
ولابن عدي بسند صحيح عن أنس أن الله سائل كل راع بما استرعاه حفظ ذلك أو ضيعه. واستدل به على أن المكلف يؤاخذ بالتقصير في أمر من هو في حكمه وترجم له في النكاح باب {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} وعلى أن للعبد أن يتصرف في مال سيده بإذنه.
وكذا المرأة والولد وفي هذا الحديث بيان كذب الخبر الذي افتراه بعض المتعصبين لبني أمية ففي كتاب "القضاء" لأبي علي الكرابيسي عن الشافعي عن عمه محمد بن علي قال: دخل ابن شهاب على الوليد بن عبد الملك فسأله عن حديث "إن الله إذا استرعى عبدًا الخلافةِ كتبَ له الحسناتِ، ولم يكتبْ له السيئاتِ" فقال له: هذا كذب، ثم تلا:{يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} إلى قوله: {بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} فقال له الوليد: إن الناس ليغروننا عن ديننا.
قال الزين بن المنير في هذه القصة -أي قصة رُزَيْق-: إيماء إلى أن الجمعة تنعقد بغير إذن