الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الأول
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ الأَعْرَجَ مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِى فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَانَا اللَّهُ، فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ، الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ.
قوله: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة" هذه الجملة قد تقدم الكلام عليها عندما ذكرت في باب (البول في الماء الدائم) من كتاب "الوضوء".
وقوله: "بيد أنهم" بموحدة ثم تحتانية ساكنة مثل غير وزنًا ومعنى، وبه جزم الخليل والكسائي، وروى ابن أبي حاتم عن الشافعي أن معنى "بيد" من أجل، واستبعده عياض ولا بعد فيه بل معناه أنا سبقنا بالفضل إذ هدينا للجمعة مع تأخرنا في الزمان بسبب أنهم ضلّوا عنها مع تقدمهم، ويشهد لذلك ما في "موطأ" سعيد بن عفير عن مالك بلفظ:"ذلك بأنهم أوتوا الكتاب". وقال الداودي هي بمعنى (على) أو (مع) قال القرطبي: إن كانت بمعنى (غير) فنصب على الاستثناء، وإن كانت بمعنى (مع) فنصب على الظرف. وقال الطيبي: هي للاستثناء وهو من باب تكيد المدح بما يشبه الذم والمعنى: نحن السابقون للفضل غير أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ووجه التأكيد فيه ما ادمج فيه من معنى النسخ؛ لأن الناسخ هو السابق في الفضل وإن كان متأخرًا في الوجود، وبهذا التقرير يظهر موقع قوله:"نحن الآخرون" مع كونه أمرًا واضحًا. ويقال (ميد) بالميم وهو ملازم للإضافة إلى أن وصلتها ولا يقع مرفوعًا ولا مجرورًا بل منصوبًا ولا يقع صفة ولا استثناء متصلًا، وإنما يستثنى به في الانقطاع خاصة ومنه الحديث.
وقوله: "أوتوا الكتاب من قبلنا" سقط في الأصل قوله وأوتيناه من بعدهم وهي ثابتة في رواية أبي زرعة الدمشقي عن أبي اليمان شيخ البخاري فيه. أخرجه الطبراني في "مسند الشاميين"، وكذلك مسلم عن ابن عُيينة وسيأتي تامًا عند المصنف بعد أبواب. من وجه آخر عن أبي هريرة، واللام في "الكتاب" للجنس والمراد التوراة والإنجيل، والضمير في أوتيناه للقرآن. وقال القرطبي المراد "بالكتاب" التوراة وفيه نظر لقوله:"وأوتيناه من بعدهم" فأعاد الضمير على الكتاب، فلو كان المراد
التوراة لما صح الإخبار؛ لأنا إنما أوتينا القرآن.
وقوله: "ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم" كذا للأكثر وللحموي الذي فرض الله عليهم، والمواد باليوم يوم الجمعة، والمواد بفرضه فرض تعظيمه وأشير إليه بهذا لكونه ذكر في أول الحديث كما عند مسلم من وجه آخر عن أبي هريرة وعن حذيفة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أضل اللهُ عن الجمعةِ مَنْ كانَ قبلَنا" الحديث. قال ابن بطال: ليس المراد أن يوم الجمعة فرض عليهم بعينه فتركوه؛ لأنه لا يجوز لأحد أن يترك ما فرض الله عليه وهو مؤمن، وإنما يدل -والله أعلم- على أنه فرض عليهم يوم من الجمعة وكل إلى اختيارهم ليقيموا فيه شريعتهم فاختلفوا في أي الأيام هو، ولم يهتدوا ليوم الجمعة. وقال عياض: بهذا ورشحه بأنه لو كان فرض عليهم بعينه لقيل: فخالفوا بدل فاختلفوا. وقال النووي: يحتمل أن يكونوا أُمروا به صريحًا فاختلفوا هل يلزم تعيينه أم يسوغ إبداله بيوم آخر؟ فاجتهدوا في ذلك فأخطؤا، ويشهد له ما رواه الطبراني بإسناد صحيح عن مجاهد في قوله تعالى:{إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ} . قال: أرادوا الجمعة فأخطؤا، وأخذوا السبت مكانه، ويحتمل أن يراد بالاختلاف اختلاف اليهود والنصارى في ذلك، وقد روى ابن أبي حاتم عن السدي التصريح بأنهم فرض عليهم يوم الجمعة بعينه فأبوا. ولفظه:"إنّ اللهَ فرض على اليهودِ الجمعَة فأَبوا، وقالوا يا موسى إنَّ اللهَ لم يخلقْ يومَ السبتِ شيئًا فاجعلْهُ لنا، فجعلَ عليهم"، وليس ذلك بعجيب من مخالفتهم كما وقع لهم في قوله تعالى:{وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} وغيروا ذلك، وكيف لا وهم القائلون:{سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} .
وقوله: "فهدانا الله له" بأن نص لنا عليه ولم يكلنا إلى اجتهادنا لاحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم علمه بالوحي وهو (بمكة) فلم يتمكن من إقامتها بها. وفيه حديث عن ابن عباس عند الدارقطني؛ ولذلك جمع بهم أول ما قدم (المدينة) كما ذكره ابن إسحاق وغيره؛ ولذا قال أبو حامد: فرضت (بمكة)، قال في "الفتح": وهو غريب. قلت: لا غرابة فيه، بل هو الظاهر من جهة المعنى؛ لأنها من الصلوات الخمس إما فرض يومها أو بدل من ظهره، والصلوات فرضت ليلة الإسراء ولم تمكن إقامتها (بمكة)؛ لأن الحكم فيها حينئذ لكفار والمسجد محجور لهم لا يمكن فيه الجماعة فشروطها غير حاصلة هناك، ويدل لهذا ما مرَّ من أنه صلى الله عليه وسلم عندما جاء (للمدينة) ورأى توفر شروطها صلّاها من غير نزول وحي طارىء وما ذلك إلا لعلمه بوجوبها قبل ذلك، ولا يقدح في ذلك كون آية إذا نودي للصلاة نزلت بالمدينة؛ لأن الآيات المقتضية لوجوب الصلاة تأخر نزولها عن ليلة الإسراء التي فرضت فيها الصلوات بالإجماع كقوله تعالى:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} ، وقوله تعالى:{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} . فقد قال المفسرون: إن هذه الآيات مدنية وهي دالة على وجوب الفرائض فكذلك آية الجمعة، فهذا القول هو الذي يجب المصير إليه فلم يكن في الفرائض فريضة مبنية على اجتهاد من الصحابة، ويحتمل أن يراد بقوله فهدانا الله إليه الهداية إليه بالاجتهاد، ويشهد لذلك ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح