الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المحتويات
الافتتاحية
فضل صوم رمضان وقيامه لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز 7
بحث اللجنة
حكم طواف الوداع اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 21
الفتاوى
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 77
من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز 109
البحوث
قطع النزاع في تحريم الرضاع (مخطوطة) تأليف عثمان بن أحمد بن قائد النجدي
تحقيق: د. الوليد بن عبد الرحمن بن محمد آل فريان 139
التوكل وأثره التربوي في الكتاب والسنة د. مسفر بن سعيد بن دماس الغامدي 163
القراءة الشاذة عند الأصوليين وأثرها في اختلاف الفقهاء د. علي بن سعد الضويحي 237
عقيدة الأمة في المهدي المنتظر للشيخ / يوسف بن عبد الرحمن البرقاوي 303
من قرارات هيئة كبار العلماء 359
من قرارات المجمع الفقهي الإسلامي 365
تعقيب على كلمة الشيخ / محمد ناصر الدين الألباني لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز 373
حكم صلاة الكسوف في أوقات النهي لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز 379
صفحة فارغة
الافتتاحية
فضل صوم رمضان وقيامه
لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه من المسلمين، وفقني الله وإياهم لاغتنام الخيرات، وجعلني وإياهم من المسارعين إلى الأعمال الصالحات، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فيا أيها المسلمون، إنكم في شهر عظيم مبارك ألا وهو شهر رمضان: شهر الصيام، والقيام، وتلاوة القرآن، شهر العتق والغفران، شهر الصدقات والإحسان، شهر تفتح فيه أبواب الجنات، وتضاعف فيه الحسنات، وتقال فيه العثرات، شهر تجاب فيه الدعوات وترفع الدرجات وتغفر فيه السيئات، شهر يجود الله فيه سبحانه على عباده بأنواع الكرامات ويجزل فيه لأوليائه العطيات، شهر جعل الله صيامه أحد أركان الإسلام، فصامه المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأمر الناس بصيامه، وأخبر عليه الصلاة والسلام أن من صامه إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قامه إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم، فعظموه رحمكم الله بالنية الصالحة والاجتهاد في حفظ صيامه وقيامه والمسابقة فيه إلى الخيرات، والمبادرة فيه إلى التوبة
النصوح من جميع الذنوب والسيئات، واجتهدوا في التناصح بينكم والتعاون على البر والتقوى، والتواصي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى كل خير لتفوزوا بالكرامة والأجر العظيم.
وفي الصيام فوائد كثيرة وحكم عظيمة، منها: تطهير النفس وتهذيبها وتزكيتها من الأخلاق السيئة والصفات الذميمة كالأشر والبطر والبخل، وتعويدها الأخلاق الكريمة كالصبر والحلم والجود والكرم ومجاهدة النفس فيما يرضي الله ويقرب لديه. ومن فوائد الصوم: أنه يعرف العبد نفسه وحاجته وضعفه وفقره لربه ويذكره بعظيم نعم الله عليه ويذكره أيضا بحاجة إخوانه الفقراء، فيوجب له ذلك شكرا لله سبحانه والاستعانة بنعمه على طاعته، ومواساة إخوانه الفقراء والإحسان إليهم، وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى هذه الفوائد في قوله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (1).
فأوضح سبحانه أنه كتب علينا الصيام لنتقيه سبحانه؛ فدل ذلك: على أن الصيام وسيلة للتقوى. والتقوى: هي توحيد الله سبحانه والإيمان به وبرسوله وبكل ما أخبر الله به ورسوله وطاعته ورسوله بفعل ما أمر وترك ما نهى عنه عن إخلاص لله عز وجل ومحبة ورغبة ورهبة، وبذلك يتقي العبد عذاب الله وغضبه.
فالصيام شعبة عظيمة من شعب التقوى وقربة إلى المولى عز وجل ووسيلة قوية إلى التقوى في بقية شؤون الدين والدنيا،
(1) سورة البقرة الآية 183
وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى بعض فوائد الصوم في قوله: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء (1)» متفق عليه.
فبين النبي عليه الصلاة والسلام: أن الصوم وجاء للصائم ووسيلة لطهارته وعفافه؛ وما ذاك إلا لإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، والصوم يضيق تلك المجاري، ويذكر بالله وعظمته، فيضعف سلطان الشيطان ويقوى سلطان الإيمان وتكثر بسببه الطاعات من المؤمنين وتقل به المعاصي، ومن فوائد الصوم أيضا أنه يطهر البدن من الأخلاط الرديئة ويكسبه صحة وقوة، اعترف بذلك الكثير من الأطباء وعالجوا به كثيرا من الأمراض.
وقد أخبر الله سبحانه في كتابه العزيز أنه كتب علينا الصيام كما كتبه على من قبلنا، وأوضح سبحانه أن المفروض علينا هو صيام شهر رمضان، وأخبر نبينا عليه الصلاة والسلام أن صيامه هو أحد أركان الإسلام الخمسة، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (2){أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} (3) إلى أن قال عز وجل: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (4)
(1) رواه البخاري في (كتاب النكاح) حديث رقم (4678)، ورواه مسلم في (كتاب النكاح) حديث رقم (2485)، واللفظ متفق عليه.
(2)
سورة البقرة الآية 183
(3)
سورة البقرة الآية 184
(4)
سورة البقرة الآية 185
وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت (1)» .
أيها المسلمون إن الصوم عمل صالح عظيم وثوابه جزيل ولا سيما صوم رمضان، فإنه الصوم الذي فرضه الله على عباده وجعله من أسباب الفوز لديه، وقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«يقول الله تعالى: كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك (2)» متفق عليه.
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين (3)»
(1) رواه البخاري في (كتاب الإيمان) حديث رقم (7)، ورواه مسلم في (كتاب الإيمان) حديث رقم (21)، ورواه الترمذي في (الإيمان) حديث رقم (2534) واللفظ له
(2)
رواه البخاري في (كتاب التوحيد) حديث رقم (6938)، ورواه مسلم في (كتاب الصيام) حديث رقم (1945).
(3)
رواه البخاري في (كتاب بدء الخلق) حديث رقم (3035) واللفظ له، ورواه مسلم في (كتاب الصيام) حديث رقم (1793).
وأخرج الترمذي وابن ماجه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة (1)»
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتاكم رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه ويباهي بكم ملائكته فأروا الله من أنفسكم خيرا فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله (2)»
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تبارك وتعالى فرض صيام رمضان عليكم، وسننت لكم قيامه، فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه (3)»
وليس في قيام رمضان حد محدود؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوقت لأمته في ذلك شيئا وإنما حثهم على قيام
(1) رواه الترمذي في (كتاب الصوم) برقم (618) واللفظ له، وابن ماجه في (كتاب الصوم) برقم (1632).
(2)
مجمع الزوائد للهيثمي (3/ 142) وقال: رواه الطبراني في (الكبير)، كنز العمال (8/ 23692).
(3)
رواه النسائي في (كتاب الصيام) برقم (2180).
رمضان ولم يحدد ذلك بركعات معدودة، «ولما سئل عليه الصلاة والسلام عن قيام الليل قال: " مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى (1)»
فدل ذلك على: التوسعة في هذا الأمر، فمن أحب أن يصلي عشرين ركعة ويوتر بثلاث فلا بأس، ومن أحب أن يصلي عشر ركعات ويوتر بثلاث فلا بأس، ومن أحب أن يصلي ثمان ركعات ويوتر بثلاث فلا بأس، ومن زاد على ذلك أو نقص عنه فلا حرج عليه، والأفضل: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله غالبة وهو أن يقوم بثمان ركعات يسلم من كل ركعتين ويوتر بثلاث مع الخشوع والطمأنينة وترتيل القراءة لما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعا فلا تسأله عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا (2)» . وفي الصحيحين عنها رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل عشر ركعات يسلم من كل اثنتين ويوتر بواحدة (3)» .
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في أحاديث أخرى أنه كان يتهجد في بعض الليالي بأقل من ذلك، وثبت عنه أيضا صلى الله
(1) رواه البخاري في (كتاب الجمعة) برقم (936)، ورواه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين) برقم (1239)، واللفظ متفق عليه.
(2)
صحيح البخاري الجمعة (1147)، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (738)، سنن الترمذي الصلاة (439)، سنن النسائي قيام الليل وتطوع النهار (1697)، سنن أبو داود الصلاة (1341)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 36)، موطأ مالك النداء للصلاة (265).
(3)
صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (736)، سنن النسائي الأذان (685)، سنن أبو داود الصلاة (1336)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1358)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 215)، موطأ مالك النداء للصلاة (264)، سنن الدارمي الصلاة (1473).
عليه وسلم أنه في بعض الليالي يصلي ثلاث عشرة ركعة يسلم من كل اثنتين.
فدلت هذه الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الأمر في صلاة الليل موسع فيه بحمد الله وليس فيها حد محدود لا يجوز غيره وهو من فضل الله ورحمته وتيسيره على عباده حتى يفعل كل مسلم ما يستطيع من ذلك، وهذا يعم رمضان وغيره وينبغي أن يعلم أن المشروع للمسلم في قيام رمضان وفي سائر الصلوات هو الإقبال على صلاته والخشوع فيها والطمأنينة في القيام والقعود والركوع والسجود وترتيل التلاوة وعدم العجلة لأن روح الصلاة هو الإقبال عليها بالقلب والقالب، والخشوع فيها وأداؤها كما شرع الله بإخلاص وصدق ورغبة ورهبة وحضور قلب.
كما قال الله سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (1){الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (2).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وجعلت قرة عيني في الصلاة (3)» وقال للذي أساء في صلاته: «إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعة، ثم ارفع حتى تستوي قائما،
(1) سورة المؤمنون الآية 1
(2)
سورة المؤمنون الآية 2
(3)
رواه الإمام أحمد في (كتاب باقي مسند المكثرين) برقم (13526)، ورواه النسائي في (كتاب عشرة النساء) برقم (3879).
ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها (1)».
وكثير من الناس يصلي في قيام رمضان صلاة لا يعقلها ولا يطمئن فيها بل ينقرها نقرا وذلك لا يجوز بل هو منكر لا تصح معه الصلاة، لأن الطمأنينة ركن في الصلاة لا بد منه كما دل عليه الحديث المذكور آنفا، فالواجب الحذر من ذلك، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«أسوأ الناس سرقة الذي يسرق صلاته. قالوا: يا رسول الله كيف يسرق صلاته؟، قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها (2)» وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر الذي نقر صلاته أن يعيدها.
فيا معشر المسلمين عظموا الصلاة وأدوها كما شرع الله واغتنموا هذا الشهر العظيم وعظموه رحمكم الله، بأنواع العبادات والقربات، وسارعوا فيه إلى الطاعات، فهو شهر عظيم جعله الله ميدانا لعباده، يتسابقون إليه بالطاعات، ويتنافسون فيه بأنواع الخيرات، فأكثروا فيه رحمكم الله من الصلاة والصدقات وقراءة القرآن الكريم بالتدبر، والتعقل، والتسبيح، والتحميد، والتهليل، والتكبير، والاستغفار، والإكثار من الصلاة والسلام على رسول
(1) رواه البخاري في (كتاب الاستئذان) برقم (5782) واللفظ له، ورواه مسلم في (كتاب الصلاة) برقم (602).
(2)
رواه الإمام أحمد في (كتاب باقي مسند المكثرين) برقم (11106)، ورواه الدارمي في (كتاب الصلاة) برقم (1294).
الله صلى الله عليه وسلم، والإحسان إلى الفقراء والمساكين والأيتام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله سبحانه بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان، فاقتدوا به رحمكم الله في مضاعفة الجود والإحسان في شهر رمضان، وأعينوا إخوانكم الفقراء على الصيام والقيام، واحتسبوا أجر ذلك عند الملك العلام، واحفظوا صيامكم عما حرمه الله عليكم من الأوزار والآثام، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه (1)» ، وقال عليه الصلاة والسلام:«الصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم (2)»
وجاء عنه صلى اله عليه وسلم أنه قال: «ليس الصيام عن الطعام والشراب وإنما الصيام من اللغو والرفث (3)» . وخرج ابن
(1) رواه البخاري في (كتاب الأدب) برقم (5597) واللفظ له، ورواه الترمذي في (الصوم) برقم (641)، وأبو داود في (الصوم) برقم (2015)، وابن ماجه في (الصيام) برقم (1679).
(2)
رواه البخاري في (الصوم) برقم (1771) واللفظ له، ورواه مسلم في (الصيام) برقم (1944).
(3)
خرجه البيهقي في (السنن الكبرى)(4/ 270)، وفي (كنز العمال) رقم (23864)، وانظر (موسوعة أطراف الحديث النبوي)(6/ 5832).
حبان في صحيحه عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان وعرف حدوده وتحفظ مما ينبغي له أن يتحفظ منه كفر ما كان قبله (1)»
وقال جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما: «إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء» .
ومن أهم الأمور التي يجب على المسلم العناية بها والمحافظة عليها في رمضان وفي غيره: الصلوات الخمس في أوقاتها، فإنها عمود الإسلام، وأعظم الفرائض بعد الشهادتين، وقد عظم الله شأنها وأكثر من ذكرها في كتابه العظيم، فقال تعالى:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (2)، وقال تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (3) والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (4)» رواه الإمام أحمد وأهل السنن
(1) رواه الإمام أحمد في (كتاب باقي مسند المكثرين) برقم (11098)، وابن حبان في صحيحه (8/ 3433) باب (فضل رمضان).
(2)
سورة البقرة الآية 238
(3)
سورة النور الآية 56
(4)
رواه الترمذي في (الإيمان) برقم (2545). ورواه النسائي في (الصلاة) برقم (459)، ورواه ابن ماجه في (كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها) رقم (1069).
الأربع بسند صحيح، وقال صلى الله عليه وسلم:«بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (1)» أخرجه مسلم في صحيحه، وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:«من حافظ على الصلاة كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف (2)» رواه الإمام أحمد بسند صحيح.
ومن أهم واجباتها في حق الرجال أداؤها في الجماعة كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر (3)» رواه الدارقطني وابن ماجه وابن حبان والحاكم بسند صحيح «وجاءه صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال: (يا رسول الله، إني رجل شاسع الدار عن المسجد وليس لي قائد يلائمني، فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " هل تسمح النداء بالصلاة؟ "، قال: نعم، قال: " فأجب (4)» أخرجه مسلم في صحيحه.
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (لقدر رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق)(5). فاتقوا الله عباد الله في
(1) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (14762)، ومسلم في (الإيمان) برقم (82) واللفظ له.
(2)
رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) برقم (6288)، والدارمي في (كتاب الرقائق) برقم (2605).
(3)
سنن أبو داود الصلاة (551)، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (793).
(4)
سنن النسائي الإمامة (851)، سنن أبو داود الصلاة (552)، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (792).
(5)
رواه مسلم في (كتاب المساجد ومواضع الصلاة) برقم (1046).
صلاتكم وحافظوا عليها" في الجماعة وتواصوا بذلك في رمضان وغيره تفوزوا بالمغفرة ومضاعفة الأجر وتسلموا من غضب الله وعقابه ومشابهة أعدائه من المنافقين.
وأهم الأمور بعد الصلاة الزكاة: فهي الركن الثالث من أركان الإسلام، وهي قرينة الصلاة في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعظموها كما عظمها الله وسارعوا إلى إخراجها وقت وجوبها وصرفها إلى مستحقيها عن إخلاص لله عز وجل وطيب نفس وشكر للمنعم سبحانه واعلموا أنها زكاة وطهرة لكم ولأموالكم وشكر للذي أنعم عليكم بالمال، ومواساة لإخوانكم الفقراء كما قال الله عز وجل:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (1) وقال سبحانه: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} (2).
«وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه لليمن: "إنك تأتي قوما أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك
(1) سورة التوبة الآية 103
(2)
سورة سبأ الآية 13
لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب (1)» متفق على صحته.
وينبغي للمسلم في هذا الشهر الكريم التوسع في النفقة والعناية بالفقراء والمتعففين، وإعانتهم على الصيام والقيام تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وطلبة لمرضاة الله سبحانه، وشكرا لإنعامه، وقد وعد الله سبحانه عباده المنفقين بالأجر العظيم والخلف الجزيل، فقال سبحانه:{وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} (2)، وقال تعالى:{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (3).
واحذروا رحمكم الله كل ما يجرح الصوم وينقص الأجر ويغضب الرب عز وجل من سائر المعاصي، كالربا والزنا والسرقة، وقتل النفس بغير حق وأكل أموال اليتامى، وأنواع الظلم في النفس والمال والعرض، والغش في المعاملات والخيانة للأمانات وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم، والشحناء والتهاجر في غير حق الله سبحانه، وشرب المسكرات وأنواع المخدرات، كالقات والدخان، والغيبة والنميمة والكذب وشهادة الزور، والدعاوى الباطلة والأيمان الكاذبة، وحلق اللحى وتقصيرها وإطالة الشوارب، والتكبر وإسبال الملابس واستماع الأغاني
(1) رواه البخاري في (الزكاة) برقم (1401)، ورواه مسلم في (الإيمان) برقم (27)، ورواه أبو داود في (كتاب الزكاة) برقم (1351) واللفظ له.
(2)
سورة المزمل الآية 20
(3)
سورة سبأ الآية 39
وآلات الملاهي،. وتبرج النساء وعدم تسترهن من الرجال، والتشبه بنساء الكفرة في لبس الثياب القصيرة وغير ذلك مما نهى الله عنه ورسوله.
وهذه المعاصي التي ذكرنا محرمة في كل زمان ومكان ولكنها في رمضان أشد تحريما وأعظم إثما لفضل الزمان وحرمته.
فاتقوا الله أيها المسلمون واحذروا ما نهاكم الله عنه ورسوله واستقيموا على طاعته في رمضان وغيره، وتواصوا بذلك وتعاونوا عليه، وتآمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر لتفوزوا بالكرامة والسعادة والعزة والنجاة في الدنيا والآخرة. والله المسئول أن يعيذنا وإياكم وسائر المسلمين من أسباب غضبه وأن يتقبل منا جميعا صيامنا وقيامنا وأن يصلح ولاة أمر المسلمين وأن ينصر بهم دينه ويخذل بهم أعداءه، وأن يوفق الجميع للفقه في الدين والثبات عليه والحكم به والتحاكم إليه في كل شيء، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حكم طواف الوداع
بحث من إعداد اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فبناء على المحضر رقم (11) من محاضر دورة مجلس هيئة كبار العلماء الثالثة عشرة المنعقدة بمدينة الطائف فيما بين 14/ 10 إلى 21/ 10 / 1398 هـ المتضمن اقتراح إعداد بحث في (حكم طواف الوداع) للخارج من مكة سواء كان حاجا أو معتمرا أو غيرهما، وهل يفرق بين من كان سفره مسافة قصر ومن كان دون ذلك. .؟ وهل يفرق بين من أراد الرجوع لأداء طواف الوداع وبين غيره. . .؟
أعدت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بحثا في ذلك شمل ما يلي:
أولا: طواف الوداع نسك مستقل أو من مناسك الحج.
ثانيا: الخلاف في حكمه مع الأدلة وما يترتب على ذلك.
ثالثا: هل يطلب من كل من نفر عن البيت بعد النسك أو ممن ينفر خارج الحرم أو خارج المواقيت أو خارج مسافة القصر؟
رابعا: متى يطالب بالرجوع من ترك الوداع وهل يرجع محرما أم لا؟