الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا ومن أهم ثمرات التوكل الرضا ولأهمية هذه الثمرة سوف نفردها ببحث مستقل.
الفصل السابع
الرضا ثمرة التوكل
الرضا ثمرة التوكل بل فسر بعض العلماء التوكل بأنه الرضا ولا شك أن الرضا أجل ثمرات التوكل، وأعظم فوائده، فإنه إذا توكل حق التوكل رضي بما يفعله وكيله.
والرضا له تعريفات عديدة تختلف في عبارتها وتتحد في معناها ومنها:
1 -
ارتفاع الجزع في أي حكم كان.
2 -
استقبال الأحكام بالفرح.
3 -
سكون القلب تحت مجاري الأحكام.
والرضا بإلهية الله يتضمن عبادته والإخلاص له.
أما الرضا بربوبيته فإنه يتضمن الرضا بتدبيره لعبده، ويتضمن إفراده بالتوكل عليه والاستعانة به، والثقة به والاعتماد عليه، وأن يكون راضيا بكل ما يفعله به.
والرضا بنبيه رسولا يتضمن كمال الانقياد له.
أما الرضا بدينه فإنه يتضمن الرضا بحكمه وامتثال أمره والانتهاء عن نهيه رضا كاملا.
والرضا بالله ربا فرض ومن لم يرض بربه لم يصح له إسلام ولا عمل ولا حال.
وقال ابن تيمية: (المقدور يكتنفه أمران: التوكل قبله، والرضا بعده، فمن توكل على الله قبل الفعل، ورضي بالمقضي له بعد الفعل فقد قام بالعبودية، وقال بشر الحافي: يقول أحدهم توكلت على الله، يكذب على الله، لو توكل على الله لرضي بما يفعله الله به)(1).
وقد وردت نصوص شرعية عديدة في الرضا ومنها:
قوله تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} (2){ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} (3){فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} (4){وَادْخُلِي جَنَّتِي} (5).
وقال صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستخارة: «اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تعلم ولا أعلم وتقدر ولا أقدر، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال: عاجل أمري وآجله - فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني
(1) تهذيب مدارج السالكين ص (363 - 381).
(2)
سورة الفجر الآية 27
(3)
سورة الفجر الآية 28
(4)
سورة الفجر الآية 29
(5)
سورة الفجر الآية 30
ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال: عاجل أمري وآجله - فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به (1)».
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا (2)» . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس (3)» .
وللرضا ثمرات عديدة تعود على الراضي.
ثمرات الرضا:
الرضا يوجب للراضي الطمأنينة، وبرد القلب، وسكونه، وقراره، وينزل على العبد المتوكل السكينة التي لا أنفع له منها.
كما أنه يفرغ قلبه ويقلل همه وغمه، فيتفرغ لعبادة ربه بقلب خفيف من أثقال الدنيا وهمومها وغمومها.
(1) صحيح البخاري (3/ 48) كتاب (التهجد) رقم (1162)، والترمذي في (جامعه) كتاب (الوتر)(18)، وابن ماجه في (السنن) كتاب (إقامة الصلاة)(188).
(2)
أخرجه البخاري في (الصحيح) كتاب (الاعتصام)، ومسلم في (الصحيح)(1/ 62) رقم (34).
(3)
رواه الترمذي في (الجامع)(4/ 610) رقم (3414) من حديث عائشة، (صحيح الجامع) رقم (5973).
ومن ثمرات الرضا: الفرح والسرور بالرب تبارك وتعالى:
قال ابن القيم: (إن قول النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستخارة: «اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم (1)» توكل وتفويض.
أما قوله: «فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علام الغيوب (2)» . فإنه تبرؤ إلى الله من العلم والحول والقوة، وتوسل بصفاته سبحانه والتي هي أحب ما توسل إليه بها المتوسلون.
وأما سؤال العبد ربه أن يقضي له ذلك الأمر إن كان فيه مصلحته عاجلا أو آجلا، وأن يصرفه عنه إن كان فيه مضرته عاجلا أو آجلا، فهذا هو حاجته التي سألها، فلم يبق عليه إلا الرضا بما يقضيه له فقال:«واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به (3)» .
فقد اشتمل هذا الدعاء على هذه المعارف الإلهية والحقائق الإيمانية التي من جملتها التوكل، والتفويض، قبل وقوع المقدور والرضا بعده وهو ثمرة التوكل، والتفويض علامة صحته، فإن لم يرض بما قضي له، فتفويضه معلول فاسد.
وهذا معنى قول بشر الحافي المتقدم: يقول أحدهم: توكلت على الله، يكذب على الله، لو توكل على الله لرضي بما يفعله الله به.
(1) صحيح البخاري الجمعة (1166)، سنن الترمذي الصلاة (480)، سنن النسائي النكاح (3253)، سنن أبو داود الصلاة (1538)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1383)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 344).
(2)
صحيح البخاري الجمعة (1166)، سنن الترمذي الصلاة (480)، سنن النسائي النكاح (3253)، سنن أبو داود الصلاة (1538)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1383)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 344).
(3)
صحيح البخاري الدعوات (6382)، سنن الترمذي الصلاة (480)، سنن النسائي النكاح (3253)، سنن أبو داود الصلاة (1538)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1383)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 344).
وقول يحيى بن معاذ، وقد سئل متى يكون الرجل متوكلا؟ فقال: إذا رضي بالله وكيلا) (1).
وفي الختام أسأل الله أن يجعلنا من المتوكلين عليه حق التوكل ومن عباده المخلصين المقبولين، ومن أوليائه المقربين إنه سميع مجيب قريب، والحمد لله أولا وآخرا، والصلاة والسلام على رسوله وحبيبه وخيرته من خلقه أفضل المتوكلين وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه. . آمين.
(1) تهذيب مدارج السالكين ص (363 - 381).
صفحة فارغة
القراءة الشاذة عند الأصوليين
وأثرها في اختلاف الفقهاء
للدكتور: علي بن سعد الضويحي
المقدمة:
الحمد لله الذي أنزل كتابه بالحق، فجعله نبراسا ومنهاجا، والصلاة والسلام على نبيه المبعوث رحمة للعالمين وسراجا، وعلى آله وأصحابه وأتباعه الذين اشتغلوا بالعلم فجعلوه لتحقيق رضوان ربهم تعالى سلما ومعراجا.
أما بعد:
فإن من أعظم ما صرفت فيه الأوقات، وأكرم ما جندت له الطاقات، ما يخدم البحوث المتعلقة بكتاب الله الكريم وسنة رسوله الأمين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم؛ لأنهما مصدرا التشريع، وإليهما المرجع في الأحكام الشرعية أصولا وفروعا.
ومن هذه البحوث (القراءة الشاذة) التي خرجت عما يثبت به القرآن الكريم وهو " التواتر ". ولخروجها عن كونها قرآنا
لعدم ثبوتها بطريق التواتر اختلف علماء أصول الفقه الأجلاء في الاحتجاج بها في إثبات الأحكام الشرعية.
وبذلك تكون (القراءة الشاذة) دليلا من أدلة أصول الفقه المختلف في الاحتجاج بها عند الأصوليين من جهة قبولهم لها أو عدولهم عنها.
ولأهمية هذا الموضوع الأصولي الذي هو بأمس الحاجة إلى إيضاح وتجلية، فقد استعنت الله تبارك وتعالى على الكتابة فيه، رغم قلة العلم وضعف العزيمة، فإن كانت كتابتي فيه صوابا، فذلك فضل الله تعالى وتوفيقه، وله سبحانه الشكر على التسديد. وإن كانت خطأ، فذلك تسويل نفسي والشيطان، وله تعالى الحمد على كل حال.
أسباب اختيار الموضوع:
والذي دفعني لاختيار هذا الموضوع الأسباب التالية:
1 -
تعلقه بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم اللذين هما أجل العلوم وأشرفها.
2 -
بناء بعض الفروع الفقهية على الخلاف في ثبوت حجيته.
3 -
مساعدة طلاب العلم وبخاصة المهتمين بدراسة علم أصول الفقه على الإحاطة ولو بقدر يسير بهذا الموضوع توفيرا للوقت والجهد.