الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
" التذكرة في الخلاف ": القراءة الشاذة إنما تلحق بخبر الواحد إذا قرأها قارئها على أنها قرآن، فإن ذكرها على أنها تفسير فلا، كقراءة ابن عمر:" فإن خفتم فرجالا أو ركبانا مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها "، وقراءة أبي بن كعب:" فعدة من أيام أخر متتابعات ") (1). ومنهم من اشترط أن يضيفها القارئ إلى القرآن، أو إلى السماع من النبي صلى الله عليه وسلم، فإن لم يفعل ذلك فإنها لا تنزل منزلة الخبر في الاحتجاج.
وممن ذهب إلى ذلك " الماوردي " رحمه الله تعالى كما نقل ذلك عنه الزركشي حيث قال: (وقال الماوردي في موضع آخر: إن أضافها القارئ إلى التنزيل أو إلى سماع من النبي صلى الله عليه وسلم أجريت مجرى خبر الواحد، وإلا فهي جارية مجرى التأويل)(2).
(1) البحر المحيط (1/ 477).
(2)
البحر المحيط (1/ 478).
المطلب الرابع: شروط العمل عند الحنابلة:
الحنابلة رحمهم الله تعالى يشترطون للعمل بالقراءة الشاذة صحة إسنادها كما كان الإمام أحمد رحمه الله تعالى والأئمة من قبله يشترطون ذلك، وهذا ما صرح به الفتوحي رحمه الله تعالى حيث قال ما مؤداه: (وما صح مما لم يتواتر حجة عند أحمد
وأبي حنيفة والشافعي) (1). فإذا صح إسناد القراءة الشاذة بنقل العدل لها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت حجة في العمل عندهم سواء صرح بكونها قرآنا أو لم يصرح، وهذا ما ترجمه الموفق ابن قدامة رحمه الله تعالى حين قال في مسألة " اشتراط التتابع في صيام كفارة اليمين ":(ولنا: أن في قراءة أبي وعبد الله بن مسعود: " فصيام ثلاثة أيام متتابعات " كذلك ذكره الإمام أحمد في " التفسير " عن جماعة، وهذا إن كان قرآنا، فهو حجة؛ لأنه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وإن لم يكن قرآنا فهو رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، إذ يحتمل أن يكونا (2) سمعاه من النبي صلى الله عليه وسلم تفسيرا فظناه قرآنا، فثبت له رتبة الخبر، ولا ينقص عن درجة تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للآية، وعلى كلا التقديرين فهو حجة، يجب المصير إليه) (3).
وقال في مسألة: " قطع يد السارق اليمنى ": (لا خلاف بين أهل العلم في أن السارق أول ما يقطع منه يده اليمنى من مفصل الكف وهو الكوع، وفي قراءة ابن مسعود: " فاقطعوا أيمانهما " وهذا إن كان قراءة وإلا فهو تفسير)(4).
(1) شرح الكوكب المنير (2/ 138).
(2)
أي: أبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما.
(3)
المغني (13/ 529).
(4)
المغني (12/ 440).
وبعد أن تبينت لنا شرائط العلم بالقراءة الشاذة، وتنزيلها منزلة خبر الواحد عند القائلين بالاحتجاج بها، فإن الجامع لهذه الشرائط كلها: أن القراءة الشاذة لا تنزل منزلة خبر الواحد في الاحتجاج إلا إذا توافر فيها ثلاثة أركان:
الركن الأول: صحة الإسناد.
الركن الثاني: موافقة الوجه الإعرابي.
الركن الثالث: موافقة المعنى العربي.
وهذا ما صرح به الشوكاني رحمه الله تعالى حيث قال:
(والحاصل أن ما اشتمل عليه المصحف الشريف واتفق عليه القراء المشهورون فهو قرآن، وما اختلفوا فيه فإن احتمل رسم المصحف قراءة كل واحد من المختلفين مع مطابقتها للوجه الإعرابي والمعنى العربي فهي قرآن كلها. وإن احتمل بعضها دون بعض، فإن صح إسناد ما لم يحتمله وكانت موافقة للوجه الإعرابي والمعنى العربي فهي الشاذة ولها حكم أخبار الآحاد في الدلالة على مدلولها، وسواء كانت من القراءات السبع أو من غيرها.
وأما ما لم يصح إسناده مما لم يحتمله الرسم فليس بقرآن ولا منزل منزلة أخبار الآحاد.
أما انتفاء كونه قرآنا فظاهر، وأما انتفاء تنزيله منزلة أخبار الآحاد فلعدم صحة إسناده وإن وافق المعنى العربي والوجه الإعرابي، فلا اعتبار بمجرد الموافقة مع عدم صحة الإسناد) (1).
(1) إرشاد الفحول ص (30، 31).