الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ظاهر بين درعين يوم أحد، ولم يحضر الصف قط عريانا كما يفعله من لا علم عنده ولا معرفة، واستأجر دليلا مشركا على دين قومه يدله على طريق الهجرة وقد هدى الله به العالمين وعصمه من الناس أجمعين، وكان يدخر لأهله قوت سنة وهو سيد المتوكلين، وكان إذا سافر في جهاد أو حج أو عمرة، حمل الزاد والمزاد، وجميع أصحابه، وهم أولوا التوكل حقا وأكمل المتوكلين. . .).
وقال ابن القيم: (. . . فمنع الأسباب أن تكون أسبابا، قدح في العقل والشرع، وإثباتها والوقوف معها وقطع النظر عن مسببها قدح في التوحيد، والتوكل والقيام بها وتنزيلها منازلها والنظر إلى مسببها وتعلق القيام به جمع بين الأمر والتوحيد، وبين الشرع والقدر، وهو الكمال والله أعلم)(1).
(1) طريق الهجرتين ص (332)، ط. دار الكتاب العربي بيروت.
المبحث الثالث: توحيد القلب:
قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (1){الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (2){أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (3).
(1) سورة الأنفال الآية 2
(2)
سورة الأنفال الآية 3
(3)
سورة الأنفال الآية 4
وقال تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (1).
وقال تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} (2){رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} (3). قال ابن القيم: (. . . وحقيقة التوكل: القيام بالأسباب والاعتماد بالقلب على المسبب، والاعتقاد أنها بيده، فإن شاء منعها اقتضاءها، وإن شاء جعلها مقتضية لضد أحكامها، وإن شاء أقام لها موانع وصوارف تعارض اقتضاءها وتدفعه.
فالموحد المتوكل: لا يلتفت إلى الأسباب، بمعنى أنه لا يطمئن إليها، ولا يرجوها، ولا يخافها، فلا يركن إليها، ولا يلتفت إليها، بمعنى أنه لا يسقطها ولا يهملها ويلغيها؛ بل يكون قائما بها، ملتفتا إليها ناظرا إلى مسببها - سبحانه - ومجريها.
فلا يصح التوكل - شرعا وعقلا - إلا عليه سبحانه وحده، فإنه ليس في الوجود سبب تام موجب إلا مشيئته وحده، فهو الذي سبب الأسباب، وجعل فيها القوى والاقتضاء لآثارها، ولم يجعل منها سببا يقتضي وحده أثره؛ بل لا بد معه من سبب آخر يشاركه، ويجعل لها أسبابا تضادها وتمانعها، بخلاف مشيئته سبحانه، فإنها لا تحتاج إلى أمر آخر، ولا في الأسباب الحادثة ما يبطلها، ويضادها، وإن كان الله سبحانه قد يبطل حكم مشيئته
(1) سورة التغابن الآية 13
(2)
سورة المزمل الآية 8
(3)
سورة المزمل الآية 9
بمشيئة، فيشاء الأمر ثم يشاء ما يضاده ويمنع حصوله، والجميع بمشيئته واختياره.
فلا يصح التوكل إلا عليه، ولا الالتجاء إلا إليه، ولا الخوف إلا منه، ولا الرجاء إلا له، ولا الطمع إلا في رحمته، كما قال أعرف الخلق به صلى الله عليه وسلم:«أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك (1)» وقال: «لا منجى ولا ملجأ منك إلا إليك (2)» (3).
نعم لا يصح التوكل حتى يصح التوحيد، ولا يصح التوحيد إلا إذا صح توحيد الطلب والقصد، وأنه معنى لا إله إلا الله.
فإنه لا يكون إلها مستحقا للعبادة إلا من كان خالقا رازقا مالكا متصرفا مديرا لجميع الأمور حيا قيوما سميعا بصيرا، عليما حكيما موصوفا بكل كمال، منزها عن كل نقص، غنيا عما سواه مفتقرا إليه كل ما عداه، فاعلا مختارا، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، ولا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا يخفى عليه خافية، وهذه صفات الله عز وجل، ولا تنبغي إلا له، ولا يشركه فيها غيره.
فكذلك لا يستحق العبادة إلا هو، ولا تجوز لغيره، فحيث كان منفردا بالخلق والإنشاء والبدء والإعادة لا يشركه في ذلك أحد، وجب إفراده بالعبادة دون من سواه لا يشرك معه في عبادته
(1) صحيح مسلم الصلاة (486)، سنن الترمذي الدعوات (3493)، سنن النسائي التطبيق (1130)، سنن أبو داود الصلاة (879)، سنن ابن ماجه الدعاء (3841)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 58)، موطأ مالك النداء للصلاة (497).
(2)
صحيح البخاري الوضوء (247)، صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2710)، سنن الترمذي الدعوات (3394)، سنن أبو داود الأدب (5046)، سنن ابن ماجه الدعاء (3876)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 296)، سنن الدارمي الاستئذان (2683).
(3)
مدارج السالكين (2/ 499)، ط. دار الكتاب العربي، بيروت.